وكالات – كتابات :
“زوج السيدة الأولى ليس معنا اليوم لأنه مُصاب بـ (كورونا)”.. “لهذا السبب أنا والكثير من الأشخاص الذين نشأت معهم مصابون بالسرطان”.. “أنا متأكد أن بوتين سيغزو روسيا”.. قائمة طويلة من زلات لسان الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، بعضها “فكاهي”، لكن البعض قد يكون: “كارثيًا”.
أصبح “بايدن” معروفًا من قِبل خصومه السياسيين بوصف: “ماكينة زلات اللسان”، بعد أن تكررت أخطاؤه بصورة لافتة، ولا تتوقف تلك السقطات عند الأمور الشخصية فقط، سواء الخلط بين زوجته ونائبته، أو الإعلان أنه: “مصاب بالسرطان”، لكن زلات لسان الرئيس الأميركي قد تتسبب في حرب نووية بالفعل.
يبلغ “جو بايدن”؛ من العمر: (79 عامًا)، وهو أكبر رئيس لـ”الولايات المتحدة الأميركية”، وكثيرًا ما مثلت صحته العقلية تحديًا وموضوعًا للنقاش العام، والسبب هو تكرار زلات لسانه بصورة لافتة.
بايدن: “أنا مصاب بالسرطان”.. والبيت الأبيض ينفي !
كان الرئيس الأميركي، الأربعاء 20 تموز/يوليو، يُلقي خطابًا حول الاحتباس الحراري وتداعياته الكارثية في ولاية “ماساتشوستس”. وفي معرض حديثه عن صناعة “النفط” ودورها في الكارثة المناخية التي يُعاني منها الكوكب، تطرق “بايدن” إلى التداعيات الصحية لمصافي “النفط”.
وفي معرض وصفه للآثار الصحية الضارة للإنبعاثات من مصافي “النفط”؛ بالقرب من منزل طفولته في مدينة “كليمونت”، التابعة لولاية “ديلاوير”، قال “بايدن”: “لهذا السبب أنا والكثير من الأشخاص الذين نشأت معهم مصابون بالسرطان”، مضيفًا أن: “هذا يُفسر لماذا كانت ولاية ديلاوير تُعاني من أعلى معدلات الإصابة بالسرطان في البلاد”.
“بايدن” لم يقل إنه: “كان مصابًا بالسرطان”، بل جاء حديثه في زمن المضارع قائلاً: “أنا مصاب بالسرطان”، وبما أن المتحدث هو رئيس “الولايات المتحدة الأميركية”؛ فإن إعلانًا كهذا تكون له تداعيات هائلة وفورية بطبيعة الحال. فالملاحظة بدت للوهلة الأولى وكأنها: “إعلان صحي شبه رسمي” يخص الرئيس، بحسب تقرير لصحيفة (نيويورك بوست).
ونظرًا لخطورة التصريح من جانب “بايدن”، سارع “البيت الأبيض” إلى إصدار بيان توضيحي نفى فيه أن يكون الرئيس مصابًا بالسرطان، وقال إن حديث الرئيس الأميركي عن إصابته بالسرطان يُشير إلى إصابته بالمرض قبل أن يُصبح رئيسًا وتم علاجه.
إذ قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض؛ “أندرو بيتس”، في تغريدة عبر (توتير)، إن: “الرئيس بايدن؛ كان يُشير إلى سرطانات الجلد غير الميلانينية التي تمت إزالتها قبل توليه منصبه”.
وكان ملخص رسمي عن الحالة الصحية للرئيس “بايدن”، صُدر في تشرين ثان/نوفمبر الماضي، أشار إلى أنه: “تمت إزالة عدة سرطانات جلدية موضعية غير الميلانينية قبل توليه الرئاسة”.
“زوج السيدة الأولى ليس معنا اليوم لأنه مصاب بكورونا” !
كان الرئيس؛ “جو بايدن” يتحدث خلال فعالية في “البيت الأبيض”، خلال آذار/مارس الماضي، وهو ما يُعرف باسم: “شهر المرأة”. وبدأ الرئيس حديثه الموجه إلى عدد من ضيفات “البيت الأبيض” بتقديم نفسه قائلاً: “أنا جو بايدن، زوج جيل بايدن، وأرحب بكنّ في هذه الاحتفالية بشأن شهر المرأة، والتي أعتبرها أكثر الفعاليات التي استضافها البيت الأبيض إلهامًا على الإطلاق”.
ووسط التصفيق الحار من الحضور، واصل الرئيس خطابه المُعدّ للإحتفاء بالنساء: “إن المرأة الأميركية هي رمز القوة الحقيقية، انظروا إلى المسرح؛ (حيث يقف).. كنت سأقول لكن انظروا إلى المسرح لتروا انعكاسًا لتلك الحقيقة، لكن الأمور تغيرت لأن زوج السيدة الأولى أصيب بفيروس (كورونا)، لذلك هي ليست معنا اليوم !”.
غني عن القول بطبيعة الحال أن السيدة الأولى هي: “جيل بايدن”، زوجة الرئيس؛ “جو بايدن”، المتحدث (!)؛ والواضح أنه كان يقصد أن نائبته؛ “كامالا هاريس”، كان يُفترض أن تكون بجواره على المسرح، لكن زوجها أصيب بـ (كورونا)، فلم تتمكن من حضور الفعالية.
وواصل “بايدن” حديثه كأن شيئًا لم يكن، لكنه توقف لأن زوجته – الجالسة على مقعد بالقرب منه على المسرح – قالت شيئًا. واتضح أن زوجته تقول له: “أنا السيدة الأولى وأنت زوجي !”، سكت الرئيس قليلاً ليستوعب ما تقوله زوجته على ما يبدو، ثم أشار إليها؛ وقال: “إنها بخير !”، لينفجر الحضور بالضحك، ويُفسر “بايدن”: “زلة لسانه”، وينتهي الموقف.
قبل ذلك الموقف بنحو عام؛ كان “بايدن” قد نسي على ما يبدو اسم وزير دفاعه، بل واسم “وزارة الدفاع” نفسها، وذلك خلال فعالية رسمية في “البيت الأبيض” لترقية امرأتين لرتبة الجنرال المقاتل في الجيش الأميركي.
ففي آذار/مارس 2021، وخلال الفعالية الرسمية؛ قال الرئيس: “أود أن أشكركما وأن أشكر الوزير.. (صمت بايدن لبرهة وبدا كما لو أنه يسعى لتذكر اسم: لويد أوستن وزير الدفاع، ثم قال..) الجنرال السابق، أنا دائمًا أنادي عليه بلقب الجنرال، إنه الرجل الذي يُدير المؤسسة التي أريد أن أشكر الوزير الذي يُنفذ كل ما اتفقنا عليه ورشح المرأتين للترقية، شكرًا لكم جميعًا”.
كان وزير الدفاع؛ “أوستن”، يقف خلف الرئيس، وبجواره صاحبتا الترقية لرتبة الجنرال، وبجوارهم نائبة الرئيس؛ “كامالا هاريس”، ولم يكن ممكنًا أن يتدخل أحد لتذكير الرئيس باسم وزير دفاعه، نظرًا لطبيعة الفعالية العسكرية، على عكس تلك الفعالية التي نسي فيها: “نفسه” وزوجته.
زلات لسان كارثية قد تُشعل حروبًا !
المدافعون عن “بايدن”؛ يقولون إنه يُعاني منذ سنوات طويلة من: “زلات اللسان” أو التصريحات غير الدقيقة، وبالتالي لا يرتبط الأمر بتقدم الرئيس في العُمر أو إصابته بأمراض الشيخوخة: كـ”الخّرف” أو غيره. والحقيقة هي أن لـ”بايدن” بالفعل زلات لسان وسقطات كلامية ترجع إلى فترة عمله نائبًا للرئيس مع؛ “باراك أوباما”، خلال فترتين رئاسيتين.
وتُعتبر زلات لسان “بايدن” في الأمور الخاصة أو البسيطة، كنسيان اسم وزير دفاعه أو الخلط بين السيدة الأولى؛ “زوجته”، ونائبة الرئيس، مادة للفكاهة في أغلب الأحيان، أو مادة خصبة لخصومه الجمهوريين للنيل منه، وبخاصة خصمه اللدود الرئيس السابق؛ “دونالد ترامب”، الذي يصف الرئيس بأنه: “بايدن النائم”.
لكن عندما يكون رئيس “الولايات المتحدة” معروفًا بكونه: “ماكينة لزلات اللسان”، كما يصفه كثير من الجمهوريين، قد تُصبح الأمور أكثر خطورة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية، كأن يُصرح ساكن “البيت الأبيض” بأن نظيره الروسي: “لا يمكن أن يستمر في منصبه”، أو أن يقول إن “واشنطن” ستتدخل عسكريًا للدفاع عن “تايوان” ضد “الصين”.
والحقيقة هنا هي أن كلا التصريحين قد صُدرا بالفعل عن؛ “جو بايدن”، وسببا زلزالاً جيوسياسيًا، سعى “البيت الأبيض” جاهدًا لاحتوائه. “نعم، سنُدافع عن تايوان عسكريًا إذا هاجمتها الصين !”، كاد هذا الرد الحاسم من؛ “جو بايدن”، على سؤال لأحد الصحافيين أن يتسبب في كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.
من الصعب أن يحدث سوء فهم لتلك الإجابة الحاسمة من؛ “جو بايدن”، والتي وصفتها “بكين” بأنها: “لعب بالنار”، فهل تُدخل “أميركا” حربًا للدفاع عن “تايوان” فعلاً ؟
جاء تصريح “بايدن” هذا، الذي سارع “البيت الأبيض” بعده بدقائق إلى التأكيد على عدم وجود تغيير في السياسة الأميركية تجاه “تايوان”، خلال زيارته الأولى إلى “آسيا”؛ أواخر آيار/مايو الماضي، وبالتحديد خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الياباني؛ “فوميو كيشيدا”، وقبل عقد قمة لمجموعة (كواد)، التي تراها “بكين” مُرادفًا آسيويًا لحلف الـ (ناتو).
أما فيما يتعلق بالحرب الروسية في “أوكرانيا”، والتي لا تزال مستعرة ويدفع ثمنها العالم بأسره، فكانت زلات لسان الرئيس الأميركي حاضرة بصورة لافتة. فمرة قال “بايدن” إن: “بوتين سيقوم بغزو روسيا” !.. وخلال خطاب الاتحاد أمام “الكونغرس”، حيث يقرأ الرئيس من كلمة مكتوبة بطبيعة الحال، قال “بايدن”: “بإمكان بوتين تطويق كييف بالدبابات، لكنه لن يحصل أبدًا على قلوب وأرواح الشعب الإيراني”.
وخلال مؤتمر صحافي في “البيت الأبيض”، مساء الأربعاء 19 كانون ثان/يناير، توقع “بايدن” أن تقوم “روسيا” بتحرك نحو “أوكرانيا”، وقال إن “موسكو” ستدفع ثمنًا باهظًا إذا أقدمت على غزو شامل، لكن: “توغلاً بسيطًا” سيُكبدها ثمنًا أقل.
وقال “بايدن”: “ظني أنه سيتحرك… لا بد أن يقوم بشيء”؛ في إشارة إلى الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، ومضى يقول: “روسيا ستُحاسَب إذا قامت بالغزو، وهذا يعتمد على ما ستفعله. سيكون الأمر مختلفًا لو كان توغلاً بسيطًا، لكن لو فعلوا حقًا ما بمقدورهم فعله سيكون الأمر كارثة لروسيا إذا غزت أوكرانيا ثانية”.
الخلاصة أن الرئيس الأميركي؛ كلما تحدث تبدر منه زلات لسان تتراوح بين النسيان والخلط بين الأشخاص، مرة قدم حفيدته على أنها ابنه، لكن الأخطر أن تلك “الزلات” لا تعرف الحدود بين ما هو شخصي وما هو متعلق بالسياسة الخارجية لدولة بحجم وتأثير “الولايات المتحدة”.