وكالات – كتابات :
“طائرة أسطورية لن تتكرر، أم نعش طائر وقاتلة الطيارين”.. تبدو الطائرة السوفياتية الشهيرة؛ (ميغ-21) حائرة بين هذين الوصفين، وهي المقاتلة الأسرع من الصوت الأكثر إنتاجًا في التاريخ والأطول في العمر.
ومؤخرًا، قررت القوات الجوية الرومانية تعليق تحليق أسطولها من الطائرات العسكرية (ميغ-21-MiG-21 LanceR)، بسبب ارتفاع معدل الحوادث لديها، قبل أن تُعيدها للخدمة.
وقبل ذلك؛ أوقفت القوات الجوية الهندية، المُشّغل الأكبر لهذه الطائرة حاليًا، تحليقها عدة مرات بسبب تعدد حوادث موت الطيارين من جراء حوادثها المتكاثرة، حيث تحطمت أكثر من: 21 طائرة (ميغ-21) هندية في السنوات العشر الماضية، حتى سماها الهنود: بـ”النعش الطائر”.
وذكر تقرير لمجلة (تايمز أوف إينديا)؛ أن أكثر من: 400 طائرة (ميغ-21) تحطمت منذ: 1971 – 1972، حتى الآن لدى “الهند”، مما أسفر عن مقتل أكثر من: 200 طيار و50 شخصًا على الأرض، مما أثار تساؤلات وانتقادات حول أسباب إصرار “الهند” على تشغيل هذه الطائرة العتيقة.
ولكن السؤال الأهم هو: لماذا تواصل دولة مثل “الهند”، لديها واحد من أقوى أسلحة الجو في العالم، مع تنوع لا مثيل له، استخدام طائرة تعود جذورها للخمسينيات ؟.. ولماذا تواصل بعض دول “أوروبا الشرقية”؛ الأعضاء في حلف الـ (ناتو)، استخدام هذه الطائرة التي أنتجها أعداؤهم السوفيات، البائدون من وجهة نظرهم ؟
لهذه الأسباب أقتنت 60 دولة مقاتلات “ميغ-21” السوفياتية العريقة..
واستخدمت: 60 دولة عبر أربع قارات، طائرات (MiG-21) على مدار تاريخها، ولا تزال تخدم في العديد من الدول بعد ستة عقود من رحلتها الأولى. لقد حققت أرقامًا قياسية عدة في عالم الطيران، وأصبحت أكثر الطائرات النفاثة العسكرية إنتاجًا في التاريخ؛ وكذلك الطائرة الأسرع من الصوت الأكثر إنتاجًا، والطائرة المقاتلة الأكثر إنتاجاً منذ الحرب الكورية.
وفي السابق، كانت صاحبة الرقم القياسي في طول عملية التصنيع لأي طائرة مقاتلة، قبل أن تتجاوزها الآن كل من الطائرتين الأميركيتين: (F-15)، و(F-16) على التوالي.
ويعود استمرار عدد كبير من أسلحة الجو بالعالم في التحليق بطائرات (ميغ-21)، وضمن ذلك “الصين” التي تمتلك نسخة مستنسخة مُصنّعة محليًا مُسماة؛ (J-7)، إلى تكلفتها المنخفضة ومرونتها وقدرتها على المناورة التي تجعلها مازالت تستطيع مضاهاة بعض الطائرات الغربية الأكثر تطورًا من الجيل الرابع من الطائرات، بينما (ميغ-21) تنتمي للجيل الثالث، وبعض نسخها الأقدم تُصنَّف ضمن الجيل الثاني من المقاتلات النفاثة.
ويمكن وصف (ميغ-21) بقاتلة الطيارين المحبوبة التي أهانت “أميركا”، والتي ظلت تُقلق الغرب نحو: 60 عامًا من بدء إنتاجها.
لماذا تُصر “الهند” على الاستمرار في تشغيلها ؟
تُعد “الهند” أكبر مٌشّغل حالي للطائرة (ميغ-21)، علمًا بأن “الصين” لديها أعداد أكبر من طائرات (J-7) النسخة الصينية المطورة منها.
يُذكر أن طائرات (MiG-21) تحطمت أكثر من أي مقاتلة أخرى لدى سلاح الجو الهندي، لكن الخبراء يُشيرون إلى أن هذا يرجع إلى أن هذه الطائرات كانت جوهر القوة النارية لسلاح الجو الهندي لسنوات عديدة، حيث كانت في الخدمة منذ عام 1963. ومنذ ذلك الحين، ما لا يقل عن: 874 طائرة (ميغ-21) دخلت مخزون “الهند” العسكري.
ورغم أن سلاح الجو الهندي مُجبر على الاستمرار في تحليق هذه الطائرات؛ في ظل تباطؤ توريد البدائل، خاصةً المقاتلات المحلية الصُنع من طراز (هيل تيغاس)، فإنه أيضًا مازال العديد من أفراد القوات الجوية وخبراء الطيران السابقين يدافعون عن سلامة طائرات (MiG-21)، ويُشيدون بأدائها.
ربما كانت واحدة من أكثر الرحلات التي لا تُنسى لطائرة (ميغ-21) في سماء “الهند”؛ تلك المعركة العنيفة بين الطائرة المقاتلة التي كان يقودها قائد الجناح؛ “أبيناندان فارثامان”، وطائرة القوات الجوية الباكستانية (إف-16)، في 27 شباط/فبراير 2019، في أثناء المواجهة “الباكستانية-الهندية”؛ التي وقعت في ذلك الوقت بسبب غارة هندية على “كشمير” الباكستانية. كُرِّم “فارثامان”؛ لمواجهته مع طائرة (F-16) أكثر تقدمًا وإسقاطها، نفت “باكستان” رواية “الهند” بإسقاطها طائرة (إف-16)، والمصادر الأميركية لمَّحت إلى تأييد رواية “باكستان”.
أُشيد في “الهند” بأداء الطائرة التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، وقدراتها في المناورة، علمًا بأنها أُسقطت بعد ذلك بصاروخ (AMRAAM) أميركي الصُنع.
“مقاتلة الشعب”.. قصة تطوير وإنتاج “ميغ-21”..
تمامًا مثل “الولايات المتحدة” وحلفائها الغربيين، حلل “الاتحاد السوفياتي” بعنايةٍ دروس الحرب الكورية، وبدأ في تطوير الجيل التالي من المقاتلات النفاثة في منتصف الخمسينيات. تم النظر في العديد من التكوينات واختبارها.
أراد السوفيات تطوير طائرة مرنة ورخيصة، يمكن إنتاجها بأعداد كبيرة؛ لمواجهة القوات الجوية الأميركية، كأنها طائرة الشعب المقاتل.
بدأ تطوير ما سيُصبح (MiG-21)؛ في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، عندما أنهى مكتب (Mikoyan OKB-مكتب ميغ) السوفياتي لتصميمات الطائرات، دراسة تصميم أولي لنموذج أوَّلي يُسمى: (Ye-1)؛ في عام 1954. أدخل تعديلات على التصميم، وقامت الطائرة بأول رحلة لها؛ في 16 حزيران/يونيو 1955، وأول ظهور علني لها خلال عرض يوم الطيران السوفياتي في “مطار توشينو”؛ بـ”موسكو”، في تموز/يوليو 1956، ودخلت الخدمة في 1959.
كانت (ميغ-21) أول طائرة سوفياتية تجمع بين خصائص المقاتلة والاعتراضية في طائرة واحدة. كانت مقاتلة خفيفة الوزن، مُحققةً سرعة 2 ماخ؛ (ضعف سرعة الصوت)، بمحرك توربيني منخفض الطاقة نسبيًا، وهي من أولى الطائرات في العالم التي تصل لهذه السرعة.
وأصبحت (MiG-21) المقاتلة الأساسية لـ”الاتحاد السوفياتي” وحلفائه، حيث تم إنتاج أكثر من: 12 ألف وحدة منها، بينما أنتجت “الصين” من الطائرة المشتقة منها (Chengdu J-7)، نحو: 2500 مقاتلة، ولا تزال تُستخدم على نطاق واسع في العالم الثالث سواء النموذج السوفياتي أو الصيني.
عيوب قاتلة..
مثل العديد من الطائرات المصممة كطائرات اعتراضية في ذلك الوقت، كان للطائرة (MiG-21) مدى قصير. وقد تفاقم هذا بسبب سوء وضع خزانات الوقود الداخلية قبل مركز الثقل. عندما يتم استهلاك الوقود الداخلي، سينتقل مركز الثقل إلى الخلف بما يتجاوز المعدلات المقبولة.
كان لهذا تأثير جعل الطائرة غير مستقرة بشكلٍ ثابت لدرجة يصعب التحكم فيها، مما أدى إلى تحمُّل مدة طيران لمدة 45 دقيقة فقط في حالة مقبولة. يمكن معالجة ذلك إلى حدٍ ما عن طريق حمل الوقود في خزانات خارجية أقرب إلى مركز الثقل. قامت المتغيرات الصينية إلى حدٍ ما بتحسين تصميم خزان الوقود الداخلي؛ (كما فعل الجيل الثاني من المتغيرات السوفياتية)، كما حملت خزانات وقود خارجية أكبر بكثير لمواجهة هذه المشكلة.
إضافة إلى ذلك، عندما يتم استخدام أكثر من نصف الوقود، فإن المناورات العنيفة منعت الوقود من التدفق إلى المحرك، مما تسبب في إيقاف تشغيله في أثناء الطيران. زاد هذا من خطر انفجار الخزان الداخلي؛ (كانت لدى MiG-21 خزانًا مضغوطة بالهواء من ضاغط المحرك)، ثم طور السوفيات متغيرات (MT) و(SMT) فأصبح لها مدى أكبر من النسخة الأقدم (MiG-21SM)، ولكن على حساب أرقام الأداء الأخرى، مثل سقف خدمة أقل والحاجة لوقت أبطأ للارتفاع.
وكانت الطائرة بصفة عامة تُعاني دومًا من المدى القصير وحمولة الأسلحة الصغيرة وصغر رادارها.
لماذا نجحت رغم كل هذه المشكلات ؟
ورغم كل هذه العيوب، كانت الطائرة لها قدرات استثنائية تجعلها ندًا للطائرات الأحدث لو قادها طياريون مخضرمون.
كانت الطائرة تتسم بقدرات مناورة رائعة وسرعة وسقف تحليق جيدين، إضافة إلى سهولة القيادة والصيانة، كما كانت الطائرة رخيصة في ثمنها وصيانتها، مما جعلها مثالية لدول العالم الثالث الفقيرة، التي لديها فنيون أقل مهارة من دول الكتلتين الغربية والسوفياتية وأموال أقل.
بل إن (ميغ-21) تفوقت على الطائرة السوفياتية التي كان يُفترض أن تحل محلها، فلقد أنتج السوفيات طائرة الجيل الثالث (ميغ-23) لكي تكون بديلاً لـ (ميغ-21)، ومنافسًا للطائرة الأميركية الشهيرة (فانتوم)، ولكن سرعان ما تبين للطيارين السوفيات والأوروبيين الشرقيين وحلفاء “موسكو” في العالم الثالث، أن عليهم ألا يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو أفضل، أي (ميغ-23) بالـ (ميغ-21).
فرغم سرعة الـ (ميغ-23) الكبيرة ورادارها المتقدم بمقياس ذلك العهد، وأسلحتها الأكثر عددًا وتطورًا ومدى، فإنها لا تُضاهي (ميغ-21)، في المناورة أو في سهولة الصيانة والقيادة، الأمر الذي جعل (ميغ-21) تظل الطائرة الرئيسة في “الاتحاد السوفياتي” ودول حلف (وارسو) إلى حين إنهيار “الاتحاد السوفياتي”، وإحلالها بالطائرات السوفياتية من الجيل الرابع من طراز (ميغ-29) و(سوخوي-27) الشهيرة، والأمر نفسه حدث مع القوات الجوية في “الهند والصين” والعديد من الدول العربية والإفريقية.
الطائرة التي أهانت “أميركا”.. وكانت سببًا في فيلم “Top Gun”..
كانت ذروة نجاحات الطائرة السوفياتية الشهيرة (ميغ-21)؛ في “حرب فيتنام”، بأواخر ستينيات القرن العشرين وأوائل السبعينيات، إذ فاجأت الأميركيين عندما شاركت في الإهانة التي لحقت بهم في “فيتنام”.
إذ استخدمها الطياريون الفيتناميون الأقل خبرة وعددًا بكفاءة صادمة أمام طائرات (فانتوم) الأحدث والأسرع والأكثر عددًا، والتي كانت أيقونة “أميركا” في “الحرب الباردة”.
كان جزء من هذا النجاح للطائرة (ميغ-21)، الأقدم والأبطأ، يعود ليس فقط لقدراتها الفريدة، ولكن أيضًا للخطأ الأميركي في فلسفة تصميم الـ (فانتوم)؛ التي وُصفت بالطائرة الساحقة، عبر توافر سرعة وتسارع هائلين لها بمعايير ذلك العصر؛ (وما زالا كبيرين بمعايير الوقت الحالي)، مع رادار قوي وحزمة صواريخ ضخمة ومتطورة.
ولكن جاء ذلك على حساب قدرة الـ (فانتوم) على المناورة القريبة التي كانت أقل من الطائرة ميغ العتيقة، والأهم أن الـ (فانتوم) لم تكن مزودة بمدفع رشاش داخلي، لكنها جاءت بافتراض أن عصر المعارك الجوية القريبة قد ولى وأن الطائرات الحديثة لن تحتاج إلى الرشاشات، لأن الصواريخ والرادرات ستتكفل بإسقاط الخصوم عن بُعد، ولكن تبين العكس، وهو أنه لا غنى عن المعارك القريبة وأن الصواريخ لم تكن دقيقة بما يكفي لإسقاط طائرات العدو عن بُعد في ذلك الوقت.
المفارقة أن الخطأ الذي ارتكبه الأميركيون في تصميم الـ (فانتوم)؛ كرره السوفيات في الـ (ميغ-23)، الأمر الذي سيجعلها تخفق في المنافسة الداخلية أمام (ميغ-21).
اضطر الأميركيون أمام خسائرهم الكبيرة والمحرجة، أمام طائرات (ميغ-21) المملوكة لـ”فيتنام الشمالية”، إلى إعادة تدريب طياريهم على المعارك القريبة، فأسست القوات الجوية للبحرية الأميركية مدرسة للقتال الجوي تعرف باسم: (Top Gun)؛ والتي كانت محورًا للفيلم الأميركي الشهير الذي يحمل الاسم نفسه. وأدرج الأميركيون مدفعًا رشاشًا في الـ (فانتوم)؛ لزيادة قدرتها على القتال الجوي القريب، وبالفعل تحسن أداؤها في المراحل الأخيرة لـ”حرب فيتنام”، رغم أن (ميغ-21) ظلت منافسًا عنيدًا لها؛ وذلك بعد أن استولت “واشنطن” على نسخ من تلك المقاتلات عن طريق تعاون استخباراتي “مصري-أميركي” بعد حرب تشرين أول/أكتوبر 1973.
كيف كانت أداؤها مع الطيارين العرب ؟
وفي حرب حزيران/يونيو 1967، لم تختبر (ميغ-21) بشكلٍ منصف أمام الهجوم الإسرائيلي المباغت، خاصة في ظل الاستهتار العربي وضعف تدريب الطيارين العرب في ذلك الوقت، مقابل الطيارين الإسرائيليين المتمرسين بطائرات (ميراج-3) الفرنسية الشهيرة التي تُشبه الـ (ميغ-21) في فلسفتها البسيطة والناجحة، وحتى في قدمها، وفقدت “مصر وسوريا” جزءًا كبيرًا من أسطولهما من (ميغ-21)، علمًا بأنه من المُرجح أن أغلب الطائرات الإسرائيلية التي أُسقطت خلال الحرب بواسطة طائرات عربية، كانت على يد طياري (ميغ-21).
وتحسن أداء طياري (ميغ-21) العرب خلال “حرب الاستنزاف”، حيث واجهوا طائرات (فانتوم)؛ التي كانت “الولايات المتحدة” قدمتها لـ”إسرائيل” بعد النكسة.
وفي حرب تشرين أول/أكتوبر 1973، كانت الـ (ميغ-21) المقاتلةَ الرئيسة للقوات الجوية العربية؛ التي كان أساسها “مصر وسوريا”، إضافة إلى دور دول عربية أخرى مثل: “العراق والجزائر”، وكان لأداء القوات الجوية للدول العربية والدفاع الجوي لـ”مصر وسوريا” دور كبير في الانتصارات الأولى التي تحققت في الحرب.
واكتشف الطيارون السوريون الذين يُحلقون بطائرات (MiG-21) أيضًا بشكل مستقل، مناورة (الكوبرا)، التي أصبحت مناورة دفاعية قياسية تحت اسم: “مناورة السرعة الصفرية”.
ماذا قال الطياريون الغربيون عن أدائها في مواجهة “إف-16” الأميركية الشهيرة ؟
واليوم، فإن عدد الدول التي تُبقي (ميغ-21) أكبر من تلك التي تُبقي الـ (فانتوم) الأميركية في ترسانتها العاملة، رغم أن الأخيرة أحدث، ودولة مثل “مصر”؛ التي كانت لديها الطائرتان، أخرجت الـ (فانتوم) قبل فترة كبيرة من إحالتها (ميغ-21) للتقاعد.
وعندما قاد طياريون غربيون طائرات (ميغ-21)؛ (مثل تلك التي ورثتها ألمانيا عن ألمانيا الشرقية)، أكدوا أنها في القتال الجوي القريب مازالت ندًا للأجيال الأقدم من الطائرات (إف-16) الأميركية الشهيرة، علمًا بأن هناك حزم تطوير كبيرة تُدخلها العديد من الدول على طائرات (ميغ-21) مثل تلك التي تُقدمها “روسيا وأوكرانيا وإسرائيل والهند”.
وإلى جانب استمرار استخدامها من قِبل العديد من القوات الجوية حول العالم، فإنه يُعتقد أن الطائرة (ميغ-21) هي الأساس الأوَّلي في تصميم الطائرة “الصينية-الباكستانية”؛ (جي. إف-17)، التي تُعتبر الطائرة الثانية في سلاح الجو الباكستاني وتصنف كطائرة جيل رابع.