خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
زيارة “نانسي بيلوسي”؛ رئيسة “مجلس النواب” الأميركي إلى “تايوان”، من جملة الموضوعات التي طرحت من جديد موضوع العلاقات “الأميركية-الصينية” على طاولة البحث والتحليل الإعلامي والأكاديمي، لأن هذه الزيارة قد تُزيد من وتيرة التوتر بين هاتين القوتين العالميتين أكثر من أي وقت مضى.
وهذه هي الزيارة الأولى لرئيس “مجلس النواب” الأميركي إلى جزيرة “تايوان” منذ 25 عامًا، وقد أثارت ردود أفعال الكثير من القيادات الصينية رفيعة المستوى سياسيًا وعسكريًا، حتى أن الرئيس الصيني؛ “شي جين بنيغ”، كان قد حذر في اتصال هاتفي بنظيره الأميركي؛ “جو يابدن”، من خطورة أن تلعب “واشنطن” بالنار؛ بحسب “سهراب انعامي علمداري”؛ المحلل الإستراتيجي، في مقاله التحليلي الذي نشرته وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إيرنا) الرسمية.
العلاقات البندولية..
ويمكن تصنيف العلاقات “الأميركية-الصينية” تحت بند العلاقات البندولية؛ لاسيما في الحوزة الاقتصادية، لأن ضربة أي من البلدين للاقتصاد العالمي قد تبعث على الحركة باتجاه النهاية أو العكس.
ورغم أن العلاقات بين البلدين بدأت بالاعتزال والتناقض في عهد؛ “ماو تسي تونغ”، أو بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن بعد ذلك ونتيجة التطورات الصينية الداخلية وأتباع سياسات الاقتصاد الحر، تحركت “بكين” باتجاه الشراكة الاقتصادية والتعاون الإستراتيجي في مختلف الموضوعات العالمية، حيث ساهم هذا التوجه الصيني في صحوة تنانين “الصين” الاقتصادية النائمة، حيث احتلت “بكين” المرتبة الثانية عالميًا من حيث الاقتصاد والناتج المحلي الإجمالي، والذي يبلغ في المتوسط: 14.7 تريليون دولار، وأصبحت “الصين” الدولة الوحيدة عالميًا التي حققت نمو بنسبة: 8.1%؛ خلال العام 2020م.
واتخذت السياسات الصينية الخارجية؛ تحت حكم الرئيس؛ “هو غينتاو”، عام 2003م، قالب عقيدة الظهور السلمي، وتطوير الاقتصاد عن طريق ملفات الارتباط المتقابل من الجيران في الفصاء المحيط والمناطق الأخرى، من خلال تبني رؤى: “الدبلوماسية المحيطة” و”حسن الجوار”.
تطوير السياسة الخارجية الصينية..
ومثل هذه الإجراءات ربطت المصالح الوطنية الصينية بالحوازات والاقتصاديات العالمية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة بدرجات مختلفة. وكان لـ”الصين” حضور مستمر في الحوزة الإستراتيجية عبر بوابة الفضاء المحيط وتكثيف الوجود؛ بخاصة منطقة “آسيا الشرقية” ومنطقة “بحر الصين الجنوبي”، وفي حوزة “آسيا الوسطى”؛ (مشروع الحزام والطريق)، والشرق الأوسط وإفريقيا، وأميركا اللاتينية.
بعبارة أخرى تقدم “بكين” تعريفًا لعلاقاتها الاقتصادية في قوالب إستراتيجية و”سياسية-أمنية”.
بداية احتواء أميركا لقوة الصين..
هذا التصور دفع “الولايات المتحدة”؛ منذ فترة الرئيس؛ “باراك أوباما”، إلى تبني رؤية مختلفة لإستراتيجية الظهور السلمي الصينية.
والواقع أن المسألة الصينية تعتبر موضوعًا مُعقدًا وإستراتيجيًا بالنسبة لـ”الولايات المتحدة” التي تسعى للحيلولة دون تفوق القوة الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية وحتى الثقافية الصينية، وهذا السلوك الأميركي متجذر في ظهور قوة ذات قدرة هيمنة محتملة في المستقبل.
وفي هذا الإطار تعرض تشريح العلاقات “الصينية-الأميركية إلى تحول هيكلي، من هذا المنطلق سعت “الولايات المتحدة” في العقدين الأخيرين إلى احتواء مصادر قوة “الصين”.
سياسة الجاذبية الآسيوية..
وقد كانت سياسة الجاذبية الآسيوية أولى سياسات المواجهة الأميركية تجاه “الصين”. وبموجب هذه الإستراتيجية الجديدة جرى التأكيد على الوزن الإستراتيجي لمنطقة “آسيا-المحيط الهاديء” وتكثيف الوجود العسكري الأميركي في هذه المنطقة.
وقد تبنت إدارة؛ “دونالد ترامب”، هذه السياسات في الحوزة الاقتصادية؛ بحيث أفضت هذه السياسات إلى اندلاع حرب التعريفة عام 2018م، بين البلدين، وأجبرت إدارة “ترامب”؛ الشركات الأميركية الكبرى على الانسحاب من “الصين” رغم الأضرار البالغة.
ومع صعود إدارة؛ “جو بايدن”، اتخذ الديمقراطيون رؤية مركبة وتقيدية اقتصادية وإستراتيجية تستهدف فرض قيود هيكلية وإستراتيجية ضد “الصين”، وتحول أزمة “تايوان” إلى موضوع الصراع الرئيس بين البلدين.
وفي ظل هذه الأوضاع يبدو أن النخبة الصينية قررت اختيار إستراتيجية تقوم على استمرار التوسع الاقتصادي والثبات السياسي في الداخل بالتوازي مع إستراتيجية التعاون لكسب مكاسب اقتصادية على الصعيد الدولي.
لكن كذلك يعتبر موضوع “شرق آسيا” وفرض السيادة على هذه المنطقة خيارًا إستراتيجيًا بالنسبة لـ”الصين” التي تعترف باستمرار بأهمية التوسع في الحوازات المحيطة. وفي ضوء هذا المنطق الإستراتيجي، يرى الصينيون أن المسار الوحيد للتهدئة في هذه المنطقة هو الموازنة.
وتسعى “بكين”؛ في إطار الموازنة ومن منطلق إدراك الترتيبات الأمنية في منطقة “شرق آسيا”، للمحافظة على هذه الموازنة بالتوازي مع المحافظة على فضاءات تحرك إستراتيجي في المنطقة والتعاون مع “الولايات المتحدة الأميركية”.