14 نوفمبر، 2024 9:12 م
Search
Close this search box.

فيلم  The Experiment ماذا تفعل لو أصبحت سجانا؟

فيلم  The Experiment ماذا تفعل لو أصبحت سجانا؟

 

خاص: كتبت- سماح عادل

أو “التجربة” هو فيلم أمريكي يرصد تجربة نفسية غريبة، أجريت على عدد من الرجال بموافقتهم في مقابل مبلغ كبير من المال لكل واحد منهم يبلغ 14 ألف دولار.

الحكاية..

الفيلم يعرض لتجربة أجريت بالفعل على أرض الواقع في أمريكا،  وهي عبارة عن تجربة يجريها بعض الأطباء النفسيين، على مجموعة من الرجال ليحاكوا تجربة السجن وقد جمعوا عدد من الرجال وافقوا على إجراء التجربة بعد إجراء مقابلات معهم، والفيلم يقدم أجزاء من تلك المقابلات، فيها مبررات قبول هؤلاء الأفراد بالدخول في مثل هذه التجربة، وكلهم يجيبون أن دافعهم الأهم هو الحصول على ذلك المبلغ الكبير من المال، ولكل غرض في إنفاق ذلك المال.

يقسم القائمين على التجربة المتقدمين إلى حراس وسجناء، بشكل عشوائي ودون الاعتماد على أية قواعد ويكون عدد الحراس أقل بكثير، ويرتدي الحراس زيا غامقا، زي حراس السجن ويتسلحوا بعصي، لكن من قواعد التجربة أنه غير مسموح باستخدام العنف ويعرف كل من في التجربة ذلك. حيث يقر القائمون على التجربة أنها تستمر لمدة 15 يوما وأنه من غير مسموح باستخدام العنف، وأنه عند استخدام العنف سيتم وقف التجربة وسيحرم المشاركين سجناء ومسجونين من الأموال.

بداية التجربة..

تبدأ التجربة ويستعد الجميع لخوضها، ونجد المسجونين يتعاملون بمرح وهم غير عابئين بفكرة كونهم مسجونين، وكأنهم ذاهبين إلى تجربة للترفيه، فيبدأون في لعب الكرة مع الحراس، لكن يخطيء أحد المسجونين ويضرب الكرة في وجه أحد الحراس ويعتذر فورا، لكن حين يجتمع الحراس مع بعضهم البعض، بعد أن يحتجزوا المساجين في زنازينهم، يناقشون أمر تلك الواقعة ويقترح أحدهم معاقبة السجين الذي فعل ذلك، فيميل الجميع إلى القول أنها حادثة عرضية، لكن يصر هذا الحارس على معاقبة السجين مبررا ذلك بأنهم يجب أن يتم التعامل معهم باحترام لأنهم هم الحراس.

وتبدأ التجربة حيث يعود الحارس ويطلب من السجين الذي ضرب بالكرة في وجه الحارس أن يقوم بتمارين رياضية كعقاب له على ما فعل، ويجادله السجين بأنه كان حادثا عرضيا لكن الحارس يصر على موقفه، وحين يرفض السجين الامتثال للأمر يطلب من الجميع أن يقوموا بتمارين السواعد، ويستجيب أحد السجناء كبداية ثم ينصاع الباقي له، وهنا نلاحظ ظهور حس التسلط لدى الحارس الذي قرر معاقبة السجين، ونلاحظ ظهور حس الطاعة لدى السجين الذي قبل بالقيام بتمارين السواعد، وسرت الرغبة في الطاعة لدى باقي السجناء.

سياسة العقاب..

حين شاهد الحراس ما حدث من الكاميرات الموجودة في كل مكان، حيث أن المكان مجهز بكاميرات بحيث يرى السجانون والمساجين ما يحدث. حين رأي الحراس نجاح سياسية العقاب ظهر منهم حارسا قرر أن يتمادى في الأمر، وأن يعمل على إخضاع السجناء وجعلهم يطيعون أوامر الحرس بحيث يتسيد الحراس على السجناء.

وعندما اعترض معظم الحراس لأن استخدام العنف سيحرمهم من استمرار التجربة والمال، قال لهم أنه لن يستخدم العنف وإنما سيستخدم الإذلال، وأن هذه السياسية قد اختبرها حين انضم لأحدى الأخويات.

الإذلال..

بدأ الحارس في ممارسة هذا الإذلال على السجناء، وذلك باستخدام طعام سيء الطعم ومقزز، وحين اعترض البعض زاد الحارس في ممارساته التي يستهدف منها إذلال السجناء، حيث حرم أحد السجناء من تناول قطعة سكر، رغم أنه أخبرهم أنه مريض بداء السكري ويحتاج لقطعة شيكولاته. وحاول الحراس إجبار ذلك المريض على النهوض والوقوف مع باقي السجناء رغم الإجهاد الشديد البادي عليه. وحين اعترض  رقم 77، حيث أعطيت للسجناء أرقاما وكذلك الحراس، أخرجه الحراس ومارسوا عليه إذلالا أكثر  حيث تبولوا على جسده. وقد اعترض أحد الحراس على ما جرى وهدد الحراس بأنه سوف ينسحب من التجربة إذا تكرر الأمر، وخاف باقي الحراس مما قد يفعل لأن انسحابه يعني حرمانهم من الأموال.

وظل المريض على حاله، بل ازدادت حالته الصحية سوء، واكتشف 77 أن المريض يحتاج للأنسولين وأنه لم يدون ذلك في تقريره، وإنما ذكر أن لديه مرض السكري فقط، ولامه على فعل ذلك، فأخبره المريض أنه كان يحتاج للأموال، وشعر 77 بإنسانية ذلك الحارس الذي رفض ما حدث له، فطلب منه أن يحضر الأنسولين من حقيبة المريض، مقابل أن يعطيه جزء من الأموال التي سيحصل عليها. وافق الحارس وذهب إلى غرفة الحقائب، لكن أحد الحراس وشى به إلى الحارس الذي أصبح فيما بعد قائدهم، ذلك الذي قرر إذلال السجناء.

وكلم رئيس الحرس الحارس الذي جلب الأنسولين بود، وطلب منه الإبلاغ عن من طلب منه إحضار الأنسولين، ثم ذهب لزنزانة المريض وأعطاه حقنة الأنسولين ليثبت ل77 أنه إنسانا، ثم أخذه وحراسه ومارسوا عليه إذلالا أكبر بتغطيس وجهه في المرحاض، حتى يعترف بكونه سجينا، ويشعر 77 أن كرامته أهينت حتى أنه حين ذهب لزنزانته داري وجهه وبكي في استسلام وخنوع.

العقد النفسية..

وهنا نشعر أن قائد الحرس قد حرر كل عقده النفسية ووجد متنفسا لها بالتسلط على السجناء، وممارسة سلطة لم تمنح له في الواقع، فهو يعيش مع والدته رغم تجاوزه سن الأربعين، واضطر إلى البحث عن أموال الإيجار بعد إصابة والدته بكسر في وركها، أي أنها هي من كانت تعمل لتعوله.

ورغم أنه شخص مهمش وفاشل في حياته الواقعية كما يتضح من تصريحاته في المقابلة، إلا أنه وجد الفرصة ليكون رأس السلطة في السجن، فيكون قائد الحرس والذي يقدم له الحراس فروض الولاء والطاعة وينفذون أوامره حرفيا، ثم يشعر بالفخر والإشباع بممارسة سلطته وإذلال السجناء.

لحظة الانفجار..

استجاب الجميع ماعدا 77 حتى أن أحد الأفراد كان من المساجين السابقين ورغم ذلك آثر الطاعة حتى تمر ال15 يوما وتنتهي التجربة. لكن قائد الحراس استمر في بطشه فأمر الحراس بضرب ذلك الحارس الذي أحضر الأنسولين وهددهم بالانسحاب من التجربة، وجعلوه سجينا، ورأي السجناء كيف تعرض السجين للضرب المبرح، وحين خلع السجين 77 سترته اعتراضا صرخ فيه قائد السجناء غاضبا، ثم فعل باقي السجناء مثله وخلعوا ستراتهم، مما جعل قائد الحرس يشعر بالخوف لأن ذلك يعني بوادر تمرد من السجناء، والذين يمثلون قوة أكبر عدديا من الحراس فصرخ بقوة أكبر.

وعندها فاجئه مريض السكري بضربه على رأسه، وحين ضرب قائد الحرس على رأسه لم يتمالك نفسه، وضرب مريض السكري بعصاه الغليظة على رأسه مما تسبب له في جرحا كبيرا، وأمر الحراس بأن يفرقوا السجناء ويضعوهم في زنزانات متفرقة، مستخدمين في ذلك الضرب وقوتهم العضلية. والغريب في الأمر أن الضوء الأحمر لم يضيء غم أنه تم استخدام العنف مما يعد انتهاكا لقواعد التجربة.

وأبدى بعض الحراس خوفهم مما حدث، لكن القائد طمأنهم بأن الأمور تجري على ما يرام، طالما الضوء الأحمر لم يضيء فهذا يعني أنهم لم يخترقوا قواعد التجربة، وأنه في وسعهم القول أن السجناء من بدأوا العنف واستجاب له الحراس لكن دون اقتناع تام.

ثم حبسوا رقم 77 في كبسولة ضيقة وعلق أحد الحراس أحد السجناء من يديه، لأنه كان يريد أن يتحرش به جسديا، واستغل الفرصة، وطلب منه الاستجابة لكن السجين رفض، ثم أخذ يضربه ثم فك قيده وبدأ في الاعتداء الجسدي عليه.

تحرير السجناء..

في نفس الوقت أخذ 77 يتحسس الكسبولة الضيقة التي حبس فيها، ليكشتف أن فيها كاميرا تصور وأخذ يسب القائمين على التجربة، ويتساءل لما لم يتدخلوا حين بدأ العنف، ويقول لهم أنه سيقتلهم، ثم أخذ إحدى الحلي من معصمه وجرب أن يفتح بها قفل الكبوسلة من الداخل، وبالفعل نجح في ذلك. ثم ذهب إلى أقرب زنزانة فوجد الحارس يعتدي جسديا على السجين، فقام بضربه حتى فقد وعيه وحرر السجين، بعد أن أخذ المفاتيح من الحارس ثم فتح باقي الزنزانات وحرر باقي المساجين.

وذهب 77 ليتفحص مريض السكري ليجده قد مات، ويجمع السجناء العصي ويعطون 77 عصاه ليذهب الجميع إلى غرفة الحراس، عندها يبدأ الحراس في الفزع ويتمردوا على القائد الذي يطلب منهم المقاومة، جميعا يهربون لكن الأبواب مغلقة، فيلحق بهم السجناء ويوسعونهم ضربا.

الضوء الأحمر..

وعندها يضيء الضوء الأحمر وتتفتح البوابة الرئيسية، ولكن لا أحد وراء الباب، فقط منطقة شاسعة زراعية، فيجلس الجميع ليرتاحوا من أجواء المعركة، ثم يأتي باص كبير ويركبون جميعا، ثم مشهد آخر نجدهم وقد ارتدوا ثيابا نظيفة وقائد الحرس يتفحص شيكا بمبلغ 14 ألف دولار، لنفهم أنهم جميعا حصلوا على الأموال المتفق عليها، وينظر 77 إلى قائد الحرس الذي أصبح غير زي صفة والذي ينظر في إذلال له.

ثم ينفضح أمر القائمين على التجربة خاصة بعد معرفة أن رجلا قد مات، وتنتشر الأخبار في التليفزيون، ويقرر 77 أنه سيشهد ضد القائمين على التجربة، ثم يذهب إلى حبيبته في الهند وهو يبدو على ملامحه الرضا النفسي.

الفيلم..

الإخراج جيد وأداء الممثلين كان رائعا وكذلك الديكور والملابس وكل أجواء الفيلم، الذي رصد التحولات النفسية التي تحدث للحراس والمساجين، من خلال 77 المقاوم والمتمرد وقائد الحرس المائل إلى أن يكون ديكتاتورا مريضا. فقد نقل الفيلم ببراعة مختلف الاستجابات النفسية للسجناء والحراس، ما بين المتمرد والمقاوم والمستسلم ومن يؤثر السلامة ليحظى بالمال، هذا بالنسبة للمسجونين. وفي الحراس رصد الطيبين الذين يحملون مشاعر إنسانية، والمرضى الذين يجدون في التسلط على باقي الناس متنفسا لهم، ويشعرون بذواتهم وقيمتها بعد أن فقدوا التقدير في حياتهم الواقعية. كما يرصد أهمية المال في إخضاع البشر وجعلهم يقبلون على تجربة من شأنها أن تدخلهم في دائرة الخطر .

“التجربة” هو فيلم إثارة أمريكي أُنتج 2010، أخرجه “بول شويرينغ”، يقوم ببطولته “أدريان برودي وفوريست ويتاكر وماجي غرايس”، وتدور أحداثه حول تجربة تحاكي اختبار سجن ستانفورد والذي تم إجرائه تحت إشراف فريق من الباحثين يقوده “فيليب زيمباردو” عام 1971، وهو أيضاً طبعة جديدة من الفيلم الألماني Das Experiment الذي أصدر عام 2001. كتب الفيلم “ماريو جيوردانو وبول شويرينغ” وسيناريو “بول شويرينغ” والممثلين : “أدريان برودي وفوريست ويتاكر وماجي غرايس”، والتصوير “إيمي فنسنت”

اختبار سجن ستانفورد..

‏ كانت محاولة للاستقصاء عن الآثار النفسية عنيت بالاستجابات الإنسانية للأَسْر، واهتمت بالظروف الحقيقية لحياة السجن. تم إجراء التجربة في الفترة ما بين 14 إلى 20 أغسطس عام 1971 تحت إشراف فريق من الباحثين يقوده “فيليب زيمباردو” من جامعة ستانفورد. وقد قام بأداء دور الحراس والسجناء متطوعون وذلك في بناء يحاكي السجن تماماً. إلا أن التجربة سرعان ما تجاوزت حدود السيطرة وتم إيقافها باكراً. وكثيراً ما أحيطت هذه التجربة الشهيرة بشكوك من وجهة نظر أخلاقية وشبهت باختبار “ميلغرام” الذي أجري في العام 1963 في جامعة “ييل” بإشراف الدكتور “ستانلي ملغرام”، وقد كان من زملاء زيمباردو في المرحلة الثانوية.

أهداف التجربة وطريقة إجرائها..

قامت البحرية الأمريكية بتمويل الدراسة لفهم الصراعات في نظام السجن عندها. تم الإعلان عن التجربة في الجرائد للحصول على مشاركين مقابل 15$ كل يوم (90$ بأسعار 2017) للمشاركة في (محاكاة لسجن) مدتها أسبوعين. استجاب للإعلان 70 شخص، اختار “زيمباردو” منهم 24 كانوا الأكثر ملائمة من حيث الاستقرار النفسي والصحة البدنية. غالبيتهم كانوا من البيض، الذكور، ومن الطبقة الوسطى، وهم جميعاً طلاب في المرحلة الجامعية.

قسمت المجموعة عشوائياً إلى اثنتين متساويتين مساجين وحراس. من المثير أن المساجين قالوا فيما بعد أنهم كانوا يظنون أن اختيار السجانين تم بناء على أجسادهم الأكبر. لكن الواقع أنهم فرزوا بالقرعة باستخدام قطعة نقود، ولم تكن هناك أية فروق موضوعية من حيث البنية بين المجموعتين. السجن أعد في قبو جامعة ستانفورد، وقد وضع زيمباردو مجموعة من القيود على المشاركين أملاً في أن تمنع الهذيان والاختلالات في الشخصية، وانتفاء الهوية الفردية.

تسلم الحراس عصي شرطة، وبزات اختاروها بأنفسهم من محل أزياء عسكرية، وتم تزويدهم بنظارات عاكسة لتجنب التواصل البصري مع المساجين “زيمباردو” قال بأن هذه الفكرة جاءته من أحد الأفلام. وعلى عكس المساجين تمتع الحراس بدوام على شكل دوريات، يعودون إلى بيوتهم بعد انقضائها، لكن عدداً منهم صاروا يتطوعون أحيانا لساعات إضافية رغم أنها بدون أجر.

كان على المساجين أن يلبسوا رداءً فضفاضاً من دون ملابس داخلية وصنادل مطاطية، وهو أمر رجح “زيمباردو” أنه سيجبرهم على التأقلم مع عادات ووضعيات جسمانية غير مألوفة ومزعجة. وقد رمز إلى كل سجين برقم عوضاً عن اسمه، وقد خيطت الأرقام على ملابسهم، وكان عليهم أن يعتمروا قبعات ضيقة من النايلون لتبدوا رؤوسهم كما لو أنها محلوقة تماماً. كما وضعت سلسلة صغيرة عند الكاحل كمنبه دائم على أنهم مسجونون ومضطهدون.

قبل بدء الاختبار بيوم واحد، تم جمع الحراس لحضور جلسة تمهيدية، لكنهم لم يتلقوا أية خطوط أو توجيهات، باستثناء عدم السماح باستخدام العنف الجسدي. قيل لهم بأن إدارة السجن تقع على عاتقهم، وأن لهم أن يديروه كما يشاءون.

قدم “زيمباردو” الجمل التالية للحراس خلال ملخص:

“يمكنكم أن تولدوا إحساساً بالخمول لدى السجناء، ودرجة ما من الخوف، من الممكن أن توحوا بشيء من التعسف يجعلهم يشعرون بأنكم وبأن النظام وبأننا جميعاً نسيطر على حياتهم، سوف لن تكون لهم خصوصيات ولا خلوات. سنسلبهم من شخصياتهم وفرديتهم بمختلف الطرق. بالنتيجة سيقود كل هذا إلى شعور بفقدان السيطرة من طرفهم. بهذا الشكل سوف تكون لنا السلطة المطلقة ولن تكون لهم أي سلطة.”

في المقابل قيل للسجناء بأن ينتظروا في بيوتهم حتى يحين الموعد ويتم استدعاؤهم. بدون أي تحذير تم اتهامهم بالسطو المسلح واعتقالهم من قبل قسم شرطة حقيقي، قدم مساعدته في هذه المرحلة فقط من الاختبار. تم إخضاع السجناء لإجراءات الاعتقال التقليدية بما فيها التسجيل، وأخذ البصمات، والتقاط الصور، كما تليت عليهم حقوقهم تحت الاعتقال. ثم نقلوا إلى السجن المعد للاختبار حيث تم تفتيشهم عراة، و(تنظيفهم من القمل) ومنحهم هويات جديدة.

النتائج..

سرعان ما خرجت التجربة عن السيطرة. فعانى السجناء واحتملوا ممارسات سادية ومهينة على أيدي الحراس، بدت على عدد منهم علامات الاضطراب العاطفي.

فبعد اليوم الأول الذي مر دون ما يستحق الذكر، اشتعل عصيان في اليوم الثاني، وتطوع الحراس للعمل ساعات إضافية للقضاء على التمرد، دون أي إشراف من قبل الطاقم المشرف على الاختبار. بعد ذلك، حاول الحراس أن يفرقوا السجناء ويحرضوهم ضد بعضهم البعض من خلال تقسيمهم إلى زنزانتين واحدة (للجيدين) والأخرى (للسيئين)، ليوهموا السجناء من وراء ذلك إلى أن هناك مخبرين تم زرعهم سراً بين السجناء. لقد نجحت الخطة وآتت الجهود أكلها، فلم يظهر بعد ذلك أي تمرد كبير. وقد ذكر بعض المستشارين بأن هذه الخطة تستخدم بنجاح في السجون الحقيقية في أمريكا.

سرعان ما تحول السجن إلى مكان منفر وغير صحي. وصار الدخول إلى الحمامات امتيازاً، قد يحرم منه السجين، وكثيراً ما حصل ذلك. وقد أجبر بعض السجناء على تنظيف المراحيض بأيديهم المجردة. وتم إخراج الفرش والوسائد من ما سميت زنزانة (السيئين)، وأجبر السجناء على النوم عراة على البلاط. أما الطعام فكثيراً ما حرم السجناء منه كوسيلة للعقاب. لقد فرض العري على السجناء وتعرضوا للتحرش الجنسي والإذلال من قبل السجانين.

“زيمباردو” قال بأن السجناء استجابوا بأحد ثلاث طرق: إما المقاومة بنشاط، أو الانهيار، أو بالرضوخ والطاعة وهي حالة (السجين النموذجي). كما أن “زيمباردو” نفسه أخذ بالانغماس والتورط في الاختبار شيئاً فشيئاً. ففي اليوم الرابع، وعلى أثر سريان إشاعة عن خطة فرار يعدها السجناء، حاول الدكتور “زيمباردو” والحراس أن يحولوا التجربة إلى حقيقة، فأرادوا استخدام بناء غير مستخدم من سجن حقيقي تابع للشرطة المحلية، ونقل السجناء إليه بهدف ضمان (الأمن)، لكن قسم الشرطة رفض طلبهم بهذا الخصوص. ويتذكر “زيمباردو” لاحقاً أنه كان غاضباً ومستاءً من شح التعاون من قبل الشرطة المحلية وعدم وضع مرافقها في خدمة الاختبار.

مع تقدم التجربة، ازداد السلوك السادي عند بعض الحراس ـ وخاصة خلال الليل حيث ظنوا أن الكاميرات كانت مطفأة. قال المشرفون على الاختبار بأن واحد من كل ثلاثة حراس تقريباً أظهر ميولاً سادية حقيقة. معظم الحراس انزعجوا عندما تم إجهاض التجربة قبل الوقت المحدد لها.

وقد أثار “زيمباردو” فكرة مفادها أن المشاركين تقمصوا أدوارهم تماماً، وبدا ذلك واضحاً عندما عُرض على السجناء أن بإمكانهم تقديم طلبات «لتخفيض» في المدة مقابل إلغاء الأجر المتفق عليه، فوافق غالبية السجناء على هذا العرض وتقدموا بطلبات خفض مدة السجن مقابل التنازل عن مستحقاتهم كاملة. وعندما رفضت طلبات تخفيض المدد، لم يقرر أي منهم الانسحاب من الاختبار. وهو ما أثار الاستغراب، فالانسحاب لم يكن ليكلفهم أكثر مما قبلوا بالتنازل عنه سلفاً وهو الأجر الذي سيتقاضونه. بدأت اضطرابات عاطفية حادة بالظهور على سلوك السجناء. أحدهم أصابته ارتجافات في جسمه عندما علم بأن طلب تخفيض المدة الذي تقدم به قد تم رفضه وكان الدكتور “زيمباردو” قد رفض الطلب بعدما ظن أن هذا السجين يتظاهر بالمرض ليتمكن من الخروج من السجن. شاعت بين السجناء مظاهر البكاء والاضطراب في التفكير. عانى اثنان من السجناء من صدمة شديدة في مراحل مبكرة من الاختبار بحيث لزم إعفاؤهما من الاستمرار واستبدالهما.

أحد السجينين البديلين، السجين رقم 416، أصيب بالرعب بسبب معاملة السجانين وأعلن إضراباً عن الطعام للاحتجاج. وقد أجبر على البقاء في الحجز الانفرادي داخل خزنة صغيرة لمدة ثلاث ساعات. وقد فرض عليه السجانون أن يحمل خلال احتجازه النقانق التي امتنع عن أكلها. بعض السجناء الآخرين اعتبروا أنه يفتعل المشاكل. وقد استغل الحراس هذا الأمر فخيروا السجناء ما بين أمرين: إما أن تؤخذ منهم الأغطية، أو أن يحتجز السجين 416 في الحجز الانفرادي طوال الليل. السجناء فضلوا الاحتفاظ بالأغطية. وفيما بعد تدخل “زيمباردو” وأعاد 416 إلى زنزانته.

أخيراً قرر “زيمباردو” إجهاض الاختبار قبل الموعد. قبل بدء الاختبار حضرت الباحثة “كريستينا ماسلاتش” المقابلات الأولى مع المشاركين، ولم تكن على علم سابق بالاختبار، إلا أنها أبدت صدمة كبيرة من الوضع السيئ للسجن. هي حالياً زوجة “زيمباردو”، وكانت خطيبته آنذاك وكانت باحثة حديثة التخرج آنذاك . وقد نبه “زيمباردو” إلى أنها كانت الوحيدة (من بين 50 شخصاً لا علاقة لهم بالاختبار شاهدوا السجن) التي ناقشت أخلاقية إجراء مثل هذا الاختبار. بعد انقضاء 6 أيام فقط تم إيقاف الاختبار الذي كان من المفترض أن يستمر لأسبوعين.

تعتبر هذه التجربة عرضاً لأنماط الطاعة والانصياع التي يبديها الناس عندما يتعرضون لنظام أيديولوجي يحظى بدعم اجتماعي ومؤسساتي. لقد تم توظيف هذا الاختبار لتوضيح وفهم معالم قوة (السلطة)، وتبدو نتائج هذه التجربة متوافقة مع اختبار آخر أجراه (ميلغرام) وسمي باسمه، وهو كذلك من حيث أنه يدعم فكرة (التنسيب المكان)) التي تقول بأن الوضع أو الواقع هو الذي سبب سلوك الأفراد في الاختبار أكثر من أي شيء موروث في شخصياتهم.

النقد..

تم توجيه نقد واسع النطاق لهذه التجربة، وتم اعتبارها منافية للأخلاق وغير علمية في نفس الوقت. وقد بين بعض النقاد ومنهم (إيريك فروم) بأن من السهولة بمكان تعميم نتائجها. بدا من غير الممكن ضبط التجربة بالضوابط العلمية التقليدية على اعتبار أنها (تجربة حقلية) وليست (مخبرية). كما أن “زيمباردو” لم يكن مراقباً محايداً، بل ساهم وأثر في اتجاه التجربة كمشرف عليها. نتائج التجربة والمراقبة التي وضعها المشرفون كانت بعيدة عن الموضوعية وهي تجربة يصعب على باحثين آخرين تكرارها بسهولة.

بعض النقاد جادلوا معتبرين أن المشاركين في التجربة انتهجوا السلوك الذي يفترض بهم أن يسلكوه، أو قلدوا نماذج إرشادية مسبقة كانوا يعرفون أنها تحدد العلاقة بين الحراس والسجناء. بمعنى آخر فالمشاركون كانوا يلعبون أدوارهم ويلبسونها. ويجادل “زيمباردو” بالمقابل بأنه حتى لو كان هناك لعب أدوار فإن المشاركين انطبعوا بأدوارهم واستدخلوها أثناء مراحل التجربة. تم انتقاد التجربة أيضاً من ناحية (قسوة الظروف) فكثير من الظروف التي فرضت عليها كانت متطرفة وقد لا تتوفر في ظروف السجون الحقيقية. بما فيها عصب أعين السجناء، أو إجبارهم على ارتداء ملابس نسائية، وكذلك حرمانهم من ارتداء ملابس داخلية، ومنعهم من النظر عبر النوافذ أو من استخدام أسمائهم.

ورد “زيمباردو” بأن السجن يمثل تجربة مربكة ومهينة للسجين وكان من الضروري إضافة هذه الإجراءات لوضع السجناء في الإطار المناسب. على أي حال من الصعب توقع نتائج مثل هذه الظروف في سجن حقيقي، كما أن من الصعب إعادة إنتاج ظروف التجربة بدقة حتى يتمكن آخرون من تجريبها. اعتبر آخرون هذه الدراسة (قطعية) على نحو مبالغ به، ففي حين وصفت التقارير اختلافات نوعية في السلوك القاسي للحراس، وأسوأها صدر عن حارس سمي “جون واين”، لكن حرساً آخرين كانوا ألطف وأسدوا خدمات للسجناء. لم يعلق “زيمباردو” على الأمر ولم يحاول تفسير الفروق.

أخيراً، يعتبر حجم العينة صغيراً جداً، بوجود 24 مشاركاً فقط، في مدة قصيرة نسبياً. (هاسلم) و(ريخر) عالما نفس من جامعتي إكستر والقديس أندرو قاما بإجراء تقليد جزئي للتجربة بمساعدة هيئة الإذاعة البريطانية. التي قامت ببث مشاهد من التجربة في برنامج من برامج (تلفزيون الواقع) تحت اسم (التجربة) وكانت نتائجهما شديدة التباين مع نتائج “زيمباردو”. لم تكن الإجراءات التي اتبعوها استنساخاً لتلك التي اتبعها “زيمباردو”، وقد ألقت المزيد من الشكوك على إمكانية تعميم النتائج.

تم إنتاج فيلم “التجربة” عام 2001 عن هذا الاختبار وفى أغسطس 2010 عرض الفيلم الأمريكي “التجربة” للجمهور متناولا نفس قصة التجربة، بطولة الحائزين على جائزة الأوسكار “فورست ويتكر وأدريان برودي”. في العام 2015 تم إنتاج فيلم “تجربة سجن ستانفورد” يحكي عن نفس القصة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة