وكالات – كتابات :
تشهد الحياة السياسية الأميركية؛ في 24 أيلول/سبتمبر المقبل؛ أي قبل إنعقاد انتخابات التجديد النصفي لـ”الكونغرس” بشهرين، تأسيس حزب سياسي جديد تحت اسم: (إلى الأمام)؛ بميزانية: 05 ملايين دولار، برئاسة المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة؛ “آندرو يانغ”، الذي ترك الحزب (الديمقراطي) في عام 2021 وأصبح مستقلاً، و”كريستين تود ويتمان”؛ الحاكمة الجمهورية السابقة لولاية “نيوغيرسي”، و”جولي هو”؛ عضو “الكونغرس” الجمهوري السابق عن ولاية “فلوريدا”؛ إذ يعتزم العشرات من المسؤولين الجمهوريين والديمقراطيين السابقين تأسيس هذا الحزب بهدف استمالة الناخبين الأميركيين من خلال سلسلة من المؤتمرات في عشرات المدن الأميركية الرامية إلى نشر برنامجه والتعريف بأفكاره، على أن تستضيف ولاية “هيوستن” حفل الإطلاق الرسمي في الصيف المقبل؛ بحسب ما أكده تحليل الموقف الذي أعده مركز (إنترريغونال) للتحليلات الإستراتيجية.
سياقات محفزة..
تتعدد المحفزات التي دفعت قيادات حزب (إلى الأمام) إلى تأسيسه، وهي الدوافع التي يمكن إجمالها في النقاط الآتية:
01 – رفض هيمنة الحزبين (الجمهوري) و(الديمقراطي): استشهد قادة الحزب باستطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة (غالوب)؛ في العام الماضي، والذي خلص إلى أن ثُلثي الأميركيين يعتقدون أن هناك حاجة إلى طرف ثالث في الحياة السياسية، كما خلص إلى أن نصف البالغين في “الولايات المتحدة” مستقلون سياسيًا؛ وذلك في أعلى نسبة يُظهرها هذا النوع من الاستطلاعات منذ بدايته، كما أكد “يانغ” أن نحو: 62% من الأميركيين الآن يُريدون حزبًا ثالثًا؛ فقد هيمنت الثنائية الحزبية على الداخل الأميركي منذ عقود طويلة مضت، ليتناوب الحزبان (الجمهوري) و(الديمقراطي) مقاليد “الكونغرس” و”البيت الأبيض”، وبالتبعية تناوبا الحكم والمعارضة في صورة احتكار ثنائي دفع كثيرين إلى البحث عن مخرج يُنهي سيطرة كلا الحزبين على الحياة السياسية.
02 – معالجة خلل النظام الحزبي الأميركي: تتعدد الأصوات التي تدفع بخلل النظام الحزبي الأميركي بسبب الاستقطاب الحزبي الذي يسعى حزب (إلى الأمام) إلى كسره، فيما يُمثل تمردًا على الثنائية الحزبية الأميركية بالتعويل على شخصيات ومؤيدين سياسيين وحزبيين سابقين من الحزبين (الجمهوري) و(الديمقراطي).
ولا شك أن جهود إصلاح النظام الحزبي تقتضي انضمام شخصيات ذات ثقل سياسي واقتصادي لزيادة شعبية الحزب الجديد التي ستنتقص بالضرورة من شعبية الحزبين الآخَرين.
وفي إطار جهود الإصلاح تلك، سيدعو الحزب الجديد إلى سباقات تمهيدية مفتوحة، وإنهاء التلاعب في الدوائر الانتخابية، وحماية حقوق التصويت.
03 – الاستعداد المُبكر لفعاليات الانتخابات المُقبلة: يُخطط حزب (إلى الأمام) لمؤتمر وطني في الصيف المقبل سعيًا إلى الحصول على أكبر عددٍ ممكن من بطاقات الاقتراع التي تضمن فوز مرشحيه في انتخابات 2024؛ إذ من المُقرر أن يُطلق الحزب جولة وطنية في الخريف المُقبل للاستماع إلى الناخبين وتسجيل الأعضاء الجدد وتنظيم الجهود اللازمة لعملية الاقتراع اعتمادًا على شبكة من التنظيمات السياسية للقيادات الثلاث، كما يستهدف الحصول على اعتراف قانوني في: 15 ولاية؛ بنهاية عام 2022، ثم في: 30 ولاية أخرى؛ في عام 2023، وفي كل الولايات الأميركية بحلول 2024.
والجدير بالذكر أن الحزب لم يطرح أي مرشحٍ له في انتخابات تشرين ثان/نوفمبر القادم، وإن دّعم مرشحين مختارين ممن يُدافعون عن الديمقراطية من خارجه.
04 – تعدُّد تحديات الداخل الأميركي في الوقت الحالي: تواجه “الولايات المتحدة” جُملة من التحديات الداخلية والخارجية التي تُهييء الفرصة لظهور الحزب، وعليه تُظهر رؤية الأخير وبرنامجه السياسي ونظامه الداخلي مدى تركيزه على القضايا الأساسية التي تمس المواطن الأميركي، وأهمها القضايا الاقتصادية، والرفاهية، ومستوى المعيشة، والحريات الفردية والديمقراطية، وغير ذلك، في وقت تتصاعد فيه تحديات الداخل الأميركي، وفي مقدمتها التضخم، وارتفاع أسعار الطاقة من بين تحديات أخرى، وهو ما قد يُساعد الحزب على شق طريقه بسهولة نحو “الكونغرس” الأميركي وقتما يخوض الانتخابات البرلمانية.
سمات الحزب..
يسعى حزب (إلى الأمام) إلى تبني جملة من الرؤى والأفكار التي تمنحه تميزًا في مواجهة الحزبين (الديمقراطي) و(الجمهوري)، ويمكن الوقوف على أبرز سمات حزب (إلى الأمام)، سواء تلك التي تتصل بقياداته أو أفكاره؛ وذلك على النحو الآتي:
01 – اندماج عدة مجموعات سياسية في الحزب: يتشكل الحزب عبر اندماج 03 مجموعات سياسية ظهرت في السنوات الأخيرة، وهي: “حركة تجديد أميركا” (التي تشكلت في عام 2021 من قبل عشرات المسؤولين السابقين في الإدارات الجمهورية لكل من “رونالد ريغان”، و”جورج بوش الأب” و”جورج دبليو بوش” و”دونالد ترامب”)، وحزب “إلى الأمام”؛ الذي أسسه “يانغ”، وحركة “لنخدم أميركا” – وهي مجموعة من الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين أسسها عضو “الكونغرس” الجمهوري السابق؛ “ديفيد غولي” – وهو ما يُثير التساؤل عن فرص نجاحه أمام الحزبين (الجمهوري) و(الديمقراطي).
02 – تفضيل الحزب النهج السياسي الوسطي: عرَّف الحزب نفسه بأنه: “حزب وسطي” بين يسار الحزب (الديمقراطي) ويمين الحزب (الجمهوري).
ومن ثم، يتمثل هدفه في تمثيل مصالح الأغلبية الرافضة للانقسام والتطرف السياسي مع منحها مزيدًا من الخيارات السياسية، وتحسين البلاد، والترحيب بالأفكار الجديدة والنقاش في مختلف القضايا، وتمكين القادة من حل مشكلات المجتمع دون برامج سياسية صارمة.
03 – التركيز على إعادة الثقة بالنظام الأميركي: يأمل الحزب أن يُصبح بديلاً قابلاً للتطبيق للحزبين (الجمهوري) و(الديمقراطي) المُهيمنَين على السياسة الأميركية، لا سيما في ظل الانقسام السياسي وحالة الجمود الحزبي.
وفي مقال بصحيفة (واشنطن بوست)، دفع “ديفيد غولي”؛ وغيره بأن التطرف السياسي يُمزق البلاد، وأن الحزبين فشلا في معالجة الأزمة، وقد عفا عليهما الزمن، وفشلا في تلبية احتياجات المواطنين الذين لا يشعرون أنهما يُمثلانهم. ومن ثم، يهدف الحزب إلى إعادة تنشيط الاقتصاد العادل والمزدهر وإعطاء الأميركيين المزيد من الخيارات في الانتخابات، بل المزيد من الثقة بالحكومة الأميركية ومستقبل البلاد، بيد أنه لم يبلور سياساته بعد.
04 – استقطاب رموز لديها خبرات عملية واسعة: ذلك أن “كريستين ويتمان”؛ هي الحاكمة الجمهورية السابقة لولاية “نيوغيرسي”، وقد سبق أن عملت مع “دونالد رامسفيلد”؛ في اللجنة الوطنية للحزب (الجمهوري)؛ عام 1982، وقد انتُخبت مسؤولة في مقاطعة “سومرست”، ورشحت لمنصب الحاكم في عام 1993، وترأست مجموعة “ويتمان” الإستراتيجية المتخصصة بقضايا الطاقة والبيئة.
أما “آندرو يانغ”؛ فهو مرشح ديمقراطي سابق لرئاسة “نيويورك”، عمل محاميًا لبعض الشركات، ونائبًا لرئيس شركة (MMF Systems) الناشئة لبرامج الرعاية الصحية، ثم سفيرًا رئاسيًا لريادة الأعمال العالمية في عام 2015.
إنهاء الهيمنة..
في الختام، دعا الحزب ملايين الناخبين الأميركيين إلى الانضمام إلى صفوفه لإنهاء هيمنة الجمهوريين والديمقراطيين على الحياة السياسية، بيد أنه لا يتضح بعدُ كيف يمكن أن يؤثر في التوقعات الانتخابية لأي من الحزبين (الجمهوري) و(الديمقراطي) في ظل الاستقطاب السياسي الحاد وسط شكوك عدة في فرص نجاحه بعد أن فشلت محاولات سابقة عدة في تحقيق الهدف نفسه، وهو وجود حزب ثالث يكسر جمود نظام الثنائية الحزبية.