أوروبا تحترق بنار أسعار الوقود .. أزمة في أعداد سفن نقل الغاز تزيد الطين بلة !

أوروبا تحترق بنار أسعار الوقود .. أزمة في أعداد سفن نقل الغاز تزيد الطين بلة !

وكالات – كتابات :

تسببت أزمة “الغاز الروسي”، التي تُمثل كابوسًا لـ”أوروبا” قبل الشتاء المقبل، في معركة عالمية هدفها سفن نقل الغاز المُسّال تحديدًا، وتضاعفت أسعار الإيجار اليومي 03 مرات خلال بضعة أشهر، فإلى أين تتجه الأزمة ؟

وقبل حتى أن يبدأ الهجوم الروسي على “أوكرانيا”؛ أواخر شباط/فبراير الماضي، كانت “أوروبا” تسعى إلى إيجاد بدائل لـ”الغاز الروسي”، وكانت قضية “الغاز الروسي”؛ الذي يصل إلى “أوروبا” عبر خط أنابيب ينقل الغاز إلى “ألمانيا” وباقي دول القارة، تُمثل نقطة خلاف كبرى بين “الاتحاد الأوروبي” و”الولايات المتحدة”، وتصاعدت حدة الخلاف مع مشروع (نورد ستريم-2)، الذي أعلنت “ألمانيا” تعليقه مع بدء الهجوم الروسي.

كانت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية؛ قد نشرت تقريرًا عنوانه: “أوروبا تخشى أن يكون الأوان قد فات للتخلص من إدمانها للغاز الروسي”، رصد كيف أن الهجوم على “أوكرانيا” قد تسبب في عرقلة جهود “أوروبا” البطيئة لفطام نفسها عن “الغاز الطبيعي الروسي”.

البحث عن بدائل للغاز الروسي..

لكن بعد مرور: 06 أشهر من الحرب في “أوكرانيا” وفرض الغرب أقصى عقوبات ممكنة ضد “موسكو”، أصبح البحث عن بدائل للغاز الطبيعي الروسي أمرًا حتميًا بالنسبة للقارة العجوز، التي يبدو أنها تتجه نحو أكثر شتاء بارد وعاصف في تاريخها الحديث، ما لم تؤمن الحد الأدنى من احتياجاتها من الغاز قبل أن يُلملم الصيف أوراقه ويرحل.

لكن يبدو أن العثور على مُصّدرين للغاز إلى “أوروبا” ليست المشكلة الوحيدة، على الرغم من محدودية إنتاج الغاز عالميًا بشكلٍ عام، ووجود كبار منتجيه: كـ”قطر والولايات المتحدة”، بعيدين عن القارة العجوز، إذ تسببت أزمة الطاقة الأوروبية في اندلاع معركة عالمية من أجل خدمات ناقلات الغاز الطبيعي، ما أدى إلى نقصٍ في السفن، وزاد الارتفاع القياسي لأسعار الوقود، بحسب تقرير لصحيفة (وول سترين جورنال) الأميركية.

فقد كثّفت الدول الأوروبية مشترياتها من الغاز الطبيعي المُسّال القادم من “الولايات المتحدة”، و”قطر”، وغيرها من الدول المُصّدرة خلال العام الجاري. وجاءت هذه الخطوة بالتزامن مع قطع “روسيا” لإمداداتها إلى القارة العجوز.

وتتنافس الدول الأوروبية مع نظرائها في “آسيا”؛ على كمية محدودة من الإمدادات التي تنقلها أعداد محدودة من السفن، وخاصةً “كوريا الجنوبية واليابان”؛ اللتين شهدتا ارتفاعًا في الطلب على الغاز إبان موجة الحرارة.

وزاد هذا التدافع من أعداد طلبات شراء الناقلات الجديدة المخصصة للغاز الطبيعي المُسّال، وهي سفن خاصة يساوي طولها: 03 ملاعب لكرة القدم، ورفع أسعار تلك الناقلات بالتبعية. وشهدت أسعار استئجار الناقلات الموجودة قفزةً هي الأخرى، ما ساعد في رفع أسعار الغاز لمستويات قياسية داخل “أوروبا” و”آسيا”.

كما قفزت أسعار الغاز في “أوروبا” بنسبة: 15%، يوم الإثنين 22 آب/أغسطس، بعد أن قالت “روسيا” إنها ستُغلق خط أنابيب رئيسًا لإجراء صيانةٍ مفاجئة في وقتٍ لاحق من الشهر الجاري.

وأدى ارتفاع الأسعار في “أوروبا” إلى صعود سوق الغاز الطبيعي الأميركية بنسبة: 3.7% إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2008. ويتوقع التجار ارتفاعًا أكبر في أسعار الغاز وإيجار الناقلات في حال عودة “الصين” إلى السوق قبل الشتاء، بعد أن تراجع الطلب فيها نتيجة إغلاقات (كوفيد-19).

السفن الناقلة للغاز.. معركة أوروبا..

ولا شك أن التسابق على التعاقد مع ناقلات الغاز يُمثل علامةً أخرى على تغيير خريطة الطاقة العالمية في أعقاب الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، الذي تصفه “موسكو” بأنه: “عملية عسكرية خاصة”؛ بينما يصفه الغرب بأنه: “غزو”.

حيث زادت الحرب من شدة المنافسة على إمدادات الطاقة المحدودة، وأعادت توجيه تدفقات السلع، وأحدثت صدعًا في أجزاء من سوق النفط والغاز العالميين بالتزامن مع دفع أنصار “روسيا” وخصومها لأسعار مختلفة من أجل الحصول على الوقود.

وشهد الغاز الطبيعي المُسّال والناقلات التي تحمله طلبًا مرتفعًا حتى قبيل الصراع بالتزامن مع قلة الطاقة الكهرومائية نتيجة الطقس القاسي، وسعي العديد من الدول للتوقف عن استخدام الفحم بغرض تقليل الانبعاثات الكربونية. لكن الحرب شحنت هذا الاتجاه وحفّزته أكثر.

وكانت “روسيا” تُغطي: 40% من إمدادات الغاز المتجهة إلى “الاتحاد الأوروبي” قبيل الحرب، حيث كانت غالبية إمدادات الغاز تصل عبر شبكةٍ من خطوط الأنابيب. ولا شك أن تطوير شبكة خطوط أنابيب القارة لاستقبال الواردات من الدول المصدرة القريبة الأخرى سيستغرق بعض الوقت، لهذا أصبح الغاز الطبيعي المُسّال يُمثل البديل الأساس على المدى القريب. إذ يُمكن شراء الغاز الطبيعي المُسّال من الدول المنتجة البعيدة، قبل شحنه إلى “أوروبا” بسعرٍ أعلى.

ولا تتوافر للإيجار حاليًا سوى ناقلة غاز طبيعي مُسّال واحدة جاهزة لرحلةٍ واحدة فقط في “آسيا”؛ بعد شهرين أو أكثر من الآن؛ وفقًا لـ”جيسون فير”، رئيس استخبارات الأعمال في شركة السمسرة البحرية (Poten & Partners). بينما لا تتوافر أي ناقلات لـ”المحيط الأطلسي”.

فيما قال “توبي كوبسون”، رئيس التجارة والاستشارات في (Trident LNG)؛ التي يقع مقرها بـ”شنغهاي”، لصحيفة (وول ستريت جورنال): “سيقتنص المشترون كل العقود الموجودة. ونشهد في الوقت الحالي مزادًا مفتوحًا بين أوروبا وآسيا، ما يتسبب في رفع أسعار السوق”.

ارتفاع إيجار سفن نقل الغاز بشكل جنوني..

ويُمثل التهافت على السفن تحديًا آخر بالنسبة لـ”أوروبا”، التي تتسابق حكوماتها لملء مرافق التخزين قبيل موسم التدفئة، بينما تنهار الشركات تحت ضغط أسعار الغاز المرتفعة.

وارتفعت أسعار الإيجار اليومي للناقلات الموجودة التي تعاقد عليها التجار بين منتصف أيلول/سبتمبر ومنتصف تشرين ثان/نوفمبر؛ لتصل إلى: 105,250 دولار في اليوم، بزيادة عن سعر الإيجار الحالي الذي يصل إلى: 64 ألف دولار.

بينما لم يتجاوز سعر إيجار الناقلات المتجهة من “الولايات المتحدة” إلى “أوروبا”؛ في العام الماضي، مبلغ: الـ 47 ألف دولار، وفقًا لشركة (Spark Commodities).

فيما تجاوزت أسعار الإيجار: الـ 100 ألف دولار لمدة يومٍ واحد؛ في شهر حزيران/يونيو، قبل أن تنهار ثانيةً عقب اندلاع حريق في منشأة لتصدير الغاز الطبيعي المُسّال داخل “الولايات المتحدة”، ما قلل الصادرات والطلب على السفن معًا. لكن المحللين والتجار يتوقعون أن ترتفع الأسعار مرةً أخرى لأن شركات التجارة حجزت سفنًا أكثر بكثير على المدى الطويل، حتى تضمن قدرتها على نقل الغاز الطبيعي المُسّال بحرًا. وأدى هذا بالتبعية إلى تقليل عدد السفن المتوافرة للإيجار بشكلٍ فوري.

ويعيش التجار حالة فورة شراء للسفن اليوم حتى يتجنبوا الوقوع في أية أزمات مستقبلاً. حيث أنفق العملاء: 24.1 مليار دولار على طلبات الشراء الجديدة لناقلات الغاز الطبيعي المُسّال حتى الآن في 2022، بما في ذلك طلبات شراء: 08 سفن في آب/أغسطس فقط، وفقًا لـ”ستيفن غوردون”، المدير الإداري في شركة الشحن اللندنية (Clarkson). وتجاوزت الطلبات الرقم المسجل طوال عام 2021 بالفعل، عندما وصل الرقم إلى: 15.6 مليار دولار فقط.

وتوجد حاليًا طلبات مسجلة لشراء: 257 سفينة حول العالم، وفقًا لشركة (Rystad Energy) الاستشارية. وقدرت (Rystad) أن شركات بناء السفن في “كوريا الجنوبية”، أكبر مُنتج لناقلات الغاز الطبيعي المُسّال في العالم، ليست لديها أي سعة فائضة لاستقبال طلبات جديدة حتى عام 2027.

وتتضمن قائمة أكبر المشترين لناقلات الغاز دولة “قطر”، التي تُعد من أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي المُسّال في العالم. إذ برزت هذه الدولة الخليجية الصغيرة باعتبارها من أفضل آمال “أوروبا” في تقليل اعتمادها على الغاز الروسي، كما دخلت الدول الأوروبية في محادثات معها لتوقيع عقود غاز طبيعي مُسّال طويلة الأمد.

وأدى الطلب على ناقلات الغاز إلى رفع أسعار السفن الجديدة أيضًا. بينما يُساهم ارتفاع أسعار الصلب مع محدودية سعة أحواض بناء السفن في تضخيم أسعار الناقلات أكثر. حيث اقتربت أسعار السفن الجديدة من حاجز: الـ 240 مليون دولار للسفينة، بعد أن كان سعرها يصل إلى: 190 مليون دولار فقط قبل عامٍ واحد، بحسب (Rystad).

ومن المؤكد أن ارتفاع أسعار الناقلات وأسعار إيجار السفن يؤثران على سلسلة القيمة الخاصة بالغاز الطبيعي المُسّال، ما يُزيد أسعار الغاز المرتفعة بالفعل حول العالم، وفقًا لـ”كوشال راميش”، الذي يعمل محللاً في شركة الاستشارات. وقال “راميش”: “إن التركيز الحديث على أمن الطاقة يعني أن السوق بأكملها عادت لتبني النهج طويل الأمد في النظر إلى الإمدادات والشحن”.

وارتفع الطلب كذلك على: “وحدات التخزين وإعادة التغويز العائمة”، والتي عادةً ما تكون بمثابة ناقلة غاز طبيعي مُسّال جرى تحويلها لترسو قرب الساحل. ولا شك أن تجهيز مثل هذه المرافق يُعد أسهل من بناء محطة غاز طبيعي مُسّال خاصة، حيث يستغرق بناء الأخيرة سنوات في المعتاد.

وجرى التخطيط لنشر: 14 وحدة تخزين وإعادة تغويز عائمة في “أوروبا” حتى الآن. وارتفعت أسعار إيجار مثل هذه الوحدات إلى: 200 ألف دولار يوميًا في بعض الحالات، أي أكثر من ضعف أسعارها مطلع 2021، بحسب (Rystad).

أما “ألمانيا” التي اعتمدت لسنوات طوال على الغاز الرخيص الذي يصلها من “روسيا” عبر الأنابيب، فلا تمتلك محطة غاز طبيعي مُسّال واحدة. لكن “برلين” تخطط الآن لتجهيز وحدتي تخزين وإعادة تغويز بحلول نهاية العام الجاري، مع التخطيط لتجهيز المزيد من الوحدات الأخرى في العام المقبل.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة