* الأم التي فارقت الحياة ودمعة الألم تجوف مآقيها حسرة وحرقة على اغترابها في أرضها .
* من باعك بدينار ذهب بعه بحفنة تراب فالعبرة بالأصل وليس بالعمامة والجلباب .
* العدل أصبح صورا معلقة على الجدران ليس له بين الأحياء مكانا لأن الحق ضاع والظلم ساد .
* الأم التي فارقت الحياة ودمعة الألم تجوف مآقيها حسرة وحرقة على اغترابها في أرضها .
* من باعك بدينار ذهب بعه بحفنة تراب فالعبرة بالأصل وليس بالعمامة والجلباب .
* العدل أصبح صورا معلقة على الجدران ليس له بين الأحياء مكانا لأن الحق ضاع والظلم ساد .
بقلم : الدكتورة المغربية مليكة عبد الرحمن بوصوف
دراسة تحليلية نقدية
* الأم التي فارقت الحياة ودمعة الألم تجوف مآقيها حسرة وحرقة على اغترابها في أرضها .
* من باعك بدينار ذهب بعه بحفنة تراب فالعبرة بالأصل وليس بالعمامة والجلباب .
* العدل أصبح صورا معلقة على الجدران ليس له بين الأحياء مكانا لأن الحق ضاع والظلم ساد .
حتى وإن أبعدوني وغربوني وتركوني بلا أهل ولا زاد ، وحطموا بيتي ، ورموني في الشتات ؛ سأظل أحمل كبريائي وانتمائي وهوية أجدادي….سيظل بداخلي قلب ينبض بحب قريتي ومدينتي …تقاليدي وهوية أجدادي…..
أنا الأبي والجذوة المتقدة التي علمتني كيف أشق السبيل وأتحدى المستحيل….أقف صامدا لا أهاب السوط ولا القنابل ؛ولا أحمل أقنعة الغدر والتهديد ….فإن سألتموني عن أصلي وموطني أقول وباعتزاز أنا من بلدة بادي معقل أهلي وأحبابي …..
ونحن نقول :إننا انبهرنا بما كتبه شاعرنا عن ” بادي “،وشدنا الحنين لنشاركه مشاعره وأحاسيسه ونبحر معه بين الأسطر والقوافي لسبر أغوار ألفاظه ومعانيه ، ونرحل معه عبر تلال وهضاب بلاده بل وقريته ، ونطل من نافذة المكان الذي ولد ونشا فيه
والذي عنون به قصيدته : (( بادي ))….
وبما أن العنوان هو عتبة النص ومدخله الأساسي فإننا كقراء نرى كيف تذيلت هذه اللفظة المكونة من أربعة حروف بها الزخم الهائل من الكلمات والرموز والأساليب ، وكيف جعلنا الشاعر نحس إحساسه بالانتماء ونعيش تجربته ، ونشتم رائحة تربة بلدته وكيف أبدع في تصوير مسقط رأسه ومدفن أمه….. عنوان كبير لنص يحمل الكثير من الدلالات والمعاني التي تعطيه جمالية في اللفظ وسلاسة في التعبير وبلاغة في التبليغ…..
هذا النص الذي أبى صاحبه إلا أن يفتتحه بأسلوب النداء إذ يقول:
” يا نفحة الطين في أرض الأجداد
يا لحدا يضم أمي بين تراب التل والزاد…
(( بادي )) ، قبلة الميلاد بعد الميلاد
ورحيق زهد بين جياع الأحفاد
تكسو الأشجار ظلها وثوب الجنان …
يفوق نقاء وجمالا بلا حساد . ”
فأسلوب النداء هنا يحمل معنى الحنين إلى الأرض وإلى الأم التي أبت إلا أن ترقد في تربة هذه الأرض التي تفوح عبقا وشذى ، التي شهدت صرخة الميلاد وشهقة النهاية…الأرض التي لا زالت تحتفظ بابتسامة الأم الحنونة ورسم خطواتها المتزنة الهادئة…الأم التي فارقت الحياة ودمعة الألم تجوف مآقيها حسرة وحرقة على اغترابها في أرضها لكنها رقدت بأمان لأنها كانت تعرف بأن هناك من سيعود إلى الأوطان ويبحث ويسأل عن تراث الأجداد وعن خيرات البلاد ..وفي ذلك يقول:
” يا نفحة الأجداد دارت في مدار
وحقول في ربوع الغربة تنادي
أين الأصيل والكريم والمقيم
أين من زرع الجبل والسهل والوادي… ”
هو هذا الولد البار عاد ليزور قبر والدته ويتأمل ما زرعه أجداده في الجبل والسهل والوادي ويتساءل عن غياب الأهل والأحباب وكيف أصبحت الغربة تكتنف المكان ..؟؟؟؟؟؟!!!!
من الطبيعي جدا أن يكون هذا هو إحساس إنسان اضطر على البعاد هروبا من الحروب والآفات….إنسان غير المكان بحثا عن الأمان شأنه شأن الآلاف من الرجال والنساء والأطفال….
ويجيب الشاعر عن السؤال مخاطبا أمه… يقول :
” أمي يا نسمة الروح في حقل بديع
اغتصبوا أرضك زورا فوق الأشهاد
ختموا على الأوراق بدم بارد
وتفاخروا بالجهل والوهن والفساد…
عذرا يا أمي هم أهلك ، عشيرتك
وأقرباؤك اشتركوا في حصص الصياد
جعلوا السحت مفخرة الأجيال
رغم زيارتهم للكعبة قبلة الاسناد
مظاهر تجلت بين غني وفقير
وظالم ومظلوم تحت راية الجلاد ”
كيف يمكن للإنسان أن يظلم من أقرب الناس إليه فيسلب منه ماله وأرضه تحت مؤامرة دنيئة من الجلاد..؟؟؟ إنه عار أن يبيع الإنسان ذمته بالمال ويتستر بظل راية المحتل… فأين هو الضمير وأين هي النخوة العربية الإنسانية التي عهدناها في أسلافنا الأمجاد ..؟؟؟ كل هذا اندثر وباد وما عدنا نرى سوى شرذمة من الأنذال تتملق وتدنس الأعتاب الشريفة بالغش والدناءة والتذيل للأسياد….
ويتابع الشاعر مخاطبته لأمه الشريفة الطاهرة التي ارتضت التراب بدل معاشرة من باعوها وأكلوا لحمها دون سابق إنذار
باعوا الرحم الذي أوصى بها الرحمن بفلس من صنع الإنسان.. يقول الشاعر عصمت الدوسكي :
” نعم يا أمي يا سيدة النساء
صلة الرحم ولت هاربة من الزناد
الشريف من يأكل لحم أخيه حيا
والكريم يعد ماله بلا آلة تعداد
والكريم يخشى زيارة القريب
خوفا من أن ينقص شيئا من الزاد
رحلت الطيبة والحنان والرحمة
وخبز التنور الحار وفجر الجواد … ”
من هذه الأسطر يظهر تحسر الشاعر على الماضي الجميل الذي كان فيه الحب والحنان يجمع بين الأهل والأحباب وبين الجار والجار ، ويتعجب من تغير الأحوال وكيف أصبح المال والزاد هو المبتغى والمراد… ؟؟
ما بقي من أرضه شبر إلا وسكنه الأوغاد ؛ لكن ذكريات الشاعر التي تذكره بها بلدته (( بادي )) وقبر أمه الطاهرة يهون عليه من حدة المأساة لأنه يحس بالحنين إلى تربة شهدت ولادته وتضم الآن جثة أمه ؛معدن الحب والحنان والصدق والأمان ،وما عدا ذلك لم يعد عنده في الحسبان لأنه من باعك بدينار ذهب بعه بحفنة تراب فالعبرة بالأصل وليس بالعمامة والجلباب….
ويتابع الشاعر شكواه لامه من ظلم الأقرباء قبل الغرباء ونزيف بلد كباقي البلدان وتفرقة الأهل والأحباب…ولم يعد ما دون كما كان والتاريخ تبرأ مما صنعه تبعة الأسياد..كل ما كان فيه جميلا ترهل وباد ،حتى العدل أصبح صورا معلقة على الجدران ليس له بين الأحياء مكانا لأن الحق ضاع والظلم ساد .. يقول الشاعر :
ماذا أقول يا أمي عن (( بادي ))
كان الوقار سيد السادات
وأصبح الوقار في خطوط ساد
لم يبق النسر عاليا في الفضاء
بعد نزيف بلد كباقي البلاد
لم يعد التاريخ مفخرة كما كان
إلى أن يقول:
والعدل أصبح صورة معلقة
على جدران وأعمدة بلا اعتماد
نلاحظ هنا صور بلاغية راقية ومعبرة جدا..فالوقار أصبح في خطوط ساد..والنسر لم يبق عاليا في الفضاء والعدل صورة معلقة على جدران وأعمدة هاوية بلا اعتماد….
هي صور ترمز إلى مجد تولى وأصبح مجرد ذكرى فلا عزة ولا كرامة ولا تاريخ يحمل انتصارات وأمجاد ولا عدالة تنصف الأجيال؛ كل شيء أصبح مجرد صور خادعة وماكرة لا أساس لها من الصحة ولا يعتمد عليها في سجلات حقوق الإنسان…
ويأتي الشاعر إلى نهاية القصيدة متأوها جريح القلب مضطرب المشاعر والإحساس يشكو حزنه ولوعته لأمه لعل روحها تسمع شكواه ، هو الوحيد بلا أهل ولا أحباب ولا بيت الذي لم يعد يرى منه سوى الأطلال ولا رفيق درب ، يحط عنده الرحال ؛ سوى قلما ينزف أنينا وحسرة وامتعاضا من غدر الزمن ووحشة المكان…لم تعد (( بادي )) كما كان يعرفها من قبل فقد غيرت معالمها أعمدة الدخان وهدمت مبانيها العدوان وخيانة أهل البلاد….
وكأني بشاعرنا يقول في نهاية ما كتب :
ستظلين يا (( بادي )) عروسة في بالي لن تشيخي ولن تتبدد معالم جمالك مهما حاولوا إبعادي عنك.. فتلالك ستخضر من جديد ما دام بها دم أجدادي وقبر أمي الذي يحافظ على أمجادي فسأمحو ما كتبه خونة بلادي على الجدران بيدي وأيدي أحرار بلادي…
ثم يقول مخاطبا أمه :
” آه وآه يا أمي ماذا أقول
الحرب دمرت بيتي وتركته كالرماد
ولجأت لأهلي فلم أجد أحدا
سوى منفى يلم هزيمة الأحقاد
إلى أن يقول…
مررت على قبرك في (( بادي ))
هي اختصار لنبع الأماني
وقدر أحلامي وميلادي وميعادي .”
ما أصعب أن يجد الإنسان نفسه وحيدا بلا أهل ولا سند…غريبا في بلده ليس له سوى هذا القبر الذي يضم بين جنباته جثة أمه يخاطبها ويبثها حزنه وآلامه ويستلهم منها الصبر على ما أصابه ويستمد من ذكراها قوته وصموده ليواجه قدره البائس من المولد إلى يوم الميعاد…
هذه هي النهاية جاءت خلاصة مأساة حقيقية يعيشها كل المهجرين والمغربين مما يعطيهم شحنة أبداعية خارقة تجعل المتلقي يبحر معهم فيما عاشوه ويعيشونه من إقصاء وتهميش لاجئين في بلدان لا يعرفون عنها وعن عاداتها وأعرافها ولغتها شيئا ؛ ولا يحسون فيها بالأمان والاستقرار الذي كانوا يحسونه في أوطانهم مع أهليهم وذويهم ،هذا الإحساس الذي أصبح يتيما مقهورا لا يجد له معينا سوى القلم والقرطاس يبثه معاناته واضطراباته وانفعالاته..وهذا الإحساس يعرفه كل من تمتع بحس فني إبداعي راقي جدا….
وهذا ما عرفناه من قبل عند شعراء المهجر أصحاب الرابطة القلمية التي كان يترأسها جبران خليل جبران وضمت العديد من الشعراء والأدباء الذين لا يزال تاريخ الأدب العربي يحتفظ لهم بالنبوغ والعبقرية..
وهانحن الآن نواجه نفس الإحساس مع نخبة من الشعراء والأدباء الذين حكمت عليهم ظروف الحرب بالهجرة والاغتراب بحيث أصبح الحنين إلى الوطن هو الشحنة القوية التي تدفعهم إلى الخلق والإبداع والكتابة سواء الشعرية أو النثرية بكل هذه القوة والجمالية…. وعلى أثر ذكر الجمالية ،نلمس بالنص عدة صور بلاغية وأساليب دلالية ورمزية تساعدنا على سبر أغوار النص وفهم مقصد الشاعر من خلالها ؛ فنلاحظ أن الشاعر اعتمد أسلوب ” النداء والتعبير ” عما يعانيه من ظلم وقهر واستبداد وبما يحسه من حنين للوطن وللأرض التي ولد بها ولأمه التي فارقت الحياة. وترقد في رمس من تراب….والأم قد يراد بها ” الأم الحقيقية ” التي ولدت الشاعر وقد تكون هي ” الأرض ” التي ولد بها ونشا فيها ويتمنى أن يموت بها…..
بقلم : الدكتورة مليكة عبد الرحمن بوصوف…المغرب
******
بادي
عصمت شاهين دوسكي
بادى
يا نفحة الطين في أرض الأجدادِ
يا لحد يضم أمي بين تراب التل والزادِ
بادي ، قبلة الميلاد بعد الميلاد
ورحيق زهد بين جياع الأحفادِ
تكسو الأشجار ظلها وثوب الجنان
يفوح نقاء وجمالا بلا حسادي
بادي
نفحة الأجداد دارت فوق مدار
وحقول في ربوع الغربة تنادي
أين الأصيل والكريم والمقيم
أين من زرع الجبل والسهل والوادي ؟
***
أمي يا نسمة الروح في حقل بديع
اغتصبوا أرضك زورا فوق الإشهادِ
ختموا على الأوراق بدم بارد
وتفاخروا بالجهل والوهن والفسادِ
عذرا يا أمي ، هم أهلك ، عشيرتك
وأقربائك اشتركوا بحصص الصيادِ
جعلوا السحت مفخرة للأجيال
رغم زيارتهم للكعبة ، قبلة الإسنادِ
مظاهر تجلت بين غني وفقير
وظالم ومظلوم تحت راية الجلادِ
*****
نعم يا أمي يا سيدة النساء
صلة الرحم ولًت هاربة من الزنادِ
الشريف من يأكل لحم أخيه حيا
والكريم يعد ماله بلا آلة تعدادِ
والقريب يخشى زيارة القريب
خوفا من أن ينقص شيئا من الزادِ
رحلت الطيبة والحنان والرحمة
وخبز التنور الحار وفجر الجوادِ
*****
ماذا أقول يا أمي عن بادى
تركت ذكريات بين الأيادي
ذكريات مشروخة بحب الذات
وصراعات على شبر تراب العبادِ
ماذا أقول يا أمي وقبرك هنا وحيدا
هل تسمعين صوتي وبكائي البادي ؟
حملت معول الكلمات في قلبي
وزرعت شمائل الحب الهادي
وقلت للنساء : أمي سيدة النساء
هي أجمل الآيات ونور إرشادي
هي الحب والحنان والرفعة والجنة
هي قدري وحبي وحضن ميلادي
*****
ماذا أقول يا أمي عن بادي
كان الوقار سيد السادات
وأصبح الوقار في خطوط سادِ
لم يبقى النسر عاليا في الفضاء
بعد نزيف بلد كباقي البلادِ
لم يعد التاريخ مفخرة كما كان
ولم تعد الملاحم تحت المدادِ
تفرق البنون وشاخ الوالد والوليد
من حرية زائفة وحقوق الأجسادِ
والعدل أصبح صورة معلقة
على جدران وأعمدة بلا اعتمادِ
*****
آه وآه يا أمي ماذا أقول ..
الحرب دمرت بيتي وتركته كالرمادِ
ولجأت لأهلي فلم أجد أحدا
سوى منفى يلم هزيمة الأحفادِ
فلا حبيب ولا قريب ولا خل
سوى قلم ينزف حبا لإسعادِ
هكذا يا أمي بين الغيوم السود
مررت على قبرك في بادي
هي اختصار لنبع الأماني
وقدر أحلامي وميلادي وميعادي
****
بادي : اسم قرية جميلة تابعة لمحافظة دهوك وهي مكان ولادة أمي … سميت بذلك لأن المنطقة تهب فيها رياح شبه دائمة … لذا قيل: بادی وهي مفردة كوردية ، أي (تهب الرياح ) هنا . ( با ) رياح و (دی ) مخففة من (دهيت) بمعی تأتي وتهب. ” توضيح من الدكتور حميد بافى “