لا أظن أن عمرة لأي مسؤول قادما من الدول التي ترزح شعوبها تحت حكم الحديد والنار وبالديكتاتورية والعمالة والتبعية تحكم و تدار، تختلف في أدائها وطقوسها بين طاغية وآخر، ولأن هذه الأماكن متاحة لكل مسلم بغض النظر عن عنف دمويته وجبروته وفساده،لذا فلا غرابة أن نشاهد من يدخل هذه الأماكن المقدسة من هو أشد الناس طغيانا وجبروتا حتى يفوق قارون وفرعون وهامان كفرا واشد نفاقا من إبن سلول وأشد مكرا من إيليس فلا غرابة، وليس هو قياسا عن طهر سريرته أو مؤشرا لندمه وعودته لجادة الصواب !
ففي أحد الأعوام المنصرمة وأغلب الظن في ديسمبر من عام 2014 حيث كنت معتمرا ولا أدري أهو سوء طالعي أم حظي العاثر، رغم عدم اعتقادي بالحظ والطالع والمطالع ومواقع الأبراج وخطوط الكف وبقايا الفنجان في جلب خير أو دفع شر، بل هو قدري المحتوم أن يجمعني ومع أول شوط طائفا بالبيت الحرام بدخول أفواج من رجال الأمن يحيطون بفخامته ومن كل جانب يصاحبه وفد رسمي تبين لي أنه رئاسي يضم طاقم الرئيس وبعضا من وزراءه ولا داعي لذكر إسمه فستعرفونه بالتأكيد من سياق الحديث والتاريخ لمن اراد ان يستفهم ، مصطحبا معه حرمه المصون وبعضا من وزراءه ونوابه و مقربيه، ما أذهلني هو حجم طاقم الأمن المحيط بهم!!
فما هو مصدر القلق والخوف الذي ينتابهم وهم في أكثر بقاع الله أمنا، وقد تكفل الله بحمايتهم؟
توقفت عن طوافي مرغماً لتحاشي ذلك الموكب وخشية أن يفسر أي احتكاك أو حركة غير منضبطة تصدر مني بأنها إرهاب أو إزعاج لفخامته فهي تهمة جاهزة لكل تحرك وحركة لا تروق لهم في الحرم وخارجه.
وقد عجز ولحد هذا اليوم المفسرون وخبراء السياسة وأهل القانون عن تعريف وتوصيف (الإرهاب) ! .
أسندت ظهري الذي أحنته السنون إلى سارية بالحرم وبت أفكر في حالي وكيف سأمثل أمام الجبار بعظمته؛ ليسائلني عمن أعول، وعما وهبني من صحة ومنحني من مال وعلم فيما أبليتهم؟
فاقشعر جلدي وتزاحم الدمع في مقلتي من هول استشعار وتذكر ذلك الموقف الحتمي، ولم يلين إلا بعد تذكرت قول الحق سبحانه وتعالى والذي يدعونا لعدم القنوط من رحمته (قل يا عبادي اللذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) .
وأطرقت رأسي مسائلا نفسي: بماذا سيدعو ذلك الرئيس وكذلك من يأتي من بعده معتمرا أو حاجا من الرؤساء وطواقمهم وقد تركوا وراءهم بلداً وشعباً أُثخِن طعناً ولم يبق منه شبرا إلا وهو ينزف دماً؟
أيطلبون المغفرة أم التبروء من دماء علمائه وكفاءاته وخيرة رجالاته الذين قتلوا أو هُجِّروا في حقبة مظلمة ما زالت شاخصة على يد منظومة هم جزءٌ منها؟
فضلاً عن عشرات الآلاف من الأبرياد واللذين بلا ذنب قد أقبروا؟
أم جاؤوه ليطلبوا منه الغفران بالنيابة عن عصابات ومليشيات شردت الملايين ومثلت حتى بالجثامين، جلهم من الأطفال والنساء والذين بليت جلودهم ونخرت عظامهم جوعاً ومرضا؟
أم قد صحى غفلة ضميرهم عن معاناة عشرات الآلاف الذين ما زالوا مشردين في الخيام ويرتجفون برداً وينصهرون حراً وما زالت بيوتهم مدكوكة مع الأرض في أكبر معاناة إنسانية لم تشهدها البشرية من قبل ومثلهم من المغيبين؟
أم قصدوا بيته معتمرين ليتحللوا من أموال قد نهبت وتحت جنح الليل سُرِبت وبعلمهم ومعونتهم ، والشعب يعاني منذ سنين الفقر والجوع والبطالة ويعيش صيفا لاهبا بلا كهرباء ولا ماء ويقف طوابير ليعبئ وقودا لخزان مركبته ويستجدي لقمته وثمن علاجه؟
أم قدموا ليستغفروا ربهم عن خيانة عظمى شعروا الآن بجرمها وقبحها بتحالفهم مع شياطين الإنس من عتاة الأرض شرقاً وغرباً وعلى بني جلدتهم لتدمير بلدهم؟
أم عن تهاونهم في ضبط سيادة البلاد لتصول بها وتجول دول الجوار وتعبث في أرضه ومياهه وزرعه وضرعه؟
أم عن دورهم المخزي في تفشي الاجرام والتحلل الخلقي والتستر على كبار تجار المخدرات التي دمرت طبقة الشباب ومزقت المجتمع ونشرت الموبقات ؟
أم تراخيهم مع السلاح المنفلت وظلم الاحزاب والمليشيات ومكاتبها الاقتصادية الجاثية على صدور الناس؟
أم عن مشاركتهم في النهب المنظم والفساد والتستر على كبار الحيتان والصفقات؟
اللهم إن كان بعلمك قدوم ذلك الرئيس وطاقمه ومن بعده من المسؤولين وكل من يتولى أمراً من أمور المسلمين وطوافهم بالبيت وسعيهم وفي نيتهم التوبة والإصلاح وطلب العون منك في إقامة العدل في رعيتهم وتحكيم شرعك فيهم ويعينوا المظلوم ويشبعوا الجائع والمحروم، ويعيدوا النازحين والمشردين لبيتوهم ويكفكفوا دمعة الكسير ويمسحوا على رأس اليتيم ويسوقوا القتلة والمفسدين للقضاء ويعجلوا في إخراج الأبرياء من المعتقلين والمغيبين ، والسعي لاصلاح ما أفسده سلفهم والذود عن بلدانهم وقطع أذناب المحتل وأعوانه فوفقهم في مسعاهم وخذ بيدهم، وإنا رغم ما قاسيناه من ظلمهم وافسادهم نحول ما مضى من أمرهم اليك ؛ فأنت أعلم بالحال والمآل فلا تؤاخذنا إن لم نبرءهم الذمة وسنوقفهم عندك يوم الحشر لنقتص منهم وهذا هو عدلك .
وإن كان اللهم بعلمك أن قدومهم هو عرف دبلوماسي وإصرار على الذنب ونفاق وتدليس وتكريس للفرقة وانتهاك لحقوق الشعوب وإذلالها وغرس الطائفية والعنصرية والتبعية؛ فنسألك يا من لا تخفى عنه غائبة أن ترد كيدهم في نحورهم وتنجي تلك الشعوب المنكوبة من شرورهم، وألا تقيم لهم راية وأن تجعلهم لمن يأتي من خلفهم عبرة وآية، وألا تجمعنا بهم بعد لا في بيتك الحرام ولا في أي أرض أو مقام. وان لا تغفر لهم حتى إن تعلقوا باستار الكعبة ودخلوا جوفها..
وعملاً بحسن الظن نقول «عمرة مقبولة دولة الرئيس}) .