تثير اليات التفكير العراقي المتجدد تحت عنوان الديمقراطية لاقلمة مناطقه الى محافظات جديد وصلت الى حد اطلاق نكات ساخرة بان الشراع الفلاني لان فيه اغلبية من عشيرة ما يسعى لإعلان نفسه محافظة !!
ولابد من التنويه بان العراق الجديد وطن الجميع بكل مكوناته الاجتماعية وطوائفه وقومياته ، الا ان واقع الحال يؤشر في القراءة التاريخية، ان بلاد الرافدين لم تتعرض بوصفها “وطن ” لم تتعرّض لمتغيرات الجغرافية البشرية وفقاً لأهواء السلطة مهما كان نوعها، فهذه الرقعة من الأرض منذ سقوط دولة بابل الثالثة عام 536 ق.م ، وهذه البقعة من الارض المتعارف عليها في الادبيات السياسية كموطن الحضارة الاولى ، شهدت الكثير من المداخلات التاريخية مرة بعد الفتح الإسلامي، وثالثة بعد تأسيس دولة العباسيين فيها وظهور بغداد كحاضرة مدنية وصولاً الى الفترة المظلمة ما بين 1027م حتى “الفتح العثماني” الذي تخلّله التنافس ما بين سلاطين آل عثمان مع شاهات الدولة الصفوية، فظهر واضحاً اول نوع من تصفية الحسابات على أرض الغير، مطلوب من اهل بلاد الرافدين التي سميت فيما بعد “الفتح البريطاني” رسمياً باسم “العراق الخضوع لمعايير مصالحهم السياسية ..
وما بعد التغيير عام 2003 ، عدت قيادات الاحزاب المؤتلفة في مؤتمر لندن لقوى المعارضة العراقية ان منهجية تاسيس العراق الحديث اعتمدت اسس خاطئة ، فانتهى الامر الى اقرار عملية اعادة تكوين الدولة ، وفي هذا الامر سجالات كثيرة ما ببين ما نشره بول بريمر الحاكم المدني في مذكراته وبين قناعات الكثير من قيادات ذات الاحزاب التي شاركت في مؤتمر لندن ذاته ، مثل المجلس الاسلامي الاعلى الذي اعتبر مرحلة الاحتلال الاميركي للعراق مجرد انتقالة في بناء دولة عصرية وليس مجالا لاعادة نحت الدولة وفق اسس جغرافية بشرية جديدة ، في وقت ما زالت الاحزاب الكردية تتعامل مع هذا الموضوع من حيثيات اعادة تكوين اقليم كردستان وفقا لتصوراتها عن المناطق المستقطعة من الاقليم واهيمة اعادة تطبيعها من خلال اعادة الطبيعة السكانية الكردية فيها وصولا الى اطلاق الاستفتاء لانضمامها الى ادارة الاقليم .
وان كانت هناك قناعات محدودة بان مثل هذا التطبيع حالة مفترضة نتيجة سياسات التعريب التي انتهجها النظام السباق ، الا ان اطلاق نعرة الاقلمة من خلال تحويل عدد من الاقضية الى محافظات ، تجدد العودة الى نقطة الصفر في رسم مكونات اداة هذه الدولة الجديدة عبر اليات تبدو قانونية ودستورية ، الا انها في حقيقة الامر تسير باتجاه التقسيم المذهبي والقومي .
نعم يمكن ان تكون بعض التغيرات الادارية مطلوبة لاغراض التنظيم فحسب ، لكن ان تكون هناك موجة من المطالبات ” الشعبية ” بتكوين المحافظات ، لا يمكن ان توصف بكونها لصالح العراق الجديد باي حال من الاحوال
والحديث عن الخصوصيات باي اتجاه كان يتطلب اعلاء روح المواطنة والانتماء للعراق الديمقراطي الواحد ، مع الاعتزاز باي انتماء ثانوي ، وليس العكس ، والاتجاه الى تقيم الانتماء الثانوي على الانتماء للوطن ، يؤدي الى تصعيد روح التقسيم ، والرد على ذلك بان ظروف العراق الامنية والخلافات السياسية تتطلب مثل هذا النمط من التقسيم ، مجرد ترويج لافكار تضعف روح المواطنة وتثير الفتنة ، تنتهي الى بعثرة جهود الدولة في وقت تكون الاجابة على الصعوبات التي تواجه اليات الازدهار الاقتصادي ، تكون بتوحيد الجهود الوطنية لاعلاء شان العراق الجديد وليس العكس ، فقط لمجرد الترويج الانتخابي ضد الارهاب ، العنوان الكبير الذي تدخل تحته القيادات العراقية الانتخابات المقبلة، لايهام الناخب بان تنوع توزيع المحافظات الجديد يعني الاستقرار الأمني، في حين انه يمثل نوعا من سايكس – بيكو عراقي.