“ترامب” ليس الأول ولن يكون الأخير .. ديمقراطيات أميركية وأوروبية تحصن مسؤوليها وتحاكم القلة !

“ترامب” ليس الأول ولن يكون الأخير .. ديمقراطيات أميركية وأوروبية تحصن مسؤوليها وتحاكم القلة !

وكالات – كتابات :

تشتعل حالة من الجدل في “الولايات المتحدة الأميركية”؛ على خلفية مداهمة المباحث الفيدرالية الأميركية لقصر الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، في منتجع “مارالاغو”، في “بالم بيتش”؛ بولاية “فلوريدا”، مساء الإثنين 08 آب/أغسطس 2022، حيث يتهم أنصار الرئيس السابق؛ الحكومة الأميركية، بأنها ترتكب: “أفظع هجوم على مباديء الجمهورية الأميركية”، حيث تُعد واقعة تفتيش بيت “ترامب” والتحقيق معه الآن سابقة تاريخية في تاريخ البلاد. لكن ما الدول الأخرى التي أقدمت على التحقيق مع رؤسائها السابقين ؟

التحقيق مع “ترامب” يُفجِّر حالة من الغضب..

تقول صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية، إنه إذا كنت متابعًا لوسائل الإعلام اليمينية في “الولايات المتحدة”، فسيبدو لك وكأن القيامة قد حلَّت خلال الأيام الماضية. فقد بلغ وقع المصيبة عندهم من الشدة أن قال؛ “مارك ليفين”، مذيع قناة (Fox News)، إن عملية التفتيش التي أجراها “مكتب التحقيقات الفيدرالي” الأميركي مساء الإثنين 08 آب/أغسطس، لمنتجع الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، في “مارالاغو”، كانت: “أفظع هجوم على مباديء الجمهورية الأميركية في التاريخ الحديث”.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد أعقب هذه المقدمة، التي تجلَّى فيها التعصب وضيق الأفق في أشد صورهما، تصريحات متوالية لمجموعة من نواب الحزب (الجمهوري)؛ الذين أخذوا يزعمون بلا كلل أنه: “ما دام ترامب ليس محصنًا من التحقيق معه، فإن أيًا من المواطنين الأميركيين العاديين لن يكون آمنًا على نفسه بعد ذلك”؛ بحسب ما تدعي (واشنطن بوست).

وبحسب (واشنطن بوست)، تصرَّف “مكتب التحقيقات الفيدرالي” بناءً على أمر تفتيش موقَّعٍ من قاضٍ فيدرالي، وأجرى تفتيشه ضمن التحقيقات القائمة في شأن المزاعم التي تدَّعي أن الرئيس السابق خالف “قانون السجلات الرئاسية الأميركية” ونقل مستندات رئاسية سرية، وبعضها سري للغاية، من “البيت الأبيض” إلى منتجعه.

“ترامب” متورِّط في العديد من التحقيقات والشبهات..

ويبدو أن “ترامب” قد نقل هذه الوثائق إلى مقر إقامته بـ”نادي الغولف”، بدلاً من إرسالها إلى “الأرشيف الوطني”، كما هو منصوص عليه في “قانون السجلات الرئاسية”. ومع أن “ترامب” أصدر بيانًا شبَّه فيه تفتيش منزله بـ”فضيحة ووترغيت”، فإنه لم يكشف، لا هو ولا محاميه، بعد عن تفاصيل أمر التفتيش الذي أصدره القاضي الفيدرالي، ولا الأسباب التي استند إليها.

لا يوجد دليل على أن خصوم “ترامب” السياسيين، ولا الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، هم من طالبوا بإجراء التفتيش. والواقع أن “ترامب”، الذي عزله “مجلس النواب” الأميركي مرتين، ولديه تاريخ طويل من المشكلات القانونية، متورط في مجموعة واسعة من التحقيقات التي تشتبه في سلوكه السياسي والشخصي. علاوة على ذلك، فإنه أبدى، خلال وجوده في منصب الرئاسة، تجاهلاً صريحًا لسيادة القانون في أكثر من مناسبة، ليس أقلها استنفاره الجنرالات الأميركيين لإطلاق النار على المتظاهرين في شوارع “واشنطن”، وفقًا لما يكشفه الصحافيان؛ “بيتر بيكر” و”سوزان غلاسر”؛ في كتاب يُصدر قريبًا.

مع كل ذلك، احتشد الجمهوريون للدفاع عن الرئيس السابق، واستنكر حاكم ولاية “فلوريدا” الجمهوري، “رون دي سانتيس”، ما وصفه بأنه: “استخدام الوكالات الفيدرالية سلاحًا” في مواجهة الخصوم السياسيين، وأعمال الغدر التي يرتكبها “النظام”، مستحضرًا الوهم الغامض عن: “الدولة العميقة”، الذي كثيرًا ما استدعاه “ترامب” عندما كان في “البيت الأبيض”. وشبَّه “دي سانتيس” تفتيش منزل “ترامب” بما يحدث في: “جمهوريات الموز”.

وعلى الرغم من أن المشرعين الجمهوريين كانوا يُحثون علانية على محاكمة خصومهم السياسيين في الحملة الرئاسية الديمقراطية منذ وقت ليس ببعيد، فإنهم الآن غاضبون أشد الغضب للتحقيق في مخالفات الرئيس السابق، وهو ما حمل السيناتور الجمهوري؛ “ماركو روبيو”، على القول في تغريدة على موقع (تويتر): “إن استخدام سلطة الحكومة لاضطهاد المعارضين السياسيين أمر شهدناه مرات كثيرة في دول العالم الثالث الديكتاتورية الماركسية، لكننا لم نشهد مثله من قبل في أميركا”.

الحقيقة أن تاريخ السلطة التنفيذية في “الولايات المتحدة” ممتليء بالمؤامرات والخداع ومخالفات الفساد. وصحيح أن قلة من رؤساء “الولايات المتحدة” هم من حُوسبوا على ما ارتكبوه من جرائم، فقد تلقى الرئيس السابق؛ “ريتشارد نيكسون”، على سبيل المثال، عفوًا كاملاً بعد أسابيع قليلة من مغادرته منصبه.

“ترامب” ليس الأول.. هذه الدول قامت بإجراء تحقيقات مع قادتها السابقين..

مع ذلك؛ تقول (واشنطن بوست)، إن استدعاء الجمهوريين لظاهر التشابه بين التحقيقات الجارية وما يحدث عادة في الأنظمة الاستبدادية في أماكن أخرى يتعامى عن النموذج الواضح المضاد لهذه الأمثلة، وهو أنه من الطبيعي أن تُحقق “الديمقراطيات” مع قادتها السابقين، بل وأن تدينهم وتسجنهم إذا ثبتت مخالفتهم للقانون. والواقع أن مبدأ هيمنة القانون على جميع الناس، مهما أرتقت مناصبهم وبلغت مكانتهم، ركن أساس في جميع الديمقراطيات.

01 – منذ عقد من الزمان، ولم يكن قد مر وقتها إلا بضعة شهور على إنتهاء أمد الحصانة الرئاسية، داهمت السلطات الفرنسية قصرَ الرئيس الفرنسي السابق؛ “نيكولا ساركوزي”؛ في “باريس”.

وقد استنكر محامو “ساركوزي” الخطوة آنذاك، ووصفوها بأنها: “لا أساس لها”، إلا أنها كانت جزءًا من تحقيق طويل الأمد شق طريقه عبر النظام القضائي الفرنسي، حتى انتهى بإدانة “ساركوزي”؛ العام الماضي، بتهمة الفساد واستغلال النفوذ.

02 – ولم تكن تلك أول مرة، فقد سبق أن أدين الرئيس الفرنسي الأسبق؛ “جاك شيراك”، في عام 2011؛ بتهمة اختلاس أموال عامة، وحُكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ.

تعتمد الحكومات الديمقراطية في جميع أنحاء العالم على ضمانات مختلفة للحيلولة دون استخدام التحقيقات ذات الدوافع السياسية مع زعمائها المنتخبين. ويتضمن ذلك الحماية الممنوحة لرؤساء “الولايات المتحدة”، مثل مبدأ: “الحصانة المطلقة”؛ الذي استند إليه “ترامب” أكثر من مرة في معاركه القانونية مع معارضيه.

أمَّا الديمقراطيات الأوروبية، فإن معظمها يمنح لرؤساء الحكومة أو الدولة حصانة أضيق من تلك الممنوحة لنظرائهم في “الولايات المتحدة”.

03 – وفي كثير من الأحيان، كانت التحقيقات في جرائم مزعومة لرؤساء سابقين اختبارًا لصلابة الديمقراطيات، ففي “جنوب إفريقيا”، على سبيل المثال، أجمع كثيرون على أن محاكمة الرئيس السابق؛ “غاكوب زوما”، في مجموعة من تهم الفساد خطوة ضرورية لتعزيز سيادة القانون في البلاد.

04 – وعلى النقيض من ذلك، بات تحقيق السلطات البرازيلية مع الرئيس السابق؛ “لولا دا سيلفا”، وإدانته مثالاً نموذجيًا على التحيز السياسي واستخدام القضاء في مواجهة المعارضين السياسيين.

05 – وفي “آسيا”، أصدرت محكمة تايوانية؛ في عام 2009، حكمًا بالسجن مدى الحياة على الرئيس السابق؛ “تشن شوي بيان”، بعد إدانته وزوجته باختلاس أموال وتلقي رشاوى وغسل أموال في بنوك خارجية.

06 – أما “كوريا الجنوبية”، فيمكن القول إنها تنتمي إلى فئة خاصة بسبب سجلها الحاشد في محاسبة الرؤساء السابقين وسجنهم، حتى إنه لوحظ في عام 2018؛ أن نصف رؤساء “كوريا الجنوبية” الأحياء تقريبًا كانوا في السجن.

تقول (واشنطن بوست) في النهاية، إن فساد الرؤساء السابقين في بعض البلدان لا يُلزم منه تجذُّر الفساد في المجتمع ولا يعني ضعف الديمقراطية في تلك البلاد، بل إن “كوريا الجنوبية”، على سبيل المثال، تمكنت من تجاوز الكثير من العواصف السياسية بسبب قدرتها على محاسبة الرؤساء الفاسدين والحفاظ على نظام ديمقراطي سلمي يضمن انتقال السلطة بين مختلف التيارات السياسية، وهي مثال جدير بالاحتذاء في ذلك الأمر؛ بحسب مزاعم التقرير الأميركي.

كتب “أتورو ساروخان”، سفير المكسيك السابق في “الولايات المتحدة”، تغريدة على موقع (تويتر)، قال فيها: “إن وجود مثال بارز على محاسبة المسؤولين يقوِّي الديمقراطية الأميركية، ولا يُضعفها كما يُقال، كما أنه يُعزز سيادة القانون. وهو يضمن للولايات المتحدة ألا تتهم بالنفاق والكيل بمكيالين حين تسعى من أجل تطبيق تلك القيم في الخارج”، حسب تعبيره.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة