18 ديسمبر، 2024 9:52 م

الرجل المناسب.. في العراق المعاصر

الرجل المناسب.. في العراق المعاصر

ـ منذ قيام الدولة العراقية الحديثة العام 1921 وشعار “الرجل المناسب في المكان المناسب” يتردد على لسان كل مسؤول

– صحيح إن عدد غير الكفوئين غير المناسبين في العهد الملكي كان متواضعاً.. لكن هذا لا يعني إن تحقيق هذا المبدأ كان قائماً تماماً آنذاك

 

– فبريطانيا.. والمحافظون.. وشيوخ العشائر.. كانوا يؤثرون في اختيار الأشخاص للمناصب العليا.. ليس على أساس الكفاءة بل المصالح الخاصة

 

ـ وفي العهد الجمهوري الأول.. فإن قيادة الثورة الثلاثية “عبد الكريم قاسم.. وعبد السلام محمد عارف.. وعبد اللطيف الدراجي.. تشاوروا فيما بينهم.. واختاروا أسماء الوزراء لحكومة ثورة 14 تموز 1958 الأولى على أساس الكفاءة.. والمهنية.. ومعارضة النظام الملكي.. والمعرفة والصداقة.. إلا إن الحالة لم تدم سوى عاماً واحداً

 

ـ العام 1963 أصبحت الوظيفة واحتلال المناصب قائماً على أساس حزبي.. وتسلم العديد من الوزارات أشخاص ليس لهم أية خبرة قيادية وإدارية

 

 

– لكن لم يكن ذلك شاملاً.. فكانت القرابة والصداقة والعشيرة.. ومن يملك القوة العسكرية تلعب دوراً كبيراً في شغل الكثير من المناصب والوظائف العامة

 

– ظل هذه الطابع هو الساري في اختيار الوزراء.. يحكمها القادة العسكريون.. على الرغم من اختيار رئيس وزراء مدني.. لأول مرة في أيلول 1965 بتكليف عبد الرحمن البزاز تشكيل الوزارة

 

 

 

ـ بعد انقلاب تموز 1968 أصبحت الوظيفة لكوادر حزب البعث وأعضائه.. مع وزيرين كرديين ووزيرين شيوعيين المؤتلفين مع البعث.. ولم يتوقف الحال على المناصب الرفيعة والعليا.. بل حتى على التعين الجديد للموظفين الاعتياديين

 

 

 

– في العام 1970 أعلنت وزارة الخارجية.. لأول مرة في تاريخها.. عن نيتها تعين المتفوقين العشرة الأوائل في فروع (العلوم السياسية.. والقانون.. واللغة الإنكليزية)

 

– لكن لم يعين أي منا نحن العشرة الأوائل في العلوم السياسية.. كذلك لم يعين المتفوقون الآخرون في الفروع العلمية الأخرى المطلوبة

 

 

 

– بل عينً الحزبيون والقرابة.. والأنكى من ذلك غالبية المعينين من الطلبة الفاشلين والناجحين في الدور الثاني بدرجات متواضعة.. وأكثريتهم من غير الفروع العلمية المطلوبة

 

ـ الزميل قيس جمال الدين كان أحد المتفوقين.. مثلي أنا (هادي حسن عليوي).. لم نعين في وزارة الخارجية العام 1970.. في حين عين الطلبة الفاشلون

 

 

– حزمً قيس حقائبه إلى فرنسا وحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية.. عاد الى العراق وقدم ثانية للتعين في وزارة الخارجية

– فوجئ إن من يقابله ويختبره كان أفشل الطلبة معنا.. وأقسم قيس ليً انه لم يجري اختباره.. بل سلمً عليه ذلك الشخص ببرود.. وانتهت المقابلة والاختبار الوهمي بالفشل

 

 

 

– أخيراً عين تدريسياً في جامعة بغداد.. ولم يستطع قيس رغم المحاولات العديدة الانتقال إلى وزارة الخارجية.. بالرغم من انه يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية.. ويتقن ثلاث لغات حية

 

ـ العام 1980 استضافني معهد التطوير الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية لإلقاء محاضرات في دورة الكوادر الدبلوماسية

 

 

– فوجئتُ إن احد هذه الكوادر كان من الطلبة الفاشلين معنا في العلوم السياسية.. وعين بدل احد المتفوقين الذين رفض تعينهم كما أشرت أعلاه.. وينتظر أن ينهي هذه الدورة ليتم ترفيعه لسكرتير أول

 

 

– لكنه رسبً في الدورة.. ولم يكن يصلح ليس دبلوماسياً.. بل ولا يصلح حتى موظفاً في وزارة الخارجية

 

 

ـ وزير الثقافة والإعلام في أوائل الثمانينيات كان يردد دائماً في اجتماعاته مع المسؤولين انه أصبح وزيراً للثقافة والإعلام وهو لا يعرف من الثقافة والإعلام سوى (ألاريل) المنصوب فوق بناية الإذاعة والتلفزيون في منطقة الصالحية……. (يا للمهزلة)

 

ـ حزبي عضو فرقة.. كان طالباً فاشلاً معنا.. عين دبلوماسياً في وزارة الخارجية.. أخذ يلح عليً (انا د . هادي حسن عليوي) لكتابة بحث له لترفيعه الى درجة سفير مستغلاً موقعه الحزبي.. رفضتُ رفضاً قاطعاً

 

– ويبدو انه استطاع الضغط على غيري وحصل على مرامه

 

 

– كان فاشلاً بعمله الدبلوماسي.. لكنه كان ناجحاً بامتياز في تجارة العملة في السوق السوداء.. وأخذ الرشوة من المراجعين للسفارة.. والكومشن من الشركات التي تتعاقد مع العراق على مشاريع

 

 

 

– هذا الحزبي ظل يكتب عليً التقارير لحزبه.. وكل مدة يجري التحقيق معي عن أمورٍ وهمية

 

– أخيراً تم معاقبتي وإنهاء خدماتي من مركز التوثيق الإعلامي.. لأني غير حزبي كما ورد في تقريره

 

 

 

ـ ألعام 1983 شعرتُ أنا بغبن كبير واقع عليً.. فقدمتُ طلباً لنقلي إلى أية دائرة أو أية وزارة كانت.. قابلني الوزير ليقول ليً : “أنت أذكى موظف في الوزارة.. وتعادل عشرين مديراً عاماً.. بل أنت أفضل من وكلاء الوزارة.. لكنك غير محظوظ” !!

– بربكم هذا كلام مقبول؟؟.. طلعت المناصب توزع بالحظوظ.. وليست على أساس الكفاءة والخبرة والنجاح

 

 

– وبقيت الحال على ما كانت عليه.. ولم تمضي سنة ليحيلني نفس الوزير على التقاعد.. وكنتُ في عنفوان نضجي الفكري والجسدي والصحي.. وإنتاجي العلمي والعملي.. وكان عمري 43 سنة.. ولم تكن ليً سوى 17 سنة خدمة

 

 

 

ـ بعد العام 2003 لم أعاد الى الوظيفة

 

– في العام 2009 كنت مستشاراً في إحدى المؤسسات الحكومية.. قال ليً أحد المسؤولين المهنيين الكبار: دكتور.. أنت عالم.. وخبرة مهنية وقيادية نادرة.. لكن الزمان غير زمانكً

 

 

– قلتُ له: هذا الزمان غيرُ زماني.. وزمن البعث غير زماني.. فمتى أجد زماني؟

 

 

– نظرً إليً بألم.. وأخفض رأسهُ

 

– لم تمض أشهر حتى أقيل هذا المسؤول من منصبه.. فردً عليهم بشكل علمي وموضوعي

 

 

– فأحالوه الى القضاء ليس بدعوى واحدة.. بل بعشرة دعاوى كيدية.. فلم يجد خياراً سوى مغادرة بغداد

 

– وتم إنهاء عقدي أيضاً.. ومن وقتها أنا بلا عمل ولا أحد يصدق.. ولا احد يستفاد من كفاءتي وخبرتي

 

الرجل المناسب بعد 2003

 

 

– منذ العام 2003 فإن الحكومة التي شكلها بريمر من عراقيي الخارج.. وقليلاً من الداخل جميعهم.. ليس لديهم خبرة أو شهادة تمنحهم حتى أن يكونوا موظفين من الدرجة الخامسة

 

 

 

– واستمرت الحالة حتى اليوم.. يكلف رئيس الكتلة أو التحالف الأكبر في المجلس النيابي.. بتشكيل الوزارة القائمة على أساس المحاصصة من كل الكتل الفائزة في انتخاب المجلس النيابي

 

 

 

 

ـ وهناك مئات المستشارين.. جيوش من المدراء العامين.. والسفراء.. والصف الأول من الدبلوماسيين.. ورؤساء دوائر وأقسام.. لا يفقهون شيئاً.. كذلك هناك مئات من أعضاء مجالس المحافظات.. شهاداتهم مزورة

– وجاء لهم الفرج بقانون العفو العام الأخير.. حيث يشملهم العفو ويبقون في وظائفهم وبشهاداتهم المزورة

 

 

 

 

 

– الأنكى من ذلك هناك وزراء قضوا أربع سنوات أو أكثر في وزاراتهم.. لا يعرفون حتى الآن ماذا تعمل وزاراتهم.. ومازال هؤلاء جميعاً لم يتعلموا ألف باء أعمالهم

 

فوزراؤنا الحاليون.. على سبيل المثال لا الحصر

 

 

 

ـ وزير تخطيط .. لم يدرس التخطيط.. ولا الاقتصاد.. وليس لدية أية خبرة في التخطيط أو الاقتصاد أو الإحصاء.. يعين وزيراً للتخطيط.. لهذا نحن دولة بلا تخطيط

 

 

 

ـ وزراء المالية.. لم يكونوا جميعاً خريجي المالية.. أو اقتصاد.. أو المحاسبة.. وليس لهم خبرة بالأمور المالية أو التجارية

 

 

 

 

 

ـ وزير خارجيتنا حتى انه لا يعرف ألف باء العلاقات الدولية.. ولا بمقومات السياسة الخارجية.. ولم يدرس حتى الجيبولتكس.. ولا تاريخ الأمم.. ولا القانون الدولي.. ولا يعرف حتى ألف باء الإتكيت والسلوك الدبلوماسي

 

 

– فهل هؤلاء هم: الرجال المناسبون في الأماكن المناسب؟

 

ـ المهزلة.. أن وزير العدل لا يعرف ألف باء القانون.. ويقول انه مهندس.. جاي يهندس العدالة

 

ـ وزراء الكهرباء منذ العام 2003 حتى اليوم جميعهم تكنوقراط.. ولهم خبرة.. لكنهم فشلوا بامتياز من توفير حتى 50% من حاجة العراق للطاقة الكهربائية.. بضمنها شراء الكهرباء من الباخرة التركية في مياه الخليج.. وتيار كهربائي من إيران.. ونشتري الكهرباء من إقليم كردستان الى كركوك.. وألان نشتري الكهرباء من اربيل الى الموصل

 

 

 

– فهؤلاء الوزراء لا يصلحون لقيادة وزارة.. فالرجل المناسب في المكان المناسب.. يتطلب كذلك النزاهة.. والوطنية.. بعيداً عن المحاصصة والطائفية

 

 

– عاش العراق.. بلد المستشارين.. والشهادات المزورة.. والمزورين.. والجهلة.. والحرامية

 

 

– والمصيبة مازلنا نؤكد حتى الآن على مبدأ (الرجل المناسب في المكان المناسب)