يسعد العراقيون بمجيء موسم الرطب، وهم يتحملون حرارة الصيف في سيبل رؤية البلح ينضج، ويتحول إلى رطب. كلما كانت حرارة الجو مترفعة كان الرطب في متناول الأيدي. مدينة البصرة تبكر عن غيرها من المدن العراق بأنها أول متذوق للرطب، ويشمر الطواشون – جلهن من النساء- عن سواعدهم في جني هذا المحصول تحت أنغام وأهازيج العمل.
صورة اليوم مختلفة عن ذي قبل، فقد تراجع العراق عن عرش الصدارة في إنتاج التمر، ولم تعد عمتنا النخلة تجود بما تحمل من (عثوك) التمر كما كانت في السابق . وراء هذا التراجع في إعداد النخيل أسباب كثيرة منها : الحروب العبثية التي دخل بها البلد، والتي حولت غابات النخيل إلى مقابر جماعية مازالت أثارها باقية وغصتها في الحلق حتى اليوم، وأشجار عقيمة الإنتاج. وهناك سبب أخر هو قلة الاهتمام الحكومي والشعبي ساهم في تدهور إعداد النخيل فضلا على عدم مقدرة بعض الفلاحين على التكيف مع المتغيرات واعتماد وسائل الزراعة الحديثة، وفضل بعضهم التحول إلى موظفين يجلسون خلف كراسي الدوائر الحكومية تاركين مزارع النخيل كي يأكلها الإهمال والمرض. قد يكون لرغد العيش هو الذي دفع بعض الفلاحين إلى ترك القرية، وتفضيل المدينة عليها . ولكن تبقى الطامة الكبرى التي عجلت في القضاء على ما تبقى من غابات النخيل هي أزمة السكن، وعدم وجود حلول سريعة ،جعل بعض أصحاب البساتين يعمدون إلى حرق وتجريف النخيل، وتحويلها إلى أراضي سكنية لاسيما في بغداد مع خطوات حكومية خجولة في منع هذا التجاوز. ويضاف إلى كل هذا أزمة المياه وزيادة الملوحة فقد إضافة عبئاً جديداً إلى ما سبق. هذه الأسباب المتجمعة جعلت العراق يفقد الكثير من غطائه نباتي، وتحولت مساحات كبيرة إلى ارض جرداء خاوية بعدما كانت أرضا للسواد.
الحكومة حاولت تدارك هذه المعضلة، ولكن يبدو إن الحلول لم تكن بالمستوى المطلوب لأسباب متداخلة. النتيجة تراجع العراق عن قيادة عالم التمور،ولم يجن أهله من رطبهم الذي كانوا يفتخرون به سوى الحر القائظ ،وأصبح الرطب بعيدا عن معدة العراقيين بعدما كان غذاء الفقراء.
“””””””””””””””””””””””
*الطواشون : فلاحون يعملون في مزارع غيرهم في موسم جني التمر لقاء مبالغ مالية أو كميات من التمر.