قالها المتنبي من قبل ، وطارت بها الركبان كمفهوم له في حياتنا ملايين المصاديق ، وكأن هذا الرجل (الشاعر) أبى إلاّ أن يحول شهره إلى (فلسفة) أو يحول فلسفته إلى (شعر) مع سبق الإصرار والترصد ، فهو يقول (ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقلهِ … وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعمُ) .
من منطلق هذا البيت (المشكلة) ، تجد الكثير من العقلاء يعانون من مجتمعاتهم بسبب (قراءاتهم) – الهجينة بالنسبة للأغبياء – لما يدور حولهم من حوادث في المجتمع ، ويرون ما وراء (الحدث) كأنهم يبصرون من خلال (زجاج شفاف) قد يراه الآخرون (ضبابياً) لدرجة العتمة ، ولذا ، فهم يعيشون الغربة والتعب والضجر مما يدور حولهم مرة ، ومما يرونه من مجتمعاتهم مرات ومرات .
وربما إن من أخطر معاناة العقلاء إنهم يجيدون تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية ، ويعرفون (الفرق بين المتشابهات) ، ويحسنون وضع الأشياء بمواضعها في ديكورات المجتمع ، بالشكل الذي لا يجيده غيرهم ، ولا يتوافق معهم في هذه الآليات ، فتراهم غالباً مصابين بالتشاؤم والتقهقر بسبب إحساسهم برفض المجتمع لهم ، وعدم قدرتهم على إمتلاك (صبر الأنبياء) ليكملوا مسيرتهم في المجتمع الذي يعاني (كثير) من أفراده من مرض عضال إسمه (الجهل المركب) .
الجهل المركب هو ما يراهن عليه الكثير من الساسة ، ليس لأنهم أذكياء – لا سمح الله – بل لأنهم يعرفون من أين تؤكل الكتف ، ويعرفون كيف يصطادون فرائسهم في النهارات الممطرة ، كما تفعل حيوانات الغاب التي تعتمد (الغريزة) ولا تملك ذكاءً في ذلك .
وهذا بالضبط ما يجعلني (ويجعل الكثيرين غيري) أشعر بالتشاؤم والإنكسار وعدم التفائل من الإنتخابات البرلمانية (المزمع) عقدها أو إجرائها – بقدرة قادر – بعد ثلاثة أشهر في العراق ، ومن حق (المتسائل البطران) طبعاً أن يسأل ، لماذا كل هذا التشاؤم من نتائج الإنتخابات قبل إجرائها ؟ …. ولا لائمة عليه ، ولا تثريب ، لأنه يبحث عن الأجوبة الجاهزة (كالوجبات الخفيفة) ، ولا يريد أن يكلف نفسه مغبة التفكير بما يدور حوله من حراكات لا تحتاج إلى مفرط ذكاء لنفهم من خلالها سوداوية النتائج .
ففي ملتي واعتقادي (وأتحمل مسؤولية ما أقول) إن :-
1/ كل مرشح ينفق الــ (ملايين) على حملته الإنتخابية فهو محط (شبهة) ولا أستطيع أن أثق بنزاهته ، لأنه لو أراد خدمة الناس ، ووجه الله ، لأنفق هذه الأموال على العوائل الفقيرة ليفتحوا بها (بسطية) صغيرة يعتاشون منها ويحفظون كرامتهم وستر بناتهم .
2/ كل مرشح يوزع (بطانيات) (كارتات موبايل) (صوبات) (هدايا) ضمن حملته الإنتخابية ، فهو مشبوه النوايا ، وليس بنزيه أبداً ، لأنه يمارس دور الخداع ، ويغازل الفقراء بحاجاتهم البسيطة ، ويدغدغ متطلباتهم بشيطنة (خسيسة) لا تنم عن نزاهة الغاية .
3/ كل مرشح (نكرة) خامل ، يظهر فجأة على سطح الأحداث ، وينشط في التجمعات ، ويسارع إلى الندوات والمؤتمرات والنشاطات (المجتمعية) ويملأ (الفيس بوك) بصور مشاركاته ، فهو عندي (غير نزيه) ، ولا أستطيع أن (أحترم) نشاطه المفاجئ ، ولا أستطيع أن أضع نشاطه ضمن قائمة وجه الله والمواطن والوطن .
4/ كل مرشح يدفع (الرشاوى) و يجامل ويتملق و (يتزلف) للمسؤولين ورؤساء القوائم ، ويخطب ودهم ، ويصفق لهم ، ويهدي لهم الولاء والطاعة والهدايا النفيسة ، لا يستطيع أن يقنعني بحسن نواياه ، ولا يستطيع أن يلغي عقلي لأفهم أنه إنسان (نزيه) ويبحث عن خدمة الإنسان .
5/ كل مرشح يكتب عبارة (انتخبوا مرشحكم) ، فهو ليس موضع ثقة بالنسبة لي ، لأنه (تقمص) دور المرشح نيابة عن الناس وهم لم يرشحوه ، فالأولى به أن يكتب (انتخبوا المرشح) .. لأن الناس لم يطرقوا بابه ويطالبوه أن (يترشح) عنهم ، وهذا – على بساطته – كاشف عن نفسية هذا المرشح ، ورغبته في الوصول إلى مكسب معين ولو بطريقة الإدعاء .
كل هذه النقاط تعتبر (مشكلة) بالنسبة لي ، ولا أستطيع أن أتجاوزها لمجرد أنها (مشاعة) ، ولا أستطيع أن أحترم (ناخباً) يغريه (كارت موبايل) أو (بطانية) لينتخب شخصاً يشتري الذمم والأصوات بثمن بخس يساوي ثمنه هو ، ولا أستطيع أن أقتنع بأي شكل من الأشكال بنزاهة هذا (المرشح) ولا بــ (ذكاء) هذا الناخب ، لأن هذه التحركات هي محض (بعرة) بالنسبة لتصوراتي ، وحسب علمي فإن (البعرة تدل على البعير) .
أما إذا كان البعض يعمل ضمن آلية أو قاعدة (الغاية تبرر الوسيلة) فهذه مسألة تعنيه ، ولا تعنيني البتة .