خاص: إعداد- سماح عادل
“د.محمد البدوي” باحث وأكاديمي تونسي صدر له الكثير من الكتب التي تنوّعت بين النقد والتراجم. كما عمل أستاذاً للّغة العربية وآدابها، إلى جانب عمله في “إذاعة المنستير”، حيث قدّم عدداً من البرامج الأدبية طيلة ثلاثين عاماً.
الأدب التونسي..
في مقالة بعنوان (محمد البدوي والانتصار للأدب الـتونسي) كتب “عامر بوعزّة”: “تحت عنوان «سرديات تونسية» أصدر الدكتور محمد البدوي كتابه الجديد عن دار ابن عربي للنشر التي يديرها بنفسه، وأصدر بواسطتها عددا من العناوين الأدبية متنوعة الأغراض باللغتين العربية والفرنسية لكتاّب تونسيين من مختلف الأجيال. ويأتي هذا الكتاب ليضيف لمسيرة الكاتب حلقة أخرى من حلقات الاهتمام بالأدب التونسي وبالنقد عموما، وهو التخصّص الذي ارتآه لنفسه في الساحة الثقافية كاتبا ومنتجا إذاعيا وناقدا يقدّم إصدارات الشبان ومدرّسا جامعيا ثم ناشرا، دون أن نغفل الفترة التي ترأس فيها اتحاد الكتاب التونسيين من 2011 إلى 2014”.
ويضيف: “ويندرج هذا المؤلّف في سياق الدراسات النقدية، وهي قليلة مقارنة بأجناس أخرى في الكتابة وإذ يقتحم الدكتور محمد البدوي هذا الطريق فإنّما ليوثق بعضا من مسيرة قطعها على مدة سنوات في الكتابة عن الأدب التونسي، فمحتويات هذا المؤلَف هي محاضرات ودراسات كتبها صاحبها في مناسبات مختلفة والقاسم المشترك بينها هو ترصّد الظاهرة السردية التونسية وتتبع خصائصها وبيان مميزاتها. ينقسم المتن النقدي في هذا المؤلف إلى قسمين: قسم يهتم بالقصة القصيرة وقسم يهتم بالرواية”.
ويواصل: “لكنّنا إذا نظرنا إلى الكتاب في علاقته بتجربة محمد البدوي الثقافية منذ بداية السبعينات وحضوره الفاعل المستمر في النوادي الأدبية والملاحق الثقافية والبرامج الإذاعية والمقاهي نعتبره بمثابة التفاتة الحنين التي تتجمع فيها عصارة تجربته، فوظيفة الناقد التي اضطلع بها جعلته وهو يقيّم الراهن الثقافي يعبر عن موقف اكتئابي يمتعض من الحاضر، حيث أكّد في أحدث حوار صحفي أدلى به لجريدة الصباح أنّ وسائل الإعلام كان يمكن أن تقوم بدور رائد في جعل الثقافة تسهم في تكوين الرأي العام، لكن لم يعد ثمة مجال غير الفايسبوك حيث يختلط الحابل بالنابل. وفي هذا السياق يأتي إصدار الدكتور محمد البدوي هذا العمل وإشرافه على إصدار أعمال إبداعية ونقدية أخرى في دار ابن عربي بمثابة فعل المقاومة والسباحة ضدّ التيار”.
أدب الطفل في تونس..
في حوار معه ل «الشروق» أجراه “نور الدين بالطيب” يقول “د.محمد البدوي” عن أدب الطفل في تونس كأطروحة رسالة الدكتوراة الخاصة ب: ” يعود اختيار «أدب الأطفال في تونس» موضوعا لرسالة الدكتوراه إلى رغبتي في البحث عن سبل بكر لم تسلكها الأقدام ولا الأقلام، واستكشاف مجالات لم يسبق إليها البحث الأكاديمي، فتجنبت المواضيع التقليدية، وكنت في شهادة الكفاءة في البحث قد درست شاعرا ليبيا غير معروف في تونس هو الشاعر علي الفزاني، ورغم عديد المشاكل التي يطرحها أدب الأطفال سواء ما تعلّق منها بالمدونة أو بالمنهج إضافة إلى غياب دراسات أكاديمية في المجال فقد كان حرصي على دخول المغامرة وفتح طريق أمام غيري من الباحثين كبيرا ويسعدني أني وفّرت الآن أرضية مناسبة لمن يريد أن يساهم في البحث في أدب الأطفال في تونس والعالم العربي، لما لهذا النمط من الكتابة من دور في تنشئة أبنائنا، وأرجو أن يتكوّن مركز لدراسة أدب الطفل يكون راعيا لهذا النمط من الكتابة ويوفر متابعة نقدية دائمة”.
واحة المبدعين..
وعن برنامجه «واحة المبدعين» يقول: “عشرون سنة مرّت على أول حصة من «واحة المبدعين» في إذاعة المنستير، وهي امتداد طبيعي لما كان يقوم به الشاعر الخالد مصطفى خريف في «هواة الأدب» وتواصل مع آخرين من بينهم أستاذنا منجي الشملي بالإذاعة الوطنية والشاعر الهادي نعمان بإذاعة المنستير.
وميزة واحة الإبداع أنها تذهب إلى الأدباء الشبان في مواقعهم في المبيتات الجامعية ونوادي الاختصاص والملتقيات الأدبية وتكتشف المواهب وتفتح المصدح لهم لقراءة نصوصهم الجيدة والتعبير عن طموحاتهم. وسعينا إلى نقد هذه النصوص ودعونا إلى تطوير التجارب وتعميقها. ويسعدني أن عددا كبيرا ممّن هم الآن بارزين في الساحة الأدبية مرّوا بواحة المبدعين واحتفلت بهم وبنصوصهم ووثقوا فيها، ووصل إشعاع الواحة الى طرابلس ووصلتنا رسائل عديدة من عدد كثير من المبدعين أذكر منهم شاعر الشباب الراحل علي صدقي عبد القادر. كما وصلتنا رسائل عديدة من شرقي الجزائر مما يدل على إشعاع الواحة وقدرتها على استقطاب عديد الأسماء ونشر الإبداع الشبابي التونسي في الآفاق.
وقد توقفت واحة المبدعين في سنوات سابقة بقرار جائر من المدير السابق للإذاعة، ولا بدّ من تجديد الشكر والتقدير للإدارة الحالية لإذاعة المنستير على إيمانها بالعمل الثقافي وثقتها وسعيها الى إعادة ماء الحياة الى واحة المبدعين التي تستقطب الآن عديد الأسماء الشابة في سنة نحتفل فيها بالشباب ونريده أن يبقى احتفالا دائما لأن حياة الدول تقوم أساسا على شبانها، رجال المستقبل القريب. وأرجو أن تسعى الواحة في قادم الأيام الى العمل على نشر أبرز أعمال المبدعين الشبان من خلال العمل على تحقيق مكتبة صوتية تحفظ نصوصنا من النسيان، لأنها جزء من الذاكرة الوطنية”.
المشهد الأدبي..
وعن المشهد الأدبي في تونس يقول: “المشهد الأدبي في تونس ثري جدا من حيث الكمية، فعدد المنشورات كثير سواء ما تبنّته دور النشر أو ما كان على الحساب الخاص. ولا بدّ من التنويه بما تقتنيه وزارة الثقافة لأنه يساعد على تواتر عملية النشر، ونرجو أن يتضاعف عدد الاقتناءات من خلال مضاعفة ما تخصّصه الوزارة لاقتناء الكتب، ولا ننسى أننا مقبلون على سنة وطنية للكتاب نرجو أن تساهم في خلق تقاليد إيجابية تبقى دائمة ولا تنتهي بانتهاء السنة.
غير أن هذا ا لعدد الكبير من المنشورات لا يرتقي كلّه إلى ما يمكن أن ننعته بالإبداع، فقصيدة النثر مثلا كلمة حقّ وكثيرا ما أراد بها بعضهم باطلا، لأن الكثير مما يتمّ نشره في هذا الباب لا يرتقي إلى مستوى الشعر، وساهم تطور تقنية النشر وانتشار الحاسوب في العائلات وفي المؤسسات الثقافية، في توهّم البعض القدرة على الكتابة والانتماء إلى الكتاب بمجرد رقن النصّ بالحاسوب وإخراجه في شكل كتاب وطبعه.
ولا يمكن أن ننسى دور النقد فما هو موجود حاليا غالبا ما ينتمي إلى النقد الثقافي السيّار، والجامعة غالبا ما تهتم بالتجارب الرصينة التي أثبتت جدارتها وضمور المساحات المناسبة لتقديم أعمال نقدية متعمّقة، واهتمام الأدباء الشبان وخرّيجي الجامعات بكتابة الشعر والقصّة أكثر من كتابة النقد، كلّ هذا ساهم في اختلاط الحابل بالنابل في الساحة الأدبية، وأخشى أن تتكرّس الرداءة بما قد يصاحبها من ضجيج إعلامي وتصبح مرجعا”.
وعن أين تقف التجربة التونسية في الرواية والقصة والشعر يقول: “إن الإجابة على مثل هذا السؤال تتطلب دراية كبرى ومعرفة بما يُنشر في البلدان العربية الأخرى. وليس غريبا أن تكون أعمال جيدة في عدد كبير من البلدا ن من غير أن تكون معروفة بالقدر الكامل، لأن الجانب الإعلامي غير كاف للتعريف بها. ودور النشر غالبا ما نجدها مقصّرة في التعريف بمنشوراتها، وظاهر النشر على الحساب الخاص غالبا ما تكون محرومة من الدعم الإعلامي إلا من كانت له علاقات مميزة مع الفضاءات الإعلامية. وحين ننظر في كمية السحب ندرك أن حدود الكتاب التونسي تقلّصت لتصبح حدودا جهوية لا وطنية فكيف تريدها أن ترتقي الى المستوى القومي وقد وصل بالبعض الى الاكتفاء بطبع 500 نسخة من مجموعة شعرية أو رواية وفي أقصى الحالات يصل السحب إلى ألف نسخة تأخذ منها الوزارة أكبر نسبة وتذهب البقية في الإهداء وبعض المبيعات الهزيلة لعدد من المؤسسات في الجهة.
إن الإبداع التونسي في الجملة محمود ونريده أن يسافر ويتجاوز الحدود ونحن نكتشف هذا في المناسبات الثقافية العربية بالمقارنة مع نظراء أدبائنا، غير أن المواكبة الإعلامية لحركة النشر المزدهرة ليست على نحو ما نريد. وكثيرا ما نجد مبدعينا على درجة كبيرة مع التواضع، وتتحكّم فيهم ظروف العمل اليومي بعيدا عن الأضواء والإعلام. وقد يقف طموحهم في فعل الكتابة والنشر لأن إمكانيات الانتشار والسفر لا تتوفّر إلاّ للقليل من رجال الأدب. وأملي أن يقع تفعيل ما توصّلت إليه الاستشارة الوطنية للمطالعة لتكون السنة القادمة سنة وطنية تتحقق فيها مصالحة التونسي مع الكتاب وبصفة خاصة مع الكتاب التونسي. كأن يقع تقنين الجوائز المدرسية مثلا وجعلها تقوم على الكتاب التونسي بنسبة لا تقلّ عن 50 في المائة. إضافة الى كثير من الاقتراحات التي أفرزتها الاستشارة.
إننا بقدر ما نعتزّ بإبداعنا، لا بدّ أن نكون صرحاء مع أنفسنا، فما يتمّ صرفه في ملاعب الكرة أضعاف ما يصرف على اقتناء الكتب، وما يتمّ دفعه لإنجاز شريط سينمائي واحد يفوق عديد المرات المنحة السنوية لاتحاد الكتاب. إن المال قوام الأعمال، ولا بدّ أن تقوم المؤسسات الاقتصادية والبنكية بدور رائد في تنمية العمل الثقافي، وأملي أن يصبح بإمكان الكاتب التونسي أن يعيش من قلمه حياة كريمة، ليتفرّغ للإبداع، ويترك العمل الوظيفي لمن تقف طموحاتهم عند هذا الحدّ”.
الإبداع الأدبي..
وفي حوار آخر مع صحيفة “الزمان” أجرته “زهرة زيراوي” يقول “د. محمد البدوي” عن الإبداع الأدبي: “الإبداع الأدبي محتاج إلى أن يكون شاهدا على المرحلة وهو طبيعي، لكنّه في نفس الوقت محتاج إلى أن يختلف عن الكتابة الصحفية والتوثيقية. إن الإبداع يخاطب العصر بلا شكّ ولكنّه يخاطب مع ذلك كل العصور.وكلّ القراء في مختلف الحضارات لأنّه إبداع وابتكار إنساني يحمل بصمات عربية إضافة إلى بصمات صاحبه. ولهذا يحتاج الأديب مثلما يحتاج الفنان إلى أن يجعل عمله منفتحا على قراءات عديدة وتأويلات كثيرة تثريه على الدوام. فالقرآن معجز بتعدّد القراءات والتفاسير قديما وحديثا وبتفرده في نظمه.
إن الراهن مطلوب من الإبداع حتّى يعيش العصر على إيقاع ما يبدعه أبناؤه دون استيراد من عصور سابقة إلا على سبيل الإثراء ولكن النصّ المبدع حقا هو الذي يكون مختلفا ويخاطب في نفس اللحظة الراهن والآتي. وكم هي عديد تلك القصائد التي تغنت بالثورات وبالنضالات ضد الاستعمار وكان لها من النجاح في أيامها ما كان ثمّ سرعان ما خبا وهيجها وخفت شعاعها وصارت قيمتها ثقافية مرتبطة باللحظة التي ظهرت فيها. أمّا النصوص الوفية لذاتها وللعمق الإنساني فتبقى خالدة. ولا شكّ أن قصائد الشابي ومحمود درويش وروايات نجيب محفوظ ستتحدّى الزمان والمكان لتحقق لنفسها الاستمرار والخلود.
إننا أمام رائعتين لأبي تمام السيف أصدق أنباء من الكتب القصيدة التي سجلت فتح المعتصم لعمورية ، وقصيدة نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ، إنهما حدي المعادل الرياضي النص التاريخ، ونص النوازع البشرية على الأرض. أيضا نحن أمام لوحة الجيرنيكا لبيكاسو التي تؤرخ للحرب”.
وعن كون النص الأدبي تأريخا للمرحلة يقول: “مفهوم التسجيل غائم. فهل هو العمل على جعل الكتابة تسجيلية توثيقية تكون شاهدة على المرحلة؟ أم التسجيل هو العمل على نشر الإنتاج ليكون شهادة بدوره. برأيي يحتاج الأديب اليوم إلى أن يمتلك أدواته ويكون عارفا بمسالك الإبداع وصنوف الكتابة. فلا معنى للكتابة التي تكون وحيا وللقول الذي يجعل النصّ يكتب صاحبه ويصبح الأديب مفعولا به. إن العالم العربي اليوم يعيش فوضى غريبة وتداخلا بين مختلف الحقول والمجالات. ففي لحظة تتحوّل الملايين إلى فنّانين يقوّمون غيرهم ويعطون آراءهم، مثلما تتحوّل الملايين في لحظة إلى خبراء في الرياضة وفي كرة القدم بصفة خاصة ويحملون على هذا المدرب أو ذاك ويصبحون خبراء في التكتيك وما شابهه. ومن خلال برنامج تلفزي واحد تتحوّل الملايين إلى محلّلين في السياسة والاقتصاد، كما قد يصبح ملايين المتفرجين فقهاء يقهمون في أصول الدين وفروعه وفي التفسير والتأويل. فباسم الحرية والديمقراطية يتحوّل كل من يحبّر كلاما إلى صحافيّ أو أديب. وتصبح العصامية كلمة حق كثيرا ما يُراد بها باطل.
إنّي أرى التسجيل سبيلا إلى تطوير أساليب الكتابة. فالعصر غزته الصورة ونحن في حاجة إلى تطوير أساليب الإبلاغ وجعل الكتابة الأدبية تستفيد من التطور التقني ومن الوسائط المتعدّدة. فتصبح القصيدة مادة للإخراج للاستفادة من فتنة الإنشاد وإثراء النصّ بالصورة والوثيقة والمسرحة إضافة إلى تقنيات السينما، فيصبح فعل الإبلاغ يتجاوز ما كان معمولا به منذ قرون عديدة. ونفس الشيء يمكن تطبيقه على القصة القصيرة والرواية إضافة إلى النصّ التاريخي والتوثيقي. وبهذه الطريقة نجد نوفر للإبداع فرصة الانتشار الواسع خصوصا من خلال الشبكات الاجتماعية التي تتناقل البدائع والطرائف وما أحوجنا إلى معرفة بدائع عصرنا”.