اليوم تحديدا اشتقت كثيرا لخطب السبعينات والثمانينات والتسعينات وخطبائها الأفاضل والأكارم أمثال”الشيخ محمود غريب المصري ،الشيخ فؤاد ،محمد فاضل السامرائي ،محمد عياش الكبيسي ،عبد الوهاب الاعظمي ،سامي الجنابي ،عبد الجليل الفهداوي”وغيرهم كثير وكثير ليس بالامكان عدهم ، ولا حصرهم في هذه العجالة، منهم من توفاه الله تعالى ،ومنهم من اعتزل الخطابة ،ومنهم من سافر أو هاجر، ومنهم من تم عزله عن الخطابة ، أما عن أسباب اشتياقي لهم ولخطبهم فبإمكاني تلخيصها بالآتي :
-لقد كانوا يلاحقون الحادثات والمستجدات اولا بأول بما يجعل المستمعين والمصلين مشدودين ومنتبهين – من دون أن يتثاءب بعضهم ، ويغفوا آخرون ، لأن الخطبة التي يسمعونها تؤكد لهم بالملموس بأن الخطيب ( ابن واقعه وبيئته وغير منفصل عن مجتمعه ولا عن بلده ولا عن محيطه المحلي والإقليمي والاسلامي بتاتا ) ،وأقول بالعامية “لقد كان واحدهم – جل احترامي للجميع – لايخوط بصف اللكن ..او بقرب الاستكان، كما يحدث مع بعضهم اليوم ، ولا ولن أعمم مطلقا”على قول العوام .
– لأن دقة البلاغة وقوة الحجة وروعة البيان وفصاحة اللسان وسعة الافق ، اضافة الى الثقافة الموسوعية وغزارة العلم الشرعي، والالتزام فضلا على إتقان ضوابط الخطابة وقواعد النحو والصرف والتلاوة والتجويد وكلها على أعلى مستوى تدفع المرء للحنين والاشتياق .
– لأن الاستشهاد بالآيات القرآنية الكريمة ، والأحاديث النبوية الشريفة ، كان في مكانه وفي محله متماهيا ومتناسقا ومتسقا مع موضوع الخطبة ومضمونها ومع الرسالة التي يراد إيصالها للسامعين والمصلين .
– لأن الخطبة كانت تداعب مشاعر وأحاسيس المستمعين ( وأعني بهم من يستمعون الى الخطبة من مكبرات الصوت ) كذلك المصلين ، وتدعوهم لحب بعضهم بعضا،ولمساعدة بعضهم بعضا ،ولإغاثة بعضهم بعضا ،واحترام بعضهم بعضا، والحنو وإفشاء السلام والرحمة بعضهم ببعض .
– لأن الخطب كانت لاتقنط العاصي ولا تتركه هملا من دون أن تفسح له المجال واسعا للمراجعة ، والرجوع ،وتشجعه على التوبة والانابة .
– لأنها كانت لا تترك المُقَصِر من دون أن تحثه على مزيد من الهمة والارادة والعودة الميمونة الى العزيمة الجميلة،والنية المخلصة،والطاعة الصادقة .
– لأنها كانت وفي كل خطبة تقدم جملة من النصائح والمواعظ والارشادات التي تشحن الهمم وتشغل الوقت بما هو نافع لأسبوع أو شهر مقبل ،إن لم يكن اكثر .
– لأنها كانت لاتترك موضوعا يهم المصلين والمستمعين في دينهم ودنياهم ، في أولاهم وأخراهم من دون أن تتطرق اليه وفق جدول سنوي سمعته من أحدهم يوما بعد أن كبر سنه وضعفت قوته، يوم قال وبعد سنين طويلة من الخطابة ” لم أترك لكم موضوعا يهمكم ، أو ينفعكم في أمور دينكم ودنياكم الا وتحدثت لكم فيه ..وبإمكاني اليوم أن أغادر هذه الحياة الزائلة مرتاح القلب والضمير” .
نصيحة اخوية للجميع ، على الخطباء ” أن يضعوا تحت وساداتهم اجندة مرقمة مكتوب فيها عناوين خطبهم السنوية وتواريخها …لماذا ؟
ليكتشف الخطيب بنفسه وبعد مرور 100 خطبة على سبيل المثال لا الحصر ، مكامن القصور في المواضيع التي تناولها في مجمل خطبه ،وحجم المواضيع التي كررها سنويا ، مقابل المواضيع المهمة جدا التي أغفلها أو ذهل عنها ربما عمدا وربما سهوا ..سنويا .
وأجزم أنه وبعد المراجعة سيكتشف بأنه وبعد 100 – 200 – 300 خطبة او أكثر بما فيها خطبة عيد الفطر والاضحى ، على سبيل المثال ، لم يتطرق يوما للحديث عن خطورة منع الزكاة …ولا التساهل بالطلاق …ولا اكل الميراث …ولاالزنا …ولا الربا …لم يتطرق لخطر الرشوة ..ولا لسرقة المال العام ، ولا لكارثة معاقرة الخمور وتعاطي المخدرات ..ولا للغش الصناعي والمدرسي فضلا عن الغش في الميزان والتطفيف في المكيال …ولا للشرك بالله تعالى ..ولا للحلف به كذبا ، مقابل الحلف بخلقه صدقا وكذبا …ولا لليمين الغموس ..ولا لـ (( فقه القضاة والاطباء والمعلمين والموظفين والعمال والمزارعين والتجار )) …ولا السحر ..ولا التنجيم والكهانة …ولا للانتحار ..ولا للأمية و طرق مكافحتها …ولا للالحاد والوجودية واللادينية واللاادرية …ولا لشهادة الزور إضافة إلى التزوير ( تزوير عملات..شهادات ..هويات .. جوازات ..انساب واحساب ، بما فيها تزوير النسب النبوي الى العترة الطاهرة ) …ولا للبطالة ، ولا للجوع والفقر والفاقة …ولا صوم التطوع (الاثنين والخميس ..الايام البيض انموذجا ) ..و لا لقيام الليل والتهجد ..ولا لإماطة الاذى عن طريق الناس ، ولا لبر الوالدين ..وصلة الارحام ..ولا علاقات الجيرة الحسنة …ولا لرعاية المسنين وكفالة الايتام والسعي على الارامل وذوي الاحتياجات الخاصة وأمثالهم ..ولا لإيواء المشردين …ولا لخدمة النازحين …ولا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..ولا لطلب العلم الشرعي ، ولا لقضايا الامة المصيرية برمتها ..ولا لمؤامرات أعدائها ضدها .
وليكتشف بعض الخطباء بأنفسهم – جزاهم الله كل خير -وبعد المراجعة المتأنية على مكث تؤدة بأن جل خطبهم انما كانت تدور”حول المناسبات والشعائر والطقوس السنوية فقط لاغير ” مناسبة بداية العام الهجري الجديد ..العاشر من المحرم ..مناسبة المولد النبوي الشريف …بمناسبة حلول شهر رمضان ..زكاة الفطر (عينا أم مالا) ..بمناسبة حلول عيدي الفطر والاضحى ..مناسبة الحج ..وأحكام الاضحية …فضل قيام الخامس عشر من شعبان …حرمة الاحتفال برأس السنة الميلادية …مناسبة الامتحانات ..والدورات الصيفية القرآنية ..” .
صدقني بأنك ستكتشف ذلك يقينا وبنفسك ، والاجندة المكتوبة والمرقمة التي بين يديك ستخبرك بذلك حتما في حال تدوينها …ولا أعمم اطلاقا !
ستكتشف بأنك قد خطبت اكثر من 50 مرة طيلة أعوام من الخطابة عن زكاة الفطر”عينا او نقدا ” الا انك لم تخطب يوما عن “ركن الزكاة “وهو من أركان الإسلام ، وفريضة يعاقب تاركها ومنكرها وجاحدها ايما عقاب في الدنيا والاخرة ، ستكتشف أنك لم تتحدث عن أحكام ” زكاة النقود +زكاة العروض التجارية + زكاة الزروع والثمار + زكاة الذهب والفضة + زكاة الأنعام + زكاة الكنز والركاز ” ولاتقل لي فليبحث كل منهم عن أحكامها في المراجع والمصادر وبطون الكتب بنفسه ..لأن هذا التبرير غير المستساغ ولا المقنع بالمرة ، يصدق على ” زكاة الفطر أيضا ” .
ستكتشف بأنك قد خطبت 30 مرة على الاقل وفي خطب متفرقة عن ” قيام وصيام الخامس عشر من شعبان ” إلا أنك لم تخطب يوما ” في أحكام النذور والأيمان والكفارات التي يجهلها معظم سكان المنطقة / المناطق ، ومصلي جامعك أو الجوامع التي توليت إمامتها وخطبتها “.
** كذا ألف يتيم في محيط منطقتك عانوا وبكوا وجاعوا و استصرخوا الضمائر الحية بعد ان رحل اباؤهم ، وكبروا ، وبعضهم انحرفوا، من دون ان تخطب يوما عن كفالة اليتيم ورعايته ،والسؤال هو …لماذا؟
** كذا مائة ارملة ومطلقة وعانس في حدود منطقتك عانت ما عانت لوحدها ، وبعضهن ضعفنَّ وسلمنَّ انفسهنَّ ، او تسولنَّ ، او عملنَّ بما لايتناسب مع آدميتهن وكرامتهن وانوثتهن ، من دون ان تحث او تخطب يوما عن أهمية وبركة وفضيلة السعي على الارامل والمطلقات والعوانس وبذل المعروف لهن …..لماذا؟
** كذا ألف مسن ومسنة في حدود منطقتك مرضوا وعانوا وماتوا بعيدا عن ذويهم وأهليهم من دون ان تخطب عن اهمية رعاية والعناية بذوي الشيبة من كبار السن …لماذا ؟
** كذا الف شاب ألحد ، او انحرف ، او ضاع ، او سرق ، او زنا ، او ادمن الخمور والمخدرات ، من دون أن تخطب يوما “عن خطر الخمور وآفة المخدرات و الإلحاد والانحراف ..لماذا ؟”
**كذا مائة معاق ، ومتوحد ، وضحية متلازمة داون ، وضرير ، واصم وابكم ، و معتوه ، او مجنون ،في حدود منطقتك ولاسيما المناطق الشعبية المكتظة يسخر منهم الساخرون يوميا ، ويرمي عليهم بالاحجار الفاسقون على مرأى ومسمع من الجميع ، ويضربهم العاهرون الفاجرون على رؤوس الأشهاد ” من دون أن تخطب عن فضيلة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة واهمية تقديم يد العون لهم وعلاجهم واحترامهم وتوقيرهم الرفق بهم ….لماذا ؟” .
** كذا الف عاطل وكادح وفقير ومسكين وذوي دخل محدود متعفف في حدود منطقتك التي تخطب فيها عانوا الامرين من الجوع والبؤس والفاقة والايجارات والديون المتراكمة التي أثقلت كواهلهم ، وأسهرت ليلهم ، وأقضت مضاجعهم ، من دون أن تخطب يوما عن فضيلة التكافل المجتمعي ، والانفاق في أوجه الخير المختلفة ، وتفقد المتعففين ، ورعايتهم ، ومسح دموعهم ، والتربيت على أكتافهم ، وإنظار المعسرين ، وإسقاط الدين عن المدينين ، والتخفيف من غلواء الايجارات عن المستأجرين ، وأسعار الكهرباء من المولدات الاهلية عن المعسرين ، ومساعدتهم ماديا ومعنويا ….لماذا ؟
والقائمة طويلة ومريرة ومؤلمة ، أحببت أن أنقلها الى خطبائنا الافاضل في هذه العاجلة ، حبا واحتراما وتقديرا للتذكير بها فإن الذكرى تنفع المؤمنين والله من وراء القصد .اودعناكم اغاتي.