17 نوفمبر، 2024 5:36 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. عمار كشيش: أثناء الكتابة يتحول جسدي إلى كلمات وربما يتلاشى، ثم يسترد عافيته

مع كتابات.. عمار كشيش: أثناء الكتابة يتحول جسدي إلى كلمات وربما يتلاشى، ثم يسترد عافيته

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“عمار كشيش” شاعر عراقي، من مواليد 1979 الناصرية، الشطرة. خريج دبلوم ادارة. عضو في اتحاد كتّاب العراق.

صدر له:

– ما يرادف النخيل (مجموعة شعراء).

– تاريخ الماء والنساء، نص مفتوح بالاشتراك مع الشاعر”أمير ناصر” عن دار ميزوبوتاميا في بغداد 2013.

– سماوات النص الغائم، دار امل الجديدة سوريا 2018.

– تلال الأمل العالية، دار الدراويش  بلغاريا ـــ بلو فديف2019.

كان لنا معه هذا الحوار التالي:

* متى بدأت شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

ـ  قبل شغفي بالكتابة كنت خلال طفولتي‏ “أشعر أن في قلبي ورأسي حكايات”، هكذا كنت أردد لبنات جارنا البدوي اللواتي ألعب ‏معهن في المساحات الواسعة حيث المسطحات المائية ‏والعاقول بورده الأحمر ‏وطائر الطيطو ورائحة الملح المائي. كان لدى أبي كتاب “ألف ليلة وليلة” أطالعه يوميا. بعدها في سن 11 تقريبا كنت أتابع المسلسل الأردني “حارة أبو عواد”، وفي إحدى الحلقات كان هناك قاص يكتب ويكتب، أحسست عندها أنه لابد أن أمسك القلم وأفرغ الحكايات من رأسي المطبوخ بالشمس الصيفية أو الشتائية ورحت أكتب.

مرة كتبت عن وسائل النقل، عن طائرة يمتطيها حلمي ويمضي بعيدا، عن سفينة تنتشلني أنا الغريق في الجحيم، عن سيارة مسرعة أزيد من سرعتها كي أصل إلى الحفلة مبكرا. بداية كتبت القصة ثم اتجهت إلى الشعر وأحسست بقوامه الطيني الثخين واختلافه عن السرد، كتبت الشعر العمودي وحين شجعوني تحولت إلى كتابة أكثر تحررا ‏وحداثة.

في البداية لم أقرأ ثم شجعتني أختي أن أطالع الكتب، قالت بالحرف الواحد “كيف تكون الكتابة بدون القراءة. الشجرة لا تنبت بدون الماء والشمس؟”.

* ماذا يعني الشعر بالنسبة لك؟

ـ الشعر متعة خاصة أثناء الكتابة يتحول جسدي إلى كلمات ويتعب ويصغر ربما يتلاشى، ثم  يسترد عافيته من أجل قصيدة جديدة، الشعر ليس كلمات فقط، هنالك روح الشعر وهذا مانجده في بعض السرد، أحب روح الشعر، روح عارية تلمع على الورق. الشعر عالم آخر مستقل، أخرج من الواقع، وأدخل في عالم الشعر.

* كيف يعتبر عملك معوقا لك في طريق الكتابة؟

ــ بعد عام 2003 المقارب  لسنة تخرجي من معهد الإدارة تغيرت الأمور وكثرت البطالة، يتخرج الطالب دون تعيين وهذا شعور بالإحباط واغتيال للأحلام، وبسبب عدم الاهتمام بالشهادة والخريجين أصبح هنالك نفور واضح من الدراسة. وفُتح الباب على مصراعيه وبدون تمحيص للتعين في وزارة الدفاع والداخلية، أحد الأقارب سجل اسمي دون أن أعلم، وبعد أسبوع وجدت نفسي شرطيا في أحد الأفواج  بدون تدريب أو دخول دورة وأسلحتنا نشتريها على حسابنا الخاص.

بدأت رحلة العذاب مع هذا العمل، خلاله بصعوبة أطالع الكتب أو أكتب، أعود منهكا للبيت، وخلال العمل تحملق بك العيون وأنت تمسك كتابا، ما هذا الهراء هل أنت شيوعي؟! أنت ملحد؟، وغيرها من الكلمات المدببة. أحدهم وصف مجموعة شعرية لأحد الشعراء بأنها هراء أطفال. غالبية الضبّاط لا يقدّرون الثقافة والأدب أبدا، بل يحاربونها، ويحاربون من يهتم بالثقافة.

* كيف هي صورة المرأة في شعرك؟

ــ المرأة الأولى وأنا في السادس الابتدائي هي فاطمة، أتخيلها تضع المكسرات على صحن اللذة الأبيض. أحببت فاطمة، سيأتي يوم وأطلقها في أفق القصيدة. المرأة الأولى والثانية والأبدية هي أمي “جواهر” التي ضحت براحتها من أجلي، تناولت وجبة الضيم كلها، وتركت صحن الراحة لي ساخنا. من أجلها وضعت كتابا سردياشعريا، مازال مخطوطة ً بعنوان “سرد بكثافة الطين”.

هنالك الأخت أيضا تأتي خلال المطر والأشباح والغروب مطيّنة هاربة، وبرغم الخوف لم تتخل عن الكتب التي جلبتها لي، وهذا ما ذكرته في أحد نصوص مجموعتي “تلال الأمل العالية”. كذلك هنالك نساء كادحات وعصاميات في “تاريخ الماء والنساء”، الكتاب الذي ألفته بالاشتراك مع  الشاعر “أمير ناصر”. وهنالك نساء وحيدات، ونساء ذوات أحلام في كتابي “سماوات النص الغائم”.

* هل خبا نجم الشعر في مقابل ازدهار السرد ورواجه، خاصة الرواية ولما حدث ذلك في رأيك؟

– ربما خبا قليلا ولكنه لايموت، الشعر يوظف السرد. قصيدة النثر هي أكثر اتساعا وهذا ما يتضح في كتابات “أدونيس” الأخيرة و”غياث المدهون” في “أدرينالين”، روح الشعر تنافس الرواية. السبب في ازدهار الرواية هو عنصر التشويق والتطور الدرامي، والحركة في الرواية والكتابة بلغة سهلة، ومثال على ذلك روايات “علي بدر”.

* هل تحاول عمل لغة مميزة لك وهل تنتقي الكلمات بعناية وتغير وتدقق أكثر من مرة في اختيار الكلمات؟

– نعم أبحث عن لغتي الخاصة وهذا حصل لي منذ البداية، أعود لنصي أكثر من مرة، خاصة في الكتابات الأخيرة.

بعد مرحلة الانفعال والتدفق الشعري أترك النص فترة زمنية، وحين تصير بيني وبينه مسافة أعرف أن هذا النص تقليدي لنصوصي السابقة، أو أنه نص مختلف، وهذا ماتعلمته من تجربة الشاعر “محمود درويش”.

* هل تكتب قصيدة النثر وما رأيك في الجدل الذي يدور حولها؟

– نعم أنا أكتب قصيدة النثر، وأجدها المعنى الحقيقي للشعر، الشعر ليس صخبا وصراخا وليس خطابة وإنما تأمل‏. أنا أتحدث عن الشعر الحقيقي والأسمى.

* ما تقييمك لحال الثقافة في العراق؟

– لا يوجد اهتمام بالثقافة العراقية من قبل المسئولين، لا يوجد دعم مادي يدفع المبدع لأن يكون أكثر إبداعا وتوهجا، ولا يوجد اختبار حقيقي وصارم في اختيار الأديب. للمجاملة والعلاقات دور كبير، مثلا تجد عضو في اتحاد الأدباء وهو لم يطبع كتابا وليس لديه نتاج ملحوظ. وهذه كارثة وجزء من الفساد الذي له نتائج سلبية في مسيرة الثقافة العراقية.

مثلا أنا أقيمت من أجلي أمسية قبل سنوات، لكن في النهاية همسوا في أذني أن أدفع ما صرف من مال في هذه الأمسية. لا أدري هل يحدث هذا عندكم في مصر؟ هل يحدث في الإمارات، في السعودية، في الدول الأوربية؟!

* في رأيك هل تخدم الجوائز العربية الشعر وهل تدعم الشعراء؟

– الجوائز الحقيقية التي تمنحها مؤسسات رصينة نعم، تدعم الشعراء لكن المشكلة هنالك جوائز تمنح لأعمال رديئة لأسباب سياسية واجتماعية ولا تهتم بالذوق وروح الإبداع .

* هل واجهتك صعوبات في النشر وما رأيك في النشر التجاري؟

– نعم واجهت صعوبة بالنشر ومازلت أواجهها. وإن كنت تقصدين بالنشر التجاري هو أن يطبع الأديب على نفقته الخاصة، وهو منفذ لابد منه بعد أن تُغلق بوجهه النوافذ الأخرى!

* هل يواكب النقد الإنتاج الغزير للأدب وما هي إشكاليات النقد؟

– النقد الحقيقي الجاد الذي يقوّم الأدب ويقوده نحو الأجمل لا يواكب الإنتاج الأدبي أبدا .

* هل فكرت أن تكتب شعر بالعامية العراقية؟

– حين بدأت بالكتابة وهي فصيحة شجعني الكثيرون، ومن ضمنهم أختي أن أخوض تجربة الشعر، ما يسمى بالشعر الشعبي أي الشعر العامي لكني وجدت نفسي أميل للفصحى، الفصحى التي يستعملها العشاق والمغتربون في كتابة رسائلهم،  الفصحى الشعرية والقصصية في القرآن،  الفصحى التي يستعملها “سركون بولص”.

مع هذا فإن العامية لو تعامل معها الشاعر بوعي فإنها ستكون سامية، وهذا ما فعله “مظفر النواب” في “الريل وحمد” و”رحيم الغالبي” في “جسر من طين” و”حمود الحجري” في “شق فجرك ظلامي” و”انجلت عتمتي”.

 أنا الشريف الجميل..

نص ل “عمار كشيش”

يأتي الخبر قريبا من الشجرة المُنتفخة مثل منطاد

والباب الرئيسي المبقع بالعسل ‏

×‏

ذكريات ‏

أحمد يتزوج، يتعب من الفوضى البشرية الهائلة أمام نافذة تسجيل العاطلين عن العمل، ‏يمسك حبة الصبر العنيدة مثل بذرة المشمش، يحفر نقرةً صغيرة في قلبه ويضعها آه ‏.‏

‏×××‏

أحمد خرج من الغرفة وصار شبحا ً

‏ (ثمة حبل معلقة عليه البيارق المغسولة بالمطر والأقمصة المطبوخة بالقبلات)‏

لوحة شاهدها أحمد وهو في طريقه إلى الصفصافة ‏

‏×‏

الفاكهة كلف في خدها نتيجة لهذه المصائب التي تشق شاشة البلازما أو تشق النافذة ‏جارفةً معها صور الحديقة الفوتوغرافية. ‏

‏×‏

مع الفاكهة المعذبة التقط َصورة ً

مع الموسيقى الحزينة قليلا والصوت القادم من النهر، جاء الخبر يمتطي حصانا مرسوما ‏بفحم السيسبان.‏

‏ بائع الغاز سافر إلى شجرة بعيدة جداً

‏×‏

أحمد غادر أشجارنا ملطخاً بوحول الحديقة وثوبه الأسود يقطر مطرا مالحا وغطاء ‏رأسه مُلقى تحت البرحية. ‏

‏×‏

‏(قبل حدوث الكارثة)‏

الزمن منتصف النهار يوم الجمعة المبارك، نزل أحمد من عربته الصغيرة وتوضأ ‏بالنهر وتمنى

أن يرُزق بلون الماء في رغيف الخبز الطري

خرج من حشود النخل الرجل المبتسم: أنا الرسام العالمي بيكاسو

ــ ارسم لي صورة الإمام الشهيد

ــ سنتعرض للقتل حين أرسم لونه أزرق أو مكعب الشكل. سأرسم لك قناني الغاز

‏ مضى معه للبيت ورسم ثلاث قناني كالحة ‏

رسم نخلة زرقاء تشبه امرأةً ضامرة ونورسا مكعب الشكل يشبه صندوقا طافيا في بحر، ‏وغادر البيت.

قال لزوجته: هذا ملاك مثل جبرائيل مثل جلجامش ‏

‏ ×‏

أحمد يطلق موسيقى تنبّه العالم كي يحتفلوا أو يرسموا بالفحم وجوها ضاحكة على ‏الجدران يراها من يتمشى في الشارع أو يرقص.

ــ أبو (فيروز) نريد ناراً للشاي

ــ سأعطيكم حطبا (ههههههه) كي يكون الشاي عسلاً .‏

ـــ أبو فيروز نخلتك متوعكة

ــ النخلة علاجها المساج ( ‏HHH‏) .‏

‏×‏

‏(حديث في يوم سابق)‏

ــ النخلة ليست لك، قال الشرير

ــ النخلة تعشقني

ــ البيت ليس لك، قال الشرير

ــ حين أعطيك البيت سيرميني الله في الجحيم، قال أبو فيروز ‏

قال الرجل الخّير: هذه وصية الجدة شاهدها القرويون عبر شاشة كبيرة تحت نجمة ‏الصباح ونجمة المساء، الكلمات كبيرة مكتوبة بالباستيل.

‏×‏

قالت الملائكة…. قالت النوارس..‏

قال المزارعون: أبو فيروز يملك ورقة تمليك

هذا إبهام الجدة المبلل برغوه الحناء في أسفل الورقة

لكن مع هذا قُتل أبو فيروز، وهو يحتضر زاره ملاك آخر

أنا سركون بولص لست أجنبيا خمس ساعات بالسيارة وتصل للحبانية هنالك شجرة أمي ‏وتنورها

ورمادها ومكحلتها وطينها المختمر

‏(ياحامل الفانوس في ليل الذئاب)‏

أنت نائم وسوف تستيقظ بعد قليل.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة