ليس واضحا بما فيه الكفاية فيما اذا كان مجلس الوزراء العراقي، قد وضع في الحسبان ان قراره بالموافقة على مشروع تحويل قضاء حلبجة التابع لمحافظة السليمانية يمكن ان يفتح الباب واسعا لمطاليب مماثلة لتحويل عدد غير قليل من الاقضية الى محافظات، وكذلك يفتح الباب واسعا لجدل وسجال سياسي في الساحة العراقية يمكن ان يضيف مزيدا من التعقيد والتأزيم للمشهد السياسي والامني الذي هو من الاساس يمتاز بكثير من التعقيد والتأزم والفوضى والارتباك.
وبالفعل لم تمر سوى ثلاثة اسابيع، حتى اصدر مجلس الوزراء قرارا اخر يقضي بتحويل اقضية تلعفر وسهل نينوى التابعين لمحافظة وطوزخورماتوز التابع لمحافظة صلاح الدين، والفلوجة التابع لمحافظة الانبار الى محافظات.
ولعله من الطبيعي جدا ان تقابل مثل تلك القرارات السريعة والمفاجئة بالنسبة للرأي العام، ان لم يكن بالنسبة للساسة والقوى السياسية المختلفة، بردود فعل ومواقف مختلفة، بعضها ينطلق من زاوية قانونية-دستورية، وبعضها ينطلق من زاوية سياسية، وبعضها الاخر ينطلق من زاوية امنية.
اما ردود الافعال والمواقف التي تنطلق من زاوية قانونية ودستورية، فتذهب الى انه ليس من حق مجلس الوزراء (السلطة التنفيذية) اتخاذ مثل تلك الخطوات او القرارات، لان المادة 115 من الدستور العراقي النافذ في الخامس عشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر من عام 2005، تحدد السياقات التي يفترض اتباعها لتشكيل الاقاليم، او استحداث اية وحدات ادارية جديدة.
حيث تنص تلك المادة، على انه “يحق لكل محافظةٍ او اكثر، تكوين اقليمٍ بناءاً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقتين: اولاً :ـ طلبٍ من ثلث الاعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم.
ثانياً :ـ طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم”.
وهذا المبدأ يسري على اليات تحويل القضاء الى محافظة، ويشير القاضي والخبير القانوني وائل عبد اللطيف الى “ان الناحية القانونية والدستورية لتحويل او تغيير اسم القضاء الى محافظة او ناحية الى قضاء او محافظة الى اقليم من اختصاص مجالس المحافظات حصرا، ولا دخل للحكومة ومجلس الوزراء بهذا الامر، وان تحويل الاقضية الى محافظات بحاجة الى تشريعات قانونية، ونظرا لوجود فراغ تشريعي، يمكن ان تتولى وزارة البلديات مسؤولية تقديم تصوراتها بشأن تحويل الاقضية الى محافظات الى مجلس الوزراء للتصويت عليه وتحويله كمشروع قانون الى مجلس النواب الذي يصادق عليه، وبذلك يعرف العراقيون حدود المحافظة وعدد سكانها وضرورة تحويلها”.
ومع ان البعد القانوني يتداخل مع البعد السياسي، الا ان الجدل والسجال الاكبر يتمحور حول البعد الثاني اكثر من الاول، وهو في محصلته ومجمله رفض لخطوة تحويل الاقضية الى محافظات في هذا الوقت بالذات.
في البعد السياسي قرأ البعض قرار مجلس الوزراء بأنه نوع من التسويق الانتخابي المبكر للائتلاف الحاكم، ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي، في ذات الوقت الذي يبدو وكأنه توجه الى خلط الاوراق وارباك الاوضاع اكثر منه شيئا اخر، لان مجلس الوزراء او من يقفون خلف هذا القرار، يدركون تماما الاجراءات التي ينبغي اتباعها لتحويل اي قضاء الى محافظة، وابرزها تقديم مشروع قانون الى مجلس النواب لمناقشته والتصويت عليه، وبما ان الدورة الحالية للمجلس لم يبق لها سوى شهور قلائل، وان امامه ملفات مهمة جدا ينبغي حسمها مثل الموازنة المالية وقانون التقاعد الموحد، فأنه من المستبعد جدا-ان لم يكن من المستحيل-ان يتم يحسم امر تحويل الاقضية الى محافظات خلال الدورة البرلمانية الحالية.
والنقطة الاخرى تتمثل في ان نطاق المطالبات بتحويل الاقضية الى محافظات راح يتسع بصورة سريعة جدا، فقد ارتفعت الاصوات في اقضية خانقين وسوق الشيوخ والرفاعي والزبير والقرنة، وحتى مدينة الصدر في العاصمة بغداد لتحويلها الى محافظات حالها حال الاقضية الاربعة(تلعفر وسهل نينوى وطوزخورماتو والفلوجة)، واكثر من ذلك فأن بعض النواحي ستطالب هي الاخرى بتحويلها الى اقضية.
والاكثر اهمية وحساسية من ذلك هو ان الاقضية التي اعلن مجلس الوزراء العراقي تحويلها الى محافظات تمتاز بأوضاعها السياسية والامنية المضطربة، بسبب موقعها الجغرافي وتركيبتها السكانية المتداخلة قوميا ومذهبيا ودينيا، فالاكراد يعتبرون قضائي تلعفر وطوزخورماتو من المناطق المتنازع عليها وفق المادة 140 من الدستور، ولايجوز اتخاذ اي اجرء بشأنها قبل استكمال تنفيذ تلك المادة، بينما التركمان اظهروا تحمسا كبيرا، لانهم يمثلون الاغلبية في هذين القضائين، والعرب السنة هناك رفضوا ذلك القرار كما رفضه الاكراد لكن من زاوية اخرى، اما بالنسبة لقضاء الفلوجة، فالذي يقال بشأنه هو انه يشهد منذ عدة اعوام اوضاعا امنية مضطربة جدا تتمثل بوجود الجماعات الارهابية المسلحة، وهيمنتها على مقدرات الامور في مساحات من القضاء وخارجه، واي حديث عن اعادة النظر في وضعه الاداري، لاقيمة له قبل استتباب الامور، وتصفية الجماعات الارهابية المسلحة فيه.
المختصون في نظم الادارة والقانون، يؤكدون انه وبعيدا عن التجاذبات السياسية والافعال وردود الافعال، لابد ان تؤخذ جملة امور بعين الاعتبار قبل الاقدام على اجراء تغييرات في الاوضاع والمستويات الادارية لاي وحدة ادارية في العراق. من بين تلك الامور، المساحة وعدد السكان والموقع، وطبيعة المشكلات والازمات المتعلقة بالوحدة الادارية موضع البحث، ومدى امكانية حلها، ناهيك عن اختيار التوقيت المناسب، الذي لاتترتب عليه نتائج واثار سلبية لا يتم الالتفات اليها منذ البداية، او لا تحظى بالاهمية المطلوبة.
ويرى القاضي وائل عبد الطيف، وربما يتفق معه الكثيرون “ان اختيار هذا الوقت في تحويل أقضية الى محافظات يعد خطأ كبيرا نتيجة وجود عشرات من الاقضية في محافظات العراق من التي تتوفر فيها شروط التحول الى محافظات نتيجة مساحتها وعدد سكانها، ومن بينها أقضية الزبير والقرنة والشطرة والرفاعي والكوت، بالاضافة الى اقضية عديدة أخرى في كربلاء والنجف والديوانية”.
ويضيف خبير قانوني اخر قائلا “ان الذهاب الى مناطق ملتهبة وساخنة ومتأزمة ومختلف عليها بين الاقليات، يعني ايجاد ازمات جديدة، وتوفير مناخات لمطاليب اذا كانت واقعية ومبررة بالنسبة للبعض فأنها غير مناسبة من حيث التوقيت”، ليس هذا فحسب، بل ان الاتجاه الى استحداث المزيد من الوحدات الادارية او رفع مستواها يخلق حالة من التشضي والانقسام، وتترتب عليه استحقاقات مالية وادارية قد لاتكون الدولة مستعدة ومهيأة لها بما فيه الكفاية.
[email protected]