“سيف العدل” الأقرب إلى خلافته .. كيف استفاد “بايدن” من توقيت إعلان مقتل “الظواهري” ؟

“سيف العدل” الأقرب إلى خلافته .. كيف استفاد “بايدن” من توقيت إعلان مقتل “الظواهري” ؟

وكالات – كتابات :

مقتل زعيم تنظيم (القاعدة)؛ “أيمن الظواهري”، بغارة أميركية في “أفغانستان”؛ له تداعيات كبيرة لجميع الأطراف، فماذا يعني ذلك للرئيس؛ “جو بايدن”، ولحركة (طالبان) وللتنظيم نفسه ؟

كان “بايدن” قد أعلن عن مقتل زعيم تنظيم (القاعدة) في غارة جوية بـ”أفغانستان”، وقال في بث تلفزيوني مباشر، وقت الذروة، مساء الإثنين 01 آب/أغسطس، إن “الظواهري” قُتل في غارة أميركية بطائرة مُسيّرة، بينما قال مسؤولون أميركيون إن الهجوم وقع مساء الأحد في العاصمة الأفغانية؛ “كابول”، باستخدام صاروخ من طراز (هيلفاير).

ولا شك أن أنباء مقتل “الظواهري” تصدَّرت وسائل الإعلام حول العالم، رغم الأجواء المشحونة بين “أميركا” و”الصين”، بسبب زيارة رئيسة “مجلس النواب” الأميركي إلى “تايوان”، ورغم استمرار الحرب في “أوكرانيا”، وبالتالي يُصبح السؤال حتى متى سيظل خبر قتل زعيم تنظيم (القاعدة) النبأ الأهم والأكثر متابعة، على الأقل في الداخل الأميركي ؟

لكن بغض النظر عن طول أو قصر: “دورة الأخبار” بشأن مقتل “الظواهري”، تظل للهجوم الأميركي، الذي يأتي بعد نحو عام من الانسحاب من “أفغانستان”، تداعيات ليست بسيطة بالنسبة لجميع الأطراف. فمن سيُخلف “الظواهري” في قيادة تنظيم (القاعدة) ؟.. وهل سيستفيد “بايدن” من الضربة؛ قبل 03 أشهر من انتخابات تبدو حاسمة لمستقبله ومستقبل حزبه (الديمقراطي) ؟.. وكيف سيكون تأثير الهجوم على حركة (طالبان) وعلاقتها مع “واشنطن” ؟

هل يستفيد “بايدن” من مقتل “الظواهري” ؟

أعلن “البيت الأبيض”؛ أن الرئيس الذي أصيب بعدوى (كورونا) مرة ثانية، ويقضي وقته في العزل، سيُلقي بخطاب هام للشعب الأميركي. وفي وقت الذروة من مساء الإثنين بالتوقيت المحلي، وقف “بايدن” وقال أمام الكاميرا: “الآن تحققت العدالة ولم يُعد لهذا الزعيم الإرهابي وجود… بغض النظر عن الوقت الذي يستغرقه الأمر، وبغض النظر عن المكان الذي تختبيء فيه، إذا كنت تُمثل تهديدًا لشعبنا فستجدك الولايات المتحدة وتقضي عليك”.

ولا شك أن هذا الإعلان يُمثل انتصارًا نادرًا للرئيس الديمقراطي، الذي كان قراره الانسحاب من “أفغانستان” والطريقة التي تم بها قد نال من شعبيته، لكن المحللين والمراقبين الأميركيين يختلفون حول مدى استدامة هذا الانتصار، أو بمعنى أدق إذا ما كان الإعلان عن مقتل “الظواهري”؛ في هذا التوقيت، سيُغطي على الأزمات الأخرى التي يواجهها “بايدن”، أو على الأقل يُقدم للرئيس وحزبه (الديمقراطي): “متنفسًا” قبل انتخابات؛ تشرين ثان/نوفمبر المقبل.

الرئيس الأسبق، الديمقراطي؛ “باراك أوباما”، كتب على (تويتر): “أخبار الليلة هي أيضًا دليل على أن من الممكن استئصال الإرهاب دون الدخول في حرب في أفغانستان. وآمل أن توفر قدرًا ضئيلاً من السلام لعائلات (ضحايا هجمات) 11 أيلول/سبتمبر، ولكل شخص آخر عانى على أيدي (القاعدة)”. وهذه الرسالة دعم مباشر لـ”بايدن” بطبيعة الحال.

فـ”الظواهري”، الذي كانت “واشنطن” قد رصدت: 25 مليون دولار مكافأة لمن يُدلي بمعلومات تقود إليه، كان قد أسهم في تنسيق هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، التي قُتل فيها زُهاء ثلاثة آلاف، لكنه أيضًا كان مطلوبًا لـ”واشنطن” حتى من قبل تلك الهجمات، إذ قال “بايدن” إن “الظواهري” كان العقل المُدّبر، أو لعب دورًا رئيسًا في الهجمات على المُدمرة الأميركية؛ (كول)، وسفارتي “الولايات المتحدة” في “كينيا وتنزانيا”.

كما أن هجوم الطائرة المُسّيرة هو أول ضربة أميركية معروفة داخل “أفغانستان”، منذ الانسحاب في آب/أغسطس 2021، وقد تُعزز هذه الخطوة مصداقية تأكيدات “واشنطن” بأن “الولايات المتحدة” لا تزال قادرة على مواجهة التهديدات من “أفغانستان” دون وجود عسكري في البلاد.

لكن على الجانب الآخر؛ يطرح الهجوم الصاروخي تساؤلات بشأن التوقيت، وبشأن ما إذا كان تنظيم (القاعدة) قد وجد ملاذًا آمنًا على الأراضي الأفغانية مرة أخرى، بعد عودة حركة (طالبان) إلى حكم البلاد، لدرجة أن بعض الأصوات من خصوم “بايدن” السياسيين يطالبون “الكونغرس” بالتأكد من أن إدارة “بايدن”: “تقول الحقيقة كاملة” فيما يتعلق بذلك الهجوم.

التوقيت وأزمة زيارة “بيلوسي”..

وفي مقال رأي، نشره موقع (فوكس نيوز)، تساءل المسؤول السابق في “مجلس الأمن القومي” الأميركي، والمحلل في المخابرات المركزية؛ “فريد فليتز”، عن سر التوقيت الذي اختارته إدارة “بايدن” للإعلان عن الهجوم، مضيفًا أنه: “يأتي بعد عام من انسحاب بايدن الكارثي من أفغانستان، وقبل 03 أشهر فقط من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وهذه صدف مذهلة”.

وأضاف “فليتز” أنه في ظل ميل: “هذا الرئيس وكبار المسؤولين في إدارته؛ إلى إصدار تصريحات تخص الأمن القومي، ثبت لاحقًا أنها إما غير دقيقة أو مبالغٍ فيها أو اضطروا لاحقًا لسحبها من الأساس. أنا أريد تحقيقًا كاملاً من جانب الكونغرس”.

والفكرة نفسها تناولها مقال آخر في مجلة (بوليتيكو)؛ عنوانه: “حتى نجاح بايدن يبدو عمره قصيرًا”، توقع ألا تكون لأنباء مقتل “الظواهري” التأثير المتوقع الذي ينتظره “بايدن” والمسؤولون في إدارته، في ظل وجود تساؤلات بشأن احتمال وجود تعاون بين (طالبان) و(القاعدة) مرة أخرى، وهو ما قد يحمل رسالة عكس ما يُريد الرئيس أن يوصله للأميركيين.

وهناك أيضًا الأزمات الاقتصادية من تضخم وارتفاع أسعار مشتقات النفط والغاز والسلع الأساسية، وهي القضايا الرئيسة التي باتت تشغل بال الناخب الأميركي أكثر من الملفات السياسية، سواء أكانت خارجية أو داخلية، وبالتالي ليس من المتوقع أن يستفيد “بايدن” كثيرًا من مقتل “الظواهري”.

لكن تحليلاً لشبكة (سي. إن. إن)؛ عنوانه: “مقتل الظواهري انتقام آخر لأحداث 11 أيلول/سبتمبر وانتصار سياسي لبايدن”، رصد كيف أن رئاسة “بايدن”: “المترنحة” كانت في أمسّ الحاجة إلى هذا الانتصار، خصوصًا أن ذلك يتزامن مع: “لحظة فارقة في العلاقات المتدهورة مع الصين، التي باتت تحتل المرتبة الأولى في السياسة الخارجية لواشنطن على حساب الحرب على الإرهاب”.

و”الحرب على الإرهاب”؛ مصطلح أميركي صاغته إدارة الرئيس الأسبق؛ “جورج بوش الابن”، في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وشهدت غزو “أفغانستان” و”العراق”؛ وشن آلاف الهجمات حول العالم، لكن عندما تولى “بايدن” الرئاسة، ومع الانسحاب من “أفغانستان” تراجعت أولوية: “محاربة الإرهاب”، وحلّ محلها: “الصراع مع الصين”.

وتشهد علاقات “بكين” و”واشنطن” لحظة صعبة قد تؤدي إلى انفجار الموقف، في ظل الأنباء حول زيارة “نانسي بيلوسي”، رئيسة “مجلس النواب”، إلى “تايوان”. “بيلوسي” تقوم حاليًا بجولة آسيوية، ورغم أن جدول تلك الجولة الرسمي لا يشمل زيارة “تايوان”، فإن توقف رئيسة “مجلس النواب” الأميركي في “تايوان” واستقبالها في “تايبيه”؛ الثلاثاء، قد زاد من مؤشر احتدام المشهد العالمي لذروته خاصة بعد تلك التهديدات والتحذيرات شديدة اللهجة والنارية التي تطلقها “بكين”.

كانت “الصين” و”تايوان” قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر “تايوان” نفسها دولةً ذات سيادة، وتحظى بدعم أميركي وغربي، لكن “بكين” تُصرُّ على أنها ستستعيد الجزيرة في وقتٍ ما، وبالقوة إذا لزم الأمر؛ خاصة أمام الاستفزازات الأميركية المستمرة والواضحة. ولا يعترف بـ”تايوان” سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في “بكين” بدلاً من ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين “الولايات المتحدة” و”تايوان”، ولكن لدى “واشنطن” قانون يُلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.

وفي هذا السياق؛ تنظر “الصين” إلى النظام الديمقراطي ذاتي الحكم في “تايوان”؛ (على حد الوصف المزعوم للآلة الدعائية الأميركية والغربية)، على أنه محافظة صينية منفصلة، ولم تستبعد استخدام القوة لتحقيق الوحدة، ووصلت التوترات بين “بكين” و”تايبيه” إلى ذروتها مؤخرًا، في ظل إرسال الجيش الصيني عددًا قياسيًا من الطائرات الحربية بالقرب من الجزيرة، في استعراض للقوة لا يُخفى على دول المنطقة الأخرى؛ (وبفضل الاستفزازات الأميركية قبل كل ذلك)، وتعتبر “الصين” أن أي زيارات رسمية إلى “تايوان” تُمثل تحديًا لسياسة: “الصين الواحدة” ودعمًا للانفصاليين.

وكان يُفترض بالقمة الهاتفية بين: “جو بايدن”، ونظيره الصيني؛ “شي جين بينغ”، الخميس 28 تموز/يوليو، أن تنزع فتيل أزمة الزيارة التي تنوي؛ “نانسي بيلوسي”، القيام بها إلى “تايوان”، لكن ذلك لم يحدث. ولا أحد يمكنه توقع تداعيات تلك الزيارة حتى الآن.

مَن سيُخلُف “الظواهري” في زعامة تنظيم “القاعدة” ؟

إذا تركنا “بايدن” وأروقة السياسة الأميركية وتوقفنا عند تنظيم (القاعدة) نفسه، فالسؤال البديهي بشأن مقتل “الظواهري” هو: من سيكون القائد التالي للتنظيم ؟.. ويبدو أن “سيف العدل” و”صهر الظواهري”. هما أبرز المرشحين دون استبعاد سيناريوهات أخرى؛ بحسب تقرير لصحيفة (ميدل إيست آي) البريطانية.

“محمد صلاح الدين زيدان”، المعروف باسم: “سيف العدل المصري”، من مواليد عام 1960؛ بمحافظة “المنوفية” في “مصر”، وبدأت توجهاته للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، عقب مشاركته في محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري الأسبق؛ “حسن أبوباشا”، واعتباره مطلوبًاً أمنيًا في قضية اغتيال الرئيس المصري الأسبق؛ “محمد أنور السادات”، واتهامه في قضية إعادة إحياء تنظيم (الجهاد).

وعقب إخلاء سبيله، لعدم وجود أدلة كافية ضده، تمكّن من الهروب إلى “السعودية”؛ عام 1989، قبل أن يُرافق مؤسس تنظيم (القاعدة)؛ “أسامة بن لادن”، إلى “السودان”، عام 1992.

بدأ “سيف العدل المصري”؛ حياته في تنظيم (القاعدة) الإرهابي؛ عام 1989، عقب تأسيس التنظيم بفترة وجيزة، ولعب دورًا فعالاً في بناء القدرات العملياتية للتنظيم. ووفقًا لوكالة (يونايتد برس)، عمل في بداية التحاقه بالتنظيم كمدرب في معسكرات تدريب (القاعدة) في “أفغانستان”، وتعليم المسلحين كيفية تنفيذ عمليات الخطف والاغتيالات.

وسرعان ما تدرج في التسلسل الهرمي لـ (القاعدة)، إذ شغل منصب رئيس للجنة الأمنية لـ (القاعدة)، بمنتصف التسعينيات، ولعب دورًا مهمًا في إنشاء البنية التحتية للقاعدة في “القرن الإفريقي”، وخاصة “الصومال”.

ورصدت وكالتا المخابرات الأميركية والبريطانية مكافآت مالية بمقدار: 7.5 مليون جنيه إسترليني، و10 ملايين دولار، لمن يُدلي بمعلومات عن المعروف: بـ”سيف العدل”، عقب مشاركته في تفجيرات السفارتين الأميركيتين في “نيروبي” و”دار السلام”؛ عام 1998، والتي خلفت: 224 قتيلاً.

ووُصف “سيف العدل”؛ بأنه أحد أكثر عناصر تنظيم (القاعدة) فاعلية، وواحد من القادة المتبقين من حقبة ما قبل 11 أيلول/سبتمبر، ما يمكّنه من تولي زمام القيادة من زعيم (القاعدة).

أما الشخص الآخر الذي يُنافس “سيف العدل”؛ فهو صهر “الظواهري”، المعروف باسم: “عبدالرحمن المغربي”، لكن من الممكن أن يتم اختيار أمير جديد للتنظيم من خارج مؤسِّسي (القاعدة) المتبقين، أو أن يتم تغيير آلية القيادة في التنظيم بشكل جذري. وكان موقع “المركز الدولي لمكافحة الإرهاب”؛ قد نشر دراسة حول خلافة “الظواهري”؛ قبل أكثر من أسبوعين من مقتله، لم تستبعد أن يحدث تغييرات فعلية في هيكل التنظيم، بعد مرور أكثر من: 30 عامًا على تأسيسه.

ماذا عن تداعيات الهجوم الأميركي على “طالبان” ؟

أما الطرف الثالث في معادلة التداعيات المتعلقة بمقتل “الظواهري”؛ فهي حركة (طالبان) بطبيعة الحال، فالحركة تحكم “أفغانستان”؛ حيث وقع الهجوم الصاروخي الأميركي، وبالتالي فهناك تساؤلات بشأن ما إذا كانت (طالبان) توفر لزعيم وقيادات تنظيم (القاعدة) الملاذ بعد استيلائها على “كابول”، في آب/أغسطس 2021؛ بحسب التقرير البريطاني.

وقال مسؤول أميركي كبير؛ لـ (رويترز)، دون ذكر هويته، إن كبار مسؤولي (طالبان) كانوا على علمٍ بوجود “أيمن الظواهري”؛ في “كابول”، مضيفًا أن “الولايات المتحدة” تتوقع أن تلتزم الحركة باتفاق عدم السماح لمقاتلي (القاعدة) بمعاودة ترسيخ وجودهم في “أفغانستان”.

أما عن رد فعل (طالبان)، فقد تجاهلت الحركة في البداية أي ذكر لـ”الظواهري” أو لـ (القاعدة)، إذ قال “عبدالنافع تاكور”، المتحدث باسم “وزارة الداخلية” الأفغانية: “أصيب منزل بصاروخ في شيربور. لم تقع إصابات لأن المنزل كان خاليًا”.

لكن المتحدث باسم الحركة؛ “ذُبيح الله مجاهد”، قد أكد لاحقًا في بيان رسمي وقوع الضربة الصاروخية الأميركية واستنكرها بشدة، باعتبارها انتهاكًا: “للمباديء الدولية”، ولسيادة “أفغانستان”.

لكن من الناحية الرسمية، لم توجه “واشنطن” اتهامًا مباشرًا لـ (طالبان)؛ بشأن إيواء “الظواهري”، حيث قال وزير الخارجية؛ “آنتوني بلينكن”، في بيان: “في مواجهة عدم رغبة (طالبان) أو عدم قدرتها على التقيد بإلتزاماتها، سنواصل دعم الشعب الأفغاني بمساعدات إنسانية قوية، والدعوة لحماية حقوق الإنسان، وخاصة حقوق النساء والفتيات”.

وتُشير ردود الفعل الأولية من الجانبين أن هناك رغبة متبادلة في ألا تتسبب الغارة الأميركية في إضافة مزيد من أسباب التوتر في العلاقات بين “واشنطن” و”كابول”، لكن مدى استدامة هذا الحرص من الجانبين على عدم الدخول في حالة من العداء المُعلن يظل رهنًا بالمتغيرات الداخلية، سواء في “واشنطن” أو في “كابول”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة