الجفاف يفتك بأنهار أوروبا وسط تحذيرات بالأسوأ .. إن لم تُنفذ توصيات قمم المناخ والمنظمات المختصة !

الجفاف يفتك بأنهار أوروبا وسط تحذيرات بالأسوأ .. إن لم تُنفذ توصيات قمم المناخ والمنظمات المختصة !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في ظاهرة لم تحدث منذ 500 عام، يتواصل اتساع نطاق تأثيرات ظاهرة التغير المناخي العاصفة بـ”أوروبا”؛ التي تئن تحت وطأة الجفاف وحرارة الطقس وشُح المياه، لدرجة أن “المفوضية الأوروبية” دقت ناقوس الخطر مُعلنة أن ما يقرب من نصف أراضي “الاتحاد الأوروبي” تندرج الآن تحت بند التأهب الأقصى وهي الأعلى، مما يُلقي بظلاله السلبية على مختلف مناحي الحياة والقطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية والاقتصادية والخدماتية في بلدان “أوروبا”.

وقال “آندريا توريتي”، كبير الباحثين في “مجلس البحوث المشترك”؛ التابع لـ”المفوضية الأوروبية”: “في الوقت الحالي، يبدو أن هذا هو العام الأسوأ منذ 500 عام، وهو حتى أسوأ مما كان عليه في عام 2018″، مضيفًا أن: “عام 2018 كان شديد الحرارة لدرجة أنه بالنظر إلى القائمة الخاصة بالأعوام الـ 500 الماضية، لم تكن هناك أحداث أخرى مماثلة، نظرًا لتفاقم الطقس الحار والجاف منذ 04 سنوات”.

ويُحذر خبراء مناخ وبيئة من أن الأمور ربما تكون أسوأ بكثير، حيث أن السجلات المدونة لقياس درجات الجفاف الأوروبية تعود فقط إلى 500 سنة خلت، وأن هذا يعني أن الجفاف الذي يفتك بالقارة الآن ربما يكون غير مسبوق على مدى تاريخها، أو على الأقل لمدة تزيد بكثير عن 500 عام.

انتقال رسمي لحالة الجفاف..

بالأمس؛ أعلنت الحكومة البريطانية، إن أجزاء من جنوب ووسط وشرق “إنكلترا” انتقلت رسميًا إلى حالة الجفاف، بعد فترة طويلة من الطقس الحار الجاف التي تشهده القارة الأوروبية.

وقال وزير المياه البريطاني؛ “ستيف دوبل”، في بيان له، إن جميع شركات المياه أكدت أن الإمدادات الأساسية من المياه لا تزال آمنة.

وأضاف الوزير إن البلاد مستعدة بشكلٍ: “أفضل من أي وقتٍ مضى” لفترات الطقس الجاف، وأكد استمرار مراقبة الوضع عن كثب، بما في ذلك الآثار المترتبة على المزارعين والبيئة، واتخاذ المزيد من الإجراءات حسب ما تقتضي الحاجة.

وبلغ معدل جفاف منبع “نهر التيمز”؛ أعلى مستوياته على الإطلاق في اتجاه مجرى النهر، إذ يبدو أن “إنكلترا” تتجه صوب موجة جفاف يقول بعض الخبراء إن البلاد غير مستعدةً لها.

تموز.. الشهر الأكثر جفافًا !

وقال مكتب الأرصاد الجوية في “بريطانيا”، إن شهر تموز/يوليو الماضي؛ كان الأكثر جفافًا في “إنكلترا” منذ عام 1935، إذ بلغ متوسط هطول الأمطار: 23.1 مليمتر؛ أي: 35 بالمئة فقط من المتوسط لهذا الشهر.

ويجف الينبوع الطبيعي الذي يُغذي النهر أو منبعه في معظم فصول الصيف، ولكن هذا العام، وصل الجفاف إلى مجرى النهر بشكلٍ أكبر مما كان عليه في السنوات السابقة، وفقًا لملاحظات خبراء الحفاظ على البيئة.

انخفاض مستوى المياه في بحيرة “غاردا”..

وفي “إيطاليا”، أدت أسوأ موجة جفاف تشهدها “إيطاليا”؛ منذ عقود، إلى انخفاض مستوى المياه في بحيرة “غاردا”، أكبر بحيرة في البلاد، إلى ما يقرب من أدنى مستوى لها على الإطلاق.

وتسبب انخفاض مستوى المياه في البحيرة بالكشف عن مساحات من الصخور كانت سابقًا مغمورة تحت الماء وتسخين المياه لدرجات حرارة تقترب من متوسط الحرارة في منطقة “البحر الكاريبي”.

ولم يشهد شمال “إيطاليا” هطول أمطار منذ شهور، وانخفض تساقط الثلوج هذا العام بنسبة: 70 بالمئة، ما أدى إلى جفاف أنهار مهمة مثل: “نهر بو”، الذي يتدفق عبر قلب “إيطاليا” الزراعي والصناعي.

تُعاني العديد من الدول الأوروبية، ومنها: “إسبانيا وألمانيا والبرتغال وفرنسا وهولندا وبريطانيا”، هذا الصيف؛ من الجفاف الذي أضر بالمزارعين وشركات الشحن ودفع السلطات إلى تقييد استخدام المياه.

إعاقة حركة تجارة الحبوب..

وأما “نهر الدانوب”، والذي يشُّق طريقه عبر مساحة: 1800 ميل بين وسط “أوروبا” و”البحر الأسود”، يجف هو الآخر، مما يُعيق حركة تجارة الحبوب وغيرها.

الجفاف الذي يُصيب الأنهار في “أوروبا” يُسبب اضطرابات قوية في حركة التجارة عبر الأنهار، والتي تُعد عنصرًا مهمًا للنقل بين الدول الأوروبية، وهذا يحدث، بعد أربعة سنوات فقط من توقف مُشابه لحركة النقل التاريخية عبر “نهر الراين” الشهير، لتراجع منسوب المياه فيه؛ خلال 2018، مما يُزيد الضغوط على “الاتحاد الأوروبي” لدعم قطاعات النقل، في وقت يواجه فيه الاتحاد العديد من التحديات بسبب أزمة “أوكرانيا” ونقص الغاز وغيرها.

الأنهار تُنعش اقتصاد “اليورو” بـ 80 مليار دولار..

للانهار والقنوات المائية أهمية كبيرة للاقتصاد الأوروبي، إذ تُساهم حركة النقل النهري بنحو: 80 مليار دولار في اقتصاد “منطقة اليورو”، بحسب بيانات هيئة (يوروستات)، وهو مبلغ قد تفقده ميزانية دول “الاتحاد الأوروبي”؛ إذا ما توقفت حركة النقل عبر الأنهار والقنوات المائية بالمنطقة.

وتُشير التوقعات، والتي تفترض استمرار الظروف السيئة، إلى أن اقتصاد “منطقة اليورو” قد يفقد نحو: 05 مليارات دولار بسبب الأضرار التي تمنع حركة التجارة عبر “نهر الراين” حاليًا، وفقًا للاقتصادي المتخصص بقطاع النقل في بنك (إيه. بي. إن)؛ بحسب “جان سوارت”.

وقال “سوارت”؛ إن قدرة الدول الأوروبية على استخدام النقل النهري أصبحت محدودة بشكلٍ كبير، خاصة في ظل قلة الأمطار، ما يتسبب في زيادة تكلفة بدائل النقل الأخرى بشكلٍ كبير.

ففي يومٍ واحد، ارتفعت أسعار الشحن بنحو: 30 بالمئة، بحسب “سوارت”.

يُعيق حركة نقل الفحم..

ومن جهة أخرى، قد يبدو أن معاناة “ألمانيا” من أزمة نقص الغاز قد تتضاعف، إذ أن صعوبة النقل النهري قد تُعيق حركة نقل الفحم إلى “ألمانيا”، ما قد يُهدد خطة الحكومة الألمانية لإعادة تشغيل محطات توليد الكهرباء باستخدام الفحم.

وتقف “فرنسا”، وهي الدولة المُصّدرة للكهرباء، عاجزة عن سد النقص المحتمل للكهرباء للدول الأوروبية، فنحو نصف مفاعلاتها النووية متوقفة لأعمال الصيانة، كما أن “النرويج” تُقلل من تصدير الكهرباء حاليًا بسبب اتجاهها لتوفير استهلاك الغاز، وملء احتياطياتها منه.

كما امتدت آثار التغير المناخي على حركة المياه إلى دول أخرى، حيث وقعت العديد من الفيضانات في ولاية “كنتاكي” الأميركية؛ نتيجة الأمطار القوية، كما وقعت فيضانات في “البرازيل” و”جنوب إفريقيا” وغيرها.

ومن جانبه؛ يرى العضو المنتدب لشركة (ماينتانك) الألمانية للشحن؛ “يواكيم هيسلر”، إن التوقعات تُشير إلى المزيد من الانخفاض في مستويات المياه بالأنهار الأوروبية، ما يعني إمتناع المزيد من القوارب وسفن الشحن عن العمل.

فرض قيود على استخدام المياه !

ومن جهة أخرى؛ ونتيجة لموجة الجفاف الأسوأ على الإطلاق، فقد فرضت “فرنسا” قيودًا على استخدام المياه حول البلاد، كما باتت نحو: 100 بلدية تعتمد على مياه الشرب التي يتم نقلها بالشاحنات.

وتأتي المفارقة، أن “أوروبا” كانت تنوي الاعتماد بشكلٍ كبير على الممرات المائية كجزء من جهودها لمكافحة التغير المناخي وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، إذ كانت تستهدف “المفوضية الأوروبية” زيادة النقل عبر الممرات المائية بنحو: 25 بالمئة بحلول 2030.

وتسعى “ألمانيا” بجهد قوي لاتخاذ التدابير اللازمة لإبقاء “نهر الراين” مفتوحًا أمام حركة النقل، من خلال القيام بأعمل التجريب، وإطلاق المياه من الخزانات لتعويض نقص المياه النابع من الجبال الجليدية.

دخلت تصنيف الفئة العالية المخاطر..

وتعليقًا على هذا الإعلان الأوروبي الأخير، يقول “أيمن هيثم قدوري”؛ الخبير المناخي والبيئي وعضو “الاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة”، في حوار مع (سكاي نيوز عربية): “تُعاني القارة الأوروبية من أعنف موجة جفاف مسجلة ومثبتة لحد الآن، حيث أن السجلات المتوفرة لدى المرصد الأوروبي لمراقبة الطقس والجفاف؛ (EDO)، التي يمتد تاريخها إلى 500 عام، لم تُسجل أشد من هذه الموجة، تزامنًا مع تسارع مراحل التغير المناخي والإحترار العالمي الذي باتت معالمه واضحة تمامًا؛ خصوصًا بعد تسجيل شهر تموز/يوليو الماضي؛ أعلى درجات الحرارة تاريخيًا في كل من جنوب فرنسا وإسبانيا التي قاربت: 45 درجة مئوية، ما قاد إلى انتشار الحرائق في غابات جنوب فرنسا ووسط إسبانيا وعلى طول السواحل البرتغالية، وفي هذا السياق فقد أوضح تقرير (EDO)؛ الصادر في تموز/يوليو الماضي، أن: 45 بالمئة من الكتلة الأوروبية، أي نصفها تقريبًا؛ تقع تحت موجة الجفاف العاتية هذه ومصنفة تاليًا ضمن فئة الخطر”.

وهكذا استمرت سلسلة أحداث الطقس المتطرف، كما يشرح الخبير المناخي والبيئي: “لتصل مرحلة انقطاع الإمدادات المائية؛ حيث كانت الأشهر الماضية؛ (آيار/مايو، حزيران/يونيو، تموز/يوليو)، شحيحة الأمطار جدًا في بعض المناطق من أوروبا؛ (وسط إيطاليا، مناطق واسعة من بولندا وأوكرانيا وسلوفاكيا وهنغاريا ورومانيا ومولدوفا، شرق البحر الأبيض المتوسط)، أما جبال الآلب المورد الرئيس لمياه دول وسط وجنوب أوروبا؛ فقد بدأت مراحل النمو المائي فيه بشكل مبكر جدًا أي مرحلة الذوبان الجليدي وتدفقه للأنهار نظرًا لقله تساقط الثلوج خلال فصل الشتاء الماضي، الأمر الذي أدى إلى الشُحة المائية التي ضربت القارة الأوروبية بشكل عام ودول الوسط والجنوب على وجه الخصوص”.

ارتفاع درجة الحرارة يُزيد الطلب على المياه..

ويُردف المتحدث: “وهكذا فارتفاع درجة الحرارة يؤدي لزيادة الطلب على المياه؛ خصوصًا وأن المحاصيل الزراعية والمساحات الخضراء المزروعة في القارة شديدة التأثر بالارتفاع غير المسبوق بمعدلات درجات الحرارة، ما انعكس بشكلٍ كبير على رطوبة التربة، وكما وضح تقرير المرصد الأوروبي للجفاف وما نُشر من صور فضائية لوكالة (NASA) وتم تحليلها الأسبوع الماضي، ظهرت قيم جفاف التربة بشكلٍ واضح جدًا في منطقة واسعة تمتد من شرق هنغاريا وسلوفاكيا إلى غرب أوكرانيا ورومانيا؛ وبالمثل شهدت ألمانيا وغرب بولندا شذوذًا سلبيًا في معدلات رطوبة التربة، بينما دخل الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة الإسكندنافية في حالة من العجز الشديد في رطوبة التربة، والأيام القادمة ستشهد دخول هولندا دائرة الخطر المناخي وستظهر معالمه فيها بشكل واضح جدًا”.

ضرورة الإلتزام بتوصيات قمم المناخ والمنظمات..

ولهذا فالكارثة لا تُحيّق بالقارة العجوز فقط، كما يوضح الخبير المناخي والبيئي، متابعًا: “بل هي تُهدد وتطال كوكبنا ككل، وعلى العالم أجمع والدول الأعضاء في قمم المناخ المتتابعة العمل عاجلاً على الإلتزام بتوصيات ومقررات قمم المناخ ودعم تحركات المنظمات العالمية المختصة بمكافحة ظاهرة التغير المناخي، كما لابد من تشريع قانون دولي يُلزم دول الانبعاثات الغازية التي أوصلت أزمة التغيير المناخي لهذه المراحل المتقدمة، وأبرزها الصين والولايات المتحدة الأميركية بتطبيق شروط الحفاظ على البيئة وإيقاف الأنشطة الملوثة للغلاف الجوي بشكلٍ سريع، وإلا فسيصل العالم لنقطة اللاعودة خلال: 10 سنوات قادمة فقط وستبدأ مساحات شاسعة من اليابسة بالتآكل والاختفاء”.

وحذر كبير الباحثين في “مجلس البحوث المشترك”؛ التابع لـ”المفوضية الأوروبية”، من أن: “معظم أوروبا مُعّرض لموجات الحر والطقس الجاف، حيث يؤثر الجفاف على إنتاج الغذاء والطاقة ومياه الشرب والحياة البرية”. مشيرًا إلى أن: “المزيد من موجات الحر وشُح الأمطار تلوح في الأفق، وأن التوقعات على المدى البعيد هي أكثر إثارة للتوجس”.

وأضاف خلال تصريحاته الصحافية: “بالنظر إلى الأشهر الثلاثة القادمة، فإننا لا نزال نرى مخاطر عالية جدًا مترتبة على ظروف الجفاف في غرب ووسط أوروبا، وكذلك في بريطانيا”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة