الجدل الدائر بين الذين يطعنون بالموروث الفقهي والديني و بالارث الحضاري والعلمي الذي انتجه المسلمون في قرونهم الاولى المباركة، وفي القرون المتأخرة العظيمة ،والعلوم والفلسفات والآداب التي ابدعوها من انفسهم او جددوها عن حضارات غبرت قبلهم ، وصدروها ونشروها عن طيب خاطر واجتهاد في كل قطر من الارض وصلوه , واعتبروا ان زكاة العلم نشره اقتداء بحديث نبيهم وتطبيقا لآيات ربهم ،
هذا الامر الذي علا وظهر وانتشر في الارض ولاينكره الغربيون بمستشرقيهم ولا الهنود في كتبهم ولا الصينيون في ثنايا حكمتهم ،و اعترف كثير من علماء الحضارات المتقدمة المعتبرين اليوم ان لأولئك الرجال فضل في إرساء بعض أسس رقيّ العالم المعاصر اذ هي سلسلة تراكم علمي متصل ممتد ،
وبدا الالمان حملة تاصيلية علمية قبل سنوات أرجعت مئات الكتب الغربية “العلمية الصرفة” -المعتمَدة اصولا في الميكانيك والفيزياء والفلك والكيمياء وغيرها-الى مصادرها الإسلامية بلغتها العربية و أثبتوا ان مؤلفيها عرب او مسلمون سرقت جهودهم ونسخت الى لغات اوربا والصق عليها اسماء مؤلفين غربيين “مختَلقين” او اسماء علماء غربيين “منتحِلين.”
وفي الجانب الشرعي القانوني المنظم للحياة انذهلت امم الارض والى الان بحثيا و اكاديميا من كم القوانين والدساتير والاحكام والتنظيم الأسري والاجتماعي الإسلامية التي استقى منها “بشكل محقق” القانون الفرنسي -احدث القوانين المدنية في عصرنا- والذي صار مرجعا لقوانين الامم المدنية اليوم ،واستقى منها القانون الامريكي -اعظم النظم القانونية الدستورية المجسدة للحرية وحق الانسان- في عصرنا ، وغيرهما .
وفي الجانب التأريخي والتوثيقي لأخبار الغابرين و ايامهم واحداثهم ، وفي السياسة والحكم والإمامة وشؤون المراة وتربية الطفل وفلسفة الاخلاق آلاف المؤلفات التي فتحت للعالم ولكبار علماء الاجتماع والتربية الغربيين الذين نتشدق اليوم باسمائهم تفاخرا بحفظها وترديدها في مجالس لنثبت اننا مثقفون ، فتحت لهم ابواب العلم واصول البحث وخيارات الإكمال والزيادة والتوسيع .
وفي الجانب الإقتصادي والعسكري مدارس ومذاهب سطرتها وحولتها الامة المسلمة الى كتب تتكلم في تنظيم موارد الدولة وتحقيق عدالة توزيع الثروات وكفاية الملايين من الناس حتى وصلت في عصر العباسيين الى جراية اموال لمؤسسات الخير ومطعمي الحيوان السائب والطير ،
و في الفقه وعلومه ومذاهبه وكتبه التي ادهشت المختصين واستباقها الحادثة قبل وقوعها وملاحقتها مايطرأ ويستجد من احوال الناس ونوازل الدهر فور حدوثها ،آلاف الكتب والمقالات والفتاوى من مئات العلماء وعشرات المدارس كلهم يستقي من مصدر واحد ويختلفون ولايتخالفون ويتناظرون ولايتصارعون ويكسبون ويغلبون ولا يتباهون او يطغون،
وفي علم الحديث واسانيده ورواته و رجاله وجرحهم وتعديلهم ووصفهم وتحقيق حيواتهم وشؤونهم ومتابعة دقائق قيامهم وقعودهم ومرضهم وصحتهم وهرمهم ونسيانهم بعشرات المصنفات والكتب التي ادهشت المختصين في التاريخ ، وشكلت علوما واصولا و أُسسا تدرس في الجامعات وينال عبرها وعنها وبها آلاف الطلبة والباحثين شهادات و إجازات عالمية يتفاخرون بها في كل أصقاع الارض.
كل هذا و اكثر مما لايحصر أفنى فيه علماء الامة وفلاسفتها ومحدثوها و أصوليوها وفقهاؤها وادباؤها اعمارهم واستنزفوا عقولهم و أبلوا أجسادهم و جفّت عيونهم ، و بروا اقلامهم و استنفذوا جلود الماعز و لحاء الشجر قراطيس ، ليتركوا للبشرية ارثا جبارا لاينكر ، فياتي رجل مسلم ، او “يظن” انه مسلم فيتجرأ عليهم بحجة كونه “رجل مثلهم”! ، ويتطاول عليهم بداعي المناظرة “ولاكبير على الحق”! ،وينتقص منهم تحت بند التطور العلمي والمعلوماتي ، بل ويتهجم عليهم وعلى ما ألفوا وصنفوا ، وما حددوا وبينوا وفسروا ونقلوا و أرخوا وعرفوا ، بدعوى ماسسببوا له من جهل وخرافات و وهم، ولنا من عوار في الفقه وقصور في التفسير ووضع في الحديث وخداع في العقيدة ، ثم يمسح عارضيه و”شاربيه” بالمسجد ويقول “أنا مسلم”،،! و انا رجل افكر و من حقي ان اجادل واحاجج و ارد و انقض مافعلوا ، “فهذا هو العلم والبحث”
كلا يا ابن عم ،، هذا ليس العلم والبحث ولا المناظرة والمحاججة ،و إلا لقبلنا، فكلهم حاجج كلهم ،وكلهم رد على كلهم ، ولكنهم افتخروا ببعضهم البعض , أجيال مديدة وعقول مجيدة ومؤلفات عديدة ، اثنى بعضها على بعض و اخذ بعضها من بعض و رد بعضها على بعض وصحح بعضها لبعض دون ان يشوهوا دين الإسلام و يبرأوا او ينسلخوا من إرث المسلمين ، و يماهوا اعداءه ويروجوا لمحاربيه ويتطاولوا على مجتهديه، و دون ان يطعنوا او يدسوا او يدلسوا على الناس ،
كلا يا ابن عم ،، انت لست رجلا وهم رجال ،بل انت فاشل وهم ناجحون ،انت متقاعس وهم متفانون ، انت مدع وهم علماء عاملون ، انت وهم و هم حقيقيون ، انت تجمع وتسرق لتصبح ذا شهادة عليا مجوفة لا اضافة علمية لها ولا قيمة ، و هم يؤصلون و يؤسسون ، انت تنسخ وتلصق وهم يبتكرون ويفكرون ويستنبطون ويبدعون ، فيصيبون ويخطاون “وكل ابن آدم خطاء” ولكن لاينسلخون ، لأنهم -بعد كل شيء- مسلمون ، اما انت فلست مسلما – في الاقل عقائديا- كما ارى ،،فالمسلم لايشوه صورة دينه.