وكالات – كتابات :
يُمكن للنواب المنضمين حديثًا إلى أي برلمان الاضطلاع بأدوار حاسمة من أجل تحسين قواعد تقاسم السلطة. كان هذا ما خلُص إليه موقع (معهد الشرق الأوسط)؛ في مقالٍ أعدَّه؛ “سامي عطا الله”، المدير المؤسس لمركز (مبادرة سياسات الغد) للأبحاث، و”مُنير مَهْملات”، كبير الباحثين في المركز، و”سامي زغيب”، خبير اقتصادي، و”وسيم مكتبي”، خبير اقتصادي وباحث في مركز (مبادرة سياسات الغد) للأبحاث.
في بداية المقال يقول الباحثون: إن ترتيبات تقاسم السلطة لا تزال ظاهرة متناقضة. وبينما تُستخدَم هذه الترتيبات بوصفها وسيلةً ناجعة للحيلولة دون اندلاع الصراعات، إلا أنها غالبًا ما تحول دون تحقيق السلام من خلال منع السياسات من إحداث أي تغيير. وفي الآونة الأخيرة أجرت ثلاث دول، تتَّبع هذه الترتيبات، انتخاباتٍ أدَّت نتائجها، ظاهريًّا، إلى مثل هذا التغيير السياسي.
إذ تمكنت حركة (امتداد) العراقية، التي نشأت بعد احتجاجات “العراق”؛ في تشرين أول/أكتوبر عام 2019، من الفوز بتسعة مقاعد في “البرلمان العراقي”؛ في انتخابات تشرين أول/أكتوبر 2021، لتقترب الحركة مما يُحققه عديد من المخضرمين الموجودين في النظام السياسي للبلاد بعد عام 2003.
وفي “إيرلندا الشمالية”، خسر الحزب (الديمقراطي الاتحادي)؛ الموالي لـ”بريطانيا”، أغلبيته في البرلمان؛ في أوائل آيار/مايو 2022، لصالح حزب (شين فين)؛ الموالي لـ”إيرلندا”، للمرة الأولى في تاريخ البلاد الممتد لأكثر من قرن من الزمان.
وفي “لبنان” أسفرت الانتخابات العامة، التي أُجريت في وقت لاحق من شهر آيار/مايو، عن تغيير في الأغلبية الحزبية في البرلمان بعد فوز: 13 مرشحًا مرتبطين بحركة الاحتجاجات، التي شهدتها البلاد في تشرين أول/أكتوبر 2019، بمقاعد في البرلمان.
لماذا نهتم بالبرلمانيين الجُدد ؟
يستدرك الباحثون قائلين: ومع ذلك لم يتحقق التغيير بعد. وحتى وقت كتابة هذه المقالة، لم تتمخض الانتخابات سوى عن مزيد من الجمود السياسي، وهو العقبة الدائمة أمام ترتيبات تقاسم السلطة.
وفي “العراق” تجاوز التأخير في تشكيل حكومة جديدة الموعد النهائي للاستحقاق الدستوري؛ مما يجعل إجراء انتخابات جديدة أمرًا ممكنًا.
وفي “إيرلندا الشمالية”؛ منع الحزب (الديمقراطي الاتحادي) تشكيل حكومة جديدة حتى تُلبّى بعض المطالب الأساسية، وهي المطالب التي تعهد حزب (شين فين) بعدم تنفيذها.
وفي “لبنان” هيأ المحللون؛ الرأي العام، لمعركة طويلة مريرة لتشكيل حكومة جديدة على الرغم من تدهور الأوضاع الاقتصادية.
وتطرح مثل هذه النماذج تساؤلًا مهمًا: إذا كان تشكيل الإرادة السياسية يتطلب وحدة النُّخب القابعة في السلطة، فلماذا الاهتمام بالمنضمين حديثًا إلى البرلمان ؟.. يُجيب “بيتر ماكلوغلين”، محاضر بارز في جامعة “كوينز” في مدينة “بلفاست”، قائلًا: إن “الحديث عن فوز (شين فين)، أو فوز (الحزب الديمقراطي الاتحادي)؛ في نظام يقتضي اقتسام السلطة هو أمر لا طائل منه”. وعند تطبيق هذا على المستوى الفردي، إذا كانت ترتيبات تقاسم السلطة تُقوِّض قدرة البرلمانيين على أداء المهام التي انتُخِبوا من أجلها، أي تمثيل مصالح الناخب العادي في دائرتهم الانتخابية على المستوى الوطني، فلماذا يجب أن نهتم بمَنْ انتُخِب ؟
ويُعد “لبنان” مثالًا واضحًا على ذلك. إذ أظهرت الدراسات الاستقصائية الحديثة أن أعضاء “البرلمان اللبناني” لا يقضون على ما يبدو كثيرًا من أوقاتهم في اللجان البرلمانية أو حتى في مكاتبهم. لكنهم يقضون: 70% من أوقاتهم تقريبًا في الأعمال التأسيسية، وتقديم “الخدمات”، وحضور الاحتفالات، وإجراء مقابلات تلفزيونية، وحضور الجنائز ومراسم العزاء. وخلال الفترة من حزيران/يونيو 2009؛ حتى نيسان/إبريل 2017، لم يُقدِّم ما يقرب من نصف نواب “البرلمان اللبناني”؛ (55 من أصل 128)، مسودة قانون واحدًا؛ إذ أعدَّ مجلس الوزراء اللبناني معظم مسودات القوانين، بينما لم يقترح البرلمانيون سوى قدر ضئيل من مسودات القوانين التي تحوَّلت إلى تشريعات.
الحد الأدنى من النظام الديمقراطي !
يُنوِّه الباحثون إلى أنه بِناءً على ذلك، تميل متطلبات الوحدة في صُنع القرار إلى بناء الجسور حتى مع الخطابات التي تتسم بالاستقطاب ظاهريًّا. وعندما انقسمت “بيروت” سياسيًّا؛ في عام 2020، بشأن “خطة التعافي المالي”، التي أقرتها حكومة “حسان دياب”، رئيس الوزراء اللبناني آنذاك، وهي الخطة التي رَمَت إلى تمكين برنامج “صندوق النقد الدولي” ووقْف الإنهيار الاقتصادي، وجد البرلمانيون أنفسهم يُشكلون تحالفًا مذهلًا.
يستطرد الباحثون: “دشن نواب جميع الأحزاب اللبنانية الكبرى ما يُسمى: بـ (لجنة تقصي الحقائق)، وهي لجنة فرعية تابعة للجنة الميزانية، من أجل معرفة الأرقام الاقتصادية: (الحقيقية) وراء خطة التعافي. ومن خلال إضفاء الطابع الرسمي على المعارضة السياسية لخطة الحكومة، تمكن هؤلاء النواب من إعاقة تنفيذ تلك الخطة فعليًّا حتى الآن. وعندما تقف المؤسسات الشرعية في وجه السلطة القائمة بحكم الأمر الواقع، نجد أنه حتى الأغلبية البرلمانية قد تفشل في إحداث أي تغيير”.
والخبر السار هو أن انضمام نواب جُدد إلى البرلمان مسألة مهمة بطبيعة الحال. وإجمالًا، يمكن للتغييرات التي دخلت على تركيبة البرلمان أن تؤثر في التسوية السياسية الأوسع نطاقًا بين النُّخب. ويمكن أن تؤدي زيادة الانقسام، بفضل الأحزاب الجديدة أو النواب المستقلين، على سبيل المثال، إلى زيادة تكاليف التفاوض، وضرورة إحداث تغييرات في طريقة تفاعل النُّخب فيما بينها، بالإضافة إلى تفاعلها مع مؤسسات الدولة. لكن على المستوى الفردي، لن يهتم المواطنون العاديون بشكل هذه الطريقة، التي يُحتمل أن تكون أهم لأعضاء البرلمان الجدد ويمكنهم من خلالها إحداث التغييرات.
ويُشير الباحثون إلى كتاب صدر حديثًا بعنوان: (تقاسم السلطة والديمقراطية في دول ما بعد الحرب الأهلية: فن الممكن)؛ من تأليف: “كارولين هارتزل” و”ماثيو هودي”، والذي يُقدِّم إطار عمل مناسبًا لفهم كيف يمكن للبرلمانيين الجُدد إحداث تغيير. ويتناول المؤلفان في كتابهما الطرق التي تتفاعل بها مؤسسات تقاسم السلطة مع أنظمة الحكم الديمقراطي في مرحلة ما بعد الصراع.
ويُجادل المؤلفان بأن مؤسسات تُقاسم السلطة تُمكِّن من تحقيق “الحد الأدنى من الديمقراطية”؛ باعتبارها أكثر أشكال الديمقراطية واقعية التي يمكن أن تطمح إليها الدول الخارجة لتوِّها من حربٍ أهلية. وهذه المؤسسات ستعمل على تعزيز الديمقراطية بطريقتين واسعتي النطاق.
وبحسب الكتاب تكمن الطريقة الأولى في أن تعمل مؤسسات تقاسم السلطة على تيسير “إضفاء الطابع الديمقراطي من القمة”؛ من خلال الحد من قدرة الدولة والنُّخب على الانخراط في الممارسات الجشِعة والعدوانية. وإلى حد ما ستُضطر النُّخب إلى العمل من خلال مؤسسات الدولة، التي تفرض فيها النُّخب الأخرى ضمنيًّا نظامًا من الضوابط والتوازنات. أما الطريقة الثانية فهي أن تُشجع تلك المؤسسات على: “تعزيز الديمقراطية من القاعدة” من خلال تمكين المواطنين من المشاركة في الحياة السياسية. ومن خلال انتخاب ممثلين عنهم في جمعية مشتركة، أي البرلمانات، يتحمل المواطنون المسؤولية ويطالبون بتطبيق معايير المشاركة الديمقراطية.
وتُسلط كلتا الطريقتين الضوء على جانب مهم من جوانب الحكم الديمقراطي، والذي حظي باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة: وهو قواعد تقاسم السلطة وسلوكياتها. وعلى سبيل المثال، حقَّق “نيلز كريستيان بورمان”، أستاذ السياسة الدولية، وزملاؤه، في أطروحتهم: “تقاسم السلطة: المؤسسات والسلوكيات والسلام”، عينة كبيرة من الدول وتوصلوا إلى أن مؤسسات تقاسم السلطة تُحفِّز السلوك الذي يسمح للنخب بالوساطة لحل الصراعات الوشيكة.
ما الذي يمكن أن يفعله البرلمانيون الجُدد ؟
يُلفت الباحثون إلى أن هذه هي القواعد والسلوكيات التي يُمكن لأعضاء البرلمان من خلالها إحداث تغيير.
أولًا يمكن للنواب الجُدد في البرلمان تعزيز الديمقراطية من القمة؛ عن طريق الحد من نطاق قدرات النُّخب على إخضاع مؤسسات الدولة لمصالحها. وغالبًا ما يعتمد الوزراء والسياسيون والبيروقراطيون رفيعو المستوى، في الدول ذات البيروقراطيات الضعيفة، مثل: “لبنان والعراق”، على النُّخب السياسية لضمان بقائهم السياسي.
ولا تضطلع النُّخب بمهمة ترشيح الأشخاص لتولي المناصب الوزارية فحسب، بل يعتمدون عليهم إلى المدى الذي يمكن فيه للنُّخب أن تضع جدول أعمال اجتماعات مجلس الوزراء أو تمنع تعاونهم تمامًا.
وفي مقالهما: “هل يمكن كسر القالب ؟ الدورات الوزارية والإنتاج التشريعي والإستراتيجيات السياسية في لبنان”؛ المنشور حديثًا، سلَّط “منير مَهْملات”، و”سامي زغيب”، الضوء على مدى تأثير هذه التبعيات النفعية المحسوبية سلبًا على فعالية الأجهزة الإدارية البيروقراطية.
وبمقدور البرلمانيون الجُدد الإسهام في تقليل هذه التبعيات، إذ يمكنهم فرض تعيين مرشحين لتولي المناصب السياسية المهمة، مثل رؤساء اللجان البرلمانية، أو المناصب الوزارية حتى، ويمكن لهؤلاء المرشحين الجُدد النهوض بعمل مؤسساتهم دون أن يكونوا “خاضعين لمساءلة” النُّخب الحزبية الأكثر تقليدية.
وحتى في حالة عدم تمكُّن البرلمانيون الجُدد من فرض تعيين مرشحين مستقلين، يُمكنهم الاستفادة من إلمامهم ببواطن الأمور داخليًّا لفضح القرارات السيئة التي تتخذها النُّخب الحزبية الأخرى ومناقشة العواقب على الملأ. وبالتأكيد، سوف تستفيد النُّخب المترسخة من كل الوسائل المتاحة للحيلولة دون التخلي عن السلطة بهذه الطريقة. غير أن الكشف عن المعلومات والشفافية أمران مهمان في الدول التي تُحاط فيها السياسات بقدرٍ كبيرٍ من السرية.
ثانيًا: يُمكن للبرلمانيين الجُدد تعزيز الديمقراطية من القاعدة من خلال تحسين معايير تبادل الآراء السياسية. ويمكنهم تنشيط مهام الرقابة للإشراف البرلماني، التي غالبًا ما يُقوِّضها النفوذ على صعيد النُّخبة، من خلال توفير أغلبية للضغط من أجل عقد جلسات استماع علنية لأعضاء مجلس الوزراء أو إرسال مسودات قوانين لإعادة النظر فيها إلى المحاكم الدستورية.
ويمكنهم أيضًا فرض تطبيق اللوائح البرلمانية التي تعرضت للتجاهل في السابق. كما يمكنهم الحديث إلى الإعلام بشأن أوجه القصور وسوء الإدارة في المؤسسات البرلمانية. ويمكنهم كذلك إعادة توجيه النقاش العام بعيدًا عن القضايا القائمة على الهوية، التي يتَّسم بها عديد من ترتيبات تقاسم السلطة، والبُعد عن المناوشات السياسية القائمة على التفضيلات الإيديولوجية وقضايا السياسة العامة.
ونظرًا لأن النُّخب المترسخة لديها قليل من السلطة التقديرية المباشرة حول كيفية تشكيل أعضاء البرلمان الجُدد للخطاب العام، فإن البرلمانيين الجُدد لديهم وسيلة ناجعة ممكنة تحت تصرفهم لتغيير الطرق التي يتصور بها المواطنون أن السياسة مسألة مهمة.
وفي ختام مقالهم يُؤكد الباحثون أن التغيير عبر هذه القنوات يستغرق وقتًا حتى يترسخ. وفي مقالها: “هل الانتخابات في لبنان مهمة ؟”، ذكرت “كريستيانا باريرا”؛ أن الخروج من التكتلات الحزبية الصارمة التي تنزع إلى الهيمنة على ترتيبات تقاسم السلطة، يتطلب عمومًا إجراء دورات انتخابية متعددة.
ويمكن للأطراف الخارجية الفاعلة، ويتعين عليها ذلك، أن تبذل قليلًا من الجهود لتسريع هذه العمليات، حتى يستوعب المواطنون والنُّخب على حدٍ سواء القواعد الحديثة الناشئة ويتقبَّلوها دون أن تُصبح مسيَّسة. وبهذه الطريقة، وبصرف النظر عن كونهم مُشرِّعين، يمكن للبرلمانيين الجُدد الاضطلاع بأدوار مهمة في تحسين قواعد تقاسم السلطة السياسية.