وكالات – كتابات :
مازال المشهد السياسي العراقي يلتهب بالآراء والرؤى التي يتبناها مراقيون وسياسيون عراقيون؛ أكثر سخونة من الأحداث الميدانية التي تجري على الأرض بين أنصار (التيار الصدري) والقوى الممثلة لـ (الإطار التنسيقي) الباعثة لها، بعد ساعات من اقتحام أنصر “الصدر”، “البرلمان العراقي”، السبت 30 تموز/يوليو المنصرم.
واحتاج “الصدر” إلى استعراض قدراته في الشارع أمام خصمه، (الإطار التنسيقي)، الذي كان على وشك التفاوض مع بقية الفعاليات السياسية لتمرير مرشحه؛ “محمد شيّاع السوداني”، المُقرب من “نوري المالكي”، لكن “الصدر” لم يُجهض هذا المسار وحسب، بل فتح الباب لتغييرات عميقة في المنظومة الشيعية؛ بحسب تقرير لصحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية؛ الذي استعرض آراء قيادات كُردية وسُنية عن توقعاتهم بشأن مستقبل هذا التحرك الجريء. لم يكن من بينهم أحد يشعر بالقلق؛ بأن ما سينتهي إليه “الصدر” سيقلب النظام بشكل جذري.
محاولات عزل تيار “المالكي” والحذر “الكُردي-السُني”..
وفضّل مراقبون وسياسيون عراقيون تفسير حركة “الصدر” على أنها محاولة راديكالية لقلب النظام، لكن من الواضح أن التيار يُريد فض الاشتباك بين علاقات القوة بين الفاعلين الشيعة، خصوصًا مع استحالة أي صيغة توافق مع (الإطار التنسيقي)، وإمكانية تثبيتها مع الكُرد والسُنة.
ويُحاول تحالف (السيادة) والحزب (الديمقراطي الكُردستاني) الحفاظ على قدر عالٍ من الحذر في التعامل مع حراك “الصدر”. ويقول قيادي كُردي: “نعرف أن الصدر يُريد عزل تيار المالكي وحلفائه من العملية السياسية (…) هذه حركة جريئة، وإن تمكن من إتمامها حتى النهاية، فسنشهد خريطة شيعية مختلفة”، فيما يُعلّق مستشار سياسي سُني بأن: “عزل فريق التوتر (الإطار)؛ سيُمهد الطريق لتشكل منظومة شيعية أكثر حيوية واستقرارًا، وأي مسار آخر يُبقي الصيغة القائمة سيُكتب له الفشل”.
ومن الواضح أن غالبية الفعاليات السياسية العراقية، من بينها ما تبقى من حراك تشرين أول/أكتوبر الاحتجاجي، تُحاول دعم حراك “الصدر”، لكن هذا الموقف النامي قد يتعثر ويتراجع مع مرور الوقت، حين تتضح إستراتيجية “الصدر”؛ بأن الاحتجاج الذي يقوده الآن هو أكبر من المناورة وأقل بكثير من الثورة.
“الصدر” يستنفر الروح الثورية لـ”قوى تشرين”..
وكان “الصدر” ذكيًا بما يكفي لاستقطاب الجمهور الحانق على النظام، حين اقتحم “المنطقة الخضراء” وتمركز في مبنى البرلمان.
كان الأمر بمثابة استدراج للروح “الثورية” الخامدة لدى غالبية (قوى تشرين)، ومحاولة تأكيد أن “الصدر”: “أب” للاحتجاج.
رمزية “ساحة الاحتفالات”..
الآن، يوسع “الصدر” من رقعة استثماره لكل الرمزيات المتاحة. وأخيرًا، حدد “ساحة الاحتفالات”؛ وسط “بغداد” لإقامة صلاة الجمعة، وهي منصة مخصصة لتنظيم الاستعراضات العسكرية بناها رئيس النظام العراقي السابق؛ “صدام حسين”، عام 1986، لتكون رمزًا لإطلاق رسائل التفوق والانتصار خلال الحرب مع “إيران”، والتوترات اللاحقة في التسعينسات، حتى إنهيار النظام.
إنها مسارات متعددة لاحتلال الرمزيات، يُحاول “الصدر” من خلالها ترسيخ الهدف الذي يُعبر عنه غالبًا بالحكومة “الأبوية”، بمعنى أنه يُريد احتكار القرار الشيعي، وإنشاء تحالفات فرعية من قوى من الطائفة توافق على تقديم تنازلات ضامنة.
ويعتقد “الصدر”، بحسب مقربين منه، أن الإطاحة بـ”المالكي” والطيف السياسي المتحالف معه، بحسب تقرير (الشرق الأوسط)، يجب أن تدعم بخطوات أساسية لاحقة، أهمها تعديل الدستور وتغيير المنظومة القضائية، فمن خلالهما تمكن خصوم “الصدر” من تقييد مشروعه في تشكيل حكومة أغلبية، بدفع مباشر من زعيم ائتلاف (دولة القانون)، كما يزعم منخرطون في المطبخ السياسي الشيعي.
التحالف “الكُردي-السُني” مع “الصدر” لم ينتهي..
ولا يقترح المسار الذي يعمل عليه “الصدر”: “ثورة بيضاء”، ولا “ثورة لقلب النظام”. إنه أقرب إلى تصحيح النظام بثورة على المنظومة الشيعية.
يقول القيادي الكُردي، للصحيفة اللندنية الذي فضل عدم الكشف عن هويته نظرًا لحساسية التوقيت، إن: “تحالف الأغلبية بين الصدر والكُرد والسُنة لم ينتهِ (…). كل الخطوات التي أقدم عليها الصدر كانت معلومة ومحسوبة، دون أن يعني هذا التنسيق المشترك بشأنها”.
وسيبقى “الصدر”؛ “ماسكًا”، للأرض في “بغداد”، كأنه يضغط على رقبة (الإطار التنسيقي) ببطء وإحكام، بانتظار أن يُطلق الأخير إشارة الاستسلام والقبول بشروطه، وهذا المسار من التصعيد المُسيطر عليه، حتى الآن، يفعّل مسارًا لتغييرات دستورية تحت إشراف حكومة انتقالية. يعتمد كل هذا على الطريقة التي يختارها (الإطار) لخسارة هذه المعركة مع “الصدر”.