أجرى الحوار الناقد والباحث د. باسل مولود التكريتي
(١) ماهي هوية ناجي التكريتي الاديب الفيلسوف ؟
الجواب أسمح لي يا سيدي أن أحييك وقراءك الكرام أولاً…حقاً تلازمت الشخصيتان عندي تلازماً زمنياً يكاد يكون عضوياً.الاديب الفيلسوف..والاستاذ الجامعي
هويتي الشخصية ولدت في مدينة تكريت سنة ١٩٣٢ واكملت دراستي الاولية فيها ، حصلت على شهادةدبلوم في التربية وعلم النفس – دار المعلمين – الاعظمية .،حصلت على درجة البكلوريوس فلسفة- جامعة بغداد. نلت درجة الماجستير من جامعة الاسكندرية .، حزت على درجة الدكتوراه بجامعة كمبردج .استاذ الفلسفة بجامعة بغداد.كتبت مسارات ادبية- الشعر-القصة والرواية – اداب الرسائل – الفلسفة – تاريخ الفلسفة – المذكرات – الاعترافات .- ادب الرحلات • تجاوزت عدد كتبي المائة وثمانين مجلداً في الفلسفة والادب.التحقت بحرفة التعليم صباح يوم 10/9/1950. ومارست التعليم في المراحل الابتدائية والثانوية والجامعية وما زالت اواصل نشاطي الاكاديمي استاذاً متمرساً في مركز احياء التراث العلمي العربي .
(٢) كيف اكتشف ناجي التكريتي موهبته وكيف طورها ونماها وابدع في سن تعدد مساراتها؟
الجواب – ياسيدي حين شعرت بموهبتي النابتة في كياني، لم اتبين في اول الامر، الطريق واضحاً امامي، بعبارة اخرى، لم اعثر على الدرب الذي يؤدي بي الى الفن الذي خلقت له، او الفن الادبي الذي يستغرقني واجد فيه ضالتي. مرة كنت اكتب المقالة الادبية، وتارة انظم الشعر، وحيناً اخر اكتب قصة قصيرة، ثم ما لبثت ان كتبت ونشرت مسرحية، وانتهى بي المطاف الى كتابة الرواية.
لاشك ان كل تلك الارهاصات المبكرة في الكتابة، ارشدتني الى كتابة الرواية. ان قراءاتي كانت متنوعة وغزيرة، حين كنت اقرأ أي كتاب يقع بين يدي، لا فرق عندي بين كتاب ادبي او فلسفي او في أي علم من العلوم الاخرى.
اني بالحقيقة راجعت نفسي بعد ان نشرت مسرحية ذات يوم فأدركت انني قد تسرعت، لأنني كتبت مسرحية من دون ان اتشبع بقراءة المسرحيات العالمية، ودون اطلاع موسع ومعمق على المسرح الاغريقي. اني في هذا الوقت نفسه، اكتشفت انه لا يوجد مسرح عراقي- وقت ذاك- بالمعنى الكلمة لمسرح يقدم التمثيليات الجادة، وانا اعلم ان السمكة لا تعيش خارج الماء.
(٣) ماسبب أختيارك لكتابة فن الرواية ؟
– سؤالك مهم ودقيق دكتور باسل اقول لك
ان للرواية ميزات تفوق- برأيي- كل فن ادبي أخر مع ان الرواية تستوعب الفنون الادبية الاخرى كافة. لابد من موهبة الشعر لمن يريد ان يكون روائياً، كما ان الشروط التي ينبغي ان تتوفر في كاتب المسرح، لا بل ان تتمثل في الروائي. لاشك ان الرواية تعطي للكاتب نوعاً من الحرية يفتقدها المسرحي، طالما ان كاتب المسرح يخضع لقوانين فنية لا يمكن ان يتجاوزها، من حيث دقة وتتابع المشاهد في التمثيل على المسرح. ان تتابع احداث الرواية لا بد ان تربطها نغمة موسيقية لا تتوقف حتى ان تنتهي احداث الرواية. ان الروائي رسام ماهر، في وصف تتابع مسيرة شخص الرواية، مع وصف بارع للمحيط الذي تتحرك فيه تلك الشخوص.
بعد كل هذه الميزات الكثيرة، التي تستوعب فيها الرواية باقي الفنون الجميلة، فأن الروائي لابد ان يكون عالماً ببواطن النفوس، ليستكنه لواعج كل شخصية من شخصيات روايته، في كل حركة وفي كل حدث يمر عليه، والروائي لا يمكنه ان يكتب الرواية، اذا لم تساوره خلجات صوفية، تهز كيانه هزاً عنيفاً، ليستخرج اللؤلؤ من مكنون اعماقه. واخيراً وليس اخراًَ، فأن على الروائي ان يكون صاحب رسالة، والا فليست كتابة الرواية عبث اطفال، وقضاء وقت في ظل الظلال.
وهكذا توغلت في كتابة الرواية، على اني لم استطع ان اتخلى تماماً ان اخصص كل نشاطي الابداعي لكتابة الرواية فقط، ولكنني لم استطع ان احقق هذه الامنية، لآن القلم طالما انزلق في كتابة المقالة او القصة القصيرة، او ان روحي طالما تعزف الشعر، او انني انزف الشعر دون ارادتي.
انا ادرك جيداً، انني لو نحوت نحواً كاملاً في كتابة الرواية، لكانت رواياتي اكثر جودة مما هي عليه الان، فضلاً عن الكم الذي استطيع ان احققه. اني بالحقيقة اؤمن ايماناً جازماً بالتخصص الدقيق، ولكن افراز القلم يتحدى القاعدة التي اؤمن بها في كثير من الاحيان.
اني احرر هذه الكلمات في نهاية عام ألفين واثنان وعشرون، وكنت قد خلفت ورائي ثمانية عشر رواية ، بدأت نشرها منذ عام 1980. .
(٤) بصفتك شاعر كتبت اكثر من ثمانية عشر ديوان شعري اغلب النقاد يصفونك بالشاعر الفيلسوف ماهو سر ذلك ؟
– لاباس ياسيدي ان ابدا برأيي الصريح فأقول ينبغي على الشاعر ان يكون فيلسوفا ولاباس ان يكون الفيلسوف شاعرا. تلك حقيقة اؤمن بها ولا اريد ان اخفيها. الشاعر الحقيقي الذي يرغب في ان يخلد شعره لابد له من ان يتمثل الفلسفة بعبارة اخرى لابد للشاعر ان يتفلسف والا فان شعره مجرد انشاء وصفي ليس غير. الفيلسوف هو الاخر لابد ان تكون عنده روحية الشاعر كي يتجلى في وصف ما يرى ثم يستكنه اغوار الوجود.
اسال طلابي الجدد الذين يقبلون بقسم الفلسفة من كل عام فيما اذا جرب اي منهم نظم الشعر ام لا. يبتسم طلابي الجدد مستغربين لانهم يتصورون ان مكان الشعراء هو قسم اللغة العربية في الكلية. ان جوابي هو بعد ان ابتسم انا الاخر لو كان الامر بيدي لما قبلتكم جميعا ولكتبت على باب قسم الفلسفة: (من لايحسن قول الشعر فلا يدخل علينا) .
يدرك طلبة قسم الفلسفة بعد ان يواصلوا الدراسة ان اغلب الفلاسفة اليونانيين قبل سقراط كتبوا فلسفتهم شعرا. افلاطون هو الاخر كان في شبابه شاعرا واثر ذلك بقى شاعرا. افلاطون كتب فلسفته باسلوب شاعري اخاذ ليس له مثيل. الشاعر الروماني لوكريتيس نظم فلسفة ابيقور شعرا .
(٥) هل من الفلاسفة العرب والمسلمين من كتب شعرا؟
– نعم منهم من اكتفى بالقليل مثل الفارابي ويحيى بن عدي التكريتي وابن سينا والغزالي منهم من كتب ارجوزة طويلة كابن طفيل الذي كتب ارجوزته
(٧) سيدي الاديب هناك تساؤلات كثيرة حول الابداع يسرني ان اصل الى أجابة عن هذا الموضوع.
. كيف يكون الاديب مبدعا؟
– أنت تريد أن تكون مبدعاً كبيراً، عليك أن تستنبط ينابيع الجمال من أعماقك، وتستشرف رؤى الجمال مما يحيط بك من معالم الكون.الطبيعة أمنا الرؤوم، استجلي مفاتن الجمال من كل شيء تراه أمامك، ببصرك وبصيرتك أيضاً.
هل تريدني أن أرشدك إلى نور الحقيقة، إن كنت تريد أن تدرك حقيقة الجمال.لك حواس تزودك بما هو ظاهر، يمكنك أن تستقريء مفاتن الجمال، من كل ما تسمع وترى.
وحتى حين تتنسم أفياء الهواء.
ولك عقل حاذق متوقد، تستطيع أن تستنبط به أفنان الجمال، ما لا يمكن للعيون أن تزودك به ولا الآذان.
وهل أنت بحاجة، أن أذهب أكثر من هذا وأعمق غوراً، أعلم إذن أن عندك النفس التي ترفدك بما يقبل من نبع الصدور.
وأنت بالمحصلة النهائية إنسان، عليك أن تمزج قدراتك مجتمعة، وأعصرها على نسيج مخملي، عسى أن تستخرج عصارة فنية ترفل بالجمال.
هل تستغرب مني، إذا صرحت لك جهاراً، أن من الصعوبة أن لم أقل من المستحيل أن أعرّف الجمال تعريفاً دقيقاً، أو أن أحده حداً جامعاً مانعاً،هب إنك محب مدنف، وتلتقي عشيقتك بعد فراق طويل، هل تستطيع أن ترسم شعورك على الورق حروفاً وكلمات.
إعلم إذن أن هذه هي حقيقة الجمال، لأن الجمال ما تستكنه به الشيء الجميل من بين الركام، وتعمل جاهداً أن تظهره بثوب قشيب.
.عليك إذن أن تستوعب الحقيقة كاملة، ما بين الصورة والجوهر، وبين ما هو حقيقي وغير حقيقي، وبين ماهو ظاهر وباطن، عسى أن ترسم معلماً من معالم الجمال، يقنعك ويقنع الآخرين.
(٨)سؤال سيدي الاديب وان تقدم للجمال والفن برأيك ماهي ميزة الفنان الذي يروم الوصول الى الابداع العالي ؟
الجواب اقول لك ياسيدي إن من ميزة الفنان الذي يروم أن يكون له شأن في الإبداع، عليه أن يكون ديدنه الحماس ولا أقول أن من طبيعته الحماس.إن الفنان بطبيعة كيانه، أن يكون متدفقًا من أعماقه، في حالة أم حالات، هو نفسه لم يدرك هذه القوة وسر هذا الاندفاع.ليس من صالح الفنان الذي يريد أن يبدع فنًا مميزًا في حقله، أن يقبل على العمل بتكاسل وتباطؤ، وكأنه مسخر في ما هو مقبل عليه.
التوقد الذهني والنشاط الجسمي ورهافة النفس، كل هذه تكون متعاونة متناغمة في أداء العمل المراد تنفيذه.
ليس من الإبداع في شيء أن تبدأ في العمل، وتصدعنه، وكأن الأمر لا يعنيك، وإذا عدت لمواصلة العمل، تقبل بتثاقل وكأنك تساق إليه رغمًا عنك وكأن الأمر لا يعنيك.
ياسيدي هل تقبل مني أن أذكر لك مثلاً بسيطًا، قد تشاهده على الطبيعة، لأنه ليس بعيدًا عنك في غالب الأحيان.
لاحظ فلاحًا يبذر بذوره في موسم البذر، وتابع كيف يواصل السقي واجتثاث الأحراش حين ينبت الزرع، وكيف يحرسه من الحيوانات والطيور، إلى أن يقبل يوم الحصاد، وهو يواصل المتابعة بكل التزام واهتمام.
وأنا لا أستطيع أن أذكر لك فلاحًا يبذر بذوره في الأرض، وينام على سريره نومًا عميقًا إلى أن يحين موعد الحصاد.
أقول بكل بساطة، وأنا أعرف وأنت أيضًا تعرف، أن لا وجود لمثال المزارع المفترض، لأنه على أرض الواقع غير موجود.
إن الذي يبذر البذرة الأولى، لا يمكن أن يتركها تحت رحمة الأقدار، بل أن يتابع جهوده ليكون أكلة شهيًا.
وهذا هو حال كل فنان مبدع، وضع وسمًا في حقل اختصاصه، فإنه منذ أن يكتب الحرف الأول، إذا كان كاتبًا، أو منذ أن يرسم الخط الأول إذا كان رسامًا، ومنذ أن نقر الصخرة النقرة الأولى إذا كان نحاتًا، ولا يتوقف حتى ينجز ما قرره وأن طال الزمن.
نعم… الزمن له أثره في استقامة الجودة وليس للسرعة والاختصار وجود في عالم الفن.
حين تسمع، أن أديبًا أدركته حرفة الأدب، فهذا يعني أن الشخص الذي احترف الأدب، تفرغ للأدب وأخلص له، وأعطاه كله، وتوجه له بكل حواسه وما يمليه عليه عقله، من دون كلل ولا تراخ ولا انحسار.
(٩).سؤال :ماهي اهمية التجديد وتجنب التكرار بالنسبة للأديب؟
الجواب ياسيدي يجب أن تكون متجددًا على الدوام، وتنشد ما هو أحسن، بكل ثقة والتزام.ما وددت ذكره، هو أن تضع ما أنجزته من قبل قاعدة متينة، وهدفك الكبير، أن تبدع خيرًا منه في كل محاولة جديدة.احذر أن تكرر نفسك، لأن درب الإبداع لاحب أمامك، وعليك أن تتوغل فيه جسورًا غير هياب.ليس المهم إذا ما أبدعت عملاً جديدًا، أن يكون مثل سابقيه، وربما يكون أضعف مستوى مما قد أبدعت.
المهم عندي، أن تبقى شعلة الإلهام متوقدة في جنانك، لا يخبو أوارها، أو يضعف نورها، فيؤول أمرك وأمرها إلى الذبول والتلاشي والاندثار.
نعم ياسيدي هل لك ان تذكر لنا امثلة على ماذكرت من واقع المبدعين ؟
نعم هنا أضرب لك بعض من واقع المبدعين ، الذين شغلوا الناس، وهم يواصلون العطاء.كتب الكاتب المسرحي الإيرلندي المشهور جورج برناردشو مسرحية وهو في الثالثة والتسعين من سني عمره.
أشار إليه بعض المتطفلين بأن هذه المسرحية أضعف من مسرحياته السابقة، فما كان منه إلا أن رد واثقًا ساخرًا: هذه خير مسرحية كتبها كاتب وهو في الثالثة والتسعين من عمره.
أرأيت كيف تكون الثقة بالنفس لكاتب، وهو لا يريد أن يتوقف، حتى لو كتب مسرحية لا ترقى إلى مسرحياته الذي كتبها في سني الكهولة والشباب.
خذ مثال اخر الرسام الإسباني بيكاسو، بقي يواصل عطاءه في الرسم، حتى بعد أن تجاوز الثالثة والتسعين من عمره.
إن من المؤكد أن الرسام بيكاسو لم يرق في رسومه المتأخرة، كما كان عليه حالة، في سني القوة والاندفاع.
وأنا لا أقترح على المبدع أن يقتدي بهذا أو ذاك، ولا أن يعد أيًا منهما مثالاً لك، في ما تريد أن تقدمه من عطاء.
كل الذي أحببت أن أوصله الى المبدعون ، أن له شخصيته المميزة الخاصة به، وأن قانون الحرفة الطبيعي يدعوك أن لا يركن إلى التراخي والكسل، حتى لو كان ما ينجزه في وقت معين لا يرقى إلى ما قد أبدعته من قبل.
ومن أدرك أنك سوف تبدع خيرًا منه وخيرًا من كل أنجزت في مستقبل الأيام.
إنه التواصل وأنها الممارسة وأنها الحماسة، التي تأتي بكل جديد وتليد.
(١٠) هل استطعت ان تكتب ادب فلسفي ، ام ان ما تكتبه مجرد خواطر ذاتية ليس غير.
– ياسيدي ربما انه ليس من حقي ان اقيم كتاباتي الادبية لان الاخرين هم الذين لهم القول الفصل في هذا الشأن.
ربما ان الزمن هو الذي يعلي شأن كل ادب ذي هدف كبير، ويطمس ما لا فائدة منه ولا رجاء.
وانا اراني لي هدف في الحياة، اذ لم اتقوقع على الذات، بل اشعر اني جزء من الكل، واعتقد ان الادب لابد ان يكون له هدف في بث الوعي نحو كل ما هو خير.
انت ادرى من غيرك، حين ترسم الحروف على الورق، في كتاباتي الادبية – شعرا ونثرا – اجعلك تتقيد بمعالم الجمال في صنع نثر المحبة عند الانسان والابتعاد عن الظلم والعدوان في كل مكان.
اذا اردت ان اذكر الحقل الروائي الذي توغلت بالكتابة فيه فاني اخص رواياتي الرباعية الثلاثة، اذ ان الجزء الرابع في كل رواية، احاول رسم نظرتي فلسفية، وفق منظوري واجتهادي.
(٩) ماسر روايتك (الطريق الى المدينة الفاضلة) وماهي مواضيعها باعتبارها فريدة العقد؟وكيف تعامل معها النقاد؟
– ياسيدي ان نقد الاجزاء الخمسة الاولى للرواية هو نقد فكري لانظمة سياسية معينة تعتمد على نظريات فلسفية……اوقفت الجزء السادس من الرواية الذي كان عنوانه (مدينة الاحلام) على رسم مدينة فاضلة تختلف عن كل رسوم الفلاسفة السابقين الذين كتبوا مشروعا لمدينة فاضلة.
سؤال(١٢) ماهو المنهج الذي تستخدمه في كتابة مساراتك الادبية ؟
في ادب الرسائل كتبت خمسين كتابا، وانا في كل كتاب انحو منحى فلسفيا ، وفق افكاري الفكري واجتهادي.
اما الشعر فقد حاولت ان افلسف الشعر، على الرغم من صعوبة تقبل الشعر للافكار الفلسفية.
وفي المسارات الادبية الاخرى، فانا اجتهد في زرع ما يرسمه العقل عبر اسلوب سهل يسير.
سؤال(١٣) بعد هذا العطاء الكبير الذي قدمته خدمة للانسانية والعلم يراودني سؤال…هل أنت سعيد في هذه الحياة؟
جواب ياسيدي دكتور باسل اسمع مني السعادة مصطلح كبير، يستخدمه الناس مجازاً، ولا أدرى إن كانوا يدركون ام لا يدركون إن السعادة ليس لها وجود على ارض الواقع، ولن تحصل لأي إنسان أبداً.هذه الحقيقة وهذا هو واقع الحال، ونحن نعبر بمصطلح السعادة عن حالات نشعر بها أو تحدث لنا فجأة، فنصنف أنفسنا سعداء، والحقيقة أننا لسنا سعداء قط.يجهد إنسان نفسه في عمل، وحين يتمتع بقليل من الراحة، فهو يتصور إن الراحة هذه سعادة.يتماثل المريض للشفاء، فيعبر عن تحوله من المرض إلى الشفاء بانها سعادة. التلميذ في المدرسة حين ينجح فيشعر انه سعيد والموظف حين يستلم الراتب، يتمتع بنوع من الخيلاء فيظنها سعادة.جوهر السعادة أن يحافظ الإنسان على نوع من الراحة الكاملة، ولنقل السعادة طوال عمره من دون مشكلات ولا منغصات. وهذا الشرط مستحيل الثبات، لأن من طبيعة الإنسان الصراع والتغير، ويحكمه قانون السيلان.كم مرة يمرض الإنسان في حياته، وكم مرة تصيبه المصائب، وكم يفقد عزيزاً، وكم يتعرض لخيانة أو غدر من غريب أو قريب.هذه الحالات السلبية التي ذكرتها جزء من حالات مشابهة كثيرة، تصيب الإنسان في حياته، ما دام الإنسان يسير وفق قانون الكون والعدم.وأنت تسألني سؤالاً مباشراً عن سعادتي، وإذا أردت إن أعطيك الجواب الشافي، فانا إنسان يصيبني في الحياة من حالات السلب والإيجاب ما يصيب أي إنسان آخر، فانا إذن لم اعرف السعادة بالمطلق، التي يتصورها الناس.وإذا أردت إن اخذ المصطلح والمفهوم الشعبي العام، فانا منذ ان وجدت حتى الآن أتقلب بين مباهج السعادة ونيران الشقاء.نعم إن الشقاء رافقني طوال أيام حياتي على المستوى الاجتماعي، بسبب ما صادفتني من مصاعب، وبسبب ما تلقيت من غدر وخيانة الرجال والنساء، الأقرباء والغرباء.وانا سعيد لأني امتلك موهبه الإبداع وكنت عند حسن ظن هذه الموهبة في الأداء والتطبيق.
سؤال(١٤): هل الحرية ضرورية للأدباء ياسيدي الاديب الفيلسوف ؟
جواب: نعم ياسيدي الحرية ضرورية لكل إنسان، لأن الإنسان من دون حرية، لا ينطبق عليه مصطلح الإنسانية.ضرورة الحرية الإنسان ضرورة الماء والهواء والغذاء، فهل يستطيع الإنسان أن يستغني عن الماء والهواء والغذاء.
لابد أن نلاحظ أن الحرية المطلقة غير ممكنة التحقيق، لأنها سوف تصطدم بحريات الآخرين.الحرية إذن نسبية، وإن الإنسان يستطيع أن يتصرف بحرية، على ألا يسلب أو يمس حرية الآخرين.أما السؤال عن ضرورة الحرية للأديب والفيلسوف ولكل مفكر، فهذا شيء مفروغ منه، لأن الحرية تعطي الأديب وسعة في التعبير، سواء عن خلجات نفسه، أم عن ما يشاهده في المجتمع من ويلات وظلم وإجحاف.السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل إن للأديب، الذي يجد نفسه في زمن حاكم مستبد، أو داخل أسوار نظام طبقي عنيد، أو تحت تطبيق نظرية فلسفية غير عادلة في توازن المجتمع عليه ان يسكت ؟.إذا كنت أدعو كل إنسان أن يسعى لتحقيق الحرية في المجتمع، ليحيا بعز وكرامة وأمان، فالأولى بالأديب أن لا يهرب من الساحة أو يتوقع داخل نفسه كسيراً حسيراً.يجب أن تكون رسالة الأديب النضال من أجل الحصول على الحرية، ليس لنفسه فقط في الكتابة والحياة، بل عليه المطالبة بتحقيق الحرية للمجتمع.الأمثلة كثيرة في هذا الشأن، فإن الفيلسوف أفلاطون بعد أن أعدم سقراط صار يكتب ويلقي المحاضرات في الأكاديمية.كبار علماء الروس برزوا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكتبوا أعظم الكتب الأدبية.ولا يخلو بلد من البلاد من أعدم له أديب أو سجن بسبب مطالبته بالحرية.
(١٥) ماذا يوصي كاتبنا الجيل الجديد من الكتاب ؟
– بصراحة وبواضح العبارة ينبغي على الكاتب ان يعمر فكره بالقراءة الموسوعية،وفي شتى العلوم ولايتوقف يوما عن القراءة وان يكون نهما في طلب العلم معتدلا في كتابته.
ختاما نتمنى لك الصحة والعافية والعمر المديد وشكرا لك على نبلك اديبنا الكبير..