وكالات – كتابات :
شهدت “الصومال” مؤخرًا تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة الهجمات التي تُشنها (حركة الشباب) الإرهابية، إذ لم تُعد تقتصر فقط على الداخل الصومالي، بل باتت تتجه لتنفيذ عمليات إرهابية في “القرن الإفريقي”، خاصة: “إثيوبيا وكينيا”؛ بحسب تقرير أعده مركز (المستقبل) للأبحاث والدراسات المتقدمة.
مؤشرات التصعيد..
تعددت المؤشرات التي عكست تصاعد نشاط (الشباب) الصومالية، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
01 – تصعيد داخلي: زادت (حركة الشباب)؛ خلال الأسابيع الأخيرة، من وتيرة عملياتها، إذ باتت تُشن هجمات بشكل شبه يومي.
وجاء آخر هذه العمليات؛ في 02 آب/أغسطس الجاري، والتي استهدفت سيارة عسكرية بوسط العاصمة؛ “مقديشو”، من خلال لغم أرضي، أسفر عن مقتل مدنيين وأصابه آخرين. وذلك بالتزامن مع الاشتباكات الحادة التي شهدها إقليم “هيران”؛ بين الجيش الصومالي وعناصر من الحركة.
وفي 29 تموز/يوليو الماضي، شنّت (الشباب) هجومًا على بلدة “بيدوة”، أسفر عن مقتل وزير العدل بولاية جنوب غرب “الصومال”، “حسن إبراهيم لوغبور”، وهي العملية التي جاءت بعد هجوم نفذته الحركة في مدينة “جوهر”، وأسفر عن مقتل عدة أشخاص، منهم: “عبدي معلم”، وزير الصحة، و”عائشة خليف”، وزيرة المرأة في ولاية “هيرشبيلي”.
02 – تمدد خارجي: اتجهت (حركة الشباب)؛ مؤخرًا، لتوسيع نشاطها ليشمل دول “القرن الإفريقي”، إذ لم تكتف (الشباب) بشن هجوم على قواعد عسكرية تتمركز فيها قواتٍ خاصة من الشرطة الإثيوبية في بلدتي: “ييد” و”آتو”؛ بمنطقة “باكول”، الصوماليتين على الحدود المتاخمة لـ”إثيوبيا”، وقتل نحو: 17 شرطيًا إثيوبيًا، ولكنها عمدت كذلك إلى تنفيذ هجمات في العمق الإثيوبي عبر منطقة “أفدر”، حيث تمكنت الحركة من التغلغل داخل الأراضي الإثيوبية بحوالي: 16 سيارة، بعُمق بلغ نحو: 70 كيلومترًا، في سابقة هي الأولى من نوعها، وفي هجوم يُعد الأكبر الذي تُشنه (الشباب) داخل الأراضي الإثيوبية منذ تأسيسها.
واستهدفت الحركة؛ في هذا الهجوم، عدة قرى داخل الإقليم الصومالي بـ”إثيوبيا”، واشتبكت مع القوات الإثيوبية لثلاثة أيام، مما أدى إلى مقتل عدد من أفراد الشرطة، فيما أعلن الإقليم تمكنه من صد هجمات الحركة وتصفية أكثر من: 100 عنصر تابع لها.
كما شنّت الحركة هجومًا؛ في 02 آب/أغسطس 2022، على قاعدة للجيش الكيني بمدينة “مانديرا” في المحافظة الشمالية الشرقية بـ”كينيا”، وأوقعت عدة إصابات بالجيش.
03 – استهداف القوات الإفريقية: كثفت (الشباب) من هجماتها على قواعد قوات بعثة “الاتحاد الإفريقي” الانتقالية في “الصومال”؛ (أتميس)، في مناطق جنوب ووسط “الصومال”.
وكان آخرها الهجوم الذي شنّته الحركة، في مطلع آب/أغسطس 2022، على إحدى قواعد البعثة الإفريقية في منطقة “غلوين”؛ بإقليم “شبيلي” السفلى، والتي كانت تضم قوات أوغندية.
وفي آيار/مايو الماضي، فجرت (حركة الشباب) قاعدة للقوات الإفريقية، كانت تضم قوات من “بوروندي”، مما أسفر عن مقتل أكثر من خمسين شخصًا.
دوافع متعددة..
هناك جملة من الدوافع التي ربما تُفسر التصعيد الراهن في النشاط الإرهابي لحركة “الصومال” الإرهابية، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:
01 – الرد على إستراتيجية الرئيس الصومالي: يأتي تصعيد (الشباب) للرد على الإستراتيجية الجديدة للرئيس الصومالي الجديد؛ “حسن شيخ محمود”، والتي تستهدف حشد دعم دولي وإقليمي لإطلاق حرب شاملة ضد (حركة الشباب) لإضعافها، بالتزامن مع محاولة تجفيف منابع التمويل الرئيسة للحركة، تمهيدًا للدخول في حوار مع الحركة من مركز القوة، وهو الأمر ذاته الذي أكده رئيس الوزراء الصومالي؛ “حمزة عبدي بري”، والذي لوّح باستعداد حكومته لشن عملية أمنية ضد (الشباب)، سوف تُركز على عدة قرى في جنوب ووسط “الصومال”.
وفي إطار الإستراتيجية الجديدة، أعلن “بري”، في 02 آب/أغسطس 2022، عن تشكيل حكومته، والتي عيّنت القيادي السابق في (حركة الشباب)؛ “مختار روبو”، وزيرًا للشؤون الدينية، حيث يُعد أحد المؤسسين لـ (حركة الشباب) الصومالية، وشغل سابقًا المتحدث باسم الحركة، قبل أن ينشق عن الحركة في عام 2013، ويُعلن دعمه للحكومة الصومالية؛ في 2017.
ويمكن أن تُساعد هذه الخطوة في تعزيز سلطة القوات الحكومية في منطقة “باكول”؛ التي باتت الحركة تُسيطر على مساحات واسعة منها، لاسيما أن هذه المنطقة تُعد مسقط رأس “مختار روبو”، كما يمكن أن تُشجع هذه الخطوة مزيدًا من عناصر (حركة الشباب) للانشقاق عنها.
02 – التصعيد في مواجهة الانخراط الأميركي: شهدت الأشهر الأخيرة عودة القوات الخاصة الأميركية إلى “مقديشو”، وتجدد الضربات الجوية الأميركية ضد مواقع (الشباب).
ففي منتصف تموز/يوليو 2022، تمكنت إحدى الغارات الأميركية من قتل إثنين من العناصر البارزة في الحركة. ولا تزال القوات الأميركية تواصل التنسيق مع الأجهزة الأمنية الصومالية لتكثيف الهجمات على (حركة الشباب).
ولذا، فإن (الشباب) تسعى للرد على دور الأميركي عبر التأكيد أن عملياتها سوف تزداد، ولن تتراجع.
03 – تبني (الشباب) إستراتيجية جديدة: كان قائد (الشباب)؛ “أحمد ديري”، أعلن قبل نحو عام أن ثمة توجهات جديدة للحركة تتضمن التوسع في هجماتها الإقليمية خارج “الصومال”، واستهداف المصالح الغربية في “القرن الإفريقي”.
وربما تستغل الحركة في ذلك إنشغال “إثيوبيا” بالصراعات الداخلية الراهنة، فضلاً عن تركيز الحكومة الكينية على الاستعداد للانتخابات الرئاسة؛ المُقرر لها آب/أغسطس 2022.
واتهمت الحكومة الإثيوبية؛ (الشباب) بمحاولتها اختراق الداخل الإثيوبي لمساعدة إحدى المجموعات المتمردة من عرقية “الأورومو”، وهي (جيش تحرير أورومو)، والتي كانت متحالفة مع (جبهة تحرير التيغراي)؛ في حربها ضد حكومة “أديس آبابا”.
وعلى الرغم من اتجاه رئيس الوزراء الإثيوبي؛ “آبي أحمد”، حاليًا للحوار مع (جبهة التيغراي)، بيد أنه يبدو متمسكًا بالحل العسكري ضد (جيش تحرير أورومو)، والتي تسعى إلى الحكم الذاتي أو الانفصال عن “أديس آبابا”.
كما تسعى الحركة إلى الحصول على نقاط إرتكاز جديدة في المناطق الجبلية على الحدود بين “الصومال” و”إثيوبيا”، وذلك لكي تستخدمها كنقطة إنطلاق لشن هجماتها.
انعكاسات محتملة..
في إطار النشاط المتصاعد لـ (حركة الشباب) الصومالية وتنامي تطلعاتها الإقليمية، يمكن رصد التداعيات التالية:
01 – تصاعد التهديدات لـ”القرن الإفريقي”: حذر قائدة القوات الأميركية في “إفريقيا”؛ (إفريكوم)، الجنرال “ستفين ناونسند”، من وجود تطلعات واضحة لـ (حركة الشباب) تستهدف تصعيد هجماتها داخل الأراضي الإثيوبية خلال الفترة المقبلة، وهو ما يتسق مع تصريحات مماثلة أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي؛ “آبي أحمد”، في شباط/فبراير الماضي.
وتسعى (الشباب) كذلك لاستهداف “كينيا”، نظرًا لوجود مخاوف أن يترتب على الانتخابات وقوع صراعات داخلية عنيفة، تستغلها الحركة لتكثيف هجماتها داخل الأراضي الكينية، ومحاولة التغلغل داخل “نيروبي”.
وحذرت تقديرات من تمدد نشاط الحركة لخارج “القرن الإفريقي”؛ في ظل اتجاه الحركة لدعم وتمويل بعض المجموعات الإرهابية الأخرى في القارة الإفريقية، على غرار التنظيمات الإرهابية في “نيجيريا” و”موزمبيق”.
02 – ترتيبات إقليمية محتملة: يُرجح أن تدفع تهديدات (الشباب)؛ لـ”القرن الإفريقي”، إلى بلورة ترتيبات أمنية جديدة وتنسيق أوسع بين دول المنطقة لمحاصرة نفوذ (الشباب).
وفي المقابل؛ فإن غياب التنسيق حول هذه التحركات قد يؤدي إلى تصاعد التوتر بين دول المنطقة، فقد أعلن رئيس الإقليم الصومالي في إثيوبيا؛ “مصطفى عمر”، الاتجاه لإنشاء: “منطقة أمنية عازلة” داخل الحدود الصومالية لمواجهة هجمات (الشباب) المتصاعدة، غير أن هذا الموقف أثار قلق بعض المسؤولين الإقليميين في “الصومال”، والذين اتهموا “إثيوبيا” بالتوسع داخل الأراضي الصومالية، وهو ما دفع “أديس آبابا” إلى إرسال وفد من كبار المسؤولين العسكريين الإثيوبيين إلى “الصومال”، بقيادة رئيس قسم الانتشار بقوات الدفاع الإثيوبية؛ “تسفاي أيالو”، لإجراء مباحثات مع المسؤولين في “مقديشو”.
03 – التمهيد للحوار مع (حركة الشباب): أشارت بعض التقارير الغربية إلى أن (حركة الشباب) باتت تُسيطر على نحو: 70% من جنوب ووسط “الصومال”، حيث تنحصر سلطة الحكومة الصومالية على العاصمة؛ “مقديشو”، وعواصم الأقاليم بشكل أساس، بينما تتحكم الحركة في غالبية المناطق الريفية، كما أضحت (حركة الشباب) أكثر تكيفًا مع المتغيرات والجهود المختلفة لمحاصرتها.
وفي ضوء الوضع السابق أعلن الرئيس؛ “حسن شيخ محمود”، في مطلع تموز/يوليو الماضي، أن القضاء على الحركة عبر الآلية العسكرية وحدها غير ممكن، لذا ألمح “شيخ محمود” إلى أن إدارته منفتحة على البدائل كافة في التعامل مع (الشباب)، بما في ذلك الحوار معها، مشيرًا إلى تمسك حكومته بالوصول إلى حل سلمي عبر مزيج من الإستراتيجيات الأمنية والمفاوضات مع (حركة الشباب).
وربما تسعى “مقديشو”، في البداية، إلى محاولة إحكام الخناق على التدفقات المالية للحركة بالتنسيق مع شركاء “الصومال” الإقليميين والدوليين لوضع الحركة في موقف ضعف قبل بدء عملية الحوار.
ويُشير تقرير صادر عن مركز (إفريكا كونفيدنشيال-Africa Confidential)، إلى أنه على الرغم من تقلص النفوذ القطري في الملف الصومالي بعد خسارة الرئيس الصومالي السابق؛ “محمد عبدالله فرماجو”، فإن “الدوحة” لا تزال تسعى لاستعادة نفوذها، وذلك عبر طرح دور الوساطة في الحوار بين الحكومة الصومالية و(حركة الشباب).
وفي الختام، تضاعفت وتيرة الهجمات التي تقوم بها (الشباب)؛ خلال الفترة ما بين: 2015 و2021، ويبدو أنها تتجه لمزيد من التصعيد خلال الفترة المقبلة، وهو ما يجعل من الصعب هزيمتها بالأدوات التقليدية، وبالتالي فثمة حاجة ملحة لبلورة إستراتيجية شاملة، بالتنسيق مع دول المنطقة والشركاء الدوليين لمواجهة تهديدات (الشباب).