18 ديسمبر، 2024 8:42 م

هل سمع بترايوس شعركم الشعبي

هل سمع بترايوس شعركم الشعبي

في جلسة لي مع ضابط كبير، يقود جانبا من العمليات في الانبار حالياً، قال “نحن في ورطة لاننا لا نعرف عدونا من صديقنا”.

يواجه العراق تحديا كبيرا لم يشهد مثيل له على مدى تاريخه السياسي والعسكري، بمحاربته أخطر تنظيم مسلح في العالم، كعدو لاملامح له.

فالمعارك المندلعة في الانبار لم تتضح ملامحها الى الآن، والعدو مازال غير محدد، والقيادة العسكرية لا قرار لها بمقاتلة من، والقيادة السياسية للبلاد عاجزة عن تعريف اطراف النزاع، لان الجميع في الانبار يمتلك الرجال والسلاح.

فمنذ ان هدد رئيس الوزراء بـ “حرق خيم المعتصمين” بالأنبار “إذا لم ينسحبوا”، واعتقلت القوات الحكومية اثر ذلك النائب احمد العلواني، وقتلت شقيقه، انقسمت القبائل والعشائر العربية في منطقة الصراع، منهم من يقاتل ويصد تقدم الجيش للدخول الى مناطقهم ويتعاون مع مسلحين متطرفين، واطراف اخرى تقاتل المجاميع المتطرفة وتقاتل الجيش في آن واحد، فيما عشائر غيرها تقاتل الى جانب الجيش والقوات الامنية لإعادة السيطرة على محافظة الانبار، في وقت ترفض بعض قطعات الجيش مقاتلة العشائر.

وتعد الأنبار، التي خاضت اشرس المعارك ضد قوات المارينز الاميركية، أكبر محافظة في العراق من ناحية المساحة وتشغل 32 % من أرضه، وتقع أقصى غرب البلاد، وهي اوسع مساحة من دولة اليونان، وتحدها المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا.

ولكن يبدو ان العراق سيء الحظ، لانه يواجه عددا ليس بالقليل من التنظيمات الجهادية المتطرفة المنصهر جزء منها بعشائره، عكس اليمن الذي يواجه “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” بزعامة ناصر الوحيشي المقرب من ايمن الظواهري، الذي يعمل بمعزل عن القبائل هناك، ولكن اليمن يحظى بمساندة ودعم كبيرين من قبل الولايات المتحدة الاميركية، التي تستخدم طائرات مسيرة لضرب مواقع وتجمعات التنظيم منذ عام 2000 بموافقة الحكومة اليمنية السابقة والحالية، وتحد من حركته وهجماته. وهو دعم لم يتلقاه العراق حتى الان، على الرغم الفارق الذي ذكرته اعلاه.

كابر العراق كثيرا خلال السنوات الماضية، وزعم انه يمتلك القوة الكافية لضرب الارهاب ومجاميعه المسلحة والحد من حركتهم، ومنذ انسحاب القوات الاميركية من البلاد أواخر عام 2011، تسارعت وتيرة الهجمات التي قادها “تنظيم القاعدة في العراق” وضربت مناطق شيعية وسنية في آن واحد في محاولة لاذكاء الصراع الطائفي.

كل ذلك حدث بالرغم من تضاؤل دور تنظيم القاعدة في العراق ووجود تجربة سابقة اثبتت نجاحها وفعاليتها وهي التي ادت الى تراجع نشاطه بشكل كبير، بعدما كان في أوجّه بالأنبار بين عامي 2006-2007. وتمثلت تلك التجربة بقرار اتخذه الجنرال ديفيد بترايوس تمثل بدعم “شيخٍ سُنيٍ شجاع” ومعه أفراد عشيرته من الذين قرروا الوقوف بوجه القاعدة في العراق والقضاء عليها.

وكانت مبادرة بترايوس هذه تشمل تمكين العشائر ودعمهم بالمال والسلاح من اجل تحرير مناطقهم من تنظيمات القاعدة التي كان ينتمي لها عشرات المقاتلين العرب، بعدما توصل لقناعة تامة بـ “ان المحافظات السنية اكثر من تضرر جراء القتال ضمن مناطقهم بين القوات الاميركية والقاعدة” وعلى اثرها، ووفقا لمعلومات قدمتها وكالة المخابرات الاميركية (CIA)، حدد من هو العدو وكيفية القضاء عليه وتم ذلك بالفعل. ولكن يبدو ان الحكومة العراقية لم تاخذ تلك التجربة بعين الاعتبار ولعل ذلك مايجعل قواتها تتخبط في الانبار.

ففي جلسة لي مع ضابط كبير، يقود جزء من العمليات في الانبار حالياً، قال “نحن في ورطة لاننا لانعرف عدونا من صديقنا”.

الضابط الوسيم، الذي يحمل رتبة عقيد في سلاح الجو العراقي، يشكو من ان احد زملائه “اخطأ هدفاً قبل ايام وقصف تجمعاً لجنود عراقيين وعناصر من العشائر اعتقاداً منه انهم من تنظيم داعش”. وردد بألم كبير “علينا تحديد العدو ثم القتال لان الجميع مسلح هناك”.

الدولة التي تواجه اليوم تمردا مسلحا، عليها ان تحدد بوضوح من هو العدو الرئيس الذي ستقف بمواجهته عسكرياً، لان قادة الجيش على مايبدو عاجزون عن اتخاذ قرار بعيدا عن السياسة وتحديد خصمهم، حيث يتردد اغلبهم، وهم من القادة الكبار، باستهداف اي مشاهد مسلحة خوفاً من ارتباطها بالسلطة الحاكمة، وهذا ما يعرضهم لمخاطر السجن او الابعاد عن الوظيفة.

وببساطة بالغة، ان كانت الحكومة في بغداد تريد استرجاع سلطتها على الانبار، فعليها الاستعانة بمقاتلين من عشائر المحافظة فقط وتشكيل قوة عسكرية منهم تكون تحت سلطة المركز في بغداد. عندها فقط بالامكان فرز الامور وتحديد ملامحها والقول ان هناك معركة واضحة الاركان العدو فيها واضح المعالم، والقوة التي ستتصدى له واضحة المعالم والهدف ايضاً.

نحن بحاجة الى من يقوم بتنبيه القيادة الآن، الى ان بترايوس حين كان يرسم خطوط القتال مع القاعدة، كان منهمكا في مواجهة اخطر الاسئلة بجرأة، ولم يكن لديه كل هذا الوقت كي يستمع الى الشعر الشعبي.. والاغاني الرديئة المستخدمة في الحشد لمعركة بلا ملامح.