الامام الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهما السلام، كان ثائر باسلوب داعية، وداعية في خط التغيير، وتغيير نحو الاصلاح، وإصلاح في أمة جده للعودة نحو الاسلام الحقيقي الذي جاءت به رسالة السماء على لسان الحبيب محمد الأمين خاتم المرسلين عليه وعلى آله وصحبه المنتجبين آلاف التحية والصلاة.. وقد بدأ ثورته منذ أن قال كلمته الصارمة والصاعقة كحد سيف ذوالفقار، لعامله في المدينة الوليد بن عتبة عندما طلب من حفيد رسول الله النزول الى حكم يزيد الفاسق الفاجر شارب الخمر مداعبة القردة قاتل النفس المحرمة؛ قائلا: “مِثلِي لا يُبَايِعُ سِرّاً، فإذا دعوتَ النَّاسَ إلى البَيعَة دَعوتَنا معَهُم فكان أمراً واحداً”.
كلام سيد الشهداء وأب الأحرار لم ينتهي هنا بل قال مخاطباً الوليدج بن عتبة عليه السلام: “أيها الأمير، إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فَتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل شَاربُ الخُمورِ، وقاتلُ النفس المحرَّمة، مُعلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحَقّ بالخلافة.. ولقد سَمِعتُ جدي رسول الله يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان، فإذا رأيتُم معاوية على منبري فابقروا بَطنَه.. ولَولم يَكُن في الدنيا مَلجَأ ولا مَأوىً لَمَا بَايَعتُ يَزيد”.. معلناً بذلك ثورته ورفضه للظلم والديكتاتورية والفرعنة وتزييف وتحريف الاسلام وخداع الأمة وخذلانها.
هنا استشعر الفاسق يزيد مدى خطورة الامام الحسين بن علي وأفكاره الاسلامية الحقيقية على عرشه فقرر ملاحقته وقتله أينما تسنح له الفرصة، عسى ولعل يظفر بالسلطة لعقود من الزمن يرتع ببيت المال ويعيد الأمة على ديانة الجاهلية والقبلية عهد جده أبو سفيان الطلقاء وجدته هند صاحبة الرايات الحمر.. فكان الأمر ملاحقة سيد شباب أهل الجنة ومن معه أينما رحلوا من المدينة ثم في مكة أمراً بقتله لول كانت متعلقاً بأستار الكعبة، والأمر ليس بغريب على نجل هند آكلة الأكباد وقد فعله بعد مجرزة عاشوراء سنة 61 للهجرة وقتله للامام الحسين وأهل بيته واصحابه الميامين وحتى طفله الذي لم يبلغ الشهر الستة من عمره؛ برجم الكعبة بالمنجنيق.
حجم كبير من الأمة الاسلامية والبشرية لا زال حتى يومنا هذا لم يقف بعد على الأهداف الرفيعة والسامية لثورة الامام الحسين ودوافعها، جراء التعتيم الاعلامي الأموي الوهابي السلفي التكفيري الضال المضل المضلل والمتواصل حتى حاضرنا المعاصر رغم اختلاف وسائله وحداثته وتطوره، فيما الهدف واحد وهو إخفاء الحق والحقيقة عن المسلمين كي يبقوا على جاهليتهم النفاقية التي أرادها أبناء الطلقاء وأصحاب سقيفة بني ساعدة الغدراء؛ وهنا رفع الامام أب عبد الله الحسين صوته عالياً شاهراً راية المعارضة ومعلناً أهداف ثورته الأبية بكل وضوح وصراحة قائلا: “إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين”.
فاجعة كربلاء وما جرى فيها من غدر ونفاق وقتل وتسليب وحرق للخيام ودهس جثث الضحايا من كبيرهم وحتى صغيرهم، وقطع الرؤوس المباركة، وسبي بني هاشم من ديار الى ديار من أرض الطفوف نحو شام يزيد الطاغية السفاح المجرم مروراً بالكوفة التي كانت قد بعثت أكثر من ثلاثين ألف رسالة للامام الحسين (ع) أن أقبل إلينا نحن بانتظار خلافتك، وإذا بالغدر والترهيب والتطميع والنفاق الذي كان متلبساً به غالبية أبناء الكوفة آنذاك، فاق الوفاء إلا نفر قليل جداً ممن التحقوا من تلك الديار الى ركب الشهادة والعزة والإباء؛ لتتجاوز حشود المحاصرين لقافلة الكرامة والإيمان والرسالة السماوية التي كانت تضم العشرات من رجال ونساء وأطفال، أكثر من ثلاثين ألف محارب على أقل التقديرات ومجهزين بعدة عسكرية كبيرة.
رغم كل ذلك انتصر الدم على السيف وبقيت صرخة عاشوراء مدوية تبلغ بصداها كل ضمير حي يتعطش للحياة الحرة، لأن صوتها خرج من قلوب طيبة أحبت الناس واعطتهم كل ما تيسر لها من العطاء ,ارخصت النفوس والدماء الطاهرة لإعلاء كلمة الله، وبذلت في سبيل إحقاق الحق ونصرة المظلومين كل ما تملك.. هذا الصوت الذي أقض الظالمين في مضاجعهم ولايزال يهز عروش الطغاة والمستكبرين، كان لابد لمثل هذه الحركة الثورية الدامية والزاخرة بالعديد من المواقف التضحوية النبيلة وما تمخضت عنها من مفاهيم وقيم استنهاضية سامية من أن تحدث حركة في المجتمع وتبث فيه نفساً تغييرياً.
أبي الأحرار لا يزال وسيبقى على طول الدهر والعصور حتى قيام المصلح الكبير المنتظر الموعود الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، حاضر في كل مكان باتت “كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء”، ولولا قيامه الامام الحسين لأنسى الطاغية الفاسق “يزيد” وأبوه وجديه ومن سار ويسير على خطاهم الإسلام المحمدي الأصيل وهدموه وأفنوه من الوجود وأعادوا الفكر الصنمي الجاهلي وكان إسلامنا اليوم إسلاماً طاغوتياً وليس إسلاما محمدياً علوياً حسينياً مهدوياً أصيلاً.. لابد من إبقاء صدى نهضة عاشوراء تلك الثورة الانسانية الرامية للإصلاح والتغيير بكل ما للكلمات من معانٍ حيةّ في ضمير الانسان والشعوب الرامية للعيش بحرية مرفوعة الرأس تأخذ بزمام أمورها بيدها دون السماح للمعتدين والغزاة والفراعنة والطغاة والارهاب والتكفير فعل ما يريد فعله، اولئك الذين يعبثون بالأرض الفساد ويعيدون للذاكرة بإجرامه البربري فعلة “الوحشي” بصدر سيد الشهداء “حمزة” بأکلهم الأکباد.
انطلق الامام الحسين ليصحح اوضاع البلاد الاسلامية آنذاك، ويعيد للأمة ما فقدته من مقوماتها وذاتياتها، ويعيد شرايينها الحياة الكريمة التي تملك بها إرادتها وحريتها في مسيرتها النضالية لقيادة أمم العالم في ظل حكم متوازن تذاب فيه الفوارق الاجتماعية، وتقام الحياة على أسس صلبة من المحبة والاخاء، انه حكم الله خالق الكون وواهب الحياة، لا حكم معاوية الذي قاد مركبة حكومته على اماتة وعي الانسان، وشل حركته الفكرية والاجتماعية.. فجعل من ثورته الدامية عبرة لاولي الالباب، مضيئاً بها الطريق لكل حر وأبي وشريف ومؤمن وثائر حق على طول العصور والدهور وأنار بها الفكر، فتمسك بنهجه مسلمين وغير مسلمين في شتى بقاع العالم.. فنهارت السدود والموانع وحواجز الخوف التي كانت تسيطر على نفوس الناس في الحكم الأموي أو غيره ولم يتمكن “يزيط” الفسق والفجور من الحكم سوى ثلاثة أعوام أرتكب خلالها مجازر كبيرة.
عاشوراء الدم والسيف التي نعيش هذه الأيام ذكراها الأليمة المؤلمة والتي بات عنصر المأساة يطغى على الحقيقة الكامنة من وراء قيام واقعة الطف، تلك التي تخللتها مشاهد القتل المروعة، وتوجيه وتركيز الانظار والمشاعر والعواطف الانسانية وبشكل ضاغط على ما تبعها من أحداث مفجعة؛ دفع بالكثير من الناس الابتعاد عن الجوانب الأخرى من هذا الحدث العظيم، والانجازات الكبيرة التي نجحت في تحقيقها والمشروع النهضوي الذي تبنته والخط الحركي بأسسه المعنوية والتعبوية الذي أوجدته في المجتمع من أجل بث روح التغيير والإصلاح خاصة في مجال عطائها الإنساني، وهذا ما يتطلب منا أن نفهم ثورة الامام الحسين بن علي عليهما السلام بأسبابها ومقدماتها وأهدافها ونتائجها وانجازاتها العظيمة التي نجحت الثورة في تحقيقها.
الامام الحسين رغم خسارته المعركة عسكرياً لقلة الناصر والكم الهائل من القتلة والفسقة والمغرر بهم الذي وقفوا ضده وحاربوه بكل شقلوة وقساوة، ومنعوا المياه ليس عن الكبار فحسب حتى عن الأطفال الرضع لأيام، وفعلوا ما فعلوا من أفعال يندى له جبين البشرية حتى يومنا هذا رغم مرور حوالي 14 قرناً على الفاجعة.. لكنه ربح الحركة الثورية الزاخرة بالعديد من المواقف التضحوية النبيلة وما تمخضت عنها من مفاهيم وقيم استنهاضية سامية لتحدث حركة في المجتمع وتبث فيه نفساً تغييرياً، وعليه فهناك جملة من التغييرات التي نتجت عن قيام عاشوراء الحسين لا يدركها سوى المتمسكين بنهجه الثوري التضحوي.
ثورة الامام الحسين الاصلاحية تمكنت من تحطيم الاطار الديني المزيف الذي كان الأمويون وأعوانهم يحيطون به سلطانهم، وفضح الروح اللادينية الجاهلية التي كانت توجه الحكم الأموي.. ثم بث الشعور بالإثم في نفس كل فرد نتيجة للواقع الدامي الذي كانت عليه واقعة الطف، وهذا الشعور الذي يتحول الى نقد ذاتي من الشخص لنفسه، يقوّم على ضوئه موقفه من الحياة والمجتمع؛ الى جانب ذلك تمكنت ثورة عاشوراء من خلق مناقبية جديدة للإنسان المسلم، وبعث الروح النضالية في الإنسان المسلم من أجل إرساء المجتمع على قواعد جديدة، ومن أجل رد اعتباره الإلهي اليه.
فمن اجل ان تكون حسينيا حقا عليك…
* اولا- ان تقرا الحسين بعقلك قبل عواطفك، وبوعيك قبل أحاسيسك، فالحسين (ع) ليس عبرة فقط (بفتح العين) انه عبرة (بكسر العين) وفكرة.
* ثانيا- من اجل ان ننجح في استيعاب الحسين بعقولنا، يلزم ان يكون المنطلق ربانيا، والى هذا المعنى أشار سيد الشهداء بقوله: “فمن قبلني بقبول الحق” أي أن من يريد ان يستوعب حركته عليه ان يقبل بحركة الخالق في عباده، لان حركة أب الأحرار هي جزء من الحركة العامة التي خلقها الله تعالى وأرادها لعباده.
* ثالثا- ان ندرس منطلقات واهداف ونتائج الثورة الحسينية، كحزمة واحدة، من جانب، وبعقل منفتح لا تسيطر عليه العاطفة او المصالح الانانية،من جانب آخر.
* رابعا – من خلال قراءة سيرة أهل البيت عليهم السلام يتضح لنا انه ومن خلال إخلاصهم لله تعالى يحبون الخير للناس من دون تمييز، فهم باب رحمة الله الواسعة لكل بني البشر، كما انهم الطريق الذي كل من سلكه اهتدى الى الصراط المستقيم. لذا لابد أن نكون نحن هكذا ايضا.
* خامسا- لنعرف ماذا فعل الامام الحسين مع الباطل وأي ثمن دفعه لنصرة الحق فنفعل مثله، حتى نكون حسينيين.
* سادسا- ان الحسيني حقا هو الذي لا يوالي من هو عدو للحسين عليه السلام، ولا يعادي من يحب الحسين ابدا، فالحسينيون يشكلون بمنهجهم وبطريقتهم وبجموعهم جبهة واحدة لا تهزها العواصف، ولا يخترقها اليزيديون، مهما كانت اشكالهم ووسائلهم التضليلية.