· المسافة البينية تقري ملمس الاخلاق
· أطمئن لإثنين وأخشى واحدا
الاطباء المخلصون لشرف المهنة، والعلماء المؤمنون بأن المعرفة مضنون بها على غير اهلها، يفندون أي طرح من قبل متطفل على علمهم، ليس خوفا من تسفيه حرمة العقل فقط، انما كي لا يضر نفسه، حينما يعلق بحال، لا هي للارض ولا للسماء؛ عند إطلاعه على نصف الحقيقة، وعدم تمثله هذا النصف؛ ما يجعل الضرر مضاعفا.
لذا فاما سعة التأمل… او على الاقل الإحاطة باشتمالات الموضوع، او التنحي عنه؛ كي لا تصبح الدنيا مثل فيل يتلمسه جوق عميان، كل يصف الجزء الذي طالته يداه، وهما في كل الاحوال قاصرتان عن إدراك ابعاد الفيل الجسيمة.. احدهم يتصوره مجرد أذنين كبيرتين تصطفقان مع اهتزاز حركته، والآخر يجده ساقا اسطوانية مهولة، وثالث بطنا فظيعة النفخ.
تلك هي ورطة الاطلاع على معلومة مجتزأة، تؤدي بصاحبها الى التهلكة، بدل النجاح بالتطبيق؛ فأنصاف المتعلمين يفقدون براءة السذاجة الطيبة ببساطتها وتلقائيتها، من دون استيفاء مؤهلات الاكاديمي الملم بمعطيات تخصص ما يمكنه من ركوب سكة العمل السديد، مفيدا من دراسته.. مهنيا.
فيضر حيث يريد نفعا لمن يحب، وينفع حيث يريد ضرا بمن يكره، انها غيض من فيض أنصاف الحلول، واشباه الفرص، المؤدية الى السقوط الحاد، في الهوة السحيقة، المحاددة للواقع.. انفلات لا نهائي، يشيه فيه انصاف المتعلمين.
أطمئن لإثنين وأخشى واحدا، في حالات الود والعداء على حد سواء، هم: “الحسجة” الاصيل، الذي تربى في قرية عشائرية، او محلة مدينية، اثق به، مثلما اثق بالمتعلم الذي تشكل وعيه، بالانتقال من مدارس محترمة الى جامعات غاص في علومها ومجتمعها الراقي، لكنني ارتعد فرائصا، عندما يجمعني ظرف ما.. ملزم، بالتعامل مع شخص يتيه اخلاقيا في المسافة البينية الفاصلة للفطرة الصالحة عن التعليم الرفيع.. أخشى المنفلت بين القرية / المدينة وبين الجمعة.
فالمسافة البينية تجعل ملمس الاخلاق متقريا مثل جلد تمساح متشقق…
يتوجب على من لا يريد الدخول في جدال عقيم وغير مؤدب، تحاشي الاختلاط بجاهل قرأ بضعة كتب عابرة، والله اعلم ان كان استوعبها ام لا وطرح نفسه كابوس جهل وبالون مغثة على المحيطين به، يسيء اليهم، ويتنافج عظمة تظهره كالقرقوز المهرج من حيث يظن نفسه عالما.. لا دراسة ولا تناولا منهجيا.
لذا يحجب الاطباء المعلومة عن المريض وذويه؛ كي لا يساء الفهم، وبالتالي يتعاطون مع الحالة المرضية، باسلوب يؤدي الى ترديها بدلا من تعجيل الشفاء، فيما يحجم الرسخون في العلم، عن كشف اسرارهم، امام العامة؛ خشية سوء استخدامها ضد الآخرين، عن عمد؛ ابتزازا او سهوا او تصفية حسابات، والنتيجة واحدة من حيث الضرر، في كل الاحوال.
فمن يتناول السم قصد الانتحار، او سهوا، في الحالتين يموت، والتفاعلات التي تجري في المعدة، هي ذاتها، سواء عند السهو ام العمد.
ما يحتم على من يريد تطوير وضعه، اتمام تحصيله العلمي، اكاديميا او بالتثقيف المنهجي، تحت اشراف متخصصين، خارج الحرم الجامعي، والافضل هو من يتواصل مع الحصيلة الاكاديمية بالتثقيف الذاتي.
إذ ينصح المهندسون الزراعيون، بقطع الغصن المكسور، من الشجرة، وعدم تركه عالقا بها “يتلولح” لأنه يشاركها الغذاء، من دون ان ينمو معها مثمرا.
أولئك هم انصاف المتعلمين الذين تعربد حياتهم على معلومات مجتزأة تضر من يريدن بها فائدته، ويفيدون من ارادوا به ضررا.