وكالات – كتابات :
“أسعار النفط قد تنهار إلى: 45 دولارًا”، هكذا حذَّرت مجموعة (سيتي غروب) الأميركية؛ في ظل تراجع أسعار “النفط” بوتيرة متسارعة في الأيام الماضية، وسط مخاوف من دخول العالم في ركود قد يؤدي إلى إنهيار أسعار “النفط” بلا رجعةٍ هذه المرة.
وتراجعت أسعار “النفط” الخام؛ هذا الأسبوع، بشكل متسارع، مدفوعة بالمخاوف من ركود عالمي يلوح في الأفق؛ وقد يعبث بالطلب العالمي على هذا المُنتج العالمي.
وتحتاج أغلب الدول العربية، وضمنها الدول الخليجية الغنية، إلى أسعار نفطٍ مرتفعة لكي تصل ميزانياتها لنقطة التوازن، فبالنسبة لـ”سلطنة عُمان”؛ على سبيل المثال، يجب أن يبلغ السعر: 87 دولارًا، لكي تصل لهذه النقطة. وفي الواقع؛ لا يمكن لأي مُنتج عربي لـ”النفط”، باستثناء “قطر”، موازنة حساباته إذا تراجع “النفط” إلى حدود: 40 دولارًا للبرميل، وفقًا لتقديرات عام 2020، وغالبًا الميزانيات أعباؤها تتزايد، مما يرفع هذا الحد بشكلٍ كبير حاليًا.
وأدى الارتفاع الأخير في أسعار “النفط”، إلى تخلي كثيرين في الدول العربية المُنتّجة لـ”النفط” عن تشاؤمهم، وبدا لهم أن عصر “النفط” الرخيص، وما يُنتج عنه من أزمات مالية قد ولَّى.
وجاء ذلك بسبب تزامن نشوب الأزمة الأوكرانية مع إنتهاء إغلاقات جائحة (كورونا)، الأمر الذي رفع أسعار “النفط” بنسبة تبلغ نحو: 100% مقارنة بالعام الماضي، فقد ارتفع خام “غرب تكساس” الأميركي الوسيط إلى: 130.50 دولار للبرميل؛ في آذار/مارس، بينما اقترب “خام برنت” من: 140 دولارًا، وكان أعلى مستوى منذ عام 2008.
ولكن هذا التيار انعكس تمامًا مع تزايد المخاوف من حدوث ركود عالمي مع تشديد بنك “الاحتياط الفيدرالي الأميركي” للسياسة النقدية ورفعه سعر الفائدة على “الدولار”، إضافة إلى تأثير الارتفاع الكبير في أسعار “النفط” السلبي على الاستهلاك، وبدا من الواضح أن العالم قد يكون أمام دورة هبوط، قد تؤدي إلى إنهيار أسعار “النفط” مجددًا مثلما حدث خلال جائحة (كورونا)، وهو إنهيار تؤدي عوامل عدة إلى توقعات بأنه قد يكون دائمًا، خاصة بعد تزايد التوجهات الغربية للإبتعاد عن “الوقود الأحفوري”.
انخفاض لافت في أسعار “النفط” رغم استمرار أزمة أوكرانيا !
ويتم تداول “النفط” الخام الأميركي القياسي بأقل من: 100 دولار؛ لأول مرة منذ آيار/مايو 2022، فلقد هبطت أسعار “النفط” أكثر من: 06 دولارات، خلال تعاملات الثلاثاء الماضي، إذ غطت المخاوف من ركود اقتصادي عالمي محتمل يُقلص الطلب على الخام، على القلق من حدوث تعطل في الإمدادات.
وانخفض سعر خام “غرب تكساس” الوسيط، المعيار الأميركي، بأكثر من: 10%، متداوَلاً عند مستوى منخفض بلغ: 97.43 دولار للبرميل. كان آخر تداول للعقد أقل من: 100 دولار؛ في 11 آيار/مايو 2022.
وكان هذا الخام قد انخفض بنسبة: 8%، الثلاثاء 05 تموز/يوليو 2022، إلى: 99.50 دولار للبرميل، واستقر عند: 98.53 دولارٍ يوم الأربعاء.
كما انخفض خام “برنت”، وهو المعيار العالمي، إلى ما دون: 100 دولار للبرميل للمرة الأولى؛ منذ نيسان/إبريل، قبل أن يستقر عند: 100.69 دولارٍ، الأربعاء.
يأتي ذلك وسط تزايد الأدلة على أن الركود العالمي المحتمل يؤدي إلى انخفاض استهلاك “النفط”، حسبما قال “باتريك دي هان”، رئيس قسم تحليل النفط في (GasBuddy)، لصحيفة (يو. إس. أيه تودي) الأميركية.
من جهة أخرى؛ وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، حذّرت (سيتي غروب) من أنَّ أسعار “النفط” قد تنهار إلى: 65 دولارًا للبرميل بحلول نهاية هذا العام، وقد تنخفض إلى: 45 دولارًا بحلول نهاية عام 2023، إذا حدث ركود معوِّق للطلب.
وأوضح “مورس وفرانشيسكو مارتوتشيا”، في تقرير لـ (سيتي غروب)، أنَّ هذه التوقُّعات تستند إلى غياب أي تدخل من جانب مُنّتجي (أوبك+)، وتراجع استثمارات “النفط”.
وكتبت الشركة في مذكرة للعملاء: “في سيناريو الركود مع ارتفاع معدلات البطالة، وإفلاس الأسر والشركات، فإن السلع ستطارد منحنى التكلفة المنخفضة، حيث تنكمش التكاليف وتتحول الهوامش إلى سلبية لدفع تقليص العرض”.
وشبهت توقعات (سيتي غروب) الوضع الحالي في سوق الطاقة بأزمات السبعينيات.
العالم مُعرَّض لركود محتمل..
تتناقض هذه التوقعات تمامًا مع تكهنات البنوك الأخرى وخبراء السوق؛ مثل مُحللي مؤسسة (جي. بي. مورغان تشيس) الأميركية، الذين قالوا إنَّ الأسعار العالمية قد تصل إلى: 380 دولارًا للبرميل، بعد أن دفعت “العقوبات الأميركية والأوروبية” على “روسيا”؛ أسعار “النفط”، إلى الارتفاع.
يظل هناك تضارب في تأثير الركود على أسعار “النفط”، حيث تتوقع الأسواق حدوث ركود عالمي بالفعل، ولكن حتى مع وجود ركود؛ من غير المُرجح أن تنخفض الأسعار إلى ما دون: 80 إلى: 90 دولارًا للبرميل، حسبما قالت “أمريتا سين”؛ من مؤسسة (إنيرجي أسبكتس)؛ في مقابلة مع تلفزيون (بلومبيرغ) الأميركي.
ولم تستبعد “كريستالينا غورغييفا”، مدير “صندوق النقد الدولي”، حدوث ركود عالميٍّ العام المقبل، في ظل المخاطر الضخمة الحالية، وقالت في مقابلة مع وكالة (رويترز)؛ إن توقعات الاقتصاد العالمي: “ساءت كثيرًا” منذ نيسان/إبريل 2022.
وسيُخفض الصندوق، خلال الأسابيع المقبلة، توقعاته لنموٍ نسبته: 3.6% في الاقتصاد العالمي لثالث مرةٍ هذا العام، بحسب “غورغييفا”، التي استدركت قائلةً إن الاقتصاديين في الصندوق ما زالوا يعدون النسب الجديدة النهائية.
بعض الخبراء يتوقعون عدم تدهور “النفط” حتى لو حدث ركود..
على الرغم من الانخفاض الأخير، يقول بعض الخبراء إن أسعار “النفط” من المُرجح أن تظل مرتفعة.
ففترات الركود ليس لها سجل حافل في قتل الطلب. وقال “بارت ميليك”، رئيس إستراتيجية السلع في (TD Securities)، في مذكرةٍ، يوم الثلاثاء الماضي، إن مخزونات المنتجات عند مستويات منخفضة للغاية، مما يُشير أيضًا إلى أن إعادة التخزين ستُبقي الطلب قويًا على أسعار “النفط” الخام.
فلقد تم إحراز تقدُّم ضئيل في حل مشكلات العرض الهيكلية بسوق “النفط”، مما يعني أنه حتى لو تباطأ نمو الطلب، فستظل الأسعار مدعومة، حسب الشركة.
وقال “جيفري كوري”، الرئيس العالمي لأبحاث السلع في (Goldman Sachs)، لشبكة (CNBC) الأميركية، الثلاثاء الماضي، إن: “الأسواق المالية تُحاول تحديد الأسعار في حالة الركود. تُخبرك الأسواق المادية بشيء مختلف حقًا”.
فعندما يتعلق الأمر بالنفط، فإنه يتم تداوله في أضيق سوق مادي على الإطلاق، حسب “كوري” الذي يقول: “لدينا مخزونات منخفضة للغاية، توقعات مؤسسة (غولدمان) هي: 140 دولارًا لخام برنت”.
تاريخ صناعة السيارات يُنذر باحتمال إنهيار أسعار النفط !
ولكن البعض يرى أن الأزمة الحالية تُظهر مؤشرات كبيرة على حدوث ركود وتراجع في استهلاك الطاقة، قد يؤدي إلى إنهيار أسعار النفط.
في بداية الدورة الحالية لصعود النفط؛ في آذار/مارس الماضي، لاحظت مؤسسة (Bespoke) الأميركية؛ أن النفط الخام ارتفع بما يزيد قليلاً على: 20% خلال أسبوع، وهي واحدة من خمس فترات ارتفع فيها النفط الخام أكثر من: 20% في أسبوع.
ومن خلال ملاحظة تاريخ دورات صعود وإنهيار أسعار النفط، فإن ثلاثًا من الفترات الأربع السابقة التي ارتفعت فيها الأسعار بشكلٍ حاد حدثت خلال فترات الركود، حسب المؤسسة.
يقول “نيكولاس كولاس”، المؤسس المشارك لبحوث (DataTrek)، والذي كان يعمل محللاً يُغطي قطاع السيارات في وقت مبكر من حياته المهنية، إن شركات السيارات الأميركية الكبرى لديها قاعدة منذ ثلاثة عقود كانت تستخدمها للتعامل مع صدمات النفط في السبعينيات.
يوضح: “القاعدة الأساسية التي تعلمتها من اقتصاديات صناعة السيارات في التسعينيات؛ هي أنه إذا ارتفعت أسعار النفط بنسبة: 100% في فترة عام واحد، فتوقَّع حدوث ركود؛ وهو ما قد يؤدي إلى إنهيار أسعار النفط”، حسب ما نقلت عنه شبكة (CNBC).
وقبل أكثر من عام، كان النفط الخام: 63.81 دولار؛ (04 آذار/مارس 2021)، للبرميل. وفي آذار/مارس 2022، لامس النفط الخام مستوى: 130 دولارًا، أي ارتفع على أساس سنوي بنسبة: 100%.
“إذاً نحن قريبون من الوصول إلى هذه النقطة بسرعة”، حسب “كولاس”.
هناك عوامل جديدة قد تجعله إنهيارًا بلا رجعة..
ولكن ما قد يجعل إنهيار أسعار النفط هذه المرة بلا رجعة، هو وجود متغيرات وعوامل جديدة عن الأزمات السابقة التي شهدت تدهورًا في أسعار النفط.
فتقليديًا، كان إنهيار أسعار النفط أو تراجعها لسنوات، يؤدي إلى نمو اقتصادي، بسبب تخفيف عبء النفط على الاقتصاد، الأمر الذي يؤدي إلى تعافي الاستهلاك، كما تؤدي الأسعار المنخفضة لوقف الاستثمارات في الاستكشافات الجديدة وخروج الحقول ذات تكلفة الاستخراج العالية.
ولكن نحن أمام سيناريو مختلفٍ هذه المرة.
أولاً؛ نحن أمام احتمالات ركود تضخمي يأتي لأسباب متعددة؛ ليس النفط فقط، منها ارتفاع أسعار مُجمل المواد الخام؛ وضمنها الغاز والعديد من المعادن بسبب الخروج المفاجيء من إغلاقات الجائحة، بالتزامن مع الأزمة الأوكرانية، وكذلك زيادة الطلب على بعض الخامات المرتبطة بالصناعات الحديثة، ومشكلات سلاسل التوريد، والتوتر بين “الصين” والغرب، والسيولة الكبيرة التي تسببت بها سياسات التيسير النقدي التي أتُّبعت خلال الجائحة والتي أدت إلى تضخم غير مسبوق منذ عقود، أدى إلى توجه معاكس لرفع كبير في أسعار الفائدة بـ”الولايات المتحدة” وقد تُلحق بها “أوروبا”.
أسعار النفط أصبحت باهظة للأوروبيين ومعتدلة لدى الصين والهند..
كما أن سوق النفط مرتبك بشكل كبير، فرغم الارتفاع الكبير في الأسعار بسبب التوتر “الغربي-الروسي”، فإن الروس يبيعون نفطهم بتخفيضات كبيرة في ظل سعيهم لاجتذاب السوق الآسيوي الكبير الذي كان ساحة أساسية للنفط الخليجي؛ خاصةً “الصين” و”الهند”، ويعني هذا أنه فعليًا تحصل “بكين” و”نيودلهي” بسبب الكرم الروسي، على النفط بأسعار أقل من المستهلكين الغربيين، ليس فقط من “موسكو” بل من دول الخليج أيضًا، لأن “السعودية”؛ على سبيل المثال، تعرض بعضًا من أنواع نفطها بتخفيضات كبيرة في “آسيا” تحديدًا، مقارنةً بسعر بيع خامها الرئيس، إذ تُثير تدفقات النفط الروسي الرخيص منافسة شديدة في “آسيا”.
قد يتوازن السوق تدريجيًا وتختفي هذه الفجوات مع تحويل المنتجين في الشرق الأوسط جزءًا أكبر من نفطهم إلى “أوروبا”، واستقرار “الصين” و”الهند” على شراء النفط الروسي الذي تتراجع أسواقه التقليدية في “أوروبا”.
ولكن هذا قد يؤدي إلى استمرار الضغوط على أسعار النفط، وتزايد المنافسة بين دول الشرق الأوسط و”روسيا”، خاصة في ظل الضغوط الغربية على دول الخليج لفض تحالفها النفطي مع “بوتين” عبر تكتل (أوبك+).
لو عادت “إيران” و”فنزويلا” للسوق فإن النفط سيتراجع..
وإذا تم حل أزمة الملف النووي الإيراني، فسيعني ذلك عودة “طهران” للسوق كمُصدّر رئيس شرعي، سيُخفض أسعار النفط، خاصةً أن لديها كميات كبيرة مخزنة من النفط، إضافة إلى احتياطاتها الضخمة، وهي متعطشة إلى تعويض ما فاتها من سنوات الحصار.
كما أن “فنزويلا”، صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم، بدأت “أميركا” تخفف الحصار المفروض عليها، وسمحت لها بتصدير النفط إلى بعض الدول الأوروبية واستخدامه لتسديد الديون الفنزويلية، وقد يتسارع هذا الاتجاه، وتعود “فنزويلا” للسوق.
إذا تحققت هذه الاتجاهات أو بعضها، مع تحقق المخاوف من حدوث ركود عالمي، فإن ذلك قد يعني تراجعًا كبيرًا قد يؤدي إلى إنهيار أسعار النفط، إذا لم يحدث تنسيق بين المنتجين الكبار، مثل: “روسيا والسعودية” وغيرها من دول الخليج و”إيران والعراق”، وحتى “فنزويلا”.
حدث صراع لمدة بسيطة بين “السعودية” و”روسيا”؛ خلال أزمة جائحة (كورونا)، أدى إلى إنهيار النفط لمدة يوم واحد إلى: 37.6 تحت الصفر، في يوم الإثنين 20 نيسان/إبريل 2020، في واقعة لم تحدث من قبل.
هل يؤدي تراجع الاستثمارات في التنقيب لارتفاع أسعار النفط ؟
يرى المتفائلون بشأن أسعار النفط، أن أحد أسباب تزايد احتمالات بقاء الأسعار مرتفعة هو أن كثيرًا من الشركات الغربية الكبرى المُنتجة للنفط، بدأت تبتعد عن ضخ استثمارات كبيرة في الحقول الكبيرة المكلفة؛ (لاسيما البحرية)، لأنها تتحسب من التحول للطاقات الجديدة في الغرب، وهو أمر سيُقلل من ضخ الإنتاج الإضافي إلى السوق.
وهذا صحيح؛ ولكن الواقع أن مناطق إنتاج النفط منخفض التكلفة، مازالت كثيرة، وهي تشمل الدول العربية و”إيران وروسيا، وفنزويلا”، وبصورةٍ أقل “آسيا الوسطى”، وبعض الدول الإفريقية والآسيوية، وهي المناطق التي تضم معظم احتياطات النفط في العالم.
الأهم أن هناك متغيرًا أبعد مدى يضغط على أسعار النفط على المدى البعيد وبشكل مطرد، إنه التوجه نحو الطاقات الجديدة الصديقة للبيئة، لاسيما الاستغناء عن سيارات محركات الاحتراق الداخلي العاملة بالوقود المستخرج من النفط.
ويستهلك العالم: 60% من إنتاجه النفطي في أنشطة النقل. وهو في الوقت نفسه المجال الذي تجري فيه أكبر التطورات التقنية، كما أنه من بين قطاعات النقل المختلفة فإن السيارات أكبر مستهلك للنفط، وهي التي تشهد أكبر ثورة تقنية ممثلة في السيارات الكهربائية، التي أصبحت حقيقة واقعة في الغرب.
ولقد قرر “البرلمان الأوروبي” مؤخرًا، أنه سينهي بيع وإنتاج سيارات محركات الاحتراق الداخلي في دول “الاتحاد الأوروبي”؛ عام 2035، وسبق ذلك قرار من “بريطانيا” بحظر مبيعات سيارات محركات الاحتراق الداخلي ابتداء من عام 2035 أيضًا، كما إلتزمت الحكومة البريطانية بإخلاء طرق البلاد من جميع المركبات التي ينبعث منها الغاز بحلول عام 2050.
“الصين” و”أميركا” لم تُقررا بعدُ حظر سيارات الوقود !
ومع أن مستهلكين كبارًا للنفط مثل: “الولايات المتحدة الأميركية والصين، والهند، واليابان”، لم يتخذوا خطوات مماثلة ولم يبدوا نية لذلك.
فإن الواقع أن دول “الاتحاد الأوروبي” تقود دول العالم في هذه التوجهات بشكل كبير، ويُمثل “الاتحاد الأوروبي” قدوة حتى لدول مثل “الولايات المتحدة”، في هذا الاتجاه رغم تفوق الأخيرة عليه في تكنولوجيا السيارات الكهربائية.
ورغم وجود لوبي نفطي قوي في “الولايات المتحدة”؛ التي تعتمد العديد من ولاياتها الوسطى والجنوبية على إنتاج النفط، لاسيما “النفط الصخري” كمصدر للدخل، فإن “أميركا” دولة فيدرالية؛ وهناك العديد من الولايات الليبرالية التي تعتبر نفسها رائدة في التوجهات الصديقة للبيئة مثل: “كاليفورنيا”، أكبر ولايات البلاد سكانًا واقتصادًا؛ وولاية “نيويورك”؛ ثالث أكبر الولايات سكانًا وعاصمة البلاد الاقتصادية، ومثل هذه الولايات يمكن أن تتخذ قرارات منفردة بحظر السيارات العاملة بـ”الوقود الأحفوري”.
أما “الصين”، فرغم أنَّ حذرها التقليدي جعلها تتأنى حتى الآن في اتخاذ خطوة مماثلة لـ”أوروبا”، فإنه يجب ملاحظة أن “بكين” تستثمر بقوة في مجال السيارات الكهربائية، ومحطات شحنها، خاصةً أنها أهم مُصنّع في العالم للبطاريات ومواد خامها، مما يجعلها مستفيدة من هذا التحول بشكل كبير. كما تُجدر الإشارة إلى أن “الصين”، أكبر منتج ومستهلك للسيارات بالعالم، أكثر تقدمًا في مجال السيارات الكهربائية من مستواها في صناعة السيارات التقليدية التي دخلتها “بكين” منذ بضعة عقود، ومازالت سمعتها فيها غير جيدة (بحسب إدعاءات أميركية)، لذا فإنَّ التحول للسيارات الكهربائية يؤهل “بكين” لتركب الموجة من أولها وليس في نهايتها، كما حدث مع السيارات العاملة بالوقود.
وبالفعل فإن أسماء الشركات الصينية العاملة في مجال صناعة السيارات الكهربائية قوية، وهي تحظى بمبيعات جيدة في السوق النرويجي الذي هو أعلى سوق في العالم من حيث نسبة السيارات الكهربائية والهجينة ويعتبر السوقَ التجريبية الذي يمكن استشراف مستقبل السيارات الكهربائية من خلاله.
كما أن “الصين” أكبر مستهلك ومستورد في العالم لـ”الوقود الأحفوري”، ومن مصلحتها إنهيار أسعار النفط ونهاية عصره.
نهاية عصر النفط أقرب للعرب مما يظنون..
قد يبدو عام 2035؛ بعيدًا، فما زال أمامنا نحو: 13 عامًا للوصول إليه، ولكن الأيام تمر سريعًا، كما أن الواقع أنَّ تراجع استهلاك النفط بشكلٍ حاد لن يحدث في نفس عام حظر مبيعات السيارات العاملة بالوقود بـ”أوروبا”؛ في 2035، بل سيسبقه بسنوات.
فـ”أوروبا” لن تحظر إنتاج ومبيعات سيارات محركات الاختراق الداخلي فجأة، ولكن قبل هذا العام بسنوات سوف تتراجع مبيعات هذه السيارات بشكل كبير، كما أن تركيز شركات السيارات على تطوير السيارات الكهربائية لتتواكب مع السوق الأوروبي الكبير، سيدفع بهذه التقنية في كل العالم.
أما المراهنة على أن أوروبا لن تستطيع الإيفاء بالموعد، فرهان مشكوك في صحته، فهو قرار جماعي اتُّخذ بعد دراسات ومناقشات كبيرة.
والأهم أن العداء لسيارات محركات الاحتراق الداخلي أصبح مسألة إيديولوجية وعقائدية بقطاعات شعبية في الغرب، الذي لا يواجه سكانه أزمات اقتصادية أو حروبًا طاحنة كدول العالم الثالث، ومسألة إنقاذ العالم من الاحتباس الحراري بالنسبة لهم هي الهدف الرئيس الذي يتوافق أيضًا مع المصالح الاقتصادية لهذه الدول التي تستنزف وارداتُ النفط جزءًا كبيرًا من موازينها التجارية، كما أن الاستثمارات في تكنولوجيا السيارات الصديقة للبيئة تُمثل فائدة اقتصادية كبيرة لهذه الدول.