وكالات – كتابات :
ما التداعيات التي ستواجهها “إيران” إذا تمكَّنت “الولايات المتحدة” من إتمام الاتفاقيات الأمنية الإستراتيجية بين دول الخليج و”إسرائيل” ؟
نشرت مجلة (ريسبونسبل ستيت كرافت)؛ التابعة لمعهد (كوينسي) لفن الحكم الرشيد، مقالًا كتبته؛ “روكسان فارمانفرمايان”، مديرة العلاقات الدولية والدراسات العالمية في معهد التعليم المفتوح؛ بجامعة “كامبريدغ”، سلَّطت فيه الضوء على التداعيات التي ستواجهها “إيران” إذا تمكَّنت “الولايات المتحدة” من تكوين اتفاقيات أمنية إستراتيجية بين دول الخليج و”إسرائيل”.
في مستهل مقالها تقول الكاتبة: يبدو أن “الخليج العربي”، الذي يُنظر إليه غالبًا على أنه منطقة أساسية للصراع، يتحول إلى “واحة” للمبادرات الدبلوماسية وإجراء المفاوضات، لاستحضار مباديء الرئيس الأميركي السابق؛ “جيمي كارتر”، حتى في الوقت الذي ينهمك فيه العالم في حرب “أوكرانيا”.
ومع ذلك؛ فلن يكون لـ”الخليج العربي” أهمية في أي شيء سوى الأهمية الإستراتيجية، وما يحدث في المنطقة يُعد جولة أخرى من “لعبة البوكر”؛ إذ تتوقف كل الرهانات على ردود أفعال “إيران”، ويراهن جميع اللاعبين على الطاولة برهَاناتٍ عالية، ويَدْعون بإخلاص من أجل الفوز.
الإمارات..
توضح الكاتبة أن؛ “محمد بن زايد”، أو “إم. بي. زد”، راسخ حاليًا في مقعده على الطاولة، بعد أن أصبح رئيسًا لدولة “الإمارات العربية المتحدة” رسميًّا؛ بعد وفاة أخيه غير الشقيق الشهر الماضي. وكان “ابن زايد” المُحرك الرئيس لإعادة التعريف بالخليج بوصفه قوة هائلة حديثة مستعدة لتحمل مزيد من المسؤولية العسكرية الإقليمية في تحالفها مع “الولايات المتحدة”، ومنح الأولوية لـ”إيران” قبل “فلسطين”؛ باعتبارها التهديد الأكبر في المنطقة، وهي حركة وصفتها الكاتبة: بـ”الذكية”؛ إذ فتحت الباب أمام علاقات أكثر دفئًا مع “إسرائيل”، خلال رئاسة “دونالد ترامب”؛ لـ”الولايات المتحدة”.
وفي الآونة الأخيرة؛ قاد “ابن زايد” مناقشات مع “واشنطن” بشأن: “اتفاقية الإطار الإستراتيجي” للإبقاء على إلتزام “واشنطن” بحماية “الإمارات” في حالة تعرضها لهجوم، سواء من “الحوثيين” اليمنيين، كما حدث قبل بضعة أشهر عندما أُمطرت العاصمة؛ “أبوظبي”، بالصواريخ، أو من “إيران” عبر “مضيق هرمز”.
وقبل أسبوعين، سجَّلت مفاوضات “الإمارات” مع “الولايات المتحدة”، التي كانت فاترة بعد هجمات “أبوظبي”، قفزة إلى الأمام، بعد أن توقَّف “بريت ماكغورك”، منسِّق “البيت الأبيض” لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا؛ في “أبوظبي”، مقدِّمًا مشروع اتفاق يُعزز التعاون الأمني والدفاعي بين “الولايات المتحدة” و”الإمارات”.
بيد أن الإلتزامات الأمنية الأميركية لحماية “أبوظبي”؛ لا زال يُحيطها قدر من الغموض، لكن هذا لم يُردع الإماراتيين، الذين أدَّى تعاملهم ببرود ولامبالاة تجاه “واشنطن”؛ في أعقاب استجابتها الفاترة ضد هجوم “الحوثيين”، إلى تعزيز موقفهم التفاوضي بمجرد استئناف المحادثات.
السعودية..
تنوه الكاتبة إلى أن “المملكة العربية السعودية”؛ تُمثل حضورًا مهمًا على طاولة “البوكر”، مُمْسِكةً بأوراقها بالقرب من صدرها؛ (لإخفاء خططها وأفكارها عن العيون)، وأحيانًا تُلقي ببعض بطاقاتها على الطاولة، على الرغم من أنه من الواضح أنها، وإن كان ذلك يحدث تدريجيًّا، تُعيد تشكيل علاقاتها الدفاعية والدبلوماسية ليس مع “الولايات المتحدة” فحسب، ولكن أيضًا مع “إسرائيل” في عدد من الجوانب المهمة.
ويجري حاليًا العمل على إعداد خطة من الحزبين؛ (الديمقراطي والجمهوري)، في “الكونغرس”، لتقديمها إلى “وزارة الدفاع” الأميركي؛ (البنتاغون)، لدمج الدفاعات الجوية مع “السعودية، وإسرائيل، وقطر، والإمارات”، ودول عربية أخرى لمواجهة تهديدات “إيران”، أو إنشاء تحالف يُشبه حلف الـ (ناتو) نوعًا ما.
إن زيارة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، إلى منطقة الشرق الأوسط، المقررة في تموز/يوليو القادم، تُهييء الفرصة لتعزيز الإلتزامات بهذه الخطة، لا سيما أن “بايدن” سيزور كلًا من “إسرائيل” و”السعودية”، حيث يلتقي بقادة دول “الخليج العربي”. ونظرًا لأن “السعودية” هي مهد الإسلام وتحمل مسؤولية حماية أقدس البقاع الإسلامية لإقامة مناسك الحج، وهي “مكة” و”المدينة”، فليس لديها مساحة الحرية التي تُمكِّنها من تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”؛ مثل جيرانها الأصغر والأذكى، بحسب الكاتبة.
ولا يتعين على “السعودية” دائمًا تقييم ردود أفعال المجتمع الإسلامي الأوسع مقابل مخاوفها الأمنية في الخليج فحسب، ولكنها يتعين عليها أيضًا تحقيق توازن في دورها بصفتها داعمًا لـ”القضية الفلسطينية” مع إقامة تحالف وثيق ومتنامي مع الدولة اليهودية.
وعلى هذا النحو؛ لم تُوقِّع “الرياض” على “اتفاقات إبراهيم”، التي أشرف عليها “ترامب”، والتي فتحت الباب أمام ما يحدث حاليًا، على الرغم من أن “محمد بن سلمان”، ولي العهد السعودي الشاب؛ الذي يُعد الحاكم الفعلي للمملكة، أكَّد أنه يُعيد التفكير في الموقف السعودي التقليدي.
ومع ذلك فقد كان “ابن سلمان” يأمل أن تُوقِّع إحدى الدول الآسيوية ذات الكثافة السكانية من الأغلبية المسلمة، لا سيما: “باكستان” أو “إندونيسيا”، وكلاهما يزيد عدد سكانها عن: 200 مليون نسمة، على “اتفاقيات إبراهيم”؛ ليؤدي ذلك دور الحاجز ضد أي خطوة قد تتخذها “الرياض” لإبرام اتفاق أمني رسمي مع “إسرائيل”. لكن ذلك لم يحدث؛ مما جعل لعبته أضعف مما كان يتمنى لها، بينما يشق مشروع قانون دمج الدفاعات الجوية الإقليمية طريقه عبر “الكونغرس” الأميركي.
تُلفت الكاتبة إلى أن مستوى المخاطر التي يواجهها “ابن سلمان” تجلَّت بوضوح الأسبوع الماضي؛ عندما صوَّت “البرلمان العراقي” على قانون يهدف إلى تجريم أشكال تطبيع العلاقات كافة مع “إسرائيل”، بما فيها العلاقات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية. وأدَّت الموافقة على القانون في “البرلمان العراقي” إلى تغيير قواعد اللعبة، إذ إن هذا القانون ينفض الغبار عن أوراق اعتماد “العراق” بصفته مؤيدًا لـ”فلسطين”، ويؤدي بصورة حاسمة إلى تعزيز علاقاته مع “إيران”؛ التي انتقدت دول الخليج بشدة لتطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية.
وترى “السعودية” أن استبعادها من أي تحالف أمني إقليمي تُشكِّله “الولايات المتحدة”؛ لا يمكن أن يكون خيارًا مقبولًا، ويُراهن “ابن سلمان” على أنه إذا أدَّى (البنتاغون) دور المظلة لمجموعة أكبر تضم كلًا من: “الرياض” و”تل أبيب”، فسيُمكنه ذلك من تجنب المخاطر التي قد تنجم عن إبرام اتفاقية ثنائية مع “إسرائيل”.
قطر..
أما “قطر” الصغيرة، وهي أغنى لاعب على الطاولة، فقد خاضت جولاتٍ صعبة عندما حاصرها جيرانها في “مجلس التعاون الخليجي”؛ في عام 2017، بدعوى دعمها للإرهاب، لكنها عادت الآن إلى اللعبة، واستعادت مكانتها.
وانضمت “قطر”، التي تستضيف المقر الإقليمي لـ”القيادة المركزية الأميركية”، إلى: “البحرين والكويت”؛ بوصفهم حلفاء رئيسين من خارج الـ (ناتو)، لـ”أميركا”، هذا العام، وهو ما عَدَّه “بايدن”: “دلالة قوية” على أهميتها الإستراتيجية لـ”واشنطن”.
وتؤكد الكاتبة أن أهم أوراق “قطر” في اللعبة هي؛ قدرتها على التفاوض مع “إيران”. وقد زار أميرها الشاب؛ الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، إلى جانب عددٍ آخر من أفراد الأسرة الحاكمة الذين يشغلون مناصب وزارية، العاصمة الإيرانية؛ “طهران”، خلال الأشهر القليلة الماضية، في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة بين المفاوضين الأميركيين والإيرانيين بسبب ما يواجهونه من مشكلات بشأن إحياء “خطة العمل المشتركة الشاملة”، أو “الاتفاق النووي” الإيراني.
لكن فشل “الدوحة” في تجسير الانقسامات ودفع مفاوضات “الاتفاق النووي” إلى الأمام؛ يُضيف مزيدًا من التوترات إلى اللعبة؛ إذ يُعد تحرك “واشنطن” لدمج دفاعات “الخليج العربي” في اتفاق أمني جديد مع “إسرائيل” بمثابة ضغطٍ على “الاتفاق النووي”، ويُشير إلى أن “واشنطن” أصبحت مؤمنة بأن “إيران” ستواصل سلوكها الإقليمي: “الخبيث”؛ حتى في حالة إحياء “الاتفاق النووي”، وهو ما أصبح احتمالًا غير وارد مع مرور الوقت.
إن الحفاظ على استمرار فتح قنوات التواصل بين “إيران” و”الولايات المتحدة”، بالإضافة إلى دول الخليج، يعتمد اعتمادًا كبيرًا على “قطر”، لا سيما أن مبادرة “واشنطن” الدبلوماسية الأخيرة ستؤدي بالتأكيد إلى رفع حجم المخاطر والرهانات التي يواجهها جميع الأطراف، مما يُزيد من احتمالية التهديدات المتبادلة الانتقامية على سفن الشحن في “مضيق هرمز”. ومع ذلك تستمر المحادثات باعتبارها أفضل طريقة لإحداث توازن في تصورات التهديد التي تجعل المنطقة عدائية جدًّا، مع احتفاظ جميع الأطراف بورقة “إسرائيل”.
إيران..
أبرزت الكاتبة أن “إيران”، الطرف الذي يحوز النصيب الأكبر من الكراهية على الطاولة، حافظت على نفسها داخل اللعبة من خلال إجرائها مفاوضات أحادية الجانب، توسَّط فيها “العراق” و”سلطنة عُمان”، مع كل من “الرياض” و”أبوظبي”؛ في العام الماضي. وإزاء مواجهتها طريقًا مسدودًا في المحادثات النووية والتحول الإستراتيجي الخليجي تجاه “إسرائيل”، لجأت “طهران” إلى زيادة إنتاجها من (اليورانيوم) المخصَّب وتخزينه والتعامل بعدم شفافية بشأن برنامجها النووي مع مفتشي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”؛ عن طريق التخلص من: 27 من كاميرات المراقبة التابعة للوكالة مؤخرًا.
وفي الوقت نفسه تعمل “إيران” بسرعة على زيادة قدراتها الصاروخية والطائرات من دون طيار ونطاق أسلحتها الإلكترونية غير التقليدية. وتؤثر التحركات الأميركية الرامية إلى تعزيز التنسيق الإستراتيجي مع حلفائها الخليجيين في اللعبة الإيرانية من جهتين؛ أولهما: أنها تُعزز دور “إسرائيل” وموقعها السياسي في الخليج، وتقوي الجبهة المناهضة لـ”إيران”؛ من خلال التعاون العسكري.
ثانيهما: أنها تُمكِّن “واشنطن” على نحو فعَّال من تقليص وجودها العسكري المكثَّف في المنطقة وتحويل تركيزها الإستراتيجي شرقًا نحو: “المحيطين الهندي والهاديء”، عن طريق وجود هيكل أمني جديد يحل محلَّها بصورة جزئية ويتضمن قدرات “إسرائيل” العسكرية وإمكانياتها الاستخباراتية الهائلة.
القضية الفلسطينية..
تُضيف الكاتبة أن هذا يجعل استهداف المواقع الأميركية في المنطقة ومهاجمتها فعليًّا أمرًا صعبًا على “إيران”، وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن يوفر لـ”إسرائيل” مساحة أكبر لإنتهاج سياسات تختلف عن سياسات “واشنطن”، لا سيما من أجل اتخاذ إجراء أحادي الجانب ضد برنامج “إيران” النووي حتى إذا نجحت المساعي الرامية إلى إحياء “الاتفاق النووي”.
ولهذا السبب أصبحت “إسرائيل” حاليًا لاعبًا على الطاولة، على الرغم من أنها بعيدة عن منطقة الخليج، ليس فقط بسبب أن وجودها أصبح مضمونًا حاليًا بموجب “اتفاقيات إبراهيم”، ولكن أيضًا بسبب تركيزها الأمني على “إيران” باعتبارها التهديد الإقليمي الأكبر لها.
وعلى النقيض من اللاعبين الآخرين، نجد أن “إسرائيل” منخرطة في حرب أقل درجة مع “إيران”، ويتبين من مجموعتي المفاوضات الجارية حاليًا بين “الولايات المتحدة” والدول الخليجية أن هذه الإستراتيجية في صعود، بحسب الكاتبة.
وسيكون لهذا الأمر أيضًا آثار على “القضية الفلسطينية”، التي طُمِست جرَّاء هذا التحول الإستراتيجي في الخليج، وباتت قضية “فلسطين” مشكلة منعزلة تتعامل معها دول الخليج حاليًا على أنها مشكلة داخلية لـ”تل أبيب”. وهذا لا يعني أن المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليست مراقبة جيدًا، أو أن الصمت الخليجي في مواجهة التطورات الخطيرة، مثل القانون العراقي الجديد، يعني أنهم قَبِلوا التكتيكات الإسرائيلية.
ومع ذلك مضَتْ اللعبة قدمًا؛ إذ تنحَّت “الولايات المتحدة” جانبًا في الوقت الحالي، وهي التي اعتادت أن تتوخى الحذر من أي تهديدات ربما يتعرض لها أي من الأطراف الفاعلة؛ لأنها تحوط رهاناتها الإستراتيجية، لا سيما في حالة حدوث أي حرب محتملة في الخليج. وبدلًا عن ذلك، تُسلط الأضواء على الصفقات التي يمكن للأطراف الفاعلة من كل دول الخليج إجراؤها، سواء تحت الطاولة أو باستخدام البطاقات الرابحة التي في أيديهم، بحسب ما تختم الكاتبة مقالها.