24 نوفمبر، 2024 7:48 م
Search
Close this search box.

الغزل في كتابات النساء (8): يعاني من فصام أدبي أم إظهار عضلات أم يثير سُخطا وعُبوسا

الغزل في كتابات النساء (8): يعاني من فصام أدبي أم إظهار عضلات أم يثير سُخطا وعُبوسا

 

خاص: إعداد- سماح عادل

تتنوع الآراء حول غزل النساء، فنجد رأي يقول أن غزل النساء يقيده المجتمع المحافظ، والذي لن يسمح لها بأن تكتب بحرية، وأن تبدع أدبيا وفنا في مجال الغزل، معترفا بوجود حالة فصام فني أدبي لا يمكن الخلاص منها. وهناك رأي آخر يقيم الغزل الذي تكتبه النساء في وقتنا الحاضر في معظمه بين محاولة ظهور أو إظهار عضلات القدرة على الجرأة والتعبير بحرية. بينما رأي ثالث يحيلنا إلى الزمن الماضي  كاشفا عن طريقة تعامل العلماء والناس مع أحاديث الحب والتي كانت تثير رضا وابتهاج المستمعين للشعر والغزل، وكانت تعامل أحاديث الحب معاملة جادة.

هذا التحقيق عن (الغزل في كتابات النساء) وقد جمعنا الآراء من كاتبات وكتاب وقراء من مختلف بلدان العالم العربي. وقد وجهنا للكتاب الأسئلة التالية:

  1. ما رأيك في كتابة النساء غزلا في الرجل هل تتقبل ذلك وهل تتقبل الجرأة في غزل الكاتبات؟
  2. هل قرأت الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم؟
  3. هل اطلعت على غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر سواء في الشعر أو القصص القصيرة أو الرواية وما رأيك فيه؟
  4. وهل يختلف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال؟
  5. هل تحب أن تتغزل فيك امرأة وتكتب ذلك، وهل تسمح لزوجتك أو قريبتك إذا كانت كاتبة أن تتغزل في نصوصها؟

حالة فصام فني أدبي لا يمكننا الخلاص منها..

يقول الكاتب اليمني “عبد الرحمن الخضر”: “أتقبل ذلك وأرحب به وأرجوه. إنما إذا كان والرجل يخشى حين يتغزل في المرأة في كتاباته, ويضع محددات لهذا الغزل فما هو الغزل الذي أنتظره من المرأة؟.

ستكون ضعيفة في لغتها وستكون هناك فقرات منتقصة غير تامة, ومشاعر مميكنة على, لن تتجاوز الحدود الراسخة العالية التي أحاطها بها المجتمع.

الغزل في الفن والأدب يجب أن يأخذ مداه كي يتشكل كما يجب في نصوص نستطيع توصيفها كفن وأدب, وهذا ما لن تتمكن منه المرأة في مجتمع أكثر من محافظ”.

وعن الغزل في الشعر القديم يقول: “لا أظن بغزل كهذا, ف”قيس” هو من تحدث عن “ليلى”, و”جميل” هو من كتب عن “بثينة”, ولعل من كتب غزلا ونسبه إلى بطلة افتراضية, وحتى هذا الكاتب سيكون حذرا إلى حد بعيد في صناعته لهذا الغزل الأنثوي”.

وعن الغزل في الوقت الحاضر يقول: “عثرت على مثل هذا الغزل “المستحي” “الملتزم بالأعراف” وكأنه خطاب, إنه ينتقص من القيمة الفنية في نصها المكتوب لأنه غير مكتمل,  ومشوه, وبه تلفيق كثير للهروب من رقابة المجتمع, ولذلك سنجد أن الكاتبة تهرب عادة من مواقف الغزل لأنها لن تتمكن من رسم الصورة التي تبتغيها فعلا, للأسف فبقدر ما هي رقيقة في شكلها بقدر ما هي جافة في كتاباتها للضرورة التي يمليها عليها المجتمع. المرأة كمن ستقدم نفسها ضحية حين تعبر عن الحب علنا, فكيف به مدونا في كتاب؟”.

وعن الاختلاف ما بين غزل النساء وغزل الرجال يقول: “يختلف كثيرا, فرغم المحاذير التي يراعيها الرجل في كتاباته عن الحب فنحن ولاشك في مجمتع ذكوري سيقبل الكثير من الرجل مما لا يقبله مطلقا من المرأة, وهنا علينا أن نقارن كيف بالرجل لا يستطيع بناء نصوصه على الشكل الفني الأدبي اللغوي الصوري الرفيع، بسبب هذه المحاذير مع ما تكتبه المرأة التي تمثل العورة والمتعة ليس إلا في ثقافتنا. وكأني بالمرأة عاجزة بمعنى الكلمة عن التعبير عن توقها في الفن والأدب, إنها تعاني أيما معاناة, أشعر بها دائما تبكي عندما تكتب, عندما تريد أن تكتب مقطع حب عاصف, لكنها لا تستطيع, ولن تنتقم من القلم وتكسره, ستكتب ما تيسر فحسب”.

ويؤكد: “لاشك بأني سأرتاح كثيرا, بل وأنتشي وأشعر بأني في معراج حين ستتغزل بي امرأة, هذا الغزل من امرأة نحوي هو اعتراف معياري بحضوري كإنسان أستحق الحب, وليس أجمل في حياتنا من أن تجد من تقول لك: إني أحبك, ومتى كان غزلها مكتوبا فهذه مرحلة متقدمة من الاعتراف, من الاستجابة, من الحب وقد حل في الشعور, وطبعا هذا متى كانت هذه المرأة على درجة من الثقة بنفسها, من أنها صاحبة إرادة, وبأنها مخلصة فيما تقول.

أما زوجتي فهي أمية, وعلاقتنا طبيعية جدا على الأرض والواقع, ولو كانت متعلمة ربما سأعترف بأني إن لم أمنعها من التغزل في كتاباتها فسأمثل لها مشكلة من منظورها هي, فستظل تراعي مشاعري, وستخشى أن أغار, وستكون كتاباتها دائما عند سقف محدد لن تتعداه, فزوجها عربي مهما ادعى من خصائص ليبرالية. نحن نعيش حالة فصام فني أدبي لا يمكننا الخلاص منه”.

بين محاولة ظهور أو إظهار عضلات القدرة..

يقول الكاتب المصري “فتحي إسماعيل”: “الغزل غرض شعري نابع عن شعور حسي مثله مثل الرثاء والفخر والهجاء والمدح، فإذا كان الله اختص كاتبة بموهبة ارتأت أن تعبر من خلالها عن باب من أبواب التعبير، فلم لا أتقبّل؟. وبطبيعتي أرى أن لا فرق بين الرجل والمرأة في هذه النقطة، إلا في القيمة الأدبية من عدمها”.

عن الغزل لدى الشاعرات في الزمن القديم يقول: “تربيت بحكم النشأة في بيت يسكنه أزهري وشاعر، ومن مكتبة الاثنين كنت أقرأ كتب التراث والأدب، بالطبع قرأت الكثير مما كتبت الشاعرات، وليس الشعر فحسب ولكن الحكايات التراثية التي توضح إلى مدى كانت المرأة حكيمة ولديها من الفطنة والفراسة والبلاغة ما أدهش الملوك ورؤساء القبائل.

سأورد بيتًا من تلك الأبيات من العصر الجاهلي عن زوجة مات عنها زوجها وسئلت عنه، فقالت:

واني لأستحييه والترب بيننا … كما كنت أستحييه حين يراني

ومن ذلك أبيات “رابعة العدوية” في العشق الإلهي:

عرفْتُ الهَوى مُذ عَرَفْتُ هواك  وأغْلَقْتُ قَلْبي عَلىٰ مَنْ عَاداكْ

وقُمْتُ اُناجِيـكَ يا مَن تـَرىٰ خَفايا القُلُوبِ ولَسْنا نراك

وعن غزل كتبته كاتبات نساء في الوقت الحاضر يقول: “بطبيعة الحال وبحكم قراءاتي اطلعت غير ساعٍ ولا لفضول البحث بذاته على بعض التجارب الشعرية منها والنثرية والسرد، والحقيقة القليل منه الجيد الذي كتب بوعي وشعور صادق والكثير يقع ما بين محاولة ظهور أو إظهار عضلات القدرة بحجة الجرأة والحرية، دون صور أدبية سيذكرها التاريخ الثقافي”.

إن من الكتابات الرائعة إبداعا في غزل المرأة لكاتبة مصرية هي “فاطمة رحيم”:

(أنت لا تعرف

كم مرة في اليوم يشدني قلبي من يدي للمس صورتك.

هذه النظرة الثابتة

أعلى متصفحك تعود بي إلى الأيام الماضية،

حيث كان الليل يقضي أوقاته معنا).

وعن اختلاف الغزل في كتابات النساء عن الغزل الذي يكتبه الرجال يقول: “لم أجد فيما قرأت في تاريخ الأدب فارقًا يذكر، ولم تعنيني المقارنة، كنت وما زلت أطالع النص الأدبي بمعزل عن اسم صاحبه فإن راقني فذلك لا يفرق فيه رجل عن أنثى، وإن لم يعجبني ولم أتذوقه فلا داعي لذكره”.

ويؤكد: “بالطبع أحب أن تتغزل فيّ امرأة، إن وجدت فيّ ما يستحق الغزل، وعليه أذكر ما قالته امرأة عربية بصحبة زوجها وكان ذا (كرش) حين رأت رجلا لطيفا نحيفًا:

شهدت على نفسي بأنك بارد اللثا …    ت وأن الخصر منك لطيف

وأنك مشيوح الذراعين خلجم …         وإنك إذ تخلو بهن عنيف

وكان البيت سببًا في طلاقها!!!

إذا كانت زوجتي شاعرة أو كاتبة سأشجعها على ألا تكتم قولا ولا خاطرة، على أن تعيها وتعنيها، وهذه نصيحتي التي أقولها دائما للكتاب الشباب.يل

كانت أحاديث الحب تثير رضًا وابتهاجا..

ويقول الشاعر اليمني “صالح سالم عمير”: “لا فرق بين الكاتبة والكاتب، المرأة الكاتبة مثلها مثل الرجل الكاتب، وهي صاحبة قلم، صاحبة رسالة،  وهذه على سبيل المثال “مي زيادة” تخاطب “جُبران” بلغة شاعرية باذخة الروعة قائلة له:

(حتى الكتابةُ ألوم نفسي عليها أحيانا، لأنّي بها حُرّةٌ كلّ هذه الحرية، قُل لي ما إذا كنتُ على ضَلالٍ أو هُدَى، فإنّي أثقُ بك، وأصدّق بالبداهةِ كلَّ ماتقول، وسواء كنتُ مخطئةً.

فإنّ قلبي يسيرُ إليك، وخيرُ ما يفعلُهُ هو أنْ يَظلَّ حائمًا حواليك، يحرسُكَ.. ويحنو.. عليك)!!

ويواصل: “سيدتي: الرجل والمرأة وجهان لعملة واحدة، على أنّ المرأة هي الوجه الأحلى والأروع، وفي القرآن الكريم أبلغ تعبير عنهما (هُنّ لباسٌ لكم، وأنتم لباسٌ لهُنّ).. وعليه فالغزل في كتابات المرأة بنظري لا غبار عليه..

وعن الغزل في الشعر القديم يقول: “لعلّ أحاديث الحب، في فترات زمنية سابقة من الحياة (كانت لا تثير سُخطا ولا عُبوسا وإنما تثير رضًا وابتهاجا، وتدعو إلى الرويّة والتفكير. وقد مضى في تاريخنا الأدبي والعقلي عصر لم يكن الحب فيه هزلا ولا دُعابة، وإنما كان جدا خالصا لا يخلو من صرامة وحزم. فلم يكن حب الغَزِلين في شمال الحجاز وفي نجد لهوا ولا مُجونا، ولا مصدرا للدعابة والفكاهة) بحسب “طه حسين”، والذي يضيف (فقد كان شعر جميل وكُثَيِّر والقيسين يُنشَد في المسجد الحرام، ويُنشَد في المسجد النبوي، ويستمتع به في هذين المسجدين المُطهّرَين قومٌ وقفوا أنفسهم على رواية العلم والدين لا يجدون في ذلك حَرَجا ولا جُناحا)..

وفي موضع آخر من نفس المقال، ينوّه عميد الأدب العربي إلى “عبد الرحمن بن أبي عمار الجشمي”، وهو صاحب قراءة للقرآن، وراوية للحديث، وإقبال على النُّسك والزهد وتفرّغ للعبادة والطاعة، حتى لقّبه أهل مكة بالقَس. فلم يمنعه ذلك حين رأى سلّامة وسمع غناءها أن يحبّها حبا انتهى به إلى الهُيام وجعله شاعرا غَزِلا كغيره من الشعراء الغَزِلين. لم يجد في ذلك حَرَجًا ولا جُناحا. لأن ذلك لم يورّطه في إثم ولا فسوق، وقد استوحَى “علي أحمد باكثير” عنه، روايته الموسومة (سلّامة والقس) التي تحوّلت إلى فيلم سينمائي”.

ويواصل: “وتحدث “طه حسين” في المقال نفسه عن “ابن حزم” وعن كتابه (طوق الحمامة) ويرى أن الحب قد شغل “ابن حزم” في حياته كلها، كما شغله الفقه والحديث وهذا المقال منشور في كتاب “طه حسين” الموسوم (ألوان) وعنوان المقال (في الحب).

وربما تحدث من سبقني عن ديوان “ليلى الأخيلية”وهي “ليلى بنت عبد الله بن الرحال بن شداد بن كعب الأخيلية”، وهي شاعرة عربيَّة عُرفت بجمالها وقوَّة شخصيتها وفصاحة لسانها وتعابيرها، عاصرت صدرَ الإسلام والعصر الأمويّ، وحظيَت بمكانة كبيرة بين الأمراء والشعراءِ في العصرِ الأموي، وكانت تُلقي على مسامعِ الأمراءِ أشعارها.

واشتهرتْ بحبها المتبادل مع “توبة بن الحميّر”، إذ وردَ ذكرهُ في الكثيرِ من أشعارها، وقد أشادَ الكثيرُ من الشعراءِ بفصاحةِ أشعارها وإبداعها في نسقِ الأبياتِ ومنهم “الفرزدق وأبو نُواس وأبو تمام وأبو العلاء المعريّ”.

وثمة شاعرة شهيرة أخرى اسمها “ولّادة بنت المستكفي” تحدث عنها بعض من سبقني، ولعل أشهر بيت حب قالته مخاطبة “ابن زيدون”:

إذا جُنّ الظلامُ ترقّب زيارتي

فإني رأيتُ الليلَ أكتمَ للسرِّ !!

وقصة حب “ليلى العامرية” ل”قيس بن الملوّح” معروفة للكل. تحابّا وهما من قبيلة واحدة، ثم حُجبت عنه، وامتنع أبوها عن زواجها به، لاشتهار حبهما وأشعارهما.

ومن الشعر العاطفي الذي يُنسب ل”ليلى العامرية”:

لَم يكنِ المَجنونُ في حالةٍ

إلّا  وَقَد  كنتُ كَما كانا

لكنّهُ باحَ بسرِّ الهَوى

وَإِنّني قَد ذبتُ.. كِتمانا!!

أو:

باحَ مجنونُ عامرٍ  بهواهُ

وَكَتمتُ الهَوى فمتُّ بِوَجدي

فَإِذا كانَ في القيامةِ نُودي

مَن قتيلُ الهَوى؟! تَقدّمتُ وَحدي!!

أو قولها:

أُخبرتُ أنّكَ مِن أَجلي جُننتَ وَقد

فارَقتَ أَهلكَ لم تعقلْ.. ولم تُفِقِ!!

أو:

نَفسي فِداؤكَ لَو نَفسي ملكتَ إِذاً

ما كانَ غيرك يجزيها ويرضيها

صَبراً عَلى ما قَضاه اللَّه فيك على

مَرارةٍ  في اِصطباري عنكَ أُخفيها

ولها  أيضا:

كِلانا مُظهرٌ للناسِ بُغضاً

وكلٌّ عندَ صاحبهِ مكينُ

تبلّغنا العيون بما أَردنا

وَفي القلبينِ ثَمَّ هَوىً دفينُ

وَأَسرار اللّواحظِ ليسَ تَخفَى

وَقد تغري بِذي الخَطأ الظنونُ

وَكَيف يَفوتُ هَذا الناس شيءٌ

وَما في الناسِ تظهرهُ العيونُ!!

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة