في الخامس والعشرين من تشرين الثاني عام 2004 ، وفي الوقت الذي كانت مدينة الفلوجة تنتزع الحياة انتزاعاً في حرب الهوية والوجود ، كان الفنان وعازف العود العراقي المبدع نصير شمّه يقدم عرضا موسيقيا ملحمياً في العاصمة التونسية بمعزوفة اسماها ” الفلوجة ” ابكى فيها الجمهور الذي ربما يسمع باسم الفلوجة لأول مرّة.
وما أن بدأ شمة في عزف مقطوعته الموسيقية حتى امتزج التصفيق الحار بالبكاء وامتلأت المقطوعة بـ” الدموع والدم والحياة والموت والمقاومة والاستبسال وصرخات الأطفال الجرحى والفزعين وأنين الشيوخ ونحيب النساء وزغاريدهن أيضا” حسب ما وصفتها به صحيفة الشروق التونسية.
ولأن الفلوجة هي الارض الطيبة البيضاء الخصبة والغافية على نهر الفرات ـ فقد كانت دائماً كطائر العنقاء تنهض من تحت الرماد لتحلق في سماوات التشبث بالحياة واعادة انتاجها بجماليات ومعماريات فكرية وثقافية واجتماعية جديدة ، لاتحتاج الا الى القليل من التأمل وفسحة من الزمن المستقر حتى تعيد مجدها منذ ان كان اسمها ” بالوكت” في العصرين البابلي والآشوري .
شباب بعمر الورود ينظّمون شارعا للثقافة بصنوفها الابداعية المختلفة ،لإعادة روح الوعي عند جمهورها الذي اريد له ان يغيّب تحت سطوة الخطابات التضليلية السياسية والدينية المتطرفة في دروب المتاهات ، وايغالا في قصدية الوعي لدى هؤلاء الشباب ، فان هذا الشارع سيكون وجها من وجوه المدينة عند مدخلها الغربي تكتحل عيون الناس به اسبوعياً ، واظن ان هؤلاء الشباب الرائعين سيجعلون الشارع الثقافي يومياً محاكاة لشارع المتنبي في بغداد.
العلاقة بين الثقافة والوعي علاقة تحضّر وجمال وارتقاء بالانسان الى فضاءات الروح الانسانية وتعزيزاً لقدرة الثقافة على اعادة تكوين الانسان ، بل وانقاذه من انفاق الافكاار الظلامية ،عبر تشكيلات الوعي الممتزج مع الحراك الاجتماعي، الثقافة التنويرية في سعيها الى تأويل العالم فإنها تغييره ، بنظرة اكثر اشراقا وفهماً وتفاؤلاً واعادة تقييم للثقافات الجامدة الماضوية السائدة .
في تقرير للجزيرة عن شارع الثقافة الفلوجي يقول الشاعر الفلوجي أحمد زكروط “هنا ستصدح كلماتنا وأبياتنا الشعرية، هنا سنلتقي بأبناء مدينتنا نتغنى بحب الوطن، ونبث رسائل المحبة والسلام من ضفاف الفرات إلى كل العراق”.
يكره معظم ساستنا الكرام الثقافة ، لأنها بكل بساطة تنتج وعياً يعرّي خطاباتهم السياسية وهي تضلل الجماهير وتقودهم الى المتاهات ، فيعمد هذا الجمهور لمحاولات التخلص والتملص من مستنقع تلك الخطابات، فيواجهها بالمهرجانات الادبية والفنية والموسيقية والشعرية وبشوارع الثقافة كالمتنبي والفلوجي في الطريق الى صناعة وعي يغير خارطة الخيارات الجماهيرية مستقبلاً !
.