يبدو ان الموت ليس مخيفا، نسبيا، بالمقارنة مع الاعتقال والتعذيب والاهانة..
لذلك ابتكر الحكام اساليب للتعذيب، منها السجن المنفرد، التعليق، الحرمان من النوم، وغير ذلك..
⬛ وبالتالي يكون لدى السلطة مستويان من التخويف والترهيب هما:
اولا. التخويف بالقتل وانهاء وجود الفرد.
ثانيا. الاعتقال والتعذيب.
ويمكن القول ان هنالك اسلوب اخر ومستوى ثالث اقسى واخطر. ما هو؟
⬛ المستوى الثالث: هو الاساءة الى اسرة الثائر او المعارض. ويتضمن ذلك معاقبة الوالدة او الوالد، الزوجة، البنت، الابن…. الخ
واعتقد ان هذا هو الاسلوب الاقسى، الذي تستخدمه السلطة ضد المعارضة والثوار.
⬛ واعتقد ان التخطيط الالهي قد اوجد هذه المعاناة، كنوع من الاختبار للبشر. لذلك وضح تفاصيل الموقف المطلوب من الفرد، ومستويات التحمل والمقاومة. ويبدو ان ثورة عاشوراء هي احدى التطبيقات العملية في سلسلة الاصدارات الإلهية. وللتوضيح نشير الى ملاحظات عامة، اهمها التالي:
1️⃣ تعمد الامام الحسين بن علي، عليهما السلام، ان يدخل اسرته في ثورته. وهذا ثابت تاريخيا. فقد قال:
( شاء الله ان يراني قتيلا .. وشاء الله ان يراهن سبايا ) ..
وهذا بيان لحقائق كثيرة، تحتاج الى تفكر من قبل القارئ اللبيب..
2️⃣ ان الامر اعلاه إلهي، بدليل قوله شاء الله، تعالى ذكره. فتفكر.
3️⃣ ان اهمية الثورة ارتبط بوجود اسرة وعائلة الامام الحسين عليه السلام. كيف؟
الجواب:
يمكن القول، لولا وجود اسرته معه، سوف تكون معركة تقليدية او حادثة قتل اعتيادية تحصل، وتتكرر، تقليديا، واعتياديا، وليس فيها ما يثير التاريخ. وليس لها عوامل التاثير والخلود.
اي، تصور ان الامام الحسين قاتلهم ثم قتلوه، بدون وجود اسرته. سوف يكون الحدث هينا، عليه، وعلى التاريخ.
ولا نقصد هنا الجانب الاعلامي للثورة، بل المقصود هو حجم الضغط النفسي على القائد والثوار، الذي انتجه وجود الاسرة في ساحة الصراع.
4️⃣ ان عنصر الماء والعطش، في حادثة عاشوراء، سوف لن يكون مؤثرا لولا وجود الاسرة وخاصة الطفل الرضيع.
5️⃣ ان عنصر الحرق واشعال النار سوف لن يكون مؤثرا لولا وجود الاسرة وخاصة النساء والاطفال.
6️⃣ ان عملية السلب والنهب سوف لن تكون مؤثرة تاريخيا، لولا وجود الاسرة والنساء والاطفال.
7️⃣ ان عملية الاعتقال للنساء والاطفال مؤلمة. وما يسمى بعملية الأسر في يوم عاشوراء هو فعل قاس، عندما ينفذ ضد النساء والاطفال.
8️⃣ اهانة عوائل الثوار اثناء السير من كربلاء الى دمشق.
9️⃣ الاهانة والذل الذي تعرضت له عوائل الثوار والمنتفضين، اثناء وصولهم الى قصور السلطة.
⬛ وقد يتصور القارئ ان المقصود هنا, ذلك الاثر الاعلامي للثورة بسبب وجود النساء والاطفال. والجواب لا، ان المقصود هو البيان الالهي والتوضيح السماوي لما قد يتعرض له الثوار من الم وتضحية.
اي توضيح مستويات الضغط الحكومي على الثوار، وما يقابلها من استعداد للتحمل والتضحية والصبر. وهذه المستويات من التضحية والتحمل ممكنة، ومطلوبة، وضمن المنهج الذي يطالب به الفرد في الاختبار الدنيوي والامتحان الارضي.
وكان التوضيح ، بالمثال وبالطريقة العملية بثورة عاشوراء.
اما مطالبة السماء للانسان بما ورد اعلاه، فان عليها ادلة منها التالي:
اولا: قوله تعالى ذكره: لا بكلف الله نفسا الا وسعها. وهذا يعني قدرة الانسان وسعة التحمل، لما يتعرض له واقعيا وتشريعيا.
ثانيا: قول الامام الحسين عليه السلام:
((هون مانزل بي أنه بعين الله))
اي ان ما حصل هو ضمن متطلبات التكليف الالهي، لاجل تقديم انموذج عملي للثوار، لما سوف يتعرضون له، باقسى صورة. وما هو المطلوب من تضحية وصبر، لاجل اتمام تكليف الفرد الذي يتصدى للاصلاح، في زمن الفساد.
⬛ وبناءا على ما تقدم اعلاه، يمكن ادراج نقاط، حاكمة هي التالي:
النقطة الاولى: ان المعادلة الالهية تتضمن درجات عالية من الاستحقاق والاجر ومستويات ومنازل لا متناهية العلو والشأنية، وبالتالي يتطلب ذلك درجات متفاوتة من التضحية. لذلك ورد عن الشهيد السيد محمد الصدر (رض):
ان الثواب الالهي الجسيم والدرجات العلى عند الله تبارك وتعالى تستحق الفداء لها باعظم انواع الفداء كما ورد : (لك درجات لن تنالها الا بالشهادة) .
انظر الجمعة الرابعة والاربعون.
النقطة الثانية: ان الامام الحسين بمنزلته، كان مدركا لاهمية تقديم انموذجا عمليا، يتضمن التضحية بنفسه وبعائلته من اجل الاصلاح. هذا الانموذج والمثال يؤجج روح الثورة والتضحية في زمانه، بل ابعد من ذلك. اي انه قد خطط للمستقبل. اي قدم انموذجا للاجيال في زماننا والازمان القادمة.
النقطة الثالثة: ان التاريخ قد اشار الى ثورات حصلت بعد ثورة عاشوراء. كانت انعكاسا لها. بل ان زماننا قد شهد نماذج حسينية واجهت الديكتاتور قبل 2003 وضحت بالنفس والاخت والاولاد، وهذا لا يخفى على القارئ اللبيب. كذلك التضحيات بعد 2003 لاجل مقاومة الاحتلال الشرقي والغربي.
هذا شعاع من الثورة الحسبنية. وللحديث بقية.