تحتاج إلى إستراتيجية “مُكّلفة” .. إلى متى يُصبح “الغاز الروسي” خاصرة “أوروبا” الطرية ؟

تحتاج إلى إستراتيجية “مُكّلفة” .. إلى متى يُصبح “الغاز الروسي” خاصرة “أوروبا” الطرية ؟

وكالات – كتابات :

بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على التدخل العسكري الروسي في “أوكرانيا”، في شهر شباط/فبراير 2022، تزايدت التهديدات الأمنية والاقتصادية للدول الأوروبية، وباتت قضية أمن الطاقة بالنسبة لهذه الدول واحدة من القضايا المُّلحة في ظل اعتماد العديد من الدول الأوروبية على “الغاز” الوارد من “روسيا”، وتوظيف “روسيا” ورقة “الغاز” من أجل تصدير المزيد من الضغوط إلى الدول الغربية، والرد على العقوبات المفروضة عليها، ومن ثم تقويض محاولات فرض العُزلة على “موسكو”.

وفي هذا الإطار؛ نشرت مجلة (إيكونوميست) البريطانية، تقريرين بعنوان: “أوروبا تستعد لقطع الغاز الروسي هذا الشتاء”، و”شتاء السخط في أوروبا”، وهما التقريران اللذان تناولا تأثير قضية “الغاز الروسي” على الموقف الأوروبي من الصراع الأوكراني، وكيف تستخدم “موسكو”؛ “الغاز”، بوصفه سلاحًا في الصراع.

الضغط الروسي..

شكلت قضية “الغاز” واحدة من القضايا الرئيسة في الصراع الدائر في “أوكرانيا”؛ إذ ساهمت هذه القضية في مضاعفة الضغوط المفروضة على الدول الأوروبية، وهو الأمر الذي ألقت عليه الـ (إيكونوميست) الضوء، من خلال التقريرين المُشار إليهما؛ وذلك على النحو الآتي:

01 – قدرة “روسيا” على التكيف مع قطع صادراتها من “الغاز”: مع تقييد “روسيا” إمدادات “الغاز” المهمة لـ”أوروبا” بسبب دعمها “أوكرانيا”، فإن المخاوف تتنامى في القارة من إمكانية توجه “روسيا” نحو القطع التام لإمدادات “الغاز”، وهو ما تتنامى مؤشراته في الفترة الأخيرة، وفي ضوء قدرة “موسكو” على تنفيذ تهديداتها بهذا الشأن.

ذلك أن صادرات “النفط”؛ وإن كانت تُمثل نحو: 10% من الناتج المحلي الإجمالي الروسي على مدى السنوات الخمس الماضية؛ ما كان سببًا لبذل “موسكو” جهودًا غير عادية وناجحة إلى حدٍ كبير لكسر الحظر الغربي على “النفط الخام”؛ لكن في المقابل يمكن لـ”روسيا” أن تتكيف مع قطع صادرات “الغاز” التي لا تُمثل سوى: 2% من ناتجها المحلي الإجمالي.

02 – تلويح “بوتين” بإمكانية قطع صادرات “الغاز”: تتنامى المخاوف الأوروبية مع حقيقة أن شركة (غازبروم)؛ التي تحتكر “الغاز الروسي” وتتحكم في تدفقات “الغاز” إلى “أوروبا”؛ تعمل بالفعل عند نحو نصف المستوى العادي، بل أعلنت “روسيا” رسميًا خضوع خط أنابيب (نورد ستريم-1) للصيانة خلال الفترة من: 11 تموز/يوليو حتى 22 تموز/يوليو، وهو الذي يُعتبر الخط الرئيس لنقل إمدادات “الغاز” إلى “أوروبا”، ولم تعوض وقف الإمدادات عبر هذا الخط عن طريق زيادة العرض عبر خطوط الأنابيب البديلة التي تمر عبر “أوكرانيا”.

كذلك تعتقد شركة الأبحاث العالمية (إس آند بي-s&p Global)، أن “روسيا” نقلت في حزيران/يونيو: 4.7 مليار متر مكعب فقط إلى “أوروبا”، وهو بالكاد ثُلث المستوى الذي نقلته في أوائل عام 2021.

03 – التبعات السلبية لقطع إمدادات “الغاز”: تتضاعف المخاوف من تنفيذ “روسيا” تهديدات بوقف صادرات “الغاز” الروسية في ضوء مدى اعتماد “أوروبا” على هذه الواردات، ولا سيما للتدفئة في فصل الشتاء؛ ذلك لأن الاعتماد على موارد “الغاز” يُمثل ربع الطلب على الطاقة في القارة، فيما توفر “روسيا” ثُلث ذلك الطلب على “الغاز”، الذي يرتفع في بعض الدول، ومنها “ألمانيا” عن مقدار الثُلث؛ لذا من المتوقع أن ترتفع فواتير الطاقة بالدولة في حال تنفيذ “موسكو” تهديداتها، وهو ما سوف يتسبب في خسائر فادحة للشركات يُخشى معه أن يؤدي إلى إنهيار مالي في عدد من الدول الأوروبية، وخصوصًا أنه على عكس “النفط” و”الفحم”؛ اللذين يمكن استبدالهما ويتم تداولهما عالميًا، يجب إما نقل “الغاز” عبر الأنابيب أو نقله مُسالاً (lng)، باستخدام مرافق تستغرق سنوات لبنائها أو إعادة تكوينها.

تحركات أوروبية..

تستدعي التداعيات السلبية المحتملة لإمكانية قطع “موسكو” إمدادات “الغاز” عن “أوروبا”، بحسب تقريري (إيكونوميست)، تحركات مكثفة من قبل الدول الأوروبية لتقليل هذه التداعيات، وهو ما يمكن تناوله فيما يأتي:

01 – الحاجة إلى وضع إستراتيجية لمواجهة التهديدات الروسية: في ضوء الخطر المترتب على “أوروبا”؛ حال قطع إمدادات “الغاز” من “روسيا”، فإن ذلك يدفع “الاتحاد الأوروبي” إلى العمل على وضع إستراتيجية متعددة المحاور؛ بحلول 20 تموز/يوليو 2022، لمواجهة أي محاولة من جانب “بوتين” لقطع الإمدادات خلال الشتاء المقبل، وحتى يتسنى ضمان تدفقات “الغاز”، وهو الأمر الذي يُرجح تناوله في الاجتماع الوزاري حول أمن الطاقة المتوقع إنعقاده في وقتٍ لاحق من هذا الشهر.

وفي هذا الإطار؛ يقترح أن تستند الإستراتيجية الأوروبية، على الأرجح، إلى أربع ركائز، هي: تعزيز مستويات تخزين “الغاز”، وتنويع مصادر الطاقة، وتشجيع خفض الطلب، وأخيرًا تقنين استخدامات “الغاز”.

02 – العمل على تعزيز مستويات تخزين “الغاز”: فبعد أن رفضت العديد من الشركات؛ في العام الماضي، شراء “الغاز” بأسعار تضخمية بسبب التلاعب الروسي بالأسعار، فإن ذلك تسبب في قلة المخزونات في صهاريج التخزين، وهو ما كان يمكن أن يتسبب في حالة من عدم الاستقرار في “أوروبا”؛ لولا الطقس المعتدل الذي أنقذ القارة هذا العام من مواجهة مشكلة طاقة خطيرة.

ولذلك؛ وفي محاولة تجنب حدوث مثل هذه الأزمة العام المقبل، أقر “البرلمان الأوروبي” خطة تنص على معدل تعبئة: 80% كحد أدنى لتخزين “الغاز”؛ بحلول الأول من تشرين ثان/نوفمبر، وعلى أن ترتفع إلى: 90% في السنوات المقبلة. ولكن فيما نجحت صهاريج “الاتحاد الأوروبي” في رفع التخزين لديها الآن إلى نسبة: 60% تقريبًا، فإن كل الدول الأوروبية لم تنجح في تخزين “الغاز” على قدم المساواة؛ ما يجعلها عُرضة للمعاناة من نقص واردات “الغاز”، خصوصًا إذا جاء الشتاء المقبل قارسًا.

03 – ضرورة التغلب على إشكاليات إمدادات الطاقة البديلة: مع ارتفاع واردات “الغاز الطبيعي المُسال” إلى “أوروبا” بدرجة كبيرة، كان ذلك حافزًا للناقلات على التوجه إلى “أوروبا” بدلاً من “آسيا”، وسط توقعات بأن نحو: 41 مليار متر مكعب من “الغاز الطبيعي المُسال” دخلت “أوروبا”؛ في الربع الأول من العام، بزيادة: 70% على أساس سنوي، وهو ما مثَّل ما يقرب من: 30% من “الغاز الطبيعي المُسال” المُصدَّر في العالم، ارتفاعًا من أقل من: 20%، في عام 2021.

ولكن مع ذلك؛ هناك شكوك في مدى قدرة “أوروبا” على الاستمرار في هذا النهج، وفي ضوء امتصاص القارة بالفعل قدرًا كبيرًا من “الغاز الطبيعي المُسال”؛ في العالم الذي يمكن إعادة توجيهه بعيدًا عن “آسيا”، بحيث لم يُعد هناك ما يكفي الآن لتغطية قطع “الغاز الروسي” بالكامل، خاصةً إذا تعافى اقتصاد “الصين” من عمليات الإغلاق بسبب وباء (كورونا).

04 – أولوية إيجاد حلول للتأثيرات السلبية لتقنين الطاقة: وذلك في الوقت الذي تتضمن فيه الإستراتيجية الأوروبية العمل لتقنين واردات “الغاز”، توازيًا مع تقليل الطلب الذي تقلص بالفعل نتيجة لأسعار “الغاز” المرتفعة؛ حيث انخفض الاستهلاك الصناعي في “أوروبا” بنحو: 08 مليارات متر مكعب شهريًا في الأشهر الثلاثة الماضية، لكن مع ذلك يُعتقد أن الصناعة الأوروبية عمومًا، والألمانية على نحوٍ خاص، ستضرر نتيجة انخفاض هذا الاستهلاك؛ بسبب اعتمادها الواسع على “الغاز” الرخيص الذي يُشكل: 37% من إجمالي استخدام البلاد.

ومن ثم، قد يؤدي وقف تدفقات “الغاز الروسي”؛ في أنحاء “منطقة اليورو”، إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بمقدار: 3.4 نقطة مئوية ورفع التضخم بمقدار: 2.7 نقطة مئوية، وفقًا لبعض التقديرات الاقتصادية.

خلاصة القول: في ضوء المخاطر التي باتت تواجه إمدادات “الغاز الروسي”؛ لـ”أوروبا”، واحتمالية استمرار الحرب في “أوكرانيا” شهورًا، تتنامى حاجة الحكومات الأوروبية إلى تكثيف جهدها وصياغة سياسات متماسكة لمواجهة صدمة الطاقة، لاستكمال جهود “المفوضية الأوروبية” بهذا الشأن، على أن تشمل تلك الجهود: “بريطانيا والنرويج”، بالنظر إلى دورهما المهم في تجارة “الغاز”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة