13 يوليو، 2025 12:33 م

زيارة “بيلوسي” .. خسائر أميركا في رهان أرعن جعل من الصين ندًا قويًا تخشى غضبه !

زيارة “بيلوسي” .. خسائر أميركا في رهان أرعن جعل من الصين ندًا قويًا تخشى غضبه !

وكالات – كتابات :

عادت رئيسة “مجلس النواب” الأميركي؛ “نانسي بيلوسي”، لـ”واشنطن”، بعد أن أشعلت زيارتها لـ”تايوان”؛ “منطقة آسيا والمحيط الهاديء”، وستُصبح المنطقة بعد زيارة “بيلوسي”؛ لـ”تايوان”، مختلفة عما قبلها، ولكن السؤال هنا ما هي الخسائر والمكاسب الأميركية من هذه الزيارة المُثيرة للجدل، وكيف ستُغير شكل العلاقات الدولية في المنطقة ؟

ولم تتحدّد بعد التداعيات الحقيقية لزيارة رئيسة “مجلس النواب” الأميركي؛ “نانسي بيلوسي”، لـ”تايوان”، رغم نصيحة “البيت الأبيض” لها بعدم فعل ذلك والمعارضة القوية من “الصين”.

بينما حاولت “واشنطن” التقليل من أهمية تلك الزيارة باعتبارها مجرد استمرار لسياسة الغموض الإستراتيجي التي تنتهجها “الولايات المتحدة الأميركية”؛ إزاء “تايوان”، زادت حدة الاستجابة الصينية خلال الأيام الأخيرة.

ومن الواضح أن زيارة “بيلوسي”؛ لـ”تايوان”، لم تكن مُفيدة كثيرًا للجزيرة، كما أنها أظهرت  قيود الإستراتيجية الأميركية العالمية الحالية، حسبما ورد في تقرير لموقع (Responsible Statecraft) الأميركي.

“أميركا” تُريد تقسيم العالم إلى ديمقراطي ولا ديمقراطي فهل هي حقًا داعمة للديمقراطية ؟

يبدو أنَّ إدارة “جو بايدن”؛ عازمة على حشد الدعم الدولي ووضع حد للتراجع الإستراتيجي الأميركي؛ من خلال وضع إطار جديد للمنافسة على أنَّها: “أنظمة ديمقراطية ضد أنظمة استبدادية”، وهو اتجاه يُخاطر بتصعيد التوترات العالمية من خلال مبادرات رمزية لا تُفيد جديًا في تعزيز النفوذ الأميركي.

كما أن هذا التوجه يحمل مشكلات أخلاقية عديدة، ويُظهر أنه مجرد دعاية لا تصمد كثيرًا أمام أي رصد للتاريخ الأميركي القريب والبعيد وحتى السياسة الأميركية الحالية.

فمواقف عدة أظهرت أن “الولايات المتحدة” تُعاقب الشعوب عندما تختار في أي انتخابات ديمقراطية، أحزابًا مخالفة للمصالح الأميركية، وما زال “قطاع غزة” الفلسطيني محاصرًا؛ منذ 15 عامًا، بسبب انتخاب الشعب الفلسطيني لحركة (حماس)؛ في انتخابات عام 2006، التي جرت في الأصل بضغط أميركي، ووصفها الرئيس الأميركي الأسبق؛ “جيمي كارتر”، آنذاك، بأنها انتخابات جميلة، ولكن سرعان ما عاقبت “واشنطن” وحلفاؤها الشعب الفلسطيني على خياره، رغم أن المراقبين الغربيين كانوا يعلمون أنه خيار منطقي، بسبب فساد حركة (فتح) الحاكمة وانقساماتها الحادة، إضافة إلى تخليها عن المقاومة دون أن تستطيع أن تُحقق نجاحات في نيل حقوق الشعب الفلسطيني عبر التفاوض.

وفي نموذج آخر على النفاق الغربي في موضوع الديمقراطية، وقفت “الولايات المتحدة” والدول الأوروبية شبه مؤيدة للانقلاب الذي وقع ضد الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، عام 2016، حيث لم يقوموا بإدانته، إلا بعدما بدأت مؤشرات تظهر على فشل الانقلاب، بينما تُسارع هذه الدول عادة لإدانة أي انقلاب في أي دولة إفريقية حتى لو لم يعرف المسؤولون الغربيون موقعها على الخريطة.

الوجه الآخر للنفاق الأميركي والغربي في موضوع الديمقراطية، هو موقفها من جرائم الحكومات، الحليفة للغرب، والتي توصف بأنها ديمقراطية، ويمكن رصد ذلك بشكل واضح في الانتقادات الحادة للاضطهاد الصيني لمسلمي “الإيغور”، التي لا شك أنها تُمثل جرائم إبادة ثقافية غير مسبوقة، في المقابل، لا يوجد سوى عتاب خفيف لـ”الهند”؛ التي تُمارس اضطهادًا منظمًا ضد المسلمين بات يرقى لجريمة تفرقة عنصرية.

أما في حالة “إسرائيل”؛ التي وصفتها منظمات حقوقية غربية بالفعل بأنها: “دولة تمييز عنصري”، كما أن الجنائية الدولية تُحقق في جرائم الحرب التي نفذتها، يتحول الموقف الغربي إلى تأييد أعمى لجرائمها حتى لو كانت بلا مبرر حتى بالمعيار الإسرائيلي نفسه، كما حدث في معركة “غزة” الأخيرة؛ التي إفتعلها رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ “يائير لابيد”، لإظهار نفسه أنه الرجل القوي أمام الناخبين الإسرائيليين في الانتخابات القادمة، رغم أنه لم يُعد هناك أي تطور يستدعي التصعيد مع حركة (الجهاد) الفلسطينية، وفقًا لوسائل إعلام غربية وإسرائيلية.

و”لابيد” يُقدّم على أنه سياسي ليبرالي وحليف للحزب (الديمقراطي) الأميركي في “إسرائيل”، الأمر الذي يُثير شكوكًا بأن الأزمة التي إفتعلها في “غزة” تمت بتدبير مع الإدارة الأميركية، وهو أمر لو تبّين أنه حقيقي لشكل ضربة قاصمة لإدعاءات الحزب (الديمقراطي)؛ بأنه يتحرك في السياسة من منطلقات أخلاقية.

وفي حالة “تايوان” قد تكون إحدى المفارقات أن “الولايات المتحدة”؛ دعمت الجزيرة منذ أن كان الحكم فيها استبداديًا قاسيًا، ولم يرتبط الدعم الأميركي لها يومًا بالديمقراطية، بقدر ما هو مرتبط بالنكاية في “الصين” والرغبة في مساومتها.

“الصين” ترى في الزيارة انتهاكًا لسيادتها وترد بعقوبات تجارية على “تايوان”..

تُعتبر “نانسي بيلوسي”؛ أول رئيسة لـ”مجلس نواب” أميركي؛ تزور “تايوان” منذ زيارة الجمهوري؛ “نيوت غينغريتش”؛ إلى “تايوان”، في عام 1997، حيث التقى بالرئيس التايواني آنذاك، “لي تنغ هوي”.

أعلنت “نانسي بيلوسي”؛ أثناء وجودها في “تايوان”، أنَّ هذه الرحلة يجب النظر إليها على أنَّها: “رسالة لا لبس فيها بأنَّ أميركا تقف إلى جانب تايوان، شريكنا الديمقراطي، وهي تُدافع عن نفسها وعن حريتها”. لكن من وجهة نظر المسؤولين الصينيين، لا يتعلَّق هذا الخلاف: بـ”الديمقراطية”، بل هو انتهاك للسيادة الوطنية والهوية التاريخية الصينية.

اضطرت “الصين”، التي كانت أضعف كثيرًا، إلى التسامح مع زيارة “غينغريتش”؛ لـ”تايوان”، في عام 1997، لكنها تعتبرها الآن خطوة خاطئة تمامًا. قال “تشانغ جون”، سفير الصين لدى “الأمم المتحدة”، إنَّ: “الخطأ السابق لا يجعل الخطأ التالي مشروعًا”.

ومن ثمَّ، نفَّذ الجيش الصيني – ردًا على زيارة “نانسي بيلوسي” – سلسلة من التدريبات بالذخيرة الحية في المناطق المحيطة بجزيرة “تايوان”، فيما يُمثّل حصارًا واضحًا للجزيرة. فرضت “الصين” أيضًا سلسلة من القيود التجارية الجديدة على “تايوان”، من بينها تعليق صادرات الرمال الطبيعية وحظر استيراد الخبز والبسكويت من “تايوان”.

على الجانب الآخر؛ أمر وزير الدفاع الأميركي؛ “لويد أوستن”، بتأجيل تجربة إطلاق روتينية لصاروخ باليستي عابر للقارات لتجنب مزيد من تصعيد التوترات مع “الصين”. وعلى الرغم من الخطوة الأميركية، يبرز رد الفعل الصيني تداعيات مهمة.

الأزمة أظهرت أن “الصين” باتت ندًا لـ”أميركا”..

أولاً، اتضح جليًا أنَّ “الصين” باتت الآن ندًا لـ”الولايات المتحدة”؛ على كافة الأصعدة، ولديها القدرة على الانتقام على جبهات متعددة.

نما الاقتصاد الصيني بمقدار: 17 مرة مما كان عليه؛ في عام 1997. علاوة على ذلك، زاد الإنفاق الدفاعي لـ”الصين” من: 15 مليار دولار؛ في عام 1997، إلى: 230 مليار دولار؛ في عام 2022.

زادت “بكين” على نحوٍ مطرد من حجم ترسانتها النووية، لتصل إلى: 350 رأسًا نوويًا حربيًا؛ في عام 2022. تُشير كل هذه القدرات المتطورة إلى أنَّ “الصين” تستطيع التحرّك بقوة أكبر ضد أي تهديد لمصالحها الحيوية.

يُجدر التذكير أيضًا بأنَّ هذه الزيارة، من وجهة نظر “بكين”، ليست مجرد رحلة ذات دلالة رمزية من مسؤول أميركي. تعتقد الحكومة الصينية أنَّ جميع الإدارات الأميركية مؤخرًا تحركت بإصرار وعزم متزايد: “لاحتواء” صعود “الصين” أو ما يعتبره المسؤولون الصينيون عودة “الصين” إلى الساحة الدولية.

“أميركا” خسرت الحرب المعنوية مع “روسيا” و”الصين”..

على الرغم من أنَّ إدارة “بايدن” بعيدة كل البُعد عن كونها المسؤولة الوحيدة عن تصعيد التوترات العالمية؛ حسب مزاعم موقع (Responsible Statecraft) الأميركي، فإن زيارة “نانسي بيلوسي”؛ كانت قرارًا سياسيًا متعمّدًا، لأنَّها تأتي في وقت تتطلع فيه “الولايات المتحدة” إلى توضيح إستراتيجيتها واستعادة القدرة على فرض سرديتها عالميًا.

ونتيجة زيارة “بيلوسي”؛ التي تبدو رعناء في نظر الكثير من سكان العالم، فإنَّ “أميركا” مُعّرضة لخطر خسارة جدال عالمي حول مستقبل العلاقات الدولية وشرعية مؤسسات نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفقًا لتقرير نشرته مؤخرًا مجلة الـ (إيكونوميست) البريطانية.

وأحد المؤشرات الواضحة على فقدان “أميركا”؛ الحرب المعنوية، هو أنه على الرغم من فيضان المشاهد المؤلمة والتفاصيل المروّعة عمَّا يحدث في “أوكرانيا”؛ (التي تصنعها وتروجها الآلة الدعائية الأميركية والغربية)، يعيش ثُلثا سكان العالم في دول رفضت معاقبة “روسيا” في أعقاب هجومها على “أوكرانيا”؛ وترى الكثير من دول العالم النامي أنَّ التحالف الغربي منافق ومخادع لا يخدم إلا مصالحه الذاتية.

سعي “بايدن” للإعلاء من صراع الديمقراطية والاستبداد هدفه إضعاف “ترامب”..

بالإضافة إلى ذلك، تشهد “الولايات المتحدة” انقسامات عميقة في الداخل ولا تزال تُعاني من تداعيات الهجوم على مبنى “الكونغرس” الأميركي؛ في 6 كانون ثان/يناير، وتستعد لمعركة انتخابات التجديد النصفي 2022، واحتمالية خوض “دونالد ترامب” الانتخابات الرئاسية؛ في 2024.

يبدو أنَّ تأطير السياسة الدولية على أنَّها منافسة تاريخية بين الديمقراطية والاستبداد هي محاولة من “بايدن” لتشكيل إجماع سياسي جديد في الداخل والخارج من خلال توضيح ما هو على المحك بالنسبة لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية القائم على القواعد والداعم للقيم الديمقراطية.

على مستوى ما، تنطوي الإستراتيجية الجديدة على إمكانات واضحة. على سبيل المثال، يُعد مشروع “قانون منع غزو تايوان”، الذي قدَّمه السيناتور الجمهوري؛ “تيم سكوت”، أحد التشريعات القليلة المحتملة التي تحظى بدعم كلا الحزبين (الجمهوري) و(الديمقراطي).

باتت مواجهة “الصين” الآن أحد الموضوعات النادرة التي يجتمع عليها الديمقراطيون والجمهوريون داخل “الكونغرس”. علاوة على ذلك، فإنَّ “أميركا”، التي تُجدد إلتزامها بإلتزاماتها الدولية، ستُحافظ على الأرجح على هياكل تحالفاتها في “أوروبا والشرق الأوسط وآسيا”.

حلفاء “أميركا” بالشرق الأوسط سينفرون من الفكرة..

من ناحية أخرى، يحمل هذا الإطار الناشيء – المُتمثّل في: “الديمقراطية ضد الاستبداد”، والذي تُعد زيارة “بيلوسي” أحد الأمثلة عليه – مخاطر تطورات سلبية للغاية يجب عدم الاستهانة بها. في المقام الأول، لن يصلح هذا الإطار أضرار الشكوك حول قدرات القوة الأميركية في مواجهة التحديات الجديدة، لكنَّه يُهدد حقًا بزيادة التقلبات العالمية من خلال تهديد المصالح الإستراتيجية للدول المتنافسة مثل: “روسيا والصين”، في مناطق العالم، التي تتمتع فيها بنفوذ عسكري معيَّن.

بالإضافة إلى أنَّ العودة إلى المطالبات المتواصلة بتعزيز الديمقراطية تُهدد باستعداء الدول الحليفة، مثل دول الشرق الأوسط التي قد يكون دعمها حاسمًا في المستقبل.

في حين أظهرت زيارات سابقة لسياسيين أميركيين مدى الثقة والقوة الأميركية، يمكن القول إنَّ زيارة “نانسي بيلوسي”؛ وتداعياتها أظهرت الضعف الأميركي والانقسامات الداخلية.

كانت الزيارة مجرد محاولة لاستعادة الهيمنة على السرد عالميًا وحشد الدعم من خلال تصعيد منافسة بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة الاستبدادية في وقت تُعاني فيه “الولايات المتحدة” محليًا وتُكافح لاستعادة هيمنتها على الساحة الدولية. لكن هذه إستراتيجية عالية المخاطر في مقابل تحقيق مجرد مكاسب رمزية.

في كتابه: (نقاشات حول ليفي)، يُحذر الكاتب والمنظر السياسي الإيطالي؛ “نيكولو مكيافيلي”، من الإساءة إلى الأعداء بدون هدف. لكن هذا ما تُجازف “الولايات المتحدة” بفعله الآن – إهانة قوة عظمى بدون تحقيق مكاسب ملموسة.

مكسب “واشنطن” الخفي من زيارة “بيلوسي” لتايوان..

قد يكون هناك مكسب واحد محتمل من زيارة “بيلوسي”؛ لـ”تايوان”، فالجزيرة المنشقة عن “الصين” ترتبط بعلاقات اقتصادية مع “بكين” أكثر من تلك التي تربطها بـ”واشنطن”، ومن الواضح أن “الولايات المتحدة” تُريد جذب “تايوان” لصفها في الحرب التكنولوجية الدائرة مع “بكين”؛ وأنها تُريد تقليل صادرات الرقائق الإلكترونية التايوانية لـ”الصين”، مما سيُشكل ضربة كبيرة للأخيرة.

ولكن السوق الصينية أهم سوق بالنسبة لصادرات الرقائق التايوانية، الأمر الذي جعل “تايبيه” متحفظة في الانضمام للجانب الأميركي في هذه الحرب، ولكن اليوم بعدما رأى التايوانيون السفن الصينية وهي تُحاصر جزيرتهم ردًا على زيارة “بيلوسي”، فإن هذا سيجعلهم على استعداد للإلتصاق بـ”أميركا” وأكثر، والتخلي ولو قليلاً عن أرباح التجارة مع “الصين”، مما يُمهد الطريق لـ”واشنطن” لفرض مزيد من القيود على صادرات التكنولوجيا التايوانية لـ”بكين” لخنق شركات التكنولوجيا الصينية، بعد أن أشعلت الأزمة بين طرفي “مضيق تايوان”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة