خاص : كتبت – نشوى الحفني :
أظهرت مخرجات قمة طهران “الإيرانية-الروسية-التركية”؛ استمرار التباعد في مواقف أطرافها الثلاثة، حيث رسّخت وجود “إيران” و”روسيا” في جانب مختلف عن جانب “تركيا”، وهو ما أكده الإعلان الصريح من جانب الدولتين عن رفضهما أي تحرك عسكري تركي في “شمال سوريا” والتحذير من تأثيره على استقرار المنطقة ووحدة الأراضي السورية، وهو أمر يُشكل عنوانًا تقليديًا؛ تؤكد عليه الدول الثلاث الضامنة لمسار (آستانة) في كل مناسبة.
ردًا على جولة “بايدن” بالشرق الأوسط..
وفي هذا الإطار، اعتبر الأستاذ في العلاقات الدولية؛ “خطار أبودياب”، القمة الثلاثية لقاءًا دوريًا وروتينيًا، لافتًا إلى أنها تأتي ضمن قمم مسار (آستانا)، الذي افتُتح منذ أواخر عام 2016، لكن إنعقادها بعد الهجوم على “أوكرانيا” والتطورات الإقليمية يُعطيها نكهة خاصة وكأنها تبدو ردًا على جولة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، إلى الشرق الأوسط، في إطار تشكيل جبهة معادية للغرب.
وفي حديث إلى تليفزيون (العربي)؛ من “لبنان”، بّين “أبودياب” أن خلاصات القمة الثلاثية في “طهران” تنطوي على خلافات، مشيرًا إلى أن الجانب الإيراني كما الروسي يُحاول وبقوة منع العملية التركية المرتقبة في الشمال السوري، مستبعدًا أن يرضخ “إردوغان” للمحاولات “الإيرانية-الروسية”.
واعتبر أن كل الكلام الذي قيل حول محاربة الإرهاب حديث إنشائي، لافتًا إلى أن “طهران” و”موسكو” و”أنقرة” تنسق بين بعضها حفاظًا على مصالحها المتبادلة.
وأضاف “أبودياب” أن اللقاءات الثنائية أهم من اللقاء الثلاثي، ففي الأخير رغبة في منع “تركيا” من تحقيق إنجازات إضافية، مشيرًا إلى أن كل طرف يُحاول عدم الاصطدام مع الطرف الآخر.
مخرج لـ”بوتين” من عزلته..
وأردف أن اللقاء الذي جمع الرؤساء الثلاثة؛ كما فسرتها “واشنطن”، جاء لكي يُخرج الرئيس الروسي من عزلته، معتبرًا اللقاء مكسبًا لـ”بوتين” من أجل إثبات قدرته على تجاوز الضغوط التي يتعرض لها وأن يواصل تحدي الغرب.
ورجح “أبودياب”؛ أن يُصبح الشرق الأوسط، “شرقيّن أوسطيين”، إذا ما تحقق التعاون العسكري ببيع طائرات مُسّيرة إيرانية إلى “روسيا” مقابل وصول صواريخ متطورة روسية إلى “إيران”.
وتابع أن الجانب التركي في موقف حرج؛ لأنه يواجه من جهة إصرار “إيران” وميليشياتها في مناطق ريف “حلب”، ويواجه في المناطق الأخرى الإصرار الروسي على عدم التخلي هذه المرة عن “قوات سوريا الديمقراطية”، مشيرًا إلى إمكانية تغير الموقف التركي من الحرب في “أوكرانيا”؛ في حال عدم حصولها على ما تُريد في الشمال السوري.
تسعى لإظهار عدم جدوى المحاولات الأميركية لاحتوائها..
وتناولت صحيفة (الإندبدنت) في مقال لمراسل الشؤون الدولية، “بورزو داراغاهي”، عقد القمة الرئاسية الثلاثية بين “روسيا وتركيا وإيران”؛ في “طهران”، هذا الأسبوع.
وكتب “داراغاهي” قائلاً إن اجتماع الرؤساء: “فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان وإبراهيم رئيسي”، في “إيران” يأتي في إطار عرض الوحدة بينهم، ويُمثّل ردًّا جيوسياسيًا قويًا، على زيارة الرئيس الأميركي لشركائه الأساسيين في الشرق الأوسط.
وقال “داراغاهي”؛ إن “سوريا” هي الموضوع الرئيس في الاجتماع الذي يُعد تتويجًا لخمس سنوات من جهود حلّ النزاع بين الرئيس السوري؛ “بشار الأسد”، وفصائل المعارضة.
لكنه أضاف قائلاً إنه كان: “هناك القليل من الإلحاح أو الزخم” في ما يخصّ الموضوع السوري مؤخرًا. وإنه من شبه المؤكد أن مسائل أمنية أخرى ستظهر، بعد إعلان “الولايات المتحدة” عن أهدافها الرامية إلى عزل كلّ من “روسيا” و”إيران”.
ورأى أنّ الدول الثلاث ستسعى إلى إظهار عدم جدوى المحاولات الأميركية لاحتوائها. وأن توقيت “قمّة طهران” يبدو وكأنه اختير ليتبع مباشرة زيارة “بايدن” إلى الشرق الأوسط، والتي تعرّضت للكثير من الانتقادات.
علامة فارقة لـ”إيران”..
وتحدث الكاتب عن تقارير أبرزها مسؤولون أميركيون وإيرانيون عن بيع “طهران” طائرات مقاتلة بدون طيار لـ”روسيا”.
وذكر مزاعم المسؤول في “البيت الأبيض”، “جايك سوليفان”، عن زيارة المسؤولين العسكريين الروس قاعدة عسكرية إيرانية مرتين هذا الشهر لمراقبة المُسيّرات أثناء عملها.
وأشار إلى نفي وزير الخارجية الإيراني؛ “أمير عبداللهيان”، هذه المزاعم، لكن “داراغاهي” قال إن (الحرس الثوري) الإيراني؛ الذي يشرف على الشؤون العسكرية والأمنية، غالبًا ما يُضلّل الدبلوماسيين الإيرانيين في مثل هذه المعلومات.
ورأى أن بيع “طهران” أسلحة إلى دولة نووية سيُشكّل علامة فارقة بالنسبة لـ”إيران”.
وقال “داراغاهي”؛ إن: “طهران كانت زبونًا دائمًا لشراء الأسلحة من الصين وروسيا، لكنها أثارت قلق الدبلوماسيين الغربيين والشرق الأوسط مؤخرًا من خلال الاستثمار في برنامج محلي لإنتاج الطائرات بدون طيار”.
وأضاف قائلاً إن “إيران” افتتحت مصنعًا للطائرات المُسيّرة في “طاغيكستان”، في آيار/مايو 2022، كجزء من جهودها في توسيع صناعة الأسلحة، بعد رفع العقوبات الدولية عنها في عام 2020.
وأفاد عن تقارير حول مناقشة المسؤولين الإيرانين والروس محاولات التجارة بالعُملات المحلية، في محاولة لتجاوز “العقوبات الأميركية”.
مرونة دبلوماسية تركية..
وتناول الكاتب الدور التركي قائلاً إن وجود “إردوغان” في القمة يُسلط الضوء على السياسة الخارجية التركية التي أظهرت أقصى درجة من المرونة الدبلوماسية. “مع الحفاظ على علاقات دبلوماسية وتجارية وعسكرية قوية مع الغرب، وخاصة أوروبا، قامت تركيا أيضًا بإصلاح علاقاتها مع الأنظمة الاستبدادية العربية ومع إسرائيل، وحافظت على علاقات تجارية وسياسية قوية مع إيران، وتمكنت من الحفاظ على العلاقات ليس فقط مع روسيا، ولكن أيضًا مع أوكرانيا، التي تبيعها طائرات مقاتلة بدون طيار”.
طمع إيراني في دعم “روسي-تركي”..
كما علق الكاتب “سيث ج. فرانتزمان”؛ في صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية، على اجتماع القمة بين الرؤساء الثلاثة، قائلاً إن “طهران” تأمل في الحصول على دعم من “موسكو” و”أنقرة” كي تكون لاعبًا رئيسًا في ما يجري في “سوريا”.
ولفت “فرانتزمان” إلى أن مسألة التوترات مهمة؛ لأن “روسيا” منشغلة بالحرب في “أوكرانيا”. وتستعد “تركيا” لغزو جديد لجزء من الأراضي السورية. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي خفض عدد القوات الروسية إلى زعزعة الحكومة السورية من طريق تمكين “إيران” من زيادة نفوذها.
وتُفيد تقارير بأن وزير الخارجية السوري؛ “فيصل المقداد”، يزور “إيران” أيضًا. وتقول “وزارة الخارجية” الإيرانية أن “طهران” تُريد الحؤول دون عملية عسكرية تركية جديدة ونشوب أزمة أمنية أخرى في “سوريا”.
وقالت “وزارة الخارجية” الإيرانية في بيان إنه: “في هذا الوضع الحساس، فإن إحدى القضايا على جدول الأعمال هي أنه عوض اللجوء إلى الحرب وتهجير مزيد من السوريين، يُمكننا أن نُساعد في حل هذه المشكلة عبر الوسائل السياسية. إن عودة اللاجئين السوريين إلى منازلهم ومدنهم وترسيخ السلام والاستقرار في سوريا، هما من المواضيع المطروحة على الاجتماع الثلاثي”.
الاجتماع السابع لرؤساء الدول الثلاث..
وهذا هو الاجتماع السابع للرؤساء الإيراني والروسي والتركي. وهناك رئيس جديد في “إيران”، لكن “بوتين” و”إردوغان” يقود كل منهما بلده خلال 11 عامًا من الحرب السورية. وتُعارض “روسيا” و”إيران” و”تركيا”؛ الدور الأميركي في “سوريا”.
وتُعتبر زيارة “بوتين”؛ لـ”طهران”، تاريخية بسبب الحرب الأوكرانية والتقارير التي تتحدث عن بيع “إيران” مُسيّرات لـ”روسيا”. ومع وجود وزير الخارجية السوري في “طهران”، فإن ذلك يعني عقد سلسلة من الاجتماعات حول مستقبل “سوريا”.
وفي الوقت نفسه، فإن “تركيا” قد تُحاول مجددًا تجميد انضمام “فنلندا والسويد” إلى الـ (ناتو). وهذا ما يوضح أن المصالح الحقيقية لـ”تركيا” هي بالعمل مع “روسيا” و”إيران”، وأن معارضتها انضمام بلدين ديمقراطيين إلى الـ (ناتو) هو أحد أهداف “أنقرة”. ونقلت وكالة (تاس) الروسية عن السفير الإيراني إلى موسكو؛ “كاظم جلالي”، إن “طهران”: “تُجهز الوثائق الضرورية للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون”. وتُشكل هذه الخطوة خلفية لـ”قمة إيران”.
وقال “جلالي” إن: “العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون؛ تتكون من مراحل عدة يتعين على الدولة المرشحة للعضوية تلبيتها في إطار زمني محدد”. وإستنادًا إلى الجدول الزمني، فإن “إيران” تستعد لإجتياز هذه المراحل والوصول إلى العضوية.
حكم مُعقد ومتناقض لـ”إردوغان”..
وتقول صحيفة (نيويورك تايمز)؛ أن الرحلة تُسلط الضوء على فن الحكم المُعقد والمتناقض لـ”إردوغان” في كثير من الأحيان. وكعضو في الـ (ناتو)، من المفترض أن “تركيا” متحالفة مع “أوكرانيا” الموالية لـ”أوروبا”. وتبيع إحدى الشركات الرائدة في صناعة الطائرات بدون طيار التركية طائرات بدون طيار استخدمتها القوات الأوكرانية لتفجير الدبابات الروسية.
خطوط مفتوحة بين “إردوغان” و”بوتين”..
لكن مع ذلك؛ تقرب “إردوغان” من “بوتين”، في السنوات الأخيرة، وأبقى الخطوط مع الزعيم الروسي مفتوحة، حيث عمل كوسيط بينه وبين الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، ودفع لإجراء محادثات تهدف إلى السماح بمرور الحبوب من “أوكرانيا” لتخفيف نقص الغذاء العالمي.
طوال فترة توليه رئاسة الدولة التركية، استخدم “إردوغان” شبكة مُعقدة من العلاقات مع العديد من البلدان لجعل “تركيا” لاعبًا، حيث يعمل كوسيط بين الدول المتصارعة أو يلعب الأعداء ضد بعضهم البعض من أجل تحقيق مصلحته.
وفي حين أن أعضاء الـ (ناتو) الآخرين قد ينظرون إلى “تركيا” على أنها عضو إشكالي في بعض الأحيان في الحلف، فإن عضويتها تمنح “تركيا” وزنًا إضافيًا عند التعامل مع دول مثل “روسيا” و”إيران”.
يستخدم علاقاته الخارجية في الضغط على الـ”ناتو”..
وقال “كارابكير أكويونلو”، المُحّاضر في سياسات الشرق الأوسط بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة “لندن”، إنه على العكس من ذلك، يستخدم “إردوغان” مجموعته الواسعة من العلاقات الخارجية للضغط على الـ (ناتو). وأضاف: “هذا جزء من التوازن، والمناورة، واللعبة المزدوجة… يمكنك إضفاء لمسة إيجابية أو سلبية عليها، لكن هذا هو نوع العلامة التجارية لسياسة إردوغان الخارجية”.
على الرغم من اختلاف “تركيا” مع “روسيا” بشأن “أوكرانيا”، فإن البلدين لديهما قضايا أخرى للمناقشة.
جبهات عسكرية مختلفة..
وينشط البلدان عسكريًا في الحرب في “سوريا”، على سبيل المثال، وإن كان ذلك من جبهات مختلفة. جاءت كل من “روسيا” و”إيران” لمساعدة الرئيس؛ “بشار الأسد”، بينما دعمت “تركيا” المتمردين الذين يسعون للإطاحة به وهي تُسيطر الآن على مساحة كبيرة من الأراضي داخل “سوريا” على طول الحدود التركية، وتُريد السيطرة على المزيد.
كان “إردوغان” يتحدث منذ شهور عن شن توغل عسكري جديد في شمال شرق “سوريا” لطرد الميليشيات الكُردية التي تعتبرها “تركيا” إرهابية. لكن “روسيا” لديها أيضًا قوات في المنطقة، لذلك من غير المُرجح أن تستمر العملية ما لم تتمكن “تركيا” من حلها مع “روسيا”.
وتُحافظ “تركيا” أيضًا على علاقات مع “إيران”، على الرغم من أن “تركيا” كعضو في الـ (ناتو) جزء من المعسكر الغربي الذي تقوده “الولايات المتحدة”؛ والذي تُعارضه “إيران”. وهذا يعني أنه بينما تبحث “الولايات المتحدة” عن شركاء لردع “إيران” في الشرق الأوسط، فإن “إردوغان” لا يتردد في قبول كرم ضيافة البلاد.
ولفتت الصحيفة إلى أن “بوتين” ليس إلا الزائر الروسي الأخير لـ”طهران”. وزار وفد روسي مطارًا في وسط “إيران” مرتين على الأقل في الأسابيع الخمسة الماضية؛ لفحص الطائرات بدون طيار التي يمكن تسليحها، بحسب مزاعم “البيت الأبيض”.
اتصالات تركية مُقّلقة..
“ألبير كوسكون”، الدبلوماسي التركي السابق وزميل بارز في مؤسسة (كارنيغي) للسلام الدولي، قال إن موقع “تركيا” يعني أن عليها: “الحفاظ على التوازن في المنطقة… من الطبيعي والصحيح لتركيا أن تُحافظ على علاقات وثيقة مع روسيا وإيران من أجل حماية المصالح الوطنية، بينما تقوم أيضًا بواجبات عضوية الـ (ناتو)”، إلا أن بعض الدول الغربية وجدت هذه الاتصالات مُقّلقة.
وأضاف: “بما أن حلفاءنا الغربيين، ولا سيما الولايات المتحدة، لديهم بعض المخاوف بشأن ما إذا كانت تركيا تشترك في المصالح الجماعية، فإن هذه الاتصالات الثنائية قد تُثير الدهشة”.