منذ قيام الدولة العراقية عام 1920 كان مختار المنطقة والمحلة يمثل جزء أساسيا ومهما من صورة المجتمع العراقي حيث كان المختار يمثل المنظومة المعرفية والمعلوماتية عن المواطنين وتاريخهم وحسبهم ونسبهم وأخلاقيتهم وسيرتهم وسلوكهم الأجتماعي وكل شيء عنهم وعن عوائلهم عندما يطلب منه ذلك ، كما أن مختار الأمس لا يتم أختياره لهذا المنصب! ألا أذا كان معروف بوجاهته الأجتماعية وقدمه بالمنطقة وكبر سنه ونزاهته وحسبه ونسبه وخلو تاريخه العائلي والأجتماعي من أية شائبة، وهو أبن المنطقة والمحلة كما يقال أبا عن جد وله معرفة دقيقة عن أفراد كل بيت في منطقته ومحلته بالتفصيل الدقيق! 0 ولأن النسيج الأجتماعي العراقي كان يوصف ( بشدة الورد) التي تفوح منها عطر المحبة والتآخي والوئام والسلام بين كل الملل والنحل والطوائف والمذاهب والقوميات بلا اية تفرقة بين هذا وذاك ، فمن الطبيعي أن تنعكس هذه الصورة على عمل المختار عند تقييمه للأشخاص حيث يكون التقييم على أساس أخلاق الشخص وحسن سيرته وسلوكه الأجتماعي ونزاهته وسمعته وسمعة عائلته ومدى ولائه للوطن بعيدا عن النظرة الطائفية والمذهبية والقومية والعرقية التي صارت ومع الأسف هي الأساس في التقييم والولاء والعنوان البارز لصورة المجتمع العراقي بعد 2003!! ، فصار أول ما يسئل عليه الشخص ( هو من يا عمام، سنة لو شيعة!!) 0 وبعد التراجع الكبير الذي أصاب العراق بسبب سرطان الأحتلال الأمريكي البغيض عليه والذي نخر كل مفاصل الحياة العراقية ومزق النسيج الأجتماعي حيث لم يعد المجتمع العراقي يوصف (بشدة الورد) كما في السابق ، حيث تناثرت وروده وضاع عطرها الفواح بفعل الفتن الطائفية والقومية والعرقية والعشائرية التي زرعها وأثارها وأيقضها الأحتلال الأمريكي الخبيث ، عادت صورة مختار المنطقة والمحلة مرة أخرى لتفرض نفسها مجتمعيا ، ولكنها لا تحمل نفس تلك الصورة التي تختزنها الذاكرة العراقية عن مختار المحلة أيام الزمن الجميل! حيث المختار المهاب الجانب الكبير السن الوقور والمعروف أجتماعيا والذي يرى أبناء محلته كلهم كأنهم أبناءه والذي لا يجامل عند الطلب منه تقييم هذا الشخص وتلك العائلة ، عكس مختاراليوم حيث يتم أختياره على أساس الولاء الديني والمذهبي والطائفي! بعيدا عن الولاء للوطن وعن أية مواصفات أخرى! وليس بالضرورة أن يكون كبيرا بالعمر! 0 المشكلة في الأمر أن الكثير من الناس والعوائل يكون مصيرهم بيد هؤلاء المختارين الجدد! ، عند التقييم والأستفسار عنهم لغرض القبول والتعيين في دوائر الدولة الأمنية والعسكرية أو لغرض الزواج ، رغم أن الكثير من مختاري اليوم هم من يحتاجون الى من يقيمهم! لأن مختار اليوم هو ليس كمختار الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي حيث كان المختار لا يخالف ضميره ولا تأخذه وتحركه المشاعر والنوازع الطائفية والمذهبية والعرقية والقومية والعشائرية عند تقييمه لأحد أفراد منطقته ومحلته لأنها ليست موجودة في قاموس حياة العراقيين أصلا ، عكس ما نراه اليوم حيث أن صورة الأوضاع الأجتماعية الممزقة أنعكست على صورة وأخلاقية المختار فالتقييم لديه صار يخضع لغرائزه ونوازعه النفسية والأخلاقية والتربوية والطائفية والمذهبية والعشائرية! 0 أخيرا نقول: أن كان موضوع العودة الى صورة المختار والأعتماد علية في تقييم الناس والعوائل صار واقع حال فرضته حالة التخلف والتراجع التي يعيشها المجتمع العراقي! ، فمن وجهة نظري أرى أن البعض من مختاري اليوم أن لم يكن الكثيرمنهم! يحتاجون الى أعادة تأهيل أخلاقيا وأنسانيا وتربويا! كما أنهم ليسوا على ذلك القدر من النزاهة والأمانة والشرف والأخلاق وحسن السيرة والسلوك حتى تناط لهم مهمة تزكية وتقييم الناس!.