17 نوفمبر، 2024 6:29 م
Search
Close this search box.

ذاكرة بصراوية/ مقبرة الكتب

ذاكرة بصراوية/ مقبرة الكتب

اعتقد ان اضعف حكومة، هي تلك التي تضطرك الى دفن كتبك. ان ذلك يعني انها تخاف من الكلمة. وتخاف من الحبر على الورق. وهذا قد حصل فعلا، في السبعينات والثمانينات والتسعينات، وكما يحصل الان، فنجد اوامر القاء القبض ضد الاعلاميين والمثقفين الذين ينتقدون هذه السلطة الحاكمة، العميلة، التي تقبل احذية الاجنبي لتبقى في الحكم. لكنها تتنمر على الشعب وتتعالى وتتكبر.
وفي الجانب الاخر، يتعالى صوت الشجعان، ليطالبوا بحق الشعب، ولاعلاء ثقافة العدالة الاجتماعية، فهي الهدف الاعلى لوجودنا. وبطل هذه القصة، مواطن مسالم، كان يخاف من كل شيء، حتى بدأ بالعمل ضد الظلم والاستبداد، فصار يخاف منه ازلام الديكتاتور. ذلك الشاب سالم المسالم والحذر بسبب وضعه التربوي والنفسي. دخل معترك التحدي، سابقا قبل 2003.
وحاليا، هو في الاعتصام في المنطقة الخضراء مع اخوانه الثوار. وقصته باختصار كما يلي:
🔘 عام 1991 اضطر الاستاذ هاشم ان يدفن كتبه في حديقة البيت خوفا من التفتيش الذي حصل بعد انهاء الانتفاضة الشعبية. كانت مجموعة كتب ممنوعة، ثورية وتطالب بالعدالة الاجتماعية.
🔘 عام 1993 بدا الفتور والضعف في حزب السلطة، وزادت ظروف الفقر وانقطاع الكهرباء. بسبب الحصار. ولم تكن حينها فضائيات او انترنيت, ولم يكن متاحا الا اذاعات الراديو. لذلك رجعت الجلسات والنقاشات الفكرية في الازقة والساحات. وبدا المجتمع يقرا. وانتعش سوق الكتب ونسخها. وتم تبادل الكتب بين الاصدقاء. لكن نقص النسخ مشكلة يعاني منها الشباب.
🔘 ليلة الجمعة، عام 1997 اضطر الاستاذ هاشم ان يحفر مقبرة الكتب، واخرج الجثامين الورقية، وكاننومكفنة باكياس النايلون. تصفحها ليطمئن على سلامتها. كانت جيدة نسبيا، ولم تتضرر. فكان ليلا شهيا بالقراءة. واستعان في هذه المهمة بجاره القريب سالم وهو احد تلاميذه سابقا. كان الشاب يرتجف خوفا. فوضع الاستاذ هاشم يده على كتفه وقال له:
اذا خفت من شيء… فقع فيه… فان شدة الخوف والترفب اسوأ..
انا تعمدت ان تشاركني ،،، لازرع الشجاعة في قلبك.
🔘 فعلا، اقتنع سالم بذلك، وقرر ان يقترح على استاذه مشروع استنساخ الكتب وتوزيعها، لانه كان يؤمن بضرورة العمل ضد الديكتاتور وحزبه المتخلف. ولاجل الخوض في تجربة تحدي، تخلصه من شدة الخوف، يرفع بها منسوب الشجاعة في قلبه.
لم تمض ايام قليل، حتى اصبح سالم يدير شبكة عنكبوتية ثقافية، لاستنساخ الكتب الممنوعة وتوزيعها. كان سالم يشحن الكتب من البصرة الى المحافظات الاخرى. وخاصة الى سوق المكتبات في السرداب، في كربلاء، مقابل المرقد. حيث تعرف على ابوزهراء، صاحب مكتبة، شاب وطني وناشط.
وصل صدى نشاطه الى مديرية الامن المرعبة في البصرة، وكانت تقع مقابل اعدادية الكفاح في العشار. فتم القاء القبض عليه.
🔘 في 1998، وبعد شهر من الاعتقال، عانى الاستاذ من تانيب الضمير، لانه شعر بانه ورط سالم في هذا النشاط الخطير. وقد يبقى متالما طيلة حياته اذا حصل لسالم مكروه. لذلك سعى بجد لحل المشكلة. وفعلا، قد استطاع الاستاذ هاشم ان يصل الى ضباط الامن، وبدفع 3 مليون دينار لمحو اساس القضية واثارها. وتم الافراج عن سالم.
▪️خرج سالم سالما، وقال لاستاذه مبتسما:
اشكر لك المساعدة، لم ارتجف عند الاعتقال. ولم يراودني الخوف. كنت اتعامل مع السجان بتعالي… وشعرت ان رجال الامن بخافون مني… او يحسدونني… وبعضهم يحبونني
▪️لقد اقترب مني معاون مدير الامن وقال لي هامسا: انا اخوك ابراهيم الجبوري كنت ضابط استخبارات، ونقلوني هنا.. انت رجال وبطل وانا احترمك، واذا تحتاج شيء تعال لي.. انا متهم بمساعدة السجناء…وضحك.
▪️ثم اقترب مني ضابط اخر وقال لي:
نحن كنا نراقبك منذ اشهر… انصحك ان تعمل بسرية اكبر..
▪️ثم اخذ سالم نفسا عميقا وقال للاستاذ:
في السجن تعلمت اشياء كثيرة عن استخدام طريقة جهاز الريزو بدلا من جهاز الاستنساخ، وذلك سوف يوفر الكتب بسعر انسب للقراء. اذا ما عندك التزام اليوم، امر لك بالليل نتفاهم على توسيع العمل.

أحدث المقالات