قيل ان الحقوق تؤخذ ولاتعطى .. والأخذ يكون ببذل الجهد والمواظبة على المطالبة والاصرار على انتزاع الحق مهما كانت التضحيات .. والمطالبة تأخذ عدة أشكال ومنها اعلامية واجتماعية واقتصادية وسياسية وغيرها . وقد حاولت الشعوب والمجتمعات التوحد فيما بينها لتكون مطالبتها وسعيها لانتزاع الحقوق مؤثرا وواضحا وينظر اليه بعين الاهتمام بحيث يضطر الجانب المواجه للرضوخ وتنفيذ المطالب بدون تردد او نقص. وهذا اكيدا يعتمد على شدة وقوة ومطاولة وصبر المطالبين بالحق .
في مختلف العصور يحدثنا التاريخ عن امم ومجتمعات طالبت بحقوقها وضحت بخيرة ابنائها والكثير من اموالها وممتلكاتها لأجل انتزاع حقوقها. ومن اوضح مصاديق المطالبة القوية والتضحيات لانتزاع الحقوق هي حركات التحرر والمقاومة والتخلص من العبودية والاستعمار والتي شهدتها مختلف مناطق العالم . ومنها ايضا نهضات الشعوب ومقاومتها للطغاة والمتجبرين الذين استولوا ويستولون على حقوقها وممتلكاتها. وقد سقط الطغاة ويسقطون رغم تفرعنهم وتحصنهم بالقصور والقوات والسلاح ودعم دول الخارج الكبرى والصغرى. سقطوا تحت صبر الشعوب المقاومة ومطاولتها وجلدها
رغم تقديمها للتضحيات الجسيمة والثمينة , حتى اننا في العراق ضحينا بالكثير من الرجال الاشداء وفي مقدمتهم ثلة طيبة من العلماء المجاهدين ومنهم السيد الشهيد محمد باقر الصدر والسيد الشهيد محمد الصدر , اللذان قدما دمائهما الزكية قربانا لنيل الشعب العراقي حقوقه والتخلص ممن سلبها , والذي عاش الشعب تحت امرته في اقسى الظروف ولاقى ابشع انواع الظلم والتعسف والحرمان. ويحضرني هنا قول للإمام علي عليه السلام ” اذا رأيت الظالم مستمرا في ظلمه فاعرف ان نهايته محتومة , واذا رأيت المظلوم مستمرا في مقاومته فاعرف ان انتصاره محتوم” .. وحصل السقوط لظالم
العراق وانتصر الشعب رغم تدخل قوى خارجية .
بعد السقوط الذي حصل بفضل تضحيات الصدرين العظيمين والشهداء من علماء الدين واتباع المرجعية وابناء الشعب , حصلت بعض فئات الشعب العراقي على شيء من حقوقها المسلوبة اكيدا , وحصلت فئات اخرى على حقوقها كاملة وربما اكثر حسب مايرى المتتبعون .. ومن هذه الفئات المحظوظة هم الاكراد طبعا .. فهم يتمتعون بميزات دولة , حتى وان كانوا اقليما ضمن العراق ولكنهم يرون انفسهم دولة حيث يحصلون على امتيازات الاقليم من جهة ويتصرفون تصرفات وكأنهم دولة ند بعيدة عن المركز من جهة اخرى. اما ارتباطهم بالمركز فهو ضعيف الى حد ما وامتيازاتهم يحلم بها أبناء المحافظات
الاخرى . طبعا هم اخذوها باعتبارهم فئة وقومية وليس باعتبارهم اقليما جغرافيا .
لااريد هنا الخوض في القضايا الطائفية ولكن المسميات لابد منها كون الشعب العراقي يمثل نسيجا مختلطا وكما يعبر عنه عادة كالفسيفساء , كل له تقاليده وخصوصياته .. فبعض فئات الشعب تعرضت لظلم لانظير له , وما المقابر الجماعية وقتل الرموز والعلماء والقادة وتهجير الملايين ومصادرة الممتلكات الا شواهد واضحة على ذلك.. والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هنا يتطرق للحقوق وهل حصل كل على حقه ؟..لااريد التحدث عن الاراء المختلفة ولكني جزما اجيب بالنفي.
في الاونة الاخيرة حصل جدل ومداولات حول القانون الجعفري وعدم اقراره من قبل مجلس الوزراء. ولو تصفحنا التاريخ القريب وكذلك البعيد للعراق لوجدنا ان المحاكم التي كانت تهتم بالشؤون العامة للمواطنين كانت على قسمين , وقسم منها يختص بالقانون الجعفري , حيث تجري عقود الزواج والطلاق وغيرها حسب القانون الجعفري الى يستند الى فقه مذهب اهل البيت عليهم السلام وفتاوى علماء الشيعة. ولازال اقربائي يقولون انه كانت في زمن حكم البعث الظالم محاكم جعفرية وقد منعت في بداية السبعينات من القرن الماضي . اما في الدول الاخرى وخصوصا المجاورة التي تضم ضمن
شعوبها مواطنين من اتباع مذهب اهل البيت كالكويت والبحرين وغيرها فهي لديها محاكم خاصة بالفقه الجعفري . . وهذا هو حق لازم يجب العمل به وفق مبادئ حقوق الانسان وحرية المعتقد .
اما في العراق فقد فوجئ الكثير برفض مجلس الوزراء للقانون الجعفري بشقيه ( القضائي والاحوال المدنية ) ورغم اني غير متخصص بالقانون ودراسته ولكني ارى والكثيرون انه من اوضح الحقوق واشدها طلبا لللإقرار كونه ينظم حياة مايقارب العشرين مليونا من ابناء الشعب العراقي .. والرفض جاء لأسباب عدة , والمعلنة منها هي عدم مناسبة الوقت والظروف او لرفض احدى المرجعيات حسب ماقيل.وفي مقابلة له مع قناة الحرة قال وزير العدل حسن الشمري ان السبب الأول لرفض القانون هو ان وزيرة المرأة قالت انها التقت بالشيخ عبدالمهدي الكربلائي والذي ابلغها برفض مكتب السيد
السيستاني للقرار وقد اعلنت هذا في جلسة مجلس الوزراء مما تسبب في تغيير رئيس الوزراء وكثير من الوزراء لرأيهم وصوتوا ضد اقرار القانون .. أما غير المعلنة فهي تبقى في حيز الاحتمالات ومنها ان الاخرين لايريدون ان يقر القانون الذي طالبت به كتلة معينة تتبع قيادة معروفة ولديها اعضاء في البرلمان وفي مجالس المحافظات .. لكي لايحسب لها فضل اقرار القانون وتحقق الاستفادة منه في الانتخابات البرلمانية القادمة . ومن الاسباب ايضا ان رئيس الوزراء وبعض الوزراء لايريدون فتح باب للاختلاف مع الطوائف والقوميات الاخرى كونهم يشاركون في العملية السياسية
وقد يؤدي اقرار القانون الى خروج هؤلاء من العملية السياسية حيث يفقد البعض مناصبه التي يقاتل عليها ويبذل الغالي والنفيس لأجلها . اضافة الى اسباب محتملة اخرى لايسع الاختصار المتعمد للتطرق لها .
ولكنهم لم يلتفتوا الى انهم برفضهم القانون بشقيه قد حرموا تلك الملايين من اوضح واهم حق لهم ينظم حياتهم ومعاملاتهم الكثيرة . وهذا ببساطة يمثل استمرارا للظلم الذي كان واقعا ابان حكم نظام البعث . ولكن لابد من الاشادة بمن ايد القانون ورحب به ودافع عنه وصوت لصالح اقراره من مرجعيات وقادة دينيين وسياسيين ووزراء ووجهاء وكتاب واعلاميين وغيرهم. وقبل ختام هذه الاسطر لابد من ذكر المفارقة التي حصلت اخيرا , وهي انه في خضم الجدل حول عدم اقرار القانون ومارافق ذلك من خيبة امل وحسرة واحباط شعرت به فئة كبيرة من ابناء الشعب والمرجعيات والقادة , جاءت
لنا الاخبار من مجلس الوزراء بأن الاكراد قد حققوا انجازا اخر باقرار اللغة الكردية كاللغة الرسمية الثانية في عموم البلد ويجب ان ترافق اللغة العربية في الكتب والمخاطبات الرسمية .