وكالات – كتابات :
تعتزم “نانسي بيلوسي”؛ زيارة “تايوان”، خلال آب/أغسطس المقبل، ووجهت “الصين” تهديدًا صريحًا لإدارة؛ “جو بايدن”، بأن الزيارة غير المسبوقة قد تؤدي إلى “رد عسكري” ستتحمل “واشنطن” تبعاته، فهل اقترب برميل البارود من الانفجار ؟
زيارة “بيلوسي”، رئيسة “مجلس النواب”، المحتملة إلى “تايوان” تُمثل تحديًا غير مسبوق لـ”وحدة الصين”، كما تقول “بكين”، إذ إنها ستكون المرة الأولى منذ أكثر من 04 عقود التي يزور فيها مسؤول أميركي رفيع المستوى؛ الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وتُصر “الصين” على أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها.
وفي ظل التوتر الكبير في العلاقات بين “بكين” و”واشنطن” يُصبح أي رد فعل صيني على تحرُّك كهذا من جانب رئيسة “مجلس النواب” الأميركي واردًا وبقوة، بحسب ما صدر عن “وزارة الخارجية” الصينية، إضافة إلى التقارير الإعلامية وما يحدث في “تايوان” نفسها؛ خلال الأيام القليلة الماضية، فهل يشهد العالم كارثة أخرى قبل أن تضع الكارثة الأولى أوزارها ؟
والكارثة الأولى، في هذا السياق؛ هي الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، الذي تصفه “موسكو” بأنه: “عملية عسكرية خاصة”، بينما يصفه الغرب بأنه: “غزو”. فالأزمة الأوكرانية هي بالأساس أزمة جيوسياسية بين “روسيا” وحلف الـ (ناتو) بقيادة “أميركا”، وأدى فشل الجانبين في إيجاد حلول دبلوماسية أو على الأقل الحفاظ على الوضع القائم إلى اندلاع حرب لا تزال مستعرة منذ أكثر من: 05 أشهر، ولا يزال العالم أجمع يُعاني من تداعياتها، وسط تحذير الخبراء من أن القادم أسوأ.
لماذا “الصين” غاضبة من الزيارة المحتملة ؟
كانت “الصين” و”تايوان” قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر “تايوان” نفسها دولةً ذات سيادة؛ وتحظى بدعم أميركي وغربي، لكن “بكين” تصرُّ على أنه ستتم استعادة الجزيرة في وقتٍ ما، وبالقوة إذا لزم الأمر. ولا يعترف بـ”تايوان” سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في “بكين” بدلاً عن ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين “الولايات المتحدة” و”تايوان”، ولكن لدى “واشنطن” قانون يُلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
وفي هذا السياق؛ تنظر “الصين” إلى النظام الديمقراطي؛ ذاتي الحكم في “تايوان”، على أنه محافظة صينية منفصلة، ولم تستبعد استخدام القوة لتحقيق الوحدة، ووصلت التوترات بين “بكين” و”تايبيه” إلى ذروتها منذ عقود، في ظل إرسال الجيش الصيني عددًا قياسيًا من الطائرات الحربية بالقرب من الجزيرة، في استعراض للقوة لا يُخفى على دول المنطقة الأخرى؛ بحسب الآلة الدعائية الأميركية.
فـ”الصين” تعتبر “تايوان” جزءًا من أراضيها بموجب سياسة: “الصين الواحدة”، وتقول “بكين” إنها الأمر الأكثر حساسية وأهمية في علاقاتها بـ”الولايات المتحدة”، وفي الوقت نفسه تقوم سياسة “الولايات المتحدة” على الاعتراف بأن: “الصين واحدة”؛ ولا تُقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع “تايوان”.
صحيفة (فايننشيال تايمز) البريطانية؛ كانت أول من نشر، يوم 18 تموز/يوليو الجاري، تقريرًا حول نية “بيلوسي”؛ زيارة “تايوان”. وقال التقرير إن رئيسة “مجلس النواب” الأميركي كانت تعتزم القيام بالزيارة خلال نيسان/إبريل الماضي، لكنها أصيبت بعدوى فيروس (كورونا) فتأجلت الزيارة.
وفي اليوم التالي، الأربعاء 20 تموز/يوليو، قال الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، إنه يعتزم التحدث مع نظيره الصيني؛ “شي جين بينغ”، بحلول نهاية الشهر، وبدا أنه يُشكك في التقرير بشأن رحلة “بيلوسي” المحتملة إلى “تايوان”. وقال “بايدن” للصحافيين: “أعتقد أن الجيش يرى أنها ليست فكرة جيدة في الوقت الحالي، لكنني لا أعرف ما هو الوضع”.
والسبت 23 تموز/يوليو، ذكر تقرير آخر لصحيفة (فايننشيال تايمز) أن “الصين” وجهت تحذيرات قوية لإدارة “بايدن” من زيارة “بيلوسي” المحتملة إلى “تايوان”. ونقل التقرير عن ستة مصادر مطلعة؛ قولها إن التحذيرات كانت أقوى بكثير من تهديدات سبق أن وجهتها “بكين”؛ عندما كانت غير راضية عن الإجراءات أو السياسة الأميركية المتعلقة بـ”تايوان”؛ التي تعتبرها “الصين” جزءًا من أراضيها. ونقلت الصحيفة عن المصادر قولها إن هذا الخطاب الخاص يُشير إلى رد عسكري محتمل.
وأمتنع “مجلس الأمن القومي” و”وزارة الخارجية” الأميركية عن التعليق على هذا التقرير. ولم تُرد “وزارة الخارجية” الصينية على طلب من (رويترز)، الأحد 24 تموز/يوليو، للتعليق بشأن قصة الزيارة ورد الفعل المتوقع من “بكين”.
لماذا تُريد “بيلوسي” زيارة “تايوان” ؟
السؤال يبدو منطقيًا تمامًا لعدد من الأسباب: الأول هو السياسة الأميركية فيما يتعلق بـ”تايوان”، والتي تقوم على مبدأ الغموض الإستراتيجي، أي عدم السعي لتغيير الوضع القائم. إذ تُقدم “واشنطن” الدعم لـ”تايوان” في نطاق ما لا يتعارض مع سياسة: “الصين الواحدة”. وبالتالي لا يقوم أي من المسؤولين الأميركيين الكبار بزيارة رسمية إلى الجزيرة ذاتية الحكم.
“بيلوسي”، بحكم الدستور الأميركي، هي الثانية في ترتيب المسؤولية في حالة غياب الرئيس، بعد نائبة الرئيس حاليًا؛ “كامالا هاريس”، وهو ما يعني أن لزيارتها بُعدًا رسميًا يستحيل تجاهله، وهذا يُفسر بطبيعة الحال: “الغليان الصيني”.
أما السبب الثاني فهو الموقف الدولي شديد الاستقطاب والتوتر والحساسية منذ بداية الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، والمقارنة الآنية مع الوضع في “تايوان”، على الرغم من نفي “الصين” لتلك المقارنة. و”بايدن” نفسه بدا متشككًا في إمكانية إقدام “بيلوسي” على تلك الزيارة، وأعرب علنًا عن رأي الجيش الأميركي في تلك الرحلة بقوله إنهم يعتقدون أنها: “خطوة سيئة”.
تُعيدنا هذه المعطيات للأسباب أو الدوافع التي أرتكزت عليها رئيسة “مجلس النواب” في اتخاذ قرار زيارة “تايوان”. وتكمن الإجابة، على ما يبدو، في الموقف الشعبي الأميركي من “تايوان” و”الصين”. فكلا الحزبين يتخذان موقفًا متشددًا تجاه “بكين”، و”بيلوسي” نفسها، المُشّرعة المخضرمة، معروف عنها انتقاداتها الدائمة لـ”الصين”، وبخاصة من زاوية حقوق الإنسان، بحسب تقرير لـ”هيئة الإذاعة البريطانية”؛ (BBC).
والتقت “بيلوسي”؛ مرارًا، بمعارضين صينيين وناشطين حقوقيين ودعمت قرارات متعددة لمعاقبة “بكين” بسبب انتهاكاتها بحق أقلية “الإيغور” المسلمين، وخلال زيارة سابقة لها لـ”الصين”، زارت ميدان “تيانامين” في “بكين”، لتأبين ضحايا مجزرة المحتجين هناك عام 1989.
وعلى الرغم من رفض مكتب “بيلوسي” تأكيد أو نفي خططها لزيارة “تايوان” أو مناقشة التفاصيل، لأسباب أمنية، فإن الدافع الحقيقي وراء الزيارة لا يزال يُمثل لغزًا بالنسبة للمحللين، في ظل خطورة الموقف واحتمال خروجه عن السيطرة وتحول الوضع الراهن إلى تحرك عسكري من جانب “الصين” لإعادة توحيد الجزيرة أو لغزوها، بحسب وجهة نظر “بكين” و”واشنطن”.
ما احتمالات أن تؤدي الزيارة إلى اندلاع الحرب في “تايوان” ؟
لا أحد يمكنه تقديم إجابة قاطعة عن هذا السؤال بطبيعة الحال، لكن تلميح “الصين” بالرد العسكري من الصعب أن يكون على سبيل التهديد وحسب؛ بهدف إثناء “بيلوسي” عن تلك الزيارة.
ففي “تايوان” نفسها، بدأت الاستعدادات الفعلية لسيناريو الهجوم الصيني؛ إذ تم إخلاء الطرق وصدرت أوامر ببقاء السكان في منازلهم في أجزاء من “تايوان”؛ بينها العاصمة؛ “تايبيه”، الإثنين 25 تموز/يوليو، لإجراء تدريبات جوية؛ إذ تُكثف الجزيرة استعداداتها تحسبًا لتعرضها لهجوم صيني، بحسب تقرير لـ (رويترز).
ودوَّت صفارات الإنذار الساعة: 1:30 ظهرًا؛ (0530 بتوقيت غرينتش)، من أجل إخلاء الشوارع إجباريًا لإجراء التدريبات التي تسببت فعليًا في إغلاق بلدات ومدن في أنحاء شمال “تايوان” لمدة نصف ساعة. وعبر رسائل نصية طالبت السلطات الناس بالانتقال لأماكن آمنة على الفور.
وقال “كو وين جي”، رئيس بلدية “تايبيه”، في كلمة بعد أن أشرف على التدريبات: “من الضروري الاستعداد لحالة الحرب”، مضيفًا: “الطائرات العسكرية الصينية كانت مصدر إزعاج لتايوان بشكل متكرر في السنوات الأخيرة؛ وحتى اندلاع الحرب (الروسية-الأوكرانية)؛ في شباط/فبراير، هذه الحوادث تُذّكرنا بالحاجة إلى اليقظة في وقت السلم”.
وفي “تايبيه” وجهت الشرطة المركبات للتحرك إلى جانب الطريق وطُلب من المارة البحث عن مأوى. وأغلقت المتاجر والمطاعم أبوابها وأطفأت الأنوار تجنبًا لأن تُصبح هدفًا في حالة وقوع هجوم ليلي. وتدرب رجال الإطفاء على إخماد حريق اندلع بسبب هجوم صاروخي. ودوَّت صفارات الإنذار مجددًا بعد 30 دقيقة في إشارة لإنتهاء التدريب؛ بحسب مزاعم تقارير غربية وأميركية.
الحرب إذاً تبدو وشيكةً إذا ما أصرَّت “بيلوسي” على القيام بتلك الزيارة، ما لم ينجح الاتصال الهاتفي بين “بايدن” و”شي”، الخميس 28 تموز/يوليو، في نزع فتيل الأزمة. وبحسب تقرير لشبكة (CNN) الأميركية، يعمل مسؤولو الأمن القومي الأميركي بهدوء على إقناع “بيلوسي” بإلغاء فكرة الزيارة. ويشرح هؤلاء المسؤولون لـ”بيلوسي” مخاطر زيارتها المحتملة وما قد تُمثله من التسبب في انفجار الوضع بين “بكين” و”تايبيه”.
وقالت مصادر للشبكة الأميركية إن “بيلوسي” تُخطط لزيارة “تايوان”؛ خلال رحلتها الموسعة إلى “آسيا” وتدعو عددًا من المشرِّعين الديمقراطيين والجمهوريين إلى مصاحبتها، لتكون أول رئيسة لـ”مجلس النواب” تزور الجزيرة خلال أكثر من ربع قرن.
الخلاصة هنا هي؛ أن فشل مسؤولي إدارة “بايدن” في إقناع “بيلوسي” بالتخلي عن خططها لزيارة “تايوان” قد يكون: “القشة التي قصمت ظهر البعير”؛ بالنسبة لـ”الصين”، التي قد تُشن هجومًا عسكريًا لحسم أمر الجزيرة الانفصالية، في موقف يبدو مُشابهًا في صورته الكلية لما حدث في “أوكرانيا”.
لكنْ هناك اختلاف جوهري فيما يتعلق بـ”تايوان”؛ وهو أن “أميركا” ستجد نفسها على الأرجح في مواجهة مباشرة مع “الصين”، إذ إن “تايوان” ليست عضوًا في حلف الـ (ناتو) وستجد “واشنطن” شبه استحالة في إقناع الخلف العسكري الغربي بالانضمام إليها في الدفاع عن “تايوان”، فهل تنفجر الأوضاع قبل الأوان ؟