وكالات – كتابات :
يتخبط العالم في مواجهة أزمة تلو الأخرى، بداية من التغير المناخي وديون الدول النامية وجائحة (كوفيد-19)، بخلاف الحرب الأوكرانية وأزمة “تايوان”، في مؤشرات على ترنح النظام العالمي.. فما البديل ؟
مجلة (فورين آفيرز) الأميركية نشرت تحليلاً عنوانه: “لا أحد يريد النظام العالمي الحالي”، رصد أسباب الفشل النابعة من حقيقة أنَّ الكثير من الدول لم تُعد مُلتزمة بالحفاظ على النظام العالمي الحالي، بما في ذلك تلك الدول المؤسسة له.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ عاش العالم في ظل نظامين، الأول هو نظام عالم “الحرب الباردة” ثنائي القطبية؛ بين: “الولايات المتحدة الأميركية” و”الاتحاد السوفياتي”، والذي لم يكن مهتمًا إطلاقًا بكيفية إدارة الدول لشؤونها الداخلية. أما بعد “الحرب الباردة”؛ فقد سقط النظام ثنائي القطبية، وهيمنت “الليبرالية الجديدة” ليتشكَّل النظام العالمي الليبرالي الحالي أحادي القطبية، الذي تقوده “الولايات المتحدة” ويتجاهل السيادة الوطنية والحدود، كلما احتاجت “واشنطن” إلى فعل ذلك.
النظام العالمي الحالي بقيادة “أميركا”..
أدَّعى هذا النظام أنَّه منفتح وليبرالي قائم على القواعد ويدعم قيم الديمقراطية وما يُسمى بالأسواق الحرة وحقوق الإنسان وسيادة القانون، لكن في واقع الأمر كان يستند إلى هيمنة القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية لـ”الولايات المتحدة”. بالنسبة لمعظم الحقبة التي أعقبت زوال “الاتحاد السوفياتي”، كانت معظم القوى، من ضمنها “الصين” الصاعدة، تتبع بوجهٍ عام هذا النظام الذي تقوده “الولايات المتحدة”.
ومع ذلك، تُشير السنوات الأخيرة إلى أنَّ هذا النسق أصبح شيئًا من الماضي. تُظهر قوى أخرى ما يمكن تسميته بالسلوك: “التعديلي” أو “التنقيحي”، حيث تسعى وراء تحقيق أهدافها الخاصة على حساب النظام العالمي الحالي، وتسعى إلى تغيير هذا النظام نفسه.
وغالبًا ما تُظهر تلك الخطوات: “التعديلية”؛ في صورة نزاعات إقليمية، لاسيما في منطقة المحيطين: “الهندي والهاديء”. في هذا الصدد يتبادر إلى الذهن احتكاك “الصين” بجيرانها؛ “الهند واليابان وفيتنام” وآخرين. وكان الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، الذي يصفه الرئيس؛ “فلاديمير بوتين”، بأنه: “عملية عسكرية خاصة”؛ ويصفه الغرب بأنه: “غزو، انتهاكًا للمعايير الدولية” ودحضًا إضافيًا لفكرة أنَّ “روسيا” يمكن أن تجد دورًا مُريحًا داخل نظام عالمي تقوده “الولايات المتحدة”.
يبرز السلوك التعديلي أيضًا في إجراءات العديد من القوى الأخرى، بما في ذلك الشكوك المتزايدة بشأن إلتزامات التجارة الحرة في “الولايات المتحدة” والحشد العسكري في “اليابان” وإعادة تسليح “ألمانيا”. يتضح جليًا أنَّ العديد من الدول باتت غير راضية عن النظام العالمي؛ كما هو الآن، وتسعى لتغييره لصالحها.
وقد يؤدي هذا الاتجاه إلى نهج جيوسياسي أكثر إثارة للنزاعات وآفاق اقتصادية عالمية أكثر فقرًا. قد يُمثّل التعامل مع عالم من القوى التعديلية التحدي الحاسم للسنوات المقبلة؛ بحسب مزاعم المجلة الأميركية.
القوى التعديلية في كل مكان..
باتت العديد من القوى العالمية الكبرى غير راضية عن النظام الدولي القائم حاليًا. وتلتزم “الولايات المتحدة”، بصفتها القوة العظمى الوحيدة في العالم؛ (بحسب وصف التقرير الأميركي)، بتوسيع الأجندة المحلية للرئيس؛ “جو بايدن”، لتتضمن برنامجًا عنوانه: “إعادة بناء عالم أفضل”.
يُشير اسم البرنامج نفسه إلى أن النظام العالمي الذي تتزعمه “الولايات المتحدة” بنجاح على مدار أكثر من نصف قرن يحتاج إلى بعض التحسينات.
أبتعدت “الولايات المتحدة” عن المؤسسات الدولية التي بنتها، مثل “منظمة الأمم المتحدة” و”منظمة التجارة العالمية”، وتراجعت أيضًا عن إلتزاماتها بالتجارة الحرة بالانسحاب من اتفاقيات مثل: “اتفاق الشراكة عبر المحيط الهاديء”.
كانت “الصين” المستفيد الأكبر من نظام “العولمة”؛ الذي تقوده “الولايات المتحدة”، وتسعى “بكين” الآن إلى: “احتلال مركز الصدارة”، على حد تعبير الرئيس؛ “شي جين بينغ”. فـ”بكين” تطمح صراحةً إلى إعادة ترتيب ميزان القوى في “آسيا”، ومنح صوت أقوى لـ”الصين” في الشؤون الدولية.
لكن لا يزال يتعين على القادة الصينيين تقديم إيديولوجية بديلة تجذب الآخرين، أو تُضفي الشرعية على سعيهم للهيمنة. يبقى النفوذ الصيني محل خلاف، حتى في جوارها المباشر، يُحيط بـ”الصين” عدد من بؤر التوتر الرئيسة والمعضلات الأمنية، من بينها مستقبل “تايوان” والنزاعات الإقليمية مع: “الهند واليابان”. نشأت هذه المنازعات نتيجة السُبل التي أخلت بها “الصين” بتوازن القوى الإقليمية والعالمية. توضح الإجراءات الصينية الحازمة؛ منذ عام 2008، أنَّ “بكين” تسعى إلى تغيير النظام العالمي.
من جانبها؛ لم تستطع “روسيا” مسايرة النظام العالمي، حيث حاولت القوى الغربية الضغط عليها لتكون جزءًا منه في السنوات التي أعقبت نهاية “الحرب الباردة”. بدلاً من ذلك، تستاء “موسكو” من تراجعها وتقلص نفوذها بعد إنهيار “الاتحاد السوفياتي”. ويُعد الهجوم الروسي على “أوكرانيا” أحدث تعبير عن هذا الشعور بالاستياء والظلم، في ظل إصرار حلف الـ (ناتو) على التمدد شرقًا رغم وعد “واشنطن”، عند تفكك “الاتحاد السوفياتي” قبل أكثر من 03 عقود، بأن ذلك لن يحدث؛ بحسب إدعاءات التقرير الأميركي.
والآن باتت “روسيا” أكثر قربًا إلى التعاون مع “الصين” لتقويض القيادة العالمية الأميركية ومحاولة زعزعة استقرار “أوروبا”، حيث لا تزال القدرات الروسية مهمة على المستويين الاقتصادي والعسكري.
ومن جهته؛ أعلن المستشار الألماني؛ “أولاف شولتس”، بعد بداية الحرب في “أوكرانيا”، أنَّ العالم قد وصل إلى نقطة تحول. وباعتبارها قوة اقتصادية ذات طموحات سياسية محدودة على مدار عقود من الزمان، تضطلع “ألمانيا” حاليًا بدور إقليمي ودولي أكثر فاعلية من خلال السعي لبناء جيشها، وتسليح “أوكرانيا” وإعادة تقييم علاقاتها مع “الصين” و”روسيا”.
وكانت قرارات الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، قد أدت إلى إثارة خوف حلفاء “الولايات المتحدة” – مثل “ألمانيا واليابان” – من تخلّي “واشنطن” عن إلتزاماتها تجاه النظام الدولي، وهو ما دفع العديد منهم إلى تعزيز قدراتهم الأمنية.
أعادت “اليابان” أيضًا تقييم دورها في المنطقة والنظام العالمي بفضل صعود “الصين”، وتمر “طوكيو” حاليًا بمرحلة انتقالية من قوة مسالمة غير تدخلية تُركز على الاقتصاد؛ إلى دولة تعتني بمصالحها الأمنية الخاصة، وتأخذ دورًا قياديًا في منطقة المحيطين: “الهندي والهاديء”.
في الواقع؛ إنَّ إلتزام “اليابان” الصريح بمبدأ إبقاء منطقة المحيطين: “الهندي والهاديء” حرة ومفتوحة وغيرها من المبادرات ينبع من خوفها من صعود “الصين” والتراجع المحتمل لـ”الولايات المتحدة”.
أما “الهند”، التي احتضنت النظام العالمي الليبرالي؛ الذي تقوده “الولايات المتحدة” بعد “الحرب الباردة”، واستفادت منه، فلا تزال عضوًا مستاءً داخل هذا النظام. يُعتبر سعيها للحصول على مقعد دائم في “مجلس الأمن الدولي”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة”، أوضح مثال على رغبة “الهند” في الاضطلاع بدور أكبر في النظام الدولي، بما يتناسب مع ثقلها الاقتصادي والجيوسياسي.
الدول النامية فقدت الثقة في النظام العالمي..
إذا كانت القوى الكبرى تُضمر شكوكًا حول النظام العالمي الليبرالي القائم على القواعد، فإن الدول الأضعف تفقد الثقة على نحوٍ مطرد في شرعية هذا النظام وعدالته.
هذا صحيح تمامًا بالنسبة للدول النامية، التي رأت فشل “الأمم المتحدة” و”صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي” و”منظمة التجارة العالمية” ومؤسسات أخرى؛ في التعامل مع قضايا التنمية، لاسيما أزمة الديون التي أبتُليت بها الدول النامية وتفاقمت جراء جائحة فيروس (كورونا)، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة نتيجة الحرب “الروسية-الأوكرانية”. وفقًا لـ”صندوق النقد الدولي”، ثمة أكثر من: 53 دولة مُعّرضة الآن لخطر مواجهة أزمات ديون خطيرة.
أضف إلى هذا الفشل الاقتصادي الحديث، سجل التدخلات السرية والعلنية في شؤون الدول الأخرى، ومحاولات تغيير النظام التي هندستها القوى الكبرى. ويُعد الهجوم الروسي على “أوكرانيا” أحدث مثال صارخ على مثل هذه الانتهاكات للسيادة الوطنية، لكن العديد من القوى الغربية متورطة أيضًا في ارتكاب مثل هذه الأعمال. أدى هذا السلوك إلى تعزيز الشعور بعدم الأمان لدى العديد من الدول النامية والتشكيك في معايير النظام الدولي القائم حاليًا.
الثقة في ركائز هذا النظام آخذة في التآكل، إذ تراجعت شرعية المؤسسات الدولية تدريجيًا بعد أن أصبحت فاعلية أنظمة العقوبات والتدخلات العسكرية تعتمد على مدى رغبة “الولايات المتحدة” أو القوى الغربية في تنفيذها، بدون التقيّد بقواعد القانون الدولي.
عالم على صفيح ساخن..
الفوضى تتسلل إلى العلاقات الدولية، أو بالأحرى غياب مبدأ تنظيمي مُهيمن، فلا يمكن لأي قوة بمفردها أن تُملي شروط النظام الحالي، ولا يوجد إلتزام بمجموعة واضحة من المباديء والمعايير من جانب القوى الكبرى، لذا من الصعب وضع قواعد مُلزمة موحّدة للطريق، في وقت باتت فيه العديد من الدول تمضي قدمًا في طريقها الخاص بها.
تُشكك “الصين” و”روسيا” حاليًا في الركائز الأساسية للنظام الليبرالي الغربي، لاسيما المتعلقة بحقوق الإنسان العالمية وإلتزامات الدول. تتذرّع “بكين” و”موسكو” بمبدأ حماية سيادة الدولة؛ لكي تفعلا ما يتناسب مع مصالحهما، بينما تسعيان لوضع قواعد جديدة في مجالات مثل الفضاء الإلكتروني والتقنيات الجديدة، لكنهما لم تُقدما حتى الآن بديلاً جذَّابًا بما فيه الكفاية للآخرين.
وفي الواقع، يُشير تعامل “الصين” و”روسيا” مع جيرانهما – في “أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي” وعلى الحدود بين “الهند” و”الصين” – إلى اعتماد شديد على تأثير القوة العسكرية والاقتصادية، بدلاً من المعايير والمؤسسات؛ بحسب إدعاء المجلة الأميركية.
ومع ذلك؛ من المُضّلل الإعتقاد بأنَّنا نرى اليوم حربًا باردة أخرى بين كتلتين: “العالم الحر” و”عالم الأنظمة الاستبدادية”. على الرغم من توطيد التحالف عبر “الأطلسي” وظهور “الصين” و”روسيا” متحدتين في تحالف ضد الغرب، لكن هذا بعيد كل البُعد عن نمط حرب باردة جديدة؛ كما يزعم التقرير.
تُظهر العديد من الديمقراطيات سمات الأنظمة الاستبدادية على نحوٍ متزايد. تُبين ردود فعل العالم على حرب “أوكرانيا” و”العقوبات الغربية” ضد “روسيا”؛ عدم وجود كتلة موحدة خارج التحالف عبر “الأطلسي”. كما لم يكن الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين “الصين” و”الولايات المتحدة” موجودًا في “الحرب الباردة”؛ كما يُجادل التقرير بسوق تسويفات وتزييف للحقائق الدولية ترويجًا للقوة والنفوذ الأميركي.
إلى جانب ذلك، لا توجد بدائل إيديولوجية تُعادل تلك المطروحة من جانب خصمي “الحرب الباردة”، “الولايات المتحدة” و”الاتحاد السوفياتي”. لا تُقدم “الصين” بديلاً إيديولوجيًا أو منهجيًا جاذبًا – يُضاهي الاشتراكية أو الشيوعية بالنسبة للدول النامية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي – لكنها تجذب الدول الأخرى بوعود مشاريع مالية وتقنية وبنية تحتية، وليس مباديء إيديولوجية.
تزداد التصدعات الجيوسياسية وينمو عالم القوى التعديلية، حيث يسلك كل بلد طريقه الخاص به وفقًا لما تقتضيه مصالحه الخاصة، وينقسم الاقتصاد العالمي إلى تكتلات تجارية إقليمية وتتصاعد شراسة الصراع بين القوى الدولية والإقليمية من أجل التفوق الاقتصادي والسياسي. يبدأ، في خضم هذه العملية، ظهور عالم أخطر بكثير مما كان عليه في السابق.
كل دولة تبحث عن مصالحها الخاصة..
يتعيَّن على الدول تعلّم كيفية التعامل مع هذا العالم الجديد من القوى التعديلية والاستعداد لمواجهة مستقبل مجهول. يتمثَّل أحد الحلول في الإنغلاق على الذات، وهذا ما فعلته “الصين والهند والولايات المتحدة” ودول أخرى في السنوات الأخيرة بشكلٍ أو بآخر.
على سبيل المثال، يتجسَّد هذا النهج من الاعتماد على الذات في إستراتيجية: “التداول المزدوج” للصين، وتعهد “بايدن” بخطة: “إعادة البناء بشكل أفضل”، وإلتزام “الهند” بمواصلة العمل تحت شعار: “الهند المعتمدة على ذاتها”، وهو الشعار الذي رفعه رئيس وزرائها؛ “ناريندرا مودي”.
وفي الوقت نفسه، الذي تُريد فيه الدول تحقيق مزيد من الاستقلال اقتصاديًا، تُريد أيضًا أن تكون أكثر أمنًا عسكريًا. سعت جميع القوى الكبرى إلى توسيع قدراتها الدفاعية والنووية، إذ تجاوز الإنفاق الدفاعي العالمي: 02 تريليون دولار لأول مرة في عام 2021، رغم التداعيات الاقتصادية المؤلمة لجائحة (كوفيد-19).
ولعل سعي الدول إلى تشكيل تحالفات خاصة هو أحد الأشكال الأخرى لعالم تتنامى فيه القوى التعديلية. شهد العقد الماضي؛ سلسلة من الترتيبات متعددة الأطراف – من ضمنها “الحوار الأمني الرباعي”؛ (كواد)، ومجموعة (بريكس)، و”منظمة شنغهاي للتعاون”، ومجموعة (I2U2)؛ التي تضم: “الهند وإسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة”.
تُعتبر هذه الترتيبات وسيلة مواتية تخدم غايات معينة، لكن على الرغم من أنَّها قد تُساعد في توطيد علاقات ثنائية معينة، فإنَّها بعيدة كل البُعد عن أن تُشبه التحالفات أو التكتلات الأكثر متانة خلال حقبة “الحرب الباردة”.
ستعمل بالتأكيد العديد من القوى المتوسطة والصغيرة على تجاوز الانقسامات والسعي إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع القوى الأكبر. ومن الأمثلة على هذا الاتجاه استجابة “رابطة دول جنوب شرق آسيا” على الخلاف المتزايد بين “الولايات المتحدة” و”الصين”؛ وتوطيد علاقات “إسرائيل” مع بعض دول الخليج من خلال: “اتفاقيات إبراهيم”.
وفي الآونة الأخيرة، قاومت العديد من الدول الإفريقية والآسيوية ودول أميركا اللاتينية ذات العلاقات القوية مع الغرب؛ الانضمام إلى العقوبات المفروضة على “روسيا”؛ بعد الهجوم على “أوكرانيا”. سوف يُشجع مثل هذا السلوك المتوازن ونهج التحوّط السياسي على مواصلة إيجاد حلول محلية للمشكلات الداخلية، سواء من خلال ترتيبات اقتصادية وتجارية إقليمية أو التوصل إلى حلول تفاوضية محلية للنزاعات السياسية.
ومع ذلك؛ يبقى العمل على المستوى المحلي غير كافٍ لمواجهة المشكلات العالمية الكبرى، وأزمة الديون خير مثال، إذ أدى التخلّف عن سداد الديون والأزمة الاقتصادية في “سريلانكا” إلى اعتمادها على جيرانها في شبه القارة الهندية، حيث قدَّمت “الهند”؛ لـ”سريلانكا”، خط ائتمان بقيمة: 3.8 مليار دولار لشراء إمدادات الغذاء والوقود.
ولم يُعلِن حتى الآن كبارُ المقرضين الدوليين، من بينهم: “الصين” والغرب، خطوة إعادة جدولة ديون “سريلانكا”. رفضت الدول الغنية على مدار سنوات الاستجابة لدعوات إعادة جدولة أو إلغاء ديون الدول النامية المُترنحة على شفا التخلّف عن السداد، الأمر الذي يُنذر بتكرار سيناريو إنهيار “سريلانكا” في دول أخرى. في الواقع، عالم القوى التعديلية هو عالم متعدد الأنظمة، حيث لا يُعار فيه اهتمام لمعالجة قضايا العصر الكبرى – التنمية غير المتكافئة والتغير المناخي والأوبئة.
الخلاصة هنا هي؛ أنه مع تفكّك النظام القديم والمكافحة من أجل ولادة النظام الجديد، تتحقَّق ميزة التفوق لدى الدول التي تفهم بوضوح توازن القوى ولديها تصور لنظام مستقبلي تعاوني يُحقق الصالح المشترك. ولسوء الحظ، تضاءل نفوذ العديد من القوى الكبرى، ولا يُبدي العديد من قادتها اهتمامًا كبيرًا بالشؤون الخارجية أو حل المشكلات العابرة للحدود. في الوقت نفسه، لا تملك أيٌّ من القوى التعديلية المهمة، التي ترغب كل منها في تغيير النظام الدولي، رؤية مقنعة لما يمكن أن يكون عليه هذا التغيير.
كما أن التحول السريع في ميزان القوى لا يمكن أن يوفر الأساس لنظام عالمي مستقر لفترة من الوقت. بدلاً من ذلك، ستظل القوى العالمية تتخبط في مواجهة أزمة تلو الأخرى، مع تزايُد عدم رضاها عن النظام العالمي القائم حاليًا، وعن شكل التعاون مع بعضها البعض، وهكذا ينشأ توهم وجود الكثير من التحركات لحل الأزمات، لكن من دون أن يحدث أي تحرّك فعلي مثمر على أرض الواقع.