إن الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم بعد اندلاع المواجهة في أوكرانيا لم تجعل الأمور تسير على النحو الذي خطط له الغرب وبالذات أوروبا ، فقد تصرفوا وكأنهم يتعاملون مع دولة من دول الشرق الأوسط فاستخدموا أسلوب العقوبات الاقتصادية وراهنوا على انهيار الروبل أملا بانهيار روسيا كما انهار من قبل الاتحاد السوفييتي ، لكن روسيا سبقت الغرب بخطوة خلال الحرب باستخدام الطاقة في الضغط عليهم منذ البداية ، وان خطوة استخدام الغاز كورقة ضغط على أوروبا نجحت وعزز ذلك استخدام عملة الروبل والذهب كشرط لشراء الغاز مما سبب عدة تعقيدات أبرزها تحسن قيمة الروبل الروسي الذي ارتفع بنسبة 7 % عن سعره في السابق ووصل إلى 52 روبل مقابل الدولار ، وأدى زيادة خزين روسيا من الذهب لتقليل قيمة الدولار عالميا و هدد وجوده كعملة عالمية وحيدة ، كما عجل بظهور عملة أخرى غير الدولار أنظمت لها دول جديدة باعتماد عمله عالمية جديدة لدول البر يكس ، وبالنتيجة انخفضت قيمة اليورو الأوروبي ووصل سعره إلى الدولار بعدما كان أكثر من دولار ونصف .
ورغم أن المستفيد الأكبر من أزمة اليورو هي الولايات المتحدة ، إلا إننا مطالبين بأن تكون لنا سياسة نقدية ومالية قادرة على مواجهة مخاطر الأزمة المالية التي يمر بها العالم بسبب الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة وتوقعاتها المخيفة للغرب ، من خلال السيطرة على معدلات التضخم وإتباع سياسة إنعاش للاقتصاد العراقي من خلال تبني منهجاً عملياً لتقييم اثر تعادل الدولار – اليورو على السياسة النقدية في العراق ومدى التأثير والنتائج الملموسة والحقيقية ومدى تماسك ورصانة سياسة تغيير سعر الدينار العراقي إزاء التحولات العالمية والإقليمية ، وينبغي من صناع القرار أن يراهنوا على ( الحصان ) الفائز في هذا السباق المحموم وفي اقل تقدير أن يوازنوا كفة الاقتصاد بين النظامين وبالخصوص مع النظام الشرقي او الآسيوي الجديد بزعامة روسيا والصين والذي تضامنت معه بعض الدول العربية منها مصر والسعودية وقبلها الكويت ، إذ اتخذت خطوات مهمة ومنها إنها جعلت جزء من عملتها الصعبة ب( اليوان ) الصيني ، كما إن السعودية اتفقت مع الصين بالتعامل حسب بورصة شانغهاي بالبترويوان ، ويعد العراق من الدول التي استفادت من إجراءاتها بهذا الشأن من خلال ( رفع احتياطات العراق من الدولار حيث وصل المبلغ إلى 72 مليار دولار ، الزيادة في شراء السندات الأمريكية والتي ارتفعت لشهر آذار من العام الحالي بمقدار مليارين و117 مليون دولار بنسبة زيادة 8.79% لتصل إلى 26.203 مليار دولار بعد إن كانت 24.086 مليار دولار في شهر شباط الماضي ، كما اشترى العراق ذهب وأصبح مجموع ما يمتلكه 130.39 طن واحتل المرتبة 30 عالمياً والمرتبة 4 عربياً ) .
وفي ظل هذه الأزمة العالمية ، هناك مصانع ومعامل أغلقت في أوربا وروسيا وأوكرانيا وتتطلب مسالة الحصول عليها تنشيط الدبلوماسية الاقتصادية والتجارية وتهيئة فريق حكومي خبير مطعم برؤوس أموال ومستثمري القطاع الخاص لبحث وتقصي هذه الفرص الاستثمارية ، فمن الممكن حاليا الاتفاق على شرائها وعقد اتفاقيات وتعاقدات بشأنها وإمكانية نقلها داخل العراق وفق آلية تجارية واقتصادية لتعزيز الاقتصاد الوطني وتنشيط وتنمية التجارة الاستيرادية المنتجة وترشيد التجارة الاستهلاكية ، وفي هذه اللحظة ينبغي من العراق استغلال الدولار الذي لديه للاستيراد من السوق الأوربية لاسيما المكائن والمعدات قبل أن يعاود اليورو الارتفاع مجددا ، وأيضا استيراد خطوط الانتاح للصناعات الخفيفة والمتوسطة بخطة منهجية تنموية لتحقيق ثنائية تكامل التجارة والتصنيع وإعادة ديناميكية النشاط الاقتصادي إلى القطاعات التجارية والزراعية والصناعية والسياحية كافة ، فاستهداف القيمة المضافة في الاقتصاد الوطني غاية في الأهمية في ظل التحولات العالمية والإقليمية وينبغي بناء معايير جديدة تستهدف القيمة المضافة ونمو الناتج المحلي الإجمالي كأساس لتعزيز نمو وتنامي الاقتصاد الوطني منهجياً ، وإذا كانت الفرصة والصدفة هي التي أنقذت اقتصادنا من المخاطر التي عانى منها عندما ارتفعت أسعار النفط لأكثر من ضعف التوقعات ، فلماذا لا ننتهز هذه الفرصة التي أحدثها انخفاض اليورو في استثمار فروقات أسعار النفط لمشاريع منتجة تعالج اغلب مشكلاتنا في الهدر ببيع الدولار لتغطية احتياجاتنا من الاستيراد ، إن الفرصة متاحة اليوم وقد لا تبقى على هذا الحال ومن الواجب الوطني والمهني استثمارها قبل فوات الأوان ومن المؤكد انها لا تتكرر في كل الأيام .