حينما يموت “الاتفاق النووي” .. “فورين بوليسي” تعدد خسائر إيران !

حينما يموت “الاتفاق النووي” .. “فورين بوليسي” تعدد خسائر إيران !

وكالات – كتابات :

المقاومة والتحمل لا طائل من ورائهما ما لم تُقتَنص الفرص الدبلوماسية والاقتصادية؛ عندما تلوح وتغدو مواتية.

نشرت مجلة (فورين بوليسي) الأميركية مقالًا للكاتبين: “إسفنديار باتمانغليدغ”، مؤسس مؤسسة (بورس آند بازار)، و”إيلي غيرانمايه”، الباحثة في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”، حول المفاوضات الجارية بشأن إحياء “الاتفاق النووي” الإيراني. ويرى الكاتبان أن “إيران” ستكون الخاسر الأكبر اقتصاديًّا وسياسيًّا في حالة عدم إحياء “الاتفاق النووي”.

ويستهل الباحثان مقالهما بالقول: مرَّت مؤخرًا الذكرى السابعة على إبرام “الاتفاق النووي” الإيراني. وعلى الرغم من مرور عام من المفاوضات في “فيينا”، والتي كادت أن تؤدي إلى إبرام اتفاق حول كيفية عودة “الولايات المتحدة” و”إيران” إلى الإمتثال الكامل لـ”الاتفاق النووي”، تُعد العملية الآن على وَشْك الإنهيار.

على مَنْ يقع اللوم ؟

يقع اللوم على جميع أطراف الاتفاق، وكلهم سيخسرون. وفيما يخص الغرب، ستكون هناك انتكاسة مأساوية لجهود منع الانتشار في الشرق الأوسط. كما أن فشل “الاتفاق النووي” يُخاطر بالتصعيد العسكري في منطقة تؤدي دورًا حاسمًا خلال أزمة الطاقة العالمية التي أثارتها الحرب الروسية في “أوكرانيا”. أما فيما يخص “إيران”، فإن المخاطر ستكون أشد وأنكى.

وفي العاصمة القطرية؛ “الدوحة”، الشهر الماضي، فشل المفاوضون في كسر الجمود بشأن كيفية إحياء اتفاقية 2015. ووفقًا للقوى الغربية، حاولت “إيران” إعادة فتح المفاوضات حول شروط جرت تسويتها؛ في شباط/فبراير، بدلًا من إنهاء القضايا العالقة. وتوافقت الآراء في “واشنطن” والعواصم الأوروبية على أن قادة “إيران” يُريدون كسب الوقت. ويحتاج المفاوضون الإيرانيون إلى مزيد من الوقت للتوصُّل إلى توافق آراء في “طهران” حول فكرة هل يستحق الأمر التراجع عن البرنامج النووي للبلاد من أجل اتفاق قد يستمر فقط طوال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن” ؟.. وفي أسوأ الأحوال، تُسوِّف “إيران” من أجل تعزيز أنشطتها النووية.

وإلى حدٍ بعيد، يرجع السبب في تردد “إيران” بشأن استعادة “الاتفاق النووي”؛ إلى أن إدارة “بايدن” لا تستطيع ضمان استمرار الاتفاق لفترة أطول من ولايته. وتفاقمت المخاوف الإيرانية بشأن استمرارية الصفقة بسبب حقيقة أن “بايدن” أبقى على “عقوبات الضغط الأقصى”؛ التي فرضها “ترامب” أثناء المفاوضات.

وكان “بايدن” أيضًا غير راغب في إبداء المرونة بشأن تنازلات لـ”إيران”، والتي يمكن أن تعوِّض نقص الضمانات الأميركية – مثل إلغاء تصنيف “الولايات المتحدة”؛ لـ (الحرس الثوري) الإيراني على أنه منظمة إرهابية أجنبية. ومما زاد الطين بِلة، وفق التحليل، فقد ضاعف “بايدن” من موقفه المُتّشدد تجاه “إيران” خلال زيارته الأخيرة لـ”إسرائيل” و”السعودية”.

ويُحتمل أن تنسحب “أميركا” مرةً أخرى من الاتفاق بالنظر إلى فرص تنصيب رئيس جمهوري في عام 2025. لكن السيناريو الوحيد المؤكد: إذا إنهارت المحادثات النووية الآن، فإن العواقب السياسية والأمنية والاقتصادية على “إيران” ستكون سلبية للغاية.

مكاسب فورية..

ستكون الفوائد الاقتصادية لإحياء الاتفاق لـ”إيران” فورية. وإذا رُفِعت “العقوبات الثانوية الأميركية”، فسترتفع صادرات “إيران” النفطية بنحو: مليون برميل يوميًّا. حتى لو افترضنا أن سعر “النفط” انخفض إلى: 80 دولارًا في مواجهة زيادة العرض وضعف الطلب، فستكسب “إيران”: 80 مليون دولار إضافية من عائدات “النفط” كل يوم. ويمكن لـ”إيران” تصدير مزيد من المنتجات البتروكيماوية والصلب والسلع المُصّنعة.

وستدفع الدولة تكاليف أقل نظير السلع التي تستوردها، بما في ذلك الغذاء والدواء. وستستعيد “إيران” بكل تأكيد إمكانية الوصول إلى احتياطياتها من العُملات الأجنبية، وستستخدم هذه الموارد لتحقيق الاستقرار في العُملة الوطنية والمساعدة في ترويض التضخم خلال فترة السنتين المتبقيتين من عهد “بايدن”. وحتى إذا رُفِعت العقوبات لعامين فقط، سيُتيح ذلك للشركات المحلية إجراء استثمارات تأخرت طويلًا وسيُمكِّن العائلات من استعادة مدخراتها المستنفدة.

على المسؤولين الإيرانيين أن يأخذوا في الاعتبار الإمكانات الاقتصادية الطويلة المدى لـ”إيران”؛ وكيف سيُجرى تبديدها إذا استمرت العقوبات الثانوية. ومنذ عام 2012، شهدت “إيران” اضمحلالًا بطيئًا في قوتها الاقتصادية. كما أن البنية التحتية المادية ورأس المال الثابت للبلاد في حالة تقادم.

هل يُقاوم الاقتصاد الإيراني العقوبات ؟

لفت الكاتبان إلى أن آثار قلة الاستثمار ونقص نقل التكنولوجيا أصبحت أوضح في السيارات القديمة والحافلات والقطارات والطائرات التي تنقل الإيرانيين في أنحاء البلاد، وفي قِدَم الآلات التي تضخ “النفط” وتُدّحرِج الصلب وتولِّد الكهرباء وتحرث الحقول. وتعتمد أي آلة جديدة، مُنتجة محليًّا، على تصميمات قديمة. وهناك نقص في التكنولوجيات المهمة مثل توربينات الرياح وأجهزة التصوير المقطعي المحوسب. وحقًّا أن الاقتصاد الإيراني لم يصل للإنهيار بعد، لكن التصدعات في بنيته تتكاثر.

ومع ذلك، يُصر المسؤولون الإيرانيون على أن اقتصاد البلاد يُقاوم العقوبات. وهذا صحيح، وهو إنجاز أنقذ الشعب الإيراني من حرمان أشد. لكن المقاومة تعني أن “إيران” تتصدى لقوة دفع ولا تمضي قدمًا. وبين عامي: 1990 و2007، تمتع المواطن الإيراني العادي والمواطن البولندي العادي بمستوى الثروة نفسه. ولكن ابتداءً من عام 2012، بدأت أوضاع الإيرانيين في التدهور، بينما استمر البولنديون في الإزدياد ثراءً. وإذا استمرت اتجاهات العقد الماضي، فسيكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في “بولندا”؛ بحلول عام 2030، نحو: 50 ألف دولار. أما في “إيران”، فسيكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل قليلًا مما هو عليه اليوم، نحو: 15 ألف دولار.

وعلى الصعيد السياسي، ستكون “إيران” معزولة أكثر على المسرح الدولي إذا فشلت المفاوضات النووية. وستوجِّه “الولايات المتحدة” و”أوروبا” أصابع الاتهام إلى “إيران” بوصفها الطرف الوحيد الملوم. وخلافًا لـ”ترامب”، سيحظى “بايدن” بالدعم عبر العواصم الأوروبية لزيادة الضغط على “إيران”. ولأنها تشجعت بالتنسيق المتجدد عبر الأطلسي في أعقاب الغزو الروسي لـ”أوكرانيا”، ستحظى “الولايات المتحدة” بدعم أكبر في “أوروبا” لبناء تحالف عقوبات متعدد الأطراف ضد “إيران”؛ بحسب مزاعم التقرير.

لقد أُدِينت بالفعل أنشطة “إيران” النووية المتقدمة على نطاق واسع. إن القرار الأخير الذي أصدره مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، والذي يوجِّه اللوم إلى “إيران” بسبب عدم تعاونها مع الوكالة، والذي أجيز بأغلبية ساحقة من: 30 من أصل: 35 دولة صوتت لصالحه، يُقدم مثالًا واضحًا على المصير الذي ينتظر “إيران” على المسرح الدولي. وعارضت “الصين” و”روسيا” القرار وإمتنعت “الهند” عن التصويت. ويتناقض موقف “إيران” الآن مع موقفها عام 2020، عندما حاولت إدارة “ترامب” إعادة فرض عقوبات “الأمم المتحدة”. وفي ذلك الوقت، وجَّه “مجلس الأمن” – بما في ذلك حلفاء “الولايات المتحدة” في “أوروبا” – ضربة مُذلة لـ”واشنطن”.

العلاقات مع “الصين” و”روسيا” لن توفر الحماية لـ”إيران” !

يوضح الكاتبان أن المتشددين الإيرانيين يُراهنون على أن علاقاتهم العميقة مع “الصين” و”روسيا” يمكن أن تحميهم من الضغوط الغربية المكثفة. وكما أوضحت زيارة الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، الأخيرة إلى “طهران”، دفعَ تهميش “موسكو” في أعقاب حربها في “أوكرانيا”؛ “إيران” و”روسيا”، إلى التقارب. ولن تقطع “الصين” و”روسيا” العلاقات مع “إيران”، كما أنهما من غير المُرجح أن تنضما إلى الغرب في الضغط على “إيران” بشأن برنامجها النووي كما فعلتا في الفترة التي سبقت “الاتفاق النووي” لعام 2015.

لكن تجربة العقد الماضي؛ توضح أن الدعم السياسي والاقتصادي الذي قد يُقدمانه سيكون محدودًا ومشروطًا – وهو أقل بكثير من التحالف. وفي الماضي القريب، استخدمت “بكين وموسكو”؛ “إيران”، بصفتها ورقة مساومة في علاقاتهما مع الغرب. وعلاوةً على ذلك، ونظرًا إلى المصالح الصينية والروسية في “إسرائيل” و”السعودية”، فمن غير المُرجح أن تُترجم علاقاتهما مع “طهران” إلى نوع من التعاون الأمني ​​والاقتصادي العميق الذي تعتمد عليه بعض القيادات الإيرانية بوصفه بديلًا لإحياء “الاتفاق النووي”؛ كما يدعي التقرير الأميركي.

وسيكون لإنهيار “الاتفاق النووي” تأثير دائم في أمن “إيران”. وستتخلى “إيران” عن الفرصة التي يوفرها “الاتفاق النووي” للعمل مع القوى العالمية لتحديث برنامجها النووي المدني وتعزيز سلامته.

أشار أحد مستشاري المرشد الأعلى الإيراني مؤخرًا إلى أنه في حين أن “إيران” لا تنوي صُنع سلاح نووي، فإنها تمتلك كل الجوانب “التقنية” اللازمة لفعل ذلك. وهناك أصوات أقلية هادئة ولكنها متنامية بين القيادة الإيرانية تُفضِّل اتخاذ خطوات نحو التسليح النووي من أجل تغيير كيفية تعاطي بقية العالم، وخاصة “الولايات المتحدة”، مع “إيران”. ويرى هؤلاء أن “طهران” استوعبت بالفعل أكبر صدمة لـ”العقوبات الأميركية”، ولذلك يجب أن تُصبح قوة نووية لخلق توازن إقليمي مع “إسرائيل”؛ (القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط)، وحماية نفسها من الهجمات العسكرية الأميركية والإسرائيلية المستقبلية.

هذه هي الإستراتيجية التي استخدمتها “باكستان” لتحقيق التكافؤ مع “الهند”؛ في تسعينيات القرن الماضي، على الرغم من ضغوط الغرب الكثيرة آنذاك. ويُجادل بعض المعلِّقين في “إيران” بأن الغرب سيضطر في النهاية إلى قبولها واحترامها بوصفها قوة نووية مثلما حدث مع “باكستان”.

عواقب وخيمة..

واستدرك الكاتبان قائلَيْن: ولكن إذا مضت “إيران” قدمًا في توسعها النووي، فسوف تُكثف “إسرائيل” عملياتها داخل “إيران” بهدف إعاقة القدرات الإيرانية. وتظهر الموجة الأخيرة من الهجمات والاغتيالات داخل “إيران”، المنسوبة إلى “إسرائيل” على نطاق واسع، مدى اختراق “إسرائيل” لأجهزة الأمن الإيرانية. ويُرجَّح أن تزداد مثل هذه الهجمات ويمكن أن تجرَّ “إيران” إلى صراع أوسع مع “إسرائيل”.

وأثناء زيارة “بايدن” الأخيرة لـ”إسرائيل”، أعلن أنه سيلجأ إلى القوة لمنع “إيران” من الحصول على أسلحة نووية. وحتى إذا ظلت “الولايات المتحدة” مترددة في خوض حرب جديدة في الشرق الأوسط، فستتمتع “إسرائيل” بمجال أكبر لمهاجمة البرنامج النووي الإيراني والمواقع العسكرية الأخرى.

ومن المُرجَّح أيضًا أن يؤدي إنهيار “الاتفاق النووي” إلى الحد من علاقات “إيران” الإقليمية بشدة – وهو أمر تفتخر حكومة الرئيس؛ “إبراهيم رئيسي”، بتوسيعه. وفي حين أن “السعودية والإمارات والعراق” قد تتطلع إلى مواصلة محادثات خفض التصعيد مع “طهران”، فإنها ستتعرض لضغوط متزايدة من جانب “الولايات المتحدة” لعزل “إيران”، وقطع الحوافز الاقتصادية التي ساعدت في دعم الدبلوماسية المتجددة. وفي عام 2019، يُعتقد على نطاق واسع أن “إيران” ردت على قطع صادراتها النفطية بتنسيق هجمات على البنية التحتية النفطية السعودية والإماراتية. وتكثفت الدبلوماسية الإقليمية بعد الهجمات بوقت قصير. وتوضح التقييمات الأخيرة أنه حتى “السعودية والإمارات” – خلافًا لـ”إسرائيل” – لا تُفضلان الرد العسكري على التهديد النووي الإيراني وتخشى أن يؤدي إنهيار الدبلوماسية النووية إلى تصعيد إقليمي كما حدث في عام 2019.

ويحتاج قادة “إيران” إلى أن يقرروا بسرعة: هل يُريدون إحياء “الاتفاق النووي” أم تعريض أنفسهم للمخاطر الكبيرة المرتبطة بفشله ؟.. وقد يبدو منطقيًّا لـ”إيران” أن تضغط على “بايدن” لتحسين العرض الحالي، ولكن كما أظهر التأخير الناجم عن إلغاء تصنيف (الحرس الثوري) الإيراني على أنه منظمة إرهابية أجنبية، كان توافق الآراء حول قيمة “الاتفاق النووي” ضعيفًا في “واشنطن” كما هو الحال في “طهران”.

وكان تطوير القدرة على مقاومة العقوبات – على المدى القصير على الأقل – تكتيكًا ذكيًّا وضع “إيران” في أفضل مكانة ممكنة للتفاوض على صفقة عادلة مع “الولايات المتحدة”. وهناك صفقة عادلة الآن مطروحة وعلى صانعي السياسة الإيرانيين ألا يخلطوا التكتيكات بالإستراتيجية.

ليس من الإستراتيجية إغلاق المسارات الحاسمة للتنمية واستدعاء العزلة من جانب المجتمع الدولي. وبالمثل، تحتاج إدارة “بايدن” إلى أن تكون أكثر شجاعة ومرونة في منهجها للدبلوماسية مع “إيران”. وبدلًا من التركيز على الأهداف التكتيكية القصيرة المدى قبل الانتخابات النصفية الأميركية المقبلة؛ (والتي منعت الإدارة من تقديم تنازلات ولو رمزية لإيران)، ينبغي لـ”البيت الأبيض” النظر في الفوائد الإستراتيجية الطويلة المدى للانضمام إلى “الاتفاق النووي”.

ويختتم الباحثان مقالهما بالإشارة إلى أن قادة “إيران” بحاجة إلى أن يضعوا في اعتبارهم الصورة الإستراتيجية. وهناك إعتقاد أنه حتى لو إنهارت المحادثات النووية، يمكن لـ”إيران” أن تتحمل الآلام السياسية والأمنية والاقتصادية مثلما فعلت في ظل إدارة “ترامب”. لكن الصمود لا طائل من ورائه إذا ضاعت الفرص الدبلوماسية. وليس هناك سوى أسابيع قليلة يمكن خلالها استعادة الصفقة. وفي هذه الفترة القصيرة، لا يزال بإمكان “إيران” إنهاء المفاوضات النووية من موقع قوة. ونظرًا إلى المخاطر الاقتصادية والعسكرية المرتبطة بفشل “الاتفاق النووي”، قد لا يكون بمقدورها فعل ذلك في المستقبل.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة