منذ الصغر يعلمونا بان العراق من أغنى البلدان ، وتلك المعلومة يتداولها الكثير من العراقيين بفخر واعتزاز ، ويعطون الأدلة على ذلك فيشيرون لما يمتلكه البلد من ثروات طبيعية وموارد بشرية وموقع جغرافي ومن انهر ومساحات تكفي لأضعاف العدد الحالي والمتوقع للسكان ، ومن وسائل إقناعنا بما يقال يذكرون الأرقام التي تشير بان العراق يقع في المرتبة الثالثة على الأقل في مجال احتياطيات النفط كما انه يحتل مراكز متقدمة من حيث احتياطيات الغاز والكبريت وغيرها ، وعلى وفق المؤشرات والمزايا التي يتمتع بها العراق فانه مؤهل بالفعل لان يكون في مقدمة البلدان الغنية ولكن ذلك لم يحصل فيما مضى من السنين ، ففي وقتنا الحاضر يصيب الفقر ثلث السكان وهناك الكثير من المظاهر والبنى التحتية والخدمات والرفاهية التي تثبت بان العراق ليس من أغنى البلدان حتى وان امتلك لمقومات لبلوغ ما يتمناه السكان ، وتلك حقيقة لا تتعلق بالحاضر فقد بدأت منذ عقود و تزداد تفاقما يوما بعد يوم والسبب في ذلك إن أكثر الأحداث التي مرت على البلاد لم يكن هدفها التنمية والاعتناء بالإنسان فاغلبها تدمير وصراعات ، ومجملها تبدو بعيدة عن الاستفادة من موارده فمنذ سنوات واقتصادنا ريعي ويعتمد على النفط كمصدر أساس في الدخل والناتج المحلي .
وحسب تقرير بعنوان ( The World’s Richest and Poorest Countries 2022 ) الذي نشرته مجلة global Finance) الأمريكية ) ونقلته وكالاتنا المحلية ومنها ( شفق نيوز ) بخصوص أفقر و أغنى الدول في العالم لعام 2022 ، فان العراق يحتل المرتبة 114 عالميا من بين 192 دولة شملها التصنيف كما إننا نحتل المرتبة عاشرا بين الدول العربية ، والمشكلة ليس في التسلسل الذي نقع فيه عالميا وعربيا فحسب وإنما في الفروقات المتعلقة بحصة الفرد العراقي خلال هذا العام من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 12.141 ألف دولار ، فهي بعيدة جدا عن حصة الفرد في التسلسل الأول ( لوكسمبورغ ) التي جاءت بالمرتبة الأولى في أغنى دول العالم وبنصيب بلغ 140.694 ألف دولار فالفرق بيننا وبينهم 128 ألف دولار في السنة أي إن نصيب العراقي يعادل 8,5% من نصيب الفرد عند اغنى الأغنياء ، كما إن الفرق شاسع مع التسلسل الأول عربيا فقد جاءت قطر بالمرتبة الأولى (المرتبة الرابعة عالميا ) بنصيب بلغ 112.789الف دولار، أي بفرق 100 إلف دولار أي إن نسبة الفرد العراقي تعادل 10,6% من الدخل السنوي للمواطن في قطر ، كما إن المشكلة في حصة الفرد العراقي الواردة في الجدول تؤشر التوزيع غير العادل للدخل فإذا كانت حصة الفرد 12 ألف دولار سنويا فذلك يعني ( نظريا ) إن حصته 18 مليون دينار سنويا أي بمعدل 1,5 مليون دينار للفرد شهريا ، وهو ما لا نجده في رواتب الحماية الاجتماعية التي تضم أكثر من مليوني عائلة فحصة العائلة ( وليس الفرد ) لا تزيد عن 150 دولار شهريا ، كما إن هذا الرقم لا يقترب من واقع الرواتب التقاعدية حيث يتقاضى قرابة مليوني متقاعد راتبا لا يزيد عن 500 ألف دينار شهريا ، كما انه بعيد كل البعد عن واقع العاطلين عن العمل الذين ليست لهم مدخولات تذكر والذين يبلغ عددهم أكثر من 3 مليون عاطل .
وصحيح إننا لسنا أكثر دول العالم فقرا لان هناك 78 دولة في العالم تبلغ حصة الفرد عندهم اقل من حصة العراقي ، ولكننا لسنا من أغنى الدول لان هناك 113 دولة تزيد فيها حصة الفرد عندهم عن حصة الفرد العراقي بأضعاف ، والواقع الذي نحن فيه من حيث الناتج المحلي هو بفضل ارتفاع أسعار بيع النفط وزيادة كميات صادرات النفط ، فإيرادات النفط تشكل 85% من مجموع الناتج المحلي أي إن تسلسل العراق بين الدول الغنية والفقيرة قابل لان يكون أدنى من التسلسل الحالي لو تعرضت صادرات وأسعار النفط لأزمات كما حصل بعد انتشار جائحة كورونا واضطررنا من خلالها تخفيض سعر صرف الدينار مقابل الدولار ، والأرقام غير المسرة المعروضة في أعلاه معروفة للجميع لأنها بمتناول الجهات المختصة ولأي عراقي سواء كان مواطنا اعتياديا او مسؤول ، وكان من المفروض أن تكون معطياتها دافعا لمن يعنيهم الأمر للارتقاء بدرجة الغنى في العراق لتخليص البلد من المشكلات التي يعاني منها وتخفيف او معالجة معاناة الفقر الذي يزداد انتشار ، فبلدنا مهيأ من جميع النواحي ليرتقي بناتجه المحلي من خلال تفعيل قطاعات الأعمال والاقتصاد ، فبيع أكثر من 200 مليون دولار يوميا في نافذة العملة بالبنك المركزي لأغراض تغطية الحوالات وتمويل الاستيراد تعني إن البلد سوقا واعدة لتصريف المنتجات المحلية كوننا نستورد أكثر من 90 % من الحاجات ، ووقوعنا في المركز 114 له كثير من الحقائق أبرزها إننا ليس أغنى بلد كما يشاع ولسنا حتى ضمن الأغنياء ، مما يستدعي أن نصحوا من الأحلام والخيال لنجعل بلدنا في حال أحسن من هذا الحال وبما يناسب مواردنا على الأقل .