مِحرارُ التصوّرات التاريخيّة للسياسي العراقي، جوزيف صليوا، مليئةٌ بالزئبق العثماني، و مؤشِّراتٌ للظُلم الذي مورِس، بحقِّ المكوِّن الكلداني السرياني الآشوري، من الحكومات العِراقيّة المُتعاقِبة. أثارت تصريحاتُه الأخيرة عن “الفتوحات الإسلاميّة”، جَدَلاً كبيراً.
خُلاصة الاتِهامات التي وجِّهت له، إنَّ تصريحاته شبيهةٌ بالمياه الغازية، لهضمِ ركود شخصِه السياسي. بالنسبةِ لي كانت مؤشِّراتٍ، على ارتِقاءِ ما يُعرف بـمشروع الحُكم الذاتي للعراقيين، في “سهل نينوى”، من اتباعِ الديانةِ المسيحيَّة، نحو مستوياتٍ دوليّة أكثر جدَّية. هذا “الجيتو” المسيحي، يعتبِرهُ صليوا، حلاً وحيداً، مُطالِباً بأن تكون الصيدليَّةُ الدوليّة هي المسؤولة عن إنتاجِه، و عَلمانيّة الدولة العِراقيّة، هي العبوة التي تحفِظُه.
حاوره/ مسار عبد المحسن راضي – بغداد
“داعش” فتوحات إسلاميّة حديثة تلبس عباءة التاريخ
صليوا يرى “داعش” فِكراً فقهياً إسلاميّاً، استطاع أن يحترِف المناورَة مع المجتمع الدولي. يقول عن ذلك: ” الفِكْرُ الداعشي مُتَغلغِل و بعمق عبر القرون، في نفوس الكثيرين من ناس نينوى”. وجَدَ إنَّ ألوان هذهِ اللوحة الفكرية، ما زالت فاقِعة، لأنها تُغذَّى من خلالِ ” الكثير من الملالي، و خطباء الجوامع”.
الراعي الدولي لهذا الفِكْر؛ الذي يحترِفُ الصراع من أجل البقاء: “غزوات الإمبراطورية العثمانية، و مصدرُها كان بدونِ أدنى شك اسطنبول في الأمس، و اليوم العاصِمَة أنقرة”.
الجذور الموصِليَّة لهذا الفِكْر بحسب جوزيف، و الذي معنى أسمِه (يجمع و يُضيف): ” العثمانيون زرعوها في نينوى”. أمّا البستاني الذي أولاها رِعايته اليوم: “أردوغان ونِظامِه الديني “السُّني” يُغذّيها عبر وكلاءٍ و أذرعٍ له، موجودين في المحافظة، و بالتالي وللأسف الشديد، ما يزال هذا الفِكْر الإجرامي.. الذي أُسمّيه بـ “سرطان الإنسانية” مُستمراً بشكلٍ أو بآخر، يطفو على سطحِ حدثٍ ما، تارةً بقوَّة، مُختفياً تارةً أُخرى، لكنهُ لم ينتهِ”.
يتهمُ النائب المثير للجدل أنقرة، بأنها تمتلِكُ شهيةً جُغرافيّة للأرض العِراقيّة:” إنَّ دولة تركيا أو النظام التركي الحالي، لا يخفي مطامعه في محافظتين عراقيتين.. نينوى و كركوك. التحرُّك الفعلي بدأ في نينوى، من خلال مجاميع لها تبعية عثمانية، و تمتلِكُ فكراً إسلاميّاً مُتشدِد. تضخُ أموالاً، و تعملُ على قدمٍ و ساق، من خلال هذهِ الأذرع في نينوى، لتهيئة أرضية الاستحواذ على تلك الأراضي العراقية”.
الطموح الجُغرافي في امتلاكِ أراضٍ اُخرى، دائماً ما يبدأ ناعِماً.. التغيير الديموغرافي. علّق صليوا: ” مسألةُ استبدال العراقيين، بعراقيين من مكوِّناتٍ أُخرى، معالِمُه غير واضحة، و أنا لا استبعِدُ أن يكون هنالِك مخططٌ هجين.. اسمحوا لي أن أُسمّيه ” مُخطط خطير و خبيث” بحقِّ العراقيين، و هذا ليس بجديدٍ على من يؤمنون بعقلية الإمبراطورية العثمانية”.
يندفِعُ بعدها إلى وضعِ مُلصقاتٍ تحذيرية للعِراق و العالم، ركَّز فيها على العِراقيين” السُّنة”، و “مُدَّعيْ العروبة” : ” يجب على العراقيين، أن يكونوا على أهُبَّة الاستعداد، و أن يكونوا حذرين من هذه المخططات الخبيثة؛ التي تجري في الموصل، بوسائلٍ وأغطيةٍ مختلفة.. سواء أكانت تارةً دينية “سُّنية” مُتَطَرِّفة، و طوراً آخر، من خلال الادعاء العروبي”.
المكوِّنات العراقية و مسابقة كأس الاضطهاد التاريخي
صليوا؛ الذي شاهدناهُ سياسيّاً منذُ عام 2011، كان عضواً في الجمعية العِراقية الأمريكية لحقوقِ الإنسان. كان من الضروري الخوض معه؛ فيما تصِفهُ الأدبيات العِراقية الآشوريَّة بـ “مذبحة سميل” التي تعرَّضوا لها، سنة 1933. تركيز هذهِ الأدبيات، على سميل، بدا نوعاً من السِّباق، للفوز بكأس الاضطهاد التاريخي، و الذي احترفتهُ المكوِّنات العِراقيَّة بعد الاحتلال الأمريكي للبلاد، سنة 2003. طبعاً، المُنشِّطات الأمريكية وزِّعت على الجميع بالتساوي، لكن داء المظلوميَّة التاريخيَّة، يبدو مُرادِفاً للجسدِ السياسي “الشيعي” في العِراق بعد 2003.
صليوا وجَدَ بأنَّ تاريخ المظالم لهذا المكوِّن، يجعلهُ حصيناً أمام أيَّ عدوى، لأن عمرهُ ألف وأربعمائة سنة: “كُل مكوِّنات الشعب العراقي، عانت بشكلٍ أو بآخر مما مورِس بحقِّها من مظالم، و لكن ما عاناه المكوِّن الكلداني السرياني الآشوري المسيحي، على مدى 1400 سنة مضت، و بنِسبٍ مختلفة، و بوسائلٍ مُتعدِّدَة، و في حُقَبٍ زمنيَّة عديدة، لم تُعانيه بقية المكوِّنات الأُخرى”.
يلتقِطُ جوزيف من التاريخ ما اعتبرهُ نوعاً من المُفارقة المظلوميَّة: “الغريب أن أغلب المكوِّنات الأُخرى حكمت العراق، ولكن هذا المكوِّن، لم يحصل على أيّة استقلالية.. أقصد ضمن إطار العراق، و لم يحصلوا على حقوقهم، ولم يُمارِس السُلطة”.
رأى بعدها، إنَّ شروق الدين الإسلامي في العِراق، كان غروباً لكينونةِ المكوِّن: ” إن هذا المكوِّن يُعاني من المظالم، منذُ دخول الإسلام إلى العراق، بوسائل، طُرق، و أشكال مختلِفة، و عبر مجاميع تستغل اسم الإسلام بهذا الإطار، و مارست الظلم، المذابح الجماعية، التشريد، التهجير، طمر الآثار وبيعها، و طمر الكنائس إلى آخِره”.
ما تُعرف بـ “مذبحة سميل”، نجحت في اجتياز الأطلسي، و الوصولِ إلى الكونغرس الأمريكي، حيثُ رأى المُشرِّعُ الأمريكي، إنّها ترتقي إلى مصافِ وصفِها بـ ” إبادةً جماعيَّة”. هكذا يبدو أن “الجيتو العراقي المسيحي”، المُزمع تأسيسُه في سهل نينوى، قد حصل على الدمغةِ الأمريكيّة، و لم يعُد ينتظِرُ، إلَّا توقيعاً من البيئة السياسيّة، غير المُستقرَّةِ في البِلاد.
عِطارة صليوا التفسيريَّة كانت: ” لم يتمكن الذين حكموا العراق عبر الحُقب التاريخية من قبول الآخر المختلف.. أي قبول المكوِّن الكلداني السرياني الآشوري. حُكِمَ العراق تارةً باسم الدين، و طوراً آخر باسم الأيديولوجية، أو باسم الغطاء القومي.. سواء من العرب أو الأكراد، الذين كانوا من المسلمين المتشددين، أو منتمين إلى الإيديولوجيات القومية الشوفينية الأُخرى. هذا الأمر أدّى إلى أن يشعر هذا المكوِّن بظلمٍ كبير”. و النتيجة، بحسبِ عمليات الجمع و الطرح التاريخيّة: “وصلَ المكوِّن إلى أن يترك موطن الآباء و الأجداد”.
قام بعدها بتمليح “الجيتو المسيحي” بالضرورات الواقعيَّة: ” يجب أن يتحوَّل سهل نينوى إلى إدارةٍ ذاتية، يُحفظ فيها هذا المكوِّن، و يعيش بسلام، مع بقية المكوِّنات الأُخرى، الموجودة في سهل نينوى، في ظلِّ إطارِ عراقٍ واحدٍ موحَّد، فيدرالي، و ديمقراطي حقيقي”.
نزاع بين السُلطتين الدينية و الدنيوية و اقتراب دينونة الاختفاء المسيحي
لغة اللاهوت المسيحيَّة، مُسيَّجة بهذا النِّزاع، بعد أن قَبِلت الكنيسة أن تتورَّط في صراعٍ مع السياسة، والتي هي بحسب صليوا: ” فيها الكثير من الأكاذيب و الأحابيل”. النائب السابق، دائِماً ما رَفَضَ تَدَخُل بطريركيَّة الكلدان الكاثوليك في شؤون الطائفة الدنيويَّة؛ السياسيّة منها ما تُهِمُّهُ على الأكثر. موقِفُه مع رأس هذهِ المؤسسةِ الدينيَّة، البطريرك ساكو، فيه كثيرٌ من الشدِّ و الجذب، عكس السيدين؛ عماد يوخنا و يونادم كنا.
تتكأ تصوّرات صليوا على السياج الروحي، رافِضاً تسلُّل الأرانب السياسيَّة إلى حديقة الرب: ” يُفترض أن يبقى الدين في جانبه الروحي ملاذاً للإنسان، و من ثُمَّ يبقى هذا الجزء النقي عند الإنسان من خلال الدين”. مُتبنيّاً فلسفة الرفض الكامل، للعِلاقة بين السُلطتين: أنا أرفض تَدَخُل رجال الدين، و كُل الأنظمة الدينية، بغضِّ النظر عن تسمياتها وغطائِها”. أمّا عن الساسةِ الذين لا يرفضون أن يتناولوا خبز الرب في موائدِهم السياسيّة، يُلقي عليهم ساكو حِجاراً معنويّاً: ” إنَّ الذين لا يمانعون تَدَخُل رجال الدين في السياسة أو تحديداً السيد ساكو.. فهذا دجل، نفاق، و رياء لا يجب أن يستمر، و هذا الموضوع له مآرب شخصية”.
الأب ساكو، من الشخصيات الدينيّة البارِزة في العِراق، و ربّما دِراستُه في الجامعةِ البابوية في روما، وصولاً إلى السوربون، وما بينهما، يعطيه بالتأكيد ثُقلاً بابويّاً، يستطيعُ إعارته لمن ترغبُ بهِ الفاتيكان و البطريركيَّة الكلدانيَّة. محاوري يستهجِنُ ذلك و يختزِلُه: ” إنَّ توظيفُ رِجال الدين، بُغيتُه الحصول على المكاسب، و جعلهِ غطاءً لتحقيقِ أمورٍ ذاتية، لا لخدمة الإنسان العراقي، و العِراق و شعبه”.
يعودُ بعدها إلى سهلِ نينوى، مُعتبّراً هذا المشروع، آخِر القِلاع؛ التي ستقنِعُ المكوِّن بعدم الفِرار من أرضِ آبائِهم و أجدادِهم. هذهِ القلعة تستطيع الصمود بوجهِ تشريعاتِ: “القوانين العنصرية، سواء كانت بغطاءٍ ديني أم قومي، ، بالإضافة لذلك كان وما يزالُ التغييرُ الديموغرافي مُستمرَّاً في مناطقهِم، و تُسلَب أراضيهم عِنوةً، و هذه تعتبرُ سياسةً ناعمةً أُخرى”.
عدم إمكانيَّة بناء نُسخة أُخرى واقعيّة من كاميلوت للمكوِّن، في سهل نينوى، كي تنمو من إدارةٍ ذاتيَّة، إلى إقليمٍ فيما بعد ذلك؛ سيؤدي إلى: ” لن يبقى وجودٌ لهذا المكوِّن في البلد، بسبب هذه الممارسات الاستبدادية و القمعية تجاههُم”. أمّا عن كيفيّة إرواء سهل نينوى قانونياً: ” إعلانهُ إقليماً بحسب الدستور العراقي، الفيدرالي”.
أعداد المكوِّن العِراقي الكلداني السرياني الآشوري، و بحسبِ الإحصاءات التي يُردِدُها صليوا، تذهبُ إلى أن البِلاد قد ” تقلَّصت بحوالي ثلاثة أرباع عن أعدادِهم القديمة.. من ملايينٍ إلى مئاتٍ من الآلاف”. أولئك الذين يعتبِرهُم: “سكَّان الأرض الأصليين، و أصحاب الأرض الأوائل، و بُناة الحضارات العِراقية القديمة”.
مطارق واشنطن و طهران تُرعِب مسامير البيان رقم 1
مُحاوِريْ يرى بأنّهُ لولا الراعي الدولي، لمُليء باب العملية السياسية بعد الاحتلال، بِجُثثِ مسامير البيان رقم واحد. بيّنتُ له مشاكِساً إنَّ مسامير البيان رقم واحد أفضل، لأنها محلّية الصُنع، و تُناسِبُ البيئة العِراقية، أكثر من البيان رقم صفر الإقليمي و الدولي.
صليوا انتصر لِمُعادلة “الرعاية الدوليّة” بحسبِ تعبيره، و هي أفضل من مخاطر : ” اقتِتال داخلي عراقي، و سوف يستمرُ هذا التناحر؛ بل و سيحدُث اقتتال داخلي، بين المكوِّنات نفسِها، كما حدث في نهاية عام 1992 و بداية عام 1993 بين الكرد”.
ترتفعُ تنبؤات المخاطر في الدورة الدموية لكلماتِه القادِمة: “لا استبعِدُ هذا، إذا سحب المجتمع الدولي رعايته للنظام في العِراق. أخشى أن يتحوّل العِراق إلى بُحيرةٍ من الدَّم لا سامح الله، بسبب التناحرات الموجودة”. لينتهي بخصوص ما تقدَّم بقولِه: ” أنا أرى أنهُ ليس من الأفضل أن يرفع المجتمع الدولي يده عن النِّظام في العراق؛ كي لا تنحو الأمور نحو هذا المنحى الخطير”.
الحديث عن مستقبل العراق، مع الميليشيات الإيرانية، يُستخدمُ في البيئة إعلامية، أكثر من الفوارِز و النُقط. اليوم، بات الجميعُ يشمُ رائحة الرغبة للإرادة الدولية، بتصفية هذهِ الميليشيات؛ التي تلعبُ دور الظل لشمسِ ولاية الفقيه في العِراق. أيضاً، هنالِك تخوّفٌ من انطلاق ماراثون تقسيم البِلاد إلى أقاليم.
صليوا طرق باب الموضوع من باب أمنياته الشخصية: “اتمنى اليوم قبل الغد، أن تُنهى المظاهر المُسلَّحة في العراق، و تنصهِر كُل هذهِ المجاميع المُسلَّحة العسكرية، في الأجهزة الأمنية التابعة للدولة العراقية، و التي هي بُنيت وفقاً للدستور”. عدم تحقُق أمنية النائب السابق، ترجم هو نفسهُ تداعياتِها: “خلاف ذلك سوف لن تستقر البلاد، و أنا اعتقد أن هذا أيضاً، يجب أن يحدث برعاية المجتمع الدولي، و تهيئة أرضية لجلوس الأفرقاء العراقيين، على طاولةٍ واحدة، و إيجاد الحلول لهذه المشاكل و المواقف المتناقضة”.
فكرة الأقاليم ليست مُرعبة كفايةً كما يبدو لصليوا: ” الأقاليم ليست عبارة عن تقسيمٍ للعراق، و الأقلمة، تُمارِسُها أفضل الأنظمة الموجودة على وجه الأرض، ذات الكينونة الفيدرالية، و هذا لا يعتبر تقسيماً بتاتاً”.
دعا أيضاً إلى رؤية الموضوع، بعيداً عن الدراما السياسيّة: ” علينا أن نُدرِك و نعلم أيضاً، إن هنالِك فرقاً بين الفيدرالية و الكونفدرالية. ما أدعو إليه تطبيق الفيدرالية، وفق ما كُتِبَ في الدستور، و اتفقت عليه المكوِّنات العراقية و مُمثِّليها”. أمّا الموقف الشخصي الذي يتبناه هو: “أنا ضد التقسيم جُملةً و تفصيلاً، و بتقديري فإن العراق هو رقمٌ واحد لا يمكن تقسيمه ،ولا اتمنى أن أراهُ مُقسَّماً يوماً من الأيّام”.
استفحال الدور الطائفي و العرقي للعراقيين “الشيعة” و الكُرد، في تتبيل الدستور والسُلطات، بالمظالم و الطموحات الانفصالية، بدا لصيقاً برغبةٍ دوليّة، لديها طموحاتُها الخاصَّة أيضاً. باختصار العِراق الآن مزرعة طائفيّة و عرقيّة.
صليوا يرى من جانِبه: ” إنَّ قادة قادة الكُرد و “الشيعة”، و من ضمنهم “السُّنة”؛ الذين يُمسِكون بمقاليد الحكم في العراق، لا يستطيعوا إنتاج ديموقراطية حقيقية، لأن فاقد الشيء لا يُعطيه”. السبب عاهة الاستبداد: “الديموقراطية سلوك، مواقف، و ممارسات عقلية وذهنية، ولكن للأسف الذين يتقلَّدون الحكم في العراق.. مُمثِّلي الكُرد و “الشيعة” تكوَّنت نفسيتُهُم و عقليتُهُم و ذهنيتُهُم، في ظلِّ ظروفٍ استبدادية”.
يتلَبَس صليوا بعدها دور المحلل النفسي: “كانوا مطاردين في الجبال، في الأهوار، و في الدول المجاورة. هم بالتالي لا يستطيعوا إنتاج ديموقراطية حقيقية. إذا كان الأمر يتعلق بهؤلاء القادة؛ فهم يتمنون أن يبقى العراق مزرعةً طائفية، عرقية، و قومية، يكونون هم من يقودونها بهذه الطريقة على حِساب الشعب، و لكن اعتقد أنَّ هذا الشيء محال، في المرحلة المقبلة”.
كُردستان العراق مع الأقلّيات: سروال دولي و جينز محلّي
إقليم كردستان العِراق، دائماً ما روِّج لنفسه في الغرب، بأنهُ جبلٌ ديموقراطي، يستطيعُ الصمود أمام هجمات الاستبداد، و مُنتقدِي الغرب. أيضاً، يفتخر دائماً بسروال سُلطاته الإقليميّة، وبأنهُ واسِعٌ لِكُلِّ المكوِّنات العِراقية. هذا السروال يتحوّلُ إلى بنطالٍ ضيّقٍ من الجينز عند صليوا، لا يُناسِبُ ما تقومُ به و بغداد مع المكوِّن : “وضع الكلدان السريان الآشوريين، مُعتنقي الديانة المسيحية، سيء جداً في عموم العراق من أقصاه إلى أقصاه.. سواء كان ذلك في الشمال أم في الوسط، أو في الجنوب. هنالك مطاردات، مضايقات، مصادرة للحقوق، مصادرة للأراضي، استيلاء على بيوتهم و ممتلكاتِهم، هضم حقوقهِم، عدم الاعتراف بكينونتِهم، و عدم احترام خصوصيتهم، و ذلك يسري على الحكومتين في بغداد و الإقليم”.
واشنطن؛ التي تعملُ كشركة بذور عملاقة، تُجرِّبُ بذور اوطان صغيرة و عرقيّة في الشرق الأوسط. يبدو بأنها تجِدُ العِراق، أرضاً صالِحة لعدّةِ أوطان: ” واشنطن أدركت أن العراق له خصوصية، تركيبة مجتمعية.. عرقية و دينية، و طائفية، لا يُمكِن لها تجاوز خصوصياتِها”.
لكن صليوا ذهب إلى إنَّ ارتفاع الكُلف، ربّما قد اقنع واشنطن بتجربةٍ جديدة: ” لا يُمكِن أن تُطلِق العِنان لمجموعة مُعيّنة لتتحكم بمصائر المجاميع الأُخرى بأي غطاءٍ كان.. ديني، قومي، عرقي، و طائفي”. أمّا عن طريقة إدارةِ هذا الجديد: ” أنا اعتقد أن من يديرون السياسة في واشنطن، أدركوا جيّداً أن الدولة العراقية، يجب أن تكون عَلمانية، ذات سيادة ، و دولة القانون والمؤسسات و الدستور؛ كي تنعم جميع المكوِّنات، و الطوائف الدينية و العرقية فيها بتحقيق الاستقرار و الانتعاش الاقتصادي، و من ثمَّ الذهاب نحو تكوين علاقاتٍ مُميَّزة، تعود بالفائدة على الطرفين.. أأؤمِنُ بهذهِ النظرة إيماناً حقيقيَّاً، ولا أرى بديلاً عنها”.
عرجنا بعدها إلى ما يقومُ بهِ التيّارُ الصدري، من نشاطاتٍ لإرجاع الأملاك العراقية المُغتصَبَة؛ التي يمتلِكُها اتباع الديانة المسيحية. النائب السابق علّق: ” التيار الصدري قام مشكوراً بهذهِ المبادرة. لكن أنا أعتقد أن هذهِ يجب أن لا تكون مهمة التيار الصدري، بقدرِ ما يجب أن تكون مهمة الدولة، و بالتالي الدولة لا تُختزل بجهةٍ مُعيّنة أو بقائدٍ أو بزعيم مُعيّن، و إنّما الدولة العراقية لها كينونتها”. أمّا عن نتائِج هذهِ المُبادرة: ” التجاوب مع هذهِ المبادرة، لم يكُن بالدَّرَجةِ المطلوبة، و لم يتم استرجاع الأملاك العراقية المغتصبة بأعدادٍ كبيرة يُمكِن أن يُشار إليها”.
بارِقةُ الأمل الوحيدة التي تقدحُ من السطورِ السابقة: ” أنَّ ما قام به التيار الصدري، دلالةُ وقوفهِ، على مسافةٍ واحدة، من جميع مكوِّنات الشعب العراقي، و أنّهُ يحاول نصرة المظلومين أيّاً كانت تسمياتهم”.
العراق والعرب قدر لا مفر منه و التطبيع خِطاب شعبوي
علاقات العِراق مع مُحيطهِ العربي تبدو له: ” واحِدة من مزايا عديدة تمتلِكُها البِلاد، أنهُ بلدٌ فيه نسبة كبيرة من العرب، و يمتلِكُ حدوداً جغرافيّة مع دولٍ عربية.. أقصد ذات أغلبية عربية.. مع سوريا والكويت والسعودية و الأردن”.
الطريقة الأمثل للاستفادة من هذهِ الميزة و مخاطِرُها الجانبيَّة: ” إنَّ على العراق أن يقيم علاقاتٍ متوازنة متزنة، على أساس المصالح المتبادلة مع كُل الجيران الموجودين، ولا يكتفي بوضع البيض كُلِّه في سلَّةٍ واحدة؛ فهذا لن يعود على العراق و العراقيين بمنفعة.. إنّها سياسةٌ خاطئة”. يقترِحُ بعدها هذهِ النصيحة: “يجب أن تكون هنالِك علاقات ممتازة و مُميَّزة مع كُل الأطراف، و مع المجتمع الدولي، ومن ضمنه الدول المجاورة ذات الأغلبية العربية.. هذا شيء جيَّد و رائع، ولا مفرَّ منهُ حقيقةً”.
ذهب الحديثُ بعدها، إلى وادي الصراع السياسي الدائر في العراق، الآن، و الذي صنع من مسألة التطبيع مع “إسرائيل”، ملعباً كبيراً، تجلِسُ فيه المكوِّنات العِراقية على المقاعد العاديّة، المُتهَمة بأنها ثانويّة و تُعاني من اختفاء لوزتيْ المقاومة، و مقصورات للنُخب التي تقِف ضِدَّ هذا المشروع الافتراضي؛ الذي يرتعُ في أدبيات المجاميع المُسلَّحة، التابعة للأرجنتين الشقيقة.. طهران كما تُسمَّى تَنَدُّراً، هو باتِفاقِ نسبة كبيرة من العِراقيين: خِطاب تعبوي إيراني بألسُن عِراقيّة.
صليوا، وجَدَ إنَّ العقلاء فقط هم القادرين على استهلاك موضوع “إسرائيل” في نِقاشاتٍ مُجديَّة: ” موضوع دولة “إسرائيل” أصبح واقع حال. اليوم هي دولة موجودة على أرض الواقع. اعتقد إنَّ على العقلاء أن يتعاملوا مع “إسرائيل” كدولة”.
الطريف القادم في موضوعة التطبيع مع هذهِ “المحميّة” الغربيَّة: “لا اعتقد إنَّ “إسرائيل” في حاجةٍ للعراق من ناحية التطبيع”. استبعد صليوا أيضاً، أن يكون موضوع تطبيع العِراق مع “إسرائيل” طموحاً أمريكيّاً: ” ليست هنالِك أيضاً أيّةُ رغبة أمريكية حقيقية بهذا الاتجاه، و إنما هذا الموضوع عبارة عن فُقاعة وخِطاب شعبوي بألسُن عراقيَّة كما وصفتها أنت، من الطرف الإيراني”.
طالب صليوا بعدها، وبشكلٍ صريح، إبعاد العِراق، عن القضية الفلسطينيَّة: “أنا كشخص لا أرى أي منفعة للعراق و العراقيين، من زج أنْفُسِهِم في هذا الصراع. إنَّ “إسرائيل” و موضوع القضية الفلسطينية، يجب أن يبقى قضية خاصة بالفلسطينيين، ولا شأن للعراق بهذا الموضوع، ولا يجب إقحام العراق بهذا الصراع؛ الذي لم و لن يجلب منفعةً للعراقيين”.
الإجابات على التطبيع عموماً، تنتظِرُ المستقبل: “حينما يكون للعراق حكومة مستقرة وطنية ترعى الجميع، حينها من الممكن أن يُجرى استفتاء بهذا الاتجاه، ويقرر الشعب ما يُريده”.
توقَّعت أن تكون القضية المرفوعة ضِدَّ جوزيف صليوا، سبباً في ترويضِ تصريحاتِه. هو لديه رأيٌ آخر، استهلَّهُ قائِلاً : “الدعاوى المرفوعة ضدي، دعاوى كيدية و مفبركة، غاياتُها تحويل أصحابِها إلى أبطال من خلال هذا السلوك”. يُبخِسُ بعدها قيمة ما قالِه من أيَّةِ تجاوزات: ” ما صرّحتُ بهِ لا يستوجب دعاوى. ليس هناك أي تجاوز و أي تعدي على كينونة أي مكوِّن من المكوِّنات العراقية المحترمة، ولا على دينٍ من الأديان”. دليلهُ: “هذه ليس تربيتي وثقافتي.. الشخصية، الفقهية، الذاتية، و التربويّة”.
يُطلِعُنا صليوا بعدها على جزءً من دواخِله وسِماته النفسيَّة: “أنا أعيش بِصُلحٍ مع الذات، و لن أخضع للواقع المرير، و سوف أكون جُزءاً من مساعي التغيير، ولن أخضع للاستبداد ولا لممارساتٍ استبدادية بحقّي”