بدأت المؤسسة العربية للدراسات والنشر بالعاصمة اللبنانية بيروت في الربع الاخير من القرن العشرين باصدار سلسلة من الكتب تحت عنوان – اعلام الفكر العالمي , وبعد صدور اكثر من عشرة كتب من هذه السلسلة ( ولم يكن بينهم ادباء روس ) , اتصل الصحافي العراقي المعروف الاستاذ ماجد السامرائي , وكان حينئذ ممثل هذه المؤسسة البيروتية في بغداد , اتصل بقسم اللغة الروسية في كليّة الاداب بجامعة بغداد , واقترح على اساتذة القسم المذكور المساهمة في اصدارات هذه السلسلة والكتابة عن الادباء الروس الكبار , فوافقنا جميعا – وبحماس – على مقترحه هذا , وكنّا اربعة اشخاص متخصصين بالادب الروسي في ذلك القسم آنذاك , وهم ( حسب حروف الهجاء ) كل من – جليل كمال الدين وحياة شرارة وضياء نافع ومحمد يونس , واود هنا ان اكتب بعض السطور عن هذه المشاركة العلمية في تلك السلسلة , لأن هذه المشاركة – من وجهة نظري – تعدّ جزءا لا يتجزّأ من مسيرة و تاريخ قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد ( الذي تأسس عام 1958 ) , جزءا يستحق – بلا شك – التدوين والاشادة وحتى الفخر , ومن المؤّكد القول , انه يمكن ان يكون موضوعا متكاملا لرسالة ماجستير في القسم المذكور , اذ يمكن لهذه الرسالة ان تتناول بالتحليل تلك الكتب حول الادباء الروس الكبار , وربطها باطاريح الاساتذة واختصاصهم الدقيق في تاريخ الادب الروسي ( وكلهم من خريجي الجامعات الروسية ) , وصولا الى الاستنتاجات المحدّدة والدقيقة حول دور قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد في اغناء الحركة الثقافية في العراق , اولا , وفي عموم العالم العربي بشكل عام , ثانيا , وفي حركة نشر الادب الروسي وقيمته واهميته عالميا , ثالثا. وكل هذه النقاط تمتلك اهمية ثقافية , وتستحق فعلا المتابعة والتسجيل والدراسة والتحليل العلمي .
كانت الحصيلة النهائية لمشاركة الاساتذة المذكورين في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد في سلسلة اعلام الفكر العالمي هذه كما يأتي –
محمد يونس – نشر ثلاثة كتب عن كل من .. تولستوي // تورغينيف // غوغول
حياة شرارة – نشرت كتابين عن كل من .. بيلينسكي // ماياكوفسكي
جليل كمال الدين – نشر كتابا واحدا عن غوركي
ضياء نافع – نشر كتابا واحدا عن تشيخوف .
اصدارسبعة كتب عن كبار الادباء الروس باللغة العربية خلال فترة قصيرة نسبيا – ليست مسألة بسيطة في مجال تأليف الكتب ونشرها في عالمنا العربي , ويمكن ملاحظة ان هذه الكتب كانت من تأليف الباحثين انفسهم , عدا كتاب تشيخوف , الذي كان ترجمة لكتاب روسي من تأليف الكاتب السوفيتي الشهير ايليا ايرنبورغ , واود هنا ان اتوقف قليلا عند هذه النقطة , اذ انني من قمت بترجمة هذا الكتاب . لقد طرحت عندها رأيا امام زملائي حول ضرورة ترجمة كتب روسية حديثة عن هؤلاء الادباء الكبار , اذ بدأت حينها في الاتحاد السوفيتي اتجاهات ومفاهيم جديدة حول هؤلاء الادباء , اتجاهات ومفاهيم تختلف جذريا عن تلك النظرة التقليدية , التي كانت سائدة في الفكر السوفيتي منذ نهاية عشرينيات القرن العشرين , وهي اتجاهات ترتبط بشكل او بآخر بظاهرة الستالينية ومرحلتها القاسية والصارمة المعروفة, التي بدأت تتبلور بالذات في تلك المرحلة , وكنت أرى , اننا يجب ان نعكس هذه الظاهرة الفكرية الجديدة للقارئ العربي , وان نعرض لهذا القارئ صورة قلمية لهؤلاء الادباء رسمها الباحثون الروس انفسهم لهذه المجموعة من ادباء روسيا , واننا بذلك نقدّم للقارئ العربي – عبر تلك الكتب المترجمة – ملامح الظاهرة الفكرية الجديدة في الاوساط السوفيتية , الا ان زملائي لم يقتنعوا بوجهة نظري تلك , واذكر ان المرحومة حياة شرارة قالت , ان التأليف أبسط من الترجمة , لان المؤلف يكتب الشئ الذي يقتنع به ويرى ضرورة تسجيله , اما المترجم , فانه يجب ان يلتزم بالنص الذي كتبه مؤلف الكتاب الاجنبي , ولكن تباين وجهات نظرنا آنذاك حول هذه المسألة او تلك , لم تؤثّر بتاتا على علاقاتنا وتعاوننا في مجال عملنا المشترك .
الكتب التي قدّمها قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد في الربع الاخير من القرن العشرين , وتمّ نشرها ضمن سلسلة اعلام الفكر العالمي , الكتب هذه لازالت حيوية ( ونحن في العقد الثالث من القرن 21 ), ولازالت تتفاعل مع الحياة الثقافية , وكم يسعدني , عندما ارى طبعات جديدة لهذه الكتب في بغداد وبيروت والقاهرة والمغرب العربي , اذ ان هذه الظاهرة تعني , ان القارئ العربي يتقبّلها لحد الان …