18 ديسمبر، 2024 8:47 م

التغيير بين مرحلة التيه والنضج الثوري

التغيير بين مرحلة التيه والنضج الثوري

يطرح البروفيسور عبد علي سفيح في احدث تنظيراته الراقية والعميقة عن الحالة العراقية ، رؤية واقعية وهي ان الثورات الحقيقية تغير وجه التأريخ والسياسة .
وهذه الخلاصة أكد عليها بعد ان اورد امثلة استدل بها على التحولات التي احدثتها الثورات الفرنسية والجزائرية والايرانية والتي غيرت مفهوم المجتمع للسياسة والتأريخ .
كما ويشير الدكتور عبد علي سفيح إلى ان انقطاع او جمود العلاقة بين الأمة والسلطة واستمرار رفض السلطة الحاكمة التنازل قليلا عن غطرستها وديكتاتوريتها ( ديكتاتورية فردية او كيانات سياسية ) ،من شأنه ان يدفع ثلة من الشباب الى اتباع نهج العنف الثوري لاحداث التغيير .
الذي اراه وفي قراءة لهذه الحقبة المعاصرة هو ان الشباب والنخب المثقفة في العراق وفي العالم العربي ، تعيش في مرحلة التيه بعد اخفاقات النظريات الفكرية الاشتراكية والقومية واخرها انكشاف عجز الحركة الاسلامية او ما يصطلح عليه بالاسلام السياسي ، عجزه عن إقامة نظام حكم مستقر وعادل ويمنح الامة نافذة التطلع بايجابية نحو المستقبل .
وما يسمى بثورات الربيع العربي . كشفت لنا ان جيل الشباب الذي تقدم هذه الثورات ،لايملك فكرا تغييريا ولم توفر له النخب والاحزاب والجماعات السياسية اطارا فكريا لقيادة التغيير الحقيقي .لانه وببساطه ، ان هذه الاحزاب العتيدة هي عاجزة اصلا عن انتاج الاطار التغييري.
ولذلك ،لاحظنا كيف انحسر وبسهولة دور الشباب والنخب في بلدان (الربيع ) الى حد انها باتت متهمة بتوريط الشعوب حينما دبرت لها طريقة الهروب من سجن الديكتاتور ولما وجدت الامة نفسها حرة وخارج السجن ،لم تجد القيادة ولم يكن هناك اصلا برنامج يكمل عملية الهروب نحو الحرية .
وحالة التيه خارج السجن صعبة للغاية وتاتي بنتائج عكسية كارثية .
وتحت تاثير هذا الشعور اضطر المصريون للعودة الى السجن .وان التونسيين يتشاورون الامر ، فيما الليبيون واليمنيون تشتتوا وبلا هدف.
وفي العراق، الحالة اكثر تعقيدا ، اذ مر نحو 19 عاما والأمة العراقية في منتصف الطريق مابين السجن الذي جرى تهريبها منه ومابين النظرية السياسية التي يفترض انها تعيد تاهيل الامة وتعمل على التغيير الشامل .
وخلال التظاهرات التي بلغت ذروتها في عام 2019 والتي سميت بانتفاضة تشرين. كان واضحا ( تيه ) الشباب الذين رفعوا شعارات عمومية لا يتوفر لها غطاء حركي ولا نظرية ناضجة تنتج ايدلوجية سياسية تحدث التغيير في وعي الامة .
وتجربة ( تشرين) هي امتداد لسلسلة انتفاضات واحداث عنفية جرت طيلة 100 عام على قاعدة التجربة والخطا أملا في ايجاد اطار ورؤية الحكم المنشودة .
وفي خضم المحنة العراقية .ورغم فشل التجارب السياسية والفكرية ، لا تظهر مؤشرات بتبلور نظرية حركية تتفاعل معها الامة ويتصدى لرفع رايتها نخبة الشباب الثوري .
واثبتت التجارب ايضا انه وبدون هذه النظرية فان اي تحرك ثوري في الشارع سيكون مجرد انفعالات٫ اثارتها شعارات فورية ولحظوية ليس إلا ، وبالتي من السهل قمعها والفتك بها من قبل السلطة المنظمة والمؤدلجة على قاعدة الامساك بكرسي ٫الحكم كما حدث مؤخرا في احداث الخضراء.
اما علاقة الامة مع التاريخ فهي علاقة شائكة ومن الصعب ان يغادر العراقي التاريخ مالم تتاسس نظرية تساعده في عبور ( نفق القدسية ) الذي يربط العراقي بتاريخه .هذا مع ان العراقي يدرك تماما بان التاريخ صار وبالا على العراق والامة العراقية .
ونتيجة غياب الوعي وقمع وتغييب الحركة والفكر الوطني ، غاب ايضا استلهام العبر والخلاصات من التجارب السياسية خلال 45 عاما الماضية على الاقل .
اذ خلال هذه الفترة تفككت الامة وخسرت جزءا كبيرا من هويتها الوطنية تحت تأثير بطش الديكتاتور ونزعاته القومية .
وتاليا خسرت الامة ماتبقى من هويتها لصالح الاسلامية الشمولية العابرة للحدود . وبالتالي اصبحت الامة بلا هوية .. الهوية اللتي تشكل القاعدة لاية نظرية حركية للتغيير من اجل اقامة الدولة الوطنية .
ومع غياب الادوات والقيادات التي تنتج النظرية وتستعيد الهوية ،وكذلك مع استمرار انزواء المتنورين ٫ و نجاح السلطة في تحييد الطبقة الوسطى . فلن يحدث التغيير ٫ لأن نقص الهوية وغياب النظرية هو ما راهنت عليه جميع الانظمة والى اليوم .