“فرنسا” قادمة على طريق بريطانيا وإيطاليا .. “ماكرون” يعاني الشلل السياسي !

“فرنسا” قادمة على طريق بريطانيا وإيطاليا .. “ماكرون” يعاني الشلل السياسي !

وكالات – كتابات :

كانت الولاية الأولي للرئيس الفرنسي؛ “ماكرون”، – والتي بدأت عام 2017 – تتسم بغلبة بعض الاعتبارات الخارجية؛ سواء كمحددات لفوز الرئيس قبل الانتخابات، أو كأولويات عمل خلال الخمس سنوات الأولى، وعلى رأس هذه الاعتبارات مجابهة الإرهاب العابر للحدود وإثبات فعالية “الاتحاد الأوروبي” في ظل انسحاب “بريطانيا” من الاتحاد.

على العكس من ذلك؛ يبدو أن الولاية الثانية لرجل “الإليزيه” – والتي بدأت في شهر نيسان/إبريل الماضي – ستُحدد ملامحها بشكل كبير التحديات الداخلية، والتي ما لبثت أن تفاقمت بمجرد فوز “ماكرون” بالولاية الثانية، لا سيما مع تصاعد الأزمة الاقتصادية والضغوط الناجمة عن استمرار الحرب الأوكرانية؛ بحسب تحليل أعده مركز (إنترريغونال) للتحليلات الإستراتيجية.

ملفات معقدة..

يواجه الرئيس الفرنسي؛ “ماكرون”، عدد من الملفات المُعقدة والتحديات في ولايته الثانية، التي تؤثر، بشكل أو بآخر، على درجة الاستجابة الجماهيرية للسياسات التي يتبناها الرئيس الفرنسي، وتتمثل أهم هذه التحديات فيما يلي:

01 – ضرورة الدخول في تفاهمات عسيرة لتمرير التعديلات التشريعية: بعد خسارة حزب الرئيس “ماكرون” للأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية؛ التي عُقدت يومي: 12 و19 حزيران/يونيو 2022، بات الرئيس مضطرًا للدخول في تفاهمات عسيرة مع تحالف اليسار؛ بقيادة “ميلونشون”، وتحالف اليمين المتطرف؛ بقيادة “مارين لوبان”، لتمرير التشريعات اللازمة لإجراء الإصلاحات التنفيذية المرجوة.

هذا؛ ومن المتوقع أن يلقى الرئيس وحزبه معارضة شرسة من كتلتي المعارضة الرئيسيتين، خاصة من اليسار، نظرًا لتعارض الأجندة السياسية إلى حدٍ كبير فيما يخص الإنفاق العام وتعامل الحكومة مع القطاع الخاص، وهو ما قد يُنذر بالاصطدام مع حالة شلل حكومي قد تدفع للنظر في إمكانية حل البرلمان.

02 – التوصل إلى صيغة مقبولة في تشكيل الحكومة: لا تقتصر تبعات خسارة حزب الرئيس “ماكرون” للأغلبية البرلمانية على تحديات الشق التشريعي، بل تمتد أيضًا إلى تشكيل الحكومة؛ حيث وجد الرئيس نفسه مضطرًا أمام نتيجة الانتخابات التشريعية إلى توجيه رئيسة الوزراء؛ “اليزابيث بورن”، بتشكيل حكومة جديدة تُراعي توازنات القوى في البرلمان.

ويكمن التحدي الرئيس في أن أكبر كتلتين معارضتين: (تحالف اليسار واليمين المتطرف)، لن تقبلا مقاعد وزارية غير ذات أهمية جوهرية، وفي نفس الوقت يستبعد أن يولي “ماكرون” إحدى الحقائب السيادية لأي منهما.

لذلك، حاول “ماكرون” الالتفاف على هذا التحدي والاتجاه لتعيين بعض الوزراء من حزب (الاشتراكيين) من اليسار، وحزب (الجمهوريين) من اليمين؛ باعتبارهما انعكاسًا لهذه التيارات دون اللجوء لكوادر المعارضة الأساسية. وعليه، يُنبيء هذا الوضع عن مزيد من العراقيل في الشق التنفيذي؛ والتي لم تكن موجودة خلال الولاية الرئاسية الأولى لـ”ماكرون”.

03 – التعامل مع الانقسام المجتمعي الواسع: تكمن مسببات خسارة حزب الرئيس للأغلبية البرلمانية في الانقسام المجتمعي الكبير، والذي يجد الرئيس الفرنسي نفسه مسؤولاً عن مواجهته؛ حتى وإن لم يكن هو السبب فيه.

فقد أوضحت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة استمرار ميل ناخبي المدن الكبرى والطبقات الوسطى العليا والمتقاعدون للتصويت لصالح “ماكرون”؛ بينما من ناحية أخرى، فإن الطبقات الأكثر شعبية (مثل العمال)، والفئات المهمشة والمستبعدة، لا سيما في الشمال الشرقي للبلاد وأقاليم “البحر الأبيض المتوسط​”، قد مالت للتصويت لـ”مارين لوبان”.

وفي مواجهة هذا الانقسام المجتمعي، يتوجب على رئيس الدولة إعادة بناء التماسك الاجتماعي؛ إذا رغب في كتابة النجاح لولايته الثانية، والاحتفاظ بحظوظ تيار الوسط في الاستمرار في الحكم في أي انتخابات رئاسية قادمة.

04 – التصدي إلى استمرار انخفاض القدرة الشرائية: في الوقت الذي جعلت “مارين لوبان”؛ القوة الشرائية للشعب الفرنسي أحد الموضوعات الرئيسة في حملتها الانتخابية، أثار “إيمانويل ماكرون” من جانبه، في 13 نيسان/إبريل 2022، مقترحًا بشأن قيامه باعتماد: “قانون استثنائي للقوة الشرائية”، يهدف إلى إعادة تخصيص جميع المعاشات التقاعدية وفقًا لمعدلات التضخم السائدة، وتقليل الرسوم والضرائب بالنسبة لأصحاب الأنشطة المستقلة.

لتنفيذ ذلك، أكد وزير الاقتصاد؛ “برونو لو مير”، في مطلع الشهر الجاري، على أن الحكومة تسعى للتعامل مع رسالة الغضب والتوجس لدى ملايين الفرنسيين الذين يُعانون من معدلات تضخم غير مسبوقة بسبب الأزمة الأوكرانية واضطراب سلاسل الإمداد الناتج عنها.

وفي ظل عدم خروج هذا القانون إلى النور وتعقد مسألة اعتماده بعد نتائج الانتخابات البرلمانية، اتجهت الحكومة الفرنسية لاتخاذ بعض الإجراءات المؤقتة التي تفي ببعض أهداف هذه القانون وأهمها تثبيت سعر “الغاز الطبيعي” حتى نهاية عام 2022.

مع هذا، فإن تحدي انخفاض القوة الشرائية وارتفاع التضخم بشكلٍ كبير هو أزمة داخلية ذات جذور عالمية، ومن ثم، فإن “ماكرون” قد ينجح في تخفيف آثارها السلبية، لكن دون توقع قدرته على تغيير المعادلة بشكل جذري.

05 – مجابهة أزمة القطاع الطبي: تُعاني “فرنسا”؛ منذ فترة طويلة، من أزمات متكررة في القطاع الطبي، وقد زاد من انكشاف هذا القطاع انتشار جائحة (كورونا). فرغم وجود عدد لا بأس به من المستشفيات والمعامل ومراكز الخدمات الطبية، إلا أن عددًا منها يبقى مغلقًا نظرًا لضعف أعداد العاملين بهذه المستشفيات من الأطباء والأطقم المساعدة.

وتظل هذه الأزمة مستمرة انتظارًا لما سبق وأن أعلن عنه؛ “ماكرون”، بإقامة مؤتمر كبير حول قطاع الصحة. هذا، وتُجدر الإشارة إلى أنه بعد عامين من الأزمة الصحية، وعلى الرغم من الزيادات غير المسبوقة في رواتب العاملين في هذا القطاع، يُعاني القطاع أكثر من أي وقت مضى من نقص حاد في الأيدي العاملة.

06 – الاستجابة لتحدى المناخ العاجل: بعد حملته الانتخابية التي سبقت الجولة الأولى؛ والتي غابت عنها قضايا البيئة والمناخ بشكل كامل تقريبًا، سعى “إيمانويل ماكرون” لتوظيف ورقة البيئة والتغير المناخي بين الجولتين، وذلك عن طريق قطعه عهد بالمضي قدمًا بوتيرة أسرع مرتين نحو تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري – بنسبة تصل إلى: 40%.

وبعد الفوز بالانتخابات، وجد الرئيس “ماكرون” نفسه أمام تحدي داخلي جوهري بضرورة الوفاء بالإلتزام الذي قطعه على نفسه، وفي نفس الوقت استرضاء كبار رجال الأعمال وأصحاب المصانع الذين يُشكلون إحدى القوى الأساسية الداعمة له.

لقد كان في مخيلة “ماكرون” العمل أكثر على جانب تقليل نسبة استهلاك المحروقات من الاستهلاك الكلي الطاقة عن طريق التوسع في برنامج الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية وبناء من: 06 إلى 14 مفاعل جيل جديد (EPR). كما وعد بإنشاء: 50 مزرعة رياح في البحر؛ بحلول عام 2050، وزيادة الطاقة الشمسية عشرة أضعاف، فضلاً عن التوسع الأفقي في استخدام السيارات الكهربائية، إلا أن متطلبات إعادة تفعيل وإعادة إحياء القطاعات الصناعية في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية تقف حائلاً أمام تنفيذ هذه الخطط الطموحة.

07 – مواجهة القضايا التي تقوض الصورة الأخلاقية لـ”ماكرون”: فقد تعرضت الصورة الأخلاقية للرئيس؛ “ماكرون”، لإشكاليات جوهرية في الآونة الأخيرة، وخصوصًا بعد التقرير الذي نشرته صحيفة (لوموند) الفرنسية، يوم 11 تموز/يوليو الجاري، الذي زعم أن شركة (أوبر) الأميركية؛ المتخصصة في نقل الأشخاص، عقدت صفقة سرية مع الرئيس الفرنسي حينما كان وزيرًا للاقتصاد في حكومة الرئيس السابق؛ “فرنسوا هولند”، بين عامي: 2014 و2016. وبموجب هذه الصفقة ساهم “ماكرون” في تعزيز موقف الشركة في السوق الفرنسية.

تقييد الحركة..

في المجمل، تُضفي الملفات السابقة المزيد من التعقيدات على تحركات الرئيس الفرنسي؛ “ماكرون”، فهناك العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الرئيس الفرنسي؛ وهذه المشكلات توظفها قوى المعارضة للضغط على “ماكرون”، وإضعاف شرعيته.

هذه المشكلات الداخلية ترتبط أيضًا بالسياسة الخارجية الفرنسية؛ لأنها تُقيد تحركات الرئيس الفرنسي على الصعيد الدولي، والقضايا الملحة على الساحة العالمية على غرار الحرب في “أوكرانيا”؛ وأيضًا الحرب ضد الإرهاب في منطقة “الساحل الإفريقي”؛ التي تحظى باهتمام هائل من قبل “باريس”.

علاوة على ذلك، فإن ما يجري في الدول الأوروبية الأخرى، وحالة عدم الاستقرار التي تمر بها “بريطانيا” و”إيطاليا”، قد تُعزز من احتمالية انتقال هذه الحالة إلى “فرنسا”، وبالتالي مضاعفة مخاوف الرئيس؛ “ماكرون”، من حدوث اضطرابات داخلية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة