تأزم سياسي واختناق اقتصادي .. ماذا فعل صندوق النقد والدولار الأميركي بـ”بكستان” ؟

تأزم سياسي واختناق اقتصادي .. ماذا فعل صندوق النقد والدولار الأميركي بـ”بكستان” ؟

وكالات – كتابات :

تشهد “باكستان” تقلبات سريعة منذ تغيير النظام في البلاد؛ في نيسان/إبريل الماضي، وقد أثارت الاضطرابات السياسية مخاوف المستثمرين وتسببت في عدم استقرار اقتصادي، فيما تُعتبر البلاد في خطر التخلف عن سداد ديونها؛ بحسب تحليل “سابينا صديقي”؛ في تقريرها المنشور على موقع مركز (إنترريغونال) للتحليلات الإستراتيجية.

ونظرًا إلى أن “إسلام آباد” تتمتع بسلاح نووي، وإلى موقعها الإستراتيجي وعدد سكانها الهائل، سيكون لهذا التخلف آثار بعيدة المدى وتداعيات دولية. ومع ذلك، يبدو أن الحالة قد تحسنت الآن.

ولكن لا يزال برنامج الإصلاحات الهيكلية الذي وضعه “صندوق النقد الدولي” معلقًا؛ ما أدى إلى استنفاد الاحتياطيات الأجنبية وزيادة الضغط على دفع تكاليف الواردات وتفاقم حالة عدم اليقين في السوق بشكلٍ كبير، وبالتالي إلى تفاقم المخاطر الاقتصادية.

أسباب الأزمة..

أصبح “عمران خان”؛ أول رئيس وزراء باكستاني يخسر تصويتًا بحجب الثقة بعد نشوء مأزق دستوري قصير الأمد، فيما تولى زعيم المعارضة؛ “شهباز شريف”، زعيم (الرابطة الإسلامية) الباكستانية، السلطة.

وكان “خان” وحزبه، (تحريك إنصاف)، قد فقدوا الأغلبية البرلمانية حيث تخلى شركاؤهم الرئيسيون في الائتلاف عنهم محاولين إنقاذ أنفسهم. كما فقد “خان”؛ في السابق، دعم الجيش الباكستاني القوي، الذي أعلن: “حياده” بعد وقت قصير من الخلاف الذي دار حول تعيين رئيس جديد لجهاز المخابرات.

وحاولت حركة (تحريك إنصاف) استعادة سلطتها بسرعة عبر تأجيج الخلافات السياسية من خلال إطلاق حملات شرسة على وسائل التواصل الاجتماعي تزعم أن مؤامرة أجنبية كانت السبب وراء تغيير النظام.

وبدلاً من انتظار الانتخابات المقبلة؛ في 23 آب/أغسطس 2023، تم تنظيم مسيرات في جميع أنحاء البلاد؛ ما أثار حالة من عدم اليقين بشأن استمرار حكومة “شريف”.

وفي الوقت نفسه، أدى تفشي الاستقطاب السياسي والتسييس المفرط للمجتمع إلى تآكل الوحدة والاستقرار الوطنيين. ومع تراجع اهتمام المستثمرين، أصبحت سوق الأسهم تدريجيًا أكثر تقلبًا وتراجعت قيمة الروبية بنسبة: 7.6%، لتصل إلى: 228 روبية للدولار الواحد، وهي أكبر نسبة انخفاض تُسجل في أسبوع منذ عام 1998.

تحديات متزامنة..

يمكن تناول أبرز التحديات التي تواجه “باكستان” والنظام السياسي الحالي فيها، وذلك على النحو التالي:

01 – افتقار رئيس الوزراء لسلطة صنع القرار: يفتقر رئيس الوزراء؛ “شهباز شريف”، التأثير اللازم؛ لأنه ليس رئيسًا للحزب؛ إذ ينتمي حزب (الرابطة الإسلامية الباكستانية) إلى شقيقه الأكبر؛ “نواز شريف”، الذي كان رئيسًا للوزراء لثلاث ولايات منفصلة.

ويتعين على “شهباز” التشاور مع حزبه قبل اتخاذ القرارات؛ ما أدى إلى تأخر تنفيذ مختلف الإجراءات الاقتصادية التي يتطلبها “صندوق النقد الدولي” وتدهور الظروف الاقتصادية. وتتألف “حكومة الوحدة” الجديدة من 11 حزبًا سياسيًا تتقاسم السلطة؛ ما يعني أنه يجب التوصل إلى إجماع قبل اتخاذ أي خطوات رئيسة.

02 – تصاعد عدم اليقين الاقتصادي: خرج برنامج “صندوق النقد الدولي” الباكستاني عن مساره؛ في شباط/فبراير، عندما تراجعت الحكومة السابقة عن إلتزاماتها وخفضت دعم “النفط” المُوّصى به.

ولقد أهدرت هذه الخطوة وقتًا ثمينًا؛ إذ كان لا بد لوزير المالية الجديد؛ “مفتاح إسماعيل”، إعادة إطلاق المفاوضات مع “صندوق النقد الدولي”. ونتيجةً لذلك، لم يتم الإفراج عن دفعة بقيمة: 1.7 مليار دولار كانت مستحقة لـ”باكستان”، ما أدى إلى تفاقم حالة عدم اليقين في السوق.

03 – ضرورة اتخاذ قرارات غير شعبية: وجب على “إسماعيل” تلبية متطلبات “صندوق النقد الدولي” واتخاذ قرارات غير شعبية تم تجنبها سابقًا، مثل زيادة أسعار البنزين والديزل؛ فبالإضافة إلى النكسات السياسية، بلغ التضخم ذروته، ووصلت سوق الأسهم إلى مستويات منخفضة جديدة، وانخفضت “الروبية الباكستانية” مقابل “الدولار الأميركي”.

وأخيرًا، وضع “صندوق النقد الدولي” شروطًا جديدة لمواصلة برنامج القروض وطلب ضمانات من: “الدول الصديقة” التي يُمكنها مساعدة “إسلام آباد”، كما أراد “البنك الدولي” و”مصرف التنمية الآسيوي” استكمال مختلف الوسائل.

التعافي المتوقع..

تصل احتياطيات العُملات الأجنبية اليوم إلى: 9.8 مليار دولار، وهو ما يكفي لتغطية خمسة أسابيع من الواردات فقط. وتمكنت “إسلام آباد” أخيرًا من التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين مع “صندوق النقد الدولي”؛ في تموز/يوليو.

ومع ذلك، ستتأخر هذه الدفعة حتى نهاية آب/أغسطس؛ وستظل الأسابيع المقبلة متوترة. وأصدرت “وزارة المالية” و”مصرف دولة باكستان” بيانًا مشتركًا يُشير إلى أن جميع الشروط التي فرضها “صندوق النقد الدولي”؛ بعد مراجعته قد اكتملت، وأن الأزمة الاقتصادية ليست سوى حالة مؤقتة سيتم تصحيحها في الأسابيع المقبلة.

ووفقًا لـ”مصرف دولة باكستان”، بمجرد كبح عجز الحساب الجاري وبعد أن تُصبح النظرة إلى السوق أكثر إيجابية، سترتفع قيمة “الروبية” تمامًا كما فعلت في بداية برنامج “صندوق النقد الدولي”؛ في عام 2019. وذكر المصرف أن “الروبية” أصبحت مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، وأن “الدولار” تجاوزها في سوق (الفوركس) لأسباب مختلفة، لكنها ستستعيد قيمتها الحقيقية في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر.

ومن المتوقع أن تُحقق “الروبية” أداءً جيدًا وأن تُحقق “انتعاشًا قويًا” في شهر آب/أغسطس. وظلت معظم المؤشرات الاقتصادية واعدة على الرغم من الاضطرابات السياسية في البلاد.

التأثيرات العالمية..

ليست “الروبية”؛ العُملة الوحيدة التي انخفضت مقابل “الدولار” الأميركي؛ فقد تضررت العُملات العالمية الأخرى مثل: “الجنيه الإسترليني واليورو”. وتعرض سعر صرف “الروبية” لضغط بسبب الارتفاع العالمي في قيمة “الدولار” الأميركي وتكديس “الدولار” من قِبل الشركات الخاصة.

ووصل “الدولار” إلى أعلى مستوى له في 20 عامًا؛ إذ ارتفع مؤشر “الدولار” الأميركي؛ (DXY)، بنسبة: 10% منذ بداية العام وحتى اليوم، و15% خلال الإثنى عشر شهرًا الماضية.

وشعرت الدول الغربية بهذه التداعيات أيضًا، مع حدوث إضرابات في “المملكة المتحدة”، وانتخابات مبكرة في “إيطاليا”، وانخفاض معدلات تأييد الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، بنسبة: 37.7%. ووجدت “الروبية” الباكستانية صعوبة في أن تبقى مستقرة بسبب عدم اليقين السياسي الداخلي.

وتم استنفاد احتياطيات النقد الأجنبي الباكستانية بشكل أساس بسبب التدفقات المتزايدة إلى الخارج، في حين تباطأت التدفقات إلى الداخل؛ أي القروض المتوقعة من “صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي” و”بنك التنمية الإفريقي” وحلفاء مثل: “الصين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”.

ويُعاد هذا أيضًا جزئيًا إلى التأخير ابتداءً من شهر شباط/فبراير في استكمال مراجعة برنامج “صندوق النقد الدولي”، بسبب التغييرات في سياسة “خان” وتغيير النظام في “إسلام آباد”.

وختامًا، فإنه بعد استلام دفعة “صندوق النقد الدولي”، سيعود الاستقرار. ومع ذلك، لن تنتهي الأزمة تمامًا إلى أن يتم تحديد موعد الانتخابات المقبلة.

ومن المُرجح أن تُطالب المعارضة بإجراء انتخابات هذا العام، بينما تفضل الحكومة الحالية إجراء انتخابات في آب/أغسطس من العام المقبل. ومع ذلك، فإن هذه الأزمة الاقتصادية قضية طويلة الأجل ولا يمكن حلها من خلال تغيير الحكومة.

وسيُزيد أي اضطراب من تعقيد المراجعات الثلاث المتبقية لحزمة “صندوق النقد الدولي”، ويُحفز التصنيفات السلبية، ويحد من وصول “باكستان” إلى تمويل السوق. ويمكن أن تستمر بعض العوامل الخارجية أيضًا في إحداث تداعيات سلبية على “باكستان”، مثل الصراع في “أوكرانيا” وارتفاع أسعار الفائدة الأميركية؛ ما يؤدي إلى نفور مستثمرين من المخاطر.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة