يبدو أن سياسة التجهيل التي يُمارسها البعض من مُنظّري تفسير الواقع السياسي في العراق بتوصيفهم الصِراع القائم في العراق وكأنه تنافس من أجل عنونة الحكومة القادمة إن كانت توافقية كما يُريدها الإطار التنسيقي أو أغلبية حيث يُنادي بها السيد مُقتدى الصدر، لكن وكما يقولون (ماخَفي كان أعظم) وما يستتر تحت تلك العناوين يتجلى واضحاً في ذلك الصراع الأيدلوجي والعقائدي المُستتر بين مرجعيات النجف التي يحمل لواء المعركة فيها مُقتدى الصدر وبين مرجعية قُم في إيران متمثلة بخامنئي التي يُعلن الإطار التنسيقي ولائه لها، وما يؤكد مصداقية هذه الفرضية والإستنتاج هو حضور زعيم التيار الصدري مُقتدى الصدر مجلس عزاء يُقيمه المرجع الديني في النجف السيد السيستاني سنوياً بذكرى مُحرّم الحرام بعد أن أوصدتْ هذه المرجعية أبوابها بوجه كُل السياسيين خصوصاً (الشيعة منهم) منذ فترة ليست بالقصيرة إستنكاراً لخطاياهم السُلطوية.
إستقبال مرجعية النجف لمُقتدى الصدر إعتراف ضِمني بموافقتها على الخطوات التي يسعى إليها مُقتدى الصدر في مُطالبته بحلّ البرلمان وضرورة إجراء إنتخابات مبكرة والأهم في ذلك هو تطابق الرُؤى والتوافق في عدم منح نوري المالكي الذي تولّى رئاسة وزراء العراق لدورتين مُتتاليتين الفرصة أو أي دور في المشهد السياسي القادم على إعتباره محسوباً على مرجعية قُم وتاكيداً للشعار الذي رفعته تلك المرجعية بأن (المُجرّب لايُجرّب).
تَفوّق مُقتدى الصدر على الإطار التنسيقي عززتها عوامل كان من بينها تضامن الشارع العراقي الرافض لتدوير هذه الطبقة السياسية التي عاثت بالشعب والبلد الفساد، إضافة إلى إنضمام ثوار تشرين إلى ثورة الصدر لوجود أهداف تجمع الطرفين بالرغم من بعض التحفظات التي أبداها التشرينيين على تيار الصدر في بداية الأزمة السياسية لشعورهم بالنقمة على ما إقترفته أيادي أصحاب القبعات الزُرق الذين ينتمون لهذا الزعيم الشيعي ومحاولاتهم التنكيل وفض تظاهرات تشرين بالقوة وهو ماجعل الفجوة تتسع بين الطرفين، إلا أن خِطاب مُقتدى الصدر الأخير وماحملته السطور من كلمات في ضرورة مُحاسبة ومعاقبة كُلّ من إشترك بالفساد والإنحراف حتى ولو كان من أتباع الزعيم الشيعي ربما تكون رسائل مُبطّنة للآخرين بأنها إستجابة لمطالبهم واجبة التحقيق وهو ماقد يكون من حسنات الصدر أنه أدرك خطايا النظام السياسي الحالي حتى وإن كان التشخيص بعد فوات الأوان، لكن أن تأتي مُتاخراً خيرٌ من أن لا تأتي أبداً.
بالمُحصلة فإن مؤشرات التَفوّق في جناح مُقتدى الصدر ربما فاقت كُتلة الإطار التنسيقي لإتساع رُقعة المؤيدين لأفكاره وطروحاته وتحوله إلى مُصلح يُنادي بالإصلاح، وضُعف الوسيلة والإقناع لدى الطرف الآخر.
قد يكون من الخطأ أن يصف البعض هذا الصراع بأنه حرب شيعية – شيعية، بل حرب آيدولوجيات أو أفكار عقائدية تكمن برغبة من يُريد أن يُدير الدولة العراقية بإرادة محلية ويُكتب له صُنع في العراق وبين من يُريد للعراق أن يستمر مُنقاداً أو يتحكم به من الخارج كونترول خارجي وذلك هو الصراع الذي مازال مُحتدماً والذي يحتمل التأزيم، في حين ينتظر العراقيون الفرج وحلولاً لكل مشاكلهم التي بدأت تكبر شيئاً فشيئاً مثل كُرة الثلج بإنتظار من ينتشلهم من هذا المأزق.