خاص: إعداد- سماح عادل
من المحزن أن تكون هناك كاتبات يتمثلن النظرة الذكورية، بل ويتبنين هذه النظرة بشراسة وضراوة لا توصف، فنجد بعض الكاتبات يسرفن في وصف أعمال ونصوص كاتبات أخريات بأنها رغبة في الإغواء، أو دعوة للقارئ، أو لجذب القارئ، أو مبعثا لجعل القارئ يشتهي، كل تلك الاتهامات القاسية والشرسة تخرج من كاتبة أو امرأة لمجرد أن النصوص لا تناسب ذائقتها أو قيمها الأخلاقية التي تتبناها، فهي لا تترك لتلك الكاتبات حرية التعبير عن أنفسهن بالطريقة التي ترضيهن، وإنما تحكم عليهن أخلاقيا، وترشق الاتهامات الجاهزة التي تدخل في باب الإهانات، والتعميم، ومحاولة النيل من تلك الكاتبات وأخلاقهن بجرأة تحسد عليها.
هذا التحقيق عن (الغزل في كتابات النساء) وقد جمعنا الآراء من كاتبات وكتاب وقراء من مختلف بلدان العالم العربي. وقد وجهنا للكاتبات الأسئلة التالية:
- ما رأيك في الغزل وهل تكتبينه، وما رأيك في الجرأة في كتابة الغزل؟
- هل قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم؟
- هل اطلعت على غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر سواء في الشعر أو القصص القصيرة أو الرواية وما رأيك فيه؟
- وهل يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال؟
- ماذا تريد أن تقول الكاتبة حين تكتب الغزل هل تحاول إثبات حقها في المساواة، أم تعبر عن ذاتها ومشاعرها، أم تحاول أخذ دور الشريك الفاعل في علاقة الحب؟
يفرشن أجسادهن ومشاعرهن للقراءة والنظر والاشتهاء..
تقول الكاتبة العراقية “د. عالية إبراهيم”: “لم تعد نظرية الأغراض الكلاسيكية حاضرة في الشعرية الحديثة، فقد انفتحت القصيدة على آفاق فكرية وثقافية وأسلوبية أخرجتها من عباءة الغرض الواحد وأطلق أعنتها نحو تأملات أغنى وأرحب، لكن لو قلنا إن غرض السؤال عن الغزل هو مقاربة كتابة الحب عند المرأة بين طبيعة الأنا وفهم الآخر الرجل روحا وجسدا، فلا شك أن أولى أولويات المرأة العربية المبدعة هو التعبير عن عواطفها الفياضة تجاه الرجل.
بدأن الشاعرات العربيات الرائدات متأثرات بالتيار الرومانسي في الشعر، فكن أقرب للخيال الجامح الممتزج بصفاء الطبيعة والعاطفة الشفافة المترفعة عن حاجات الجسد، وإن جاء ذكر للملامسة في شعرهن فيكون إيماء أو رمزا وليس تصريحا، من تلك الشاعرات على سبيل المثال “فدوى طوقان” وهي أجرأ شاعرات جيلها في التغزل بالرجل و”ملك عبد العزيز” و”سلمى الخضراء الجيوشي” و”لميعة عباس عمارة” وقد كتبن أشعارا غزلية رومانسية في حدود الانضباط المجتمعي والتوازن النفسي والانفعالي.
بعد تجاوز مرحلة الريادة الشعرية شهدت العقود اللاحقة ترجمة نصوص النظرية النسوية الغربية للغة العربية، واندلاع الأزمات والحروب السياسية العربية، تراجع النظام الاشتراكي وتقدم الرأسمالية، كل تلك الأسباب غربت المرأة عن واقعها وأخذت جرعة إضافية من الحرية فصارت نصوص المرأة الشاعرة أكثر جرأة في تناولها لعاطفة الحب، بل أكثر تحديا لتقاليد المجتمع في بلوغها أقصى مديات النصوص المكشوفة، فكتبن لوحات شعرية كاملة سردن فيها تفاصيل العلاقة الجسدية ووصفن ملامح الرجل وصفاته وصفا دقيقا.
وفي هذه الحالة ليس من أمثلة لأن أغلب شاعرات قصيدة النثر، وليس جميعهن بالتأكيد، قد اندفعن في خضم موجة الشعر الأيروتيكي منذ العقدين الأخيرين من القرن العشرين وعشرية الألفية الجديدة، جئن الشاعرات المغربيات في الصدارة ومن خلفهن سرن المشرقيات على الخطى وهن يفرشن أجسادهن ومشاعرهن للقراءة والنظر والاشتهاء، أطلق النقاد والباحثون على هذا النوع من الشعر الكتابة بالجسد “إن الجسد في علاقته بالكتابة يبادل الدور الموضوعي لتحركاته في الفضاء إلى جسد من الخيال فيتعدد البناء الدلالي للجسد” (فريد الزاهي، النص والجسد والتأويل).
من الشاعرات المبدعات من أجدن كتابة الجسد والإغراء وإن اختلف المتلقي العربي الملتزم معهن من الجوانب الأخلاقية والدينية ومنهن من اتخذن هذا النهج مع قلة الإجادة سبيلا للشهرة وحب الظهور، وحضور المهرجانات والمنتديات الأدبية وزيادة مبيعات مجموعاتهن هؤلاء كتبن نصوصا آنية أدنى جمالية، نصوصا قابلة للنسيان والمحو”.
ذروة فيض شعوري..
وتقول الكاتبة السورية “فيحاء نابلسي”: “الغزل فن أدبي وإنساني راقي, يدخل البهجة على النفس والسرور على قلب من يقرأه ومن يسمعه, لأنه يُظهر مواطن الجمال النفسي والجسدي في المحبوب والنفس تُحبُ كل ماهو جميل.
أكتب الغزل أحيانا كخواطر شعرية، ولكن أميل إلى الغزل الوجداني الذي يتغنى بالمشاعر والأحاسيس وليس الغزل الحسي الذي يتغنى بالشكل والجسد. يُعجبني في الغزل ما يسلك مسار التلميح وليس التصريح, وإذا صح في الشعر أن أعذبه أكذبه, فهذا يصدق على الغزل أيضا, إذ لا مفر من المبالغة في المشاعر والعواطف التي يضخمها الخيال وتتلاعب بها العواطف لحظة التأثر.
ولكن على ألّا يصل إلى هتك ستر الحياء بفاحش الصور والتعابير, الشيء الذي يُخرج الغزل عن رهافة الإحساس ورُقيّ المشاعر. فالغزل هو ذروة فيض شعوري تجعل الوجدان يتدفق بيانا لا يليق به الابتذال”.
وتضيف: “وصلنا من الشعر القديم شعر ولّادة بنت المستكفي في ابن زيدون, وشعرها جميل يغلب عليه الطابع الوجداني والعذري”.
وعن الغزل في الوقت الحاضر تقول: “في الأدب الحديث تحاول الكاتبات منافسة الكتاب في وصف المشاهد الغراميّة ويسهبن في توصيف المشاعر والهُيام, ربما إثارة لمشاعر القراء, أو ربما لجذب فئة معينة يُغريها هذا اللون من الكتابة.
في الحقيقة إذا كان الغزل له دور وظيفي في النص والمشهد القصصي والروائي, سيأتي تلقائيا طبيعيا يتقبله القارئ, أما إذا كان متصنعا يُتعمّدُ إقحامه في النص إقحاما بقصد الإثارة فسيكون ممجوجاً.
وعن الاختلاف تقول: “بالطبع يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل في كتابات الرجال, فبينما لا يتحرّج الرجل عن التصريح بالوصف الحسي وهيام المشاعر والأحاسيس, تميل المرأة إلى التلميح والمواراة بصور وكنايات تعبر بها مشاعرها. المرأة غالباً لا تتغزل غزلاً حسيّاً وإنما غزلاً وجدانيا يصف أحاسيسها ومشاعرها لمن تُحب و مُعبّرة عن مكانته وقيمته بالنسبة لها”.
وتؤكد: “يختلف هدف الكاتبة حسب شخصيتها, فربما تُحاول إثبات حقها في المساواة في التعبير عن المشاعر والعواطف كما يفعل الرجل, أو يكون غزلها فيضاً وجدانيا تعبر به عن ذاتها ووجودها لتثبت للرجل مكانته في قلبها وقيمته في حياتها.
أعتقد أن الغزل الراقي فن جميل لما له من أثر طيب في النفس وبما يعطي من دافع يشبع الروح رضا وبهجة. وعلى فكرة, لا يمكن للإنسان رجلا كان أو امرأة أن ينسى أحداً كتب له غزلاً.
الأعمال تأتي عن طريق الموهبة والقدرات..
وتقول الإعلامية اليمنية “سامية العنسي”: “لا اعتقد أن هناك اختلافا في التعبير عن أي مشاعر أو حالة عاطفية أو حتى التعبير عن أي قضية إنسانية بين المرأة والرجل وهما في الأصل عنصر واحد خلق من نفس واحدة، لهما نفس المشاعر ونفس الفكر والمكان الواحد حتى وإن اختلف المكان”.
وتضيف: “لا أؤمن بهذا الاختلاف حتى أولئك الذين يسمون النصوص الأدبي بأدب نسائي وأدب رجالي، لماذا هذا التباين غير المقنع مادام أن هذه الأعمال تأتي عن طريق الموهبة والقدرات والإمكانيات والتأهيل، وهذه الصفات تتوافر عند الطرفين إذا استطاع كل منهما أن يحققاها.
الأنثى جنس مثلما الذكر جنس ولا معيار هنا لأي تمايز أو تفاضل، لكن التفاضل حتى في الأعمال الأدبية والقدرة على إجادة التصوير للمشاعر والعاطفة ومنها الغزلية، يعتمد على قدرة كل منهما وموهبة كل منهما على صياغة هذه الصور البلاغية في أعمالهما أكان رجلا أو امرأة”.
وتؤكد: “ولهذا تذوق الشعر الغزلي تحديدا يرجع إلى كمّ الإحساس والمشاعر لدى الطرفين، ويرجع إلى نسبة الوعي والمعرفة بصياغة الصور الحسية والمعنوية في العمل الأدبي، واعتقد أن الذآئقة الإنسانية تميل إلى الإعجاب بهذه الصور الغزلية كفطرة إنسانية أولا وثانيا كثقافة تتباين من مجتمع لآخر، وأكيد لا أتصور أن هناك من لايستشعر صور الغزل في الشعر”.